المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنا وصديقتي البرفسورة



محمد حسن المنلا
23/04/2009, 01:10 PM
أنا وصديقتي البرفسورة

http://esyria.sy/sites/images/aleppo/literature/090185_2009_04_04_11_56_11.jpg


بقلم : محمد حسن المنلا





لسنواتِ العمر ِمدافنُ أيضاً.
تماماً كمدافن ِالمدن ِالكبيرةِ ، وإنْ كان ثمّة َفرقٌ أو اختلافٌ بينهما لابدَّ وأنهُ سيكونُ
في المعالم ِكالشاهداتِ والمقاماتِ مثلاً ، حيثُ لا معالمَ لمدافن ِسنواتِ العمر ِتدلُّ عليها،


ولا طاقاتِ وردٍ يحملهُا الأبناءُ أو الأحفادُ إليها ،وما من مراسمَ البتة َحتى الدمعُ سبّة ٌ

لمن أرادَ البكاءَ ،كذلك أعمارُ كل من ماتوا متساوية ٌفي سقفِها ومختلفة ٌما دونَ ذلك،
الجميعُ لم يبلغْ سنَّ الحلم ِ، وكُثرٌ همُ الميتونَ أجنّة ًوطريقة ُالموتِ واحدة ٌالكلُّ ماتَ قتيلاً..

أما موتى مدافن ِالمدن ِأعمارهُم متفاوتة ٌوطريقة ُموتِهم كذلك فمنهم مَنْ ماتَ بجلطةِ ظلم ٍ,
أو بحادثِ مشي ٍإلى طابور ِخبزٍٍ،أو بزكام ِخوفٍ أو برعافِ جوع ٍومنهم منْ ماتَ طفلا ً،
ومنهم من ماتَ رجلاًومنهم من ماتَ شيخا.ً

- هل زرتَ مدافنَ سنواتِ العمر ِمرةً؟

قالت هذا وعيناها مُثبتتان على جدار ِالمقهى الزجاجيِّ الشفافِ ، حيثُ يتسنى لجلساءِ
المقهى و روّادِها مراقبة ُالشارع ِدونَ عناءٍ ,وليس هذا وحسب بل يُخيلُ إليك أن بوسعِكَ
أن تمدّ يدكَ وتصافحَ المارة َدونَ أيِّ عائق ٍلولا بعضُ اللصاقاتِ التي ثبُتتْ على الزجاج
بأبعادٍ متفاوتة ٍ. وعلى كل لصاقة ٍ حكمة ٌخطّتْ عليها ومازلتُ أذكرُ بعضاًً منها : كالقناعةِ
كنزٌ لا يفنى مثلا ً أو ( من يتق ِاللهَ يجعلْ له مخرجاً ويرزقه مِن حيث ُ لا يحتسب )

فاجأتني بسؤالِها لم أكنْ أتوقعُ سؤالا ًكهذا, كذلكَ لم أجدْ سبباً لحديثِها هذا.
في البدءِ اعتقدتُ أنها قصيدة ُنثر ٍأرادتْ أن تُسمعني إياها ثم عدلتُ عن رأيي, وهاهي
الآن تسألنُي هذا السؤالَ بينما كنت ُ أبحثُ عن مناسبةٍ لكل ِما قالتهُ لكنني لم أجدْ
ما أبحثُ عنه . إننا في مقهى وكنت ُقد أحضرتُ بعضَ قصائدي لأسمِعَها إياها وأظنهُّا
فعلتْ الشيءَ ذاته لأنها قالتْ ليفي لقائِنا السابق: سأصحبُ لك آخرَ مقالةٍ كتبتهُا وبعضَ
قصائدي.

كانَ المطرُ حينذاكَ يهطلُ بغزارةٍ والمارونَ يُفرجونَ خطاهُم إلى حدِّ الهرولةِ , أحالني سؤالُها
مباشرة ًإلى الشارع حيثُ كانت تنظرُ ، لكنني لم أجدْ إجابةً, لم يكن هناك َسوىَ المطر.
لقد خلا الشارعُ تماماً من المشاة ِ ما من أحد ٍ سوى غجرية ٍكانت تستظلُّ بالشرفاتِ التي
تعلو المقهى وربما تنتظرُ توقفَ المطر لتغادِرَ المكان .

جُلتُ بنظري بعد ذلك يمنة ً ويسرة ً ثم ثبتُ عينيَّ بعينيها بعد أن نظرتْ أليَّ وكأنها
استقرأت حيرتي ، وقلتُ لها : لعل ما من شخص ٍإلا وقد زارَ هذه المدافنَ .
عزيزتي البر فسورة وعلى الأقل ِمدافنَ سنواتِ عمره هو ، وقليلٌ هم زوارُ مدافن ِ
سنواتِ أعمار ِالآخرين وإنْ حدثَ هذا لا يحدثُ إلا بينَ الأصدقاء ِ وليس جميعهم أيضاً
لكن هناكَ ما أعجَزني على أن أجدَ له إجابةًً.ً

- وما ذاكَ ؟
- إنني أتساءلُ ما هي المناسبة ُلحديثٍ كهذا,وأصدْقكِ القولَ ، كنتُ أعتقدُ أن أولَ موضوع ٍ
سيكونُ في هذا اللقاء ِهو إتمام ُ ما افترقنا عليه في لقائِنا السابق ،لكنني لا أخفيكِِ مفاجأتي
بما سمعتهُ منكِ الآن.

- أترى تلكَ الغجرية َ؟

- نعم أراها لكنْ ما الغرابة ُفي ذلكَ ؟ غجرية ٌتجلسُ على الرصيفِ,وبينَ يديها طفلٌ دثرتهُ
بأسمالِها.

- آه يا أستاذ ! ماذا لو قلتُ لك إنني أحسدُ هذه الغجرية.َ
- قلتُ مبتسماً: برفسورة تحسدُ غجرية ً!
- نعم أنا البرفسورة ُفاطمة أحسد غجرية ًقالتْ ذلك ( بتحسرٍٍبالغ ِالوضوح ِ) .

- ألأنهَّا تقومُ بما تريدُ دونَ أن تعيرَ انتباهاً لأحد ٍ؟
أم أنكِ تقصدينَ جلوسَها على الرصيفِ الذي هو مبعثٌ لإبداع ِقصيدة ٍأو مقالة ٍبالنسبةِ لك ِ!
سيدتي هذه هي الحياة ُنحنُ مثلا ً نستطيعُ الجلوسَ داخلَ المقهى وهي لا تستطيعُ فعلَ ذلكَ
وربما هي تقولُ الشيءَ ذاتهَ ُأنني أحسد ُ هؤلاء الذين يجلسونَ داخلَ المقهى. إنهم يتلذذونَ
بدفئِها غيرَ مكترثينَ ببردٍ أو مطر ٍ, ولا أخفيكِ حزني عليها.

- لقد ذهبتَ بعيداً .

- وماذا تقصدينَ ؟

- إنني أحسدُها على أن لها أسرة ًوبيتاً قالت (بحزن ٍ واضح) .

- وكيف علمتِ وكلُّ ما يحيط ُ بها يدللُ على عكس ِذلك ؟

- طفلهُا !

- ربمَّا ! لكنَّ هذا أمرٌ عاديٌ فلكلٍّ منا أسرة ٌوبيتٌ ، ثم صمتّ ُ مطرقا ً في الحقيقةِ .

إلى الآنْ وأنا لا أعلمُ عن أسرتِها شيئا ً فهلْ أخذتُها إلي موطن ِحزن ٍِ . لعلها فقدتْ
أسرَتهَا في حادثٍأليم ٍ، أو أنَّ والديها لم ينجبَا سواها ثم توفيا واحداً تلوَ الأخر ِ.
هكذا قلتُ في قرارةِ نفسي ثم أردفت:ُ
إنني آسفٌ سيدتي لابدَّ وأني قدتك إلى مدافن ِسنواتِ العمر ِمرة ًأخرى
كما ذكرتِ ,أكررُ اعتذاري وآملُ كذلكَ أنني لم أكنْ قد ذكّرتُك
بفقدِ عزيز ٍمن أبٍ أو أم ٍأو أخ ٍ.

- لا عليك َ....لا عليكَ ,فأبي وأمي ما يزالا على قيدِ الحياةِ وينعمان بصحةٍ جيدةٍ
أيضاً , وكذلك إخوتي.

- إذا ًما الذي دفعَكِ لأن تقولي ما سمعْته ! وعلامَ تحسدينها ؟ وهل تُحسدُ امرأة ٌكهذه
فإنها تستحقُ أنْ نشفقَ عليها لا أن نحسُدَها, ثم هل هناكَ مِن أسرةٍ متكاملةٍ كتلكَ التي
ذكرتِ ؟

- يا أستاذ لا يمكنُ للمرأةِ ومهما بَلغتْ من العلم ِوالمعرفةِ أن تجدَ حُريَتها إلا في بيتِ
الزوجيةِ ، حتى مع أمهَا لا يمكنُ لها أن تمارسَ حريتهَا كما ينبغي أو كما تحبُّ وترتئي
ولا يمكنُ أن يتحققَ لها ذلكَ إلا مع زوجها أعني في بيتِها هي.

- لكنُّ بيتَ الأهل ِهو بيتُها بالضرورة ِأم أنني مخطئٌ فيما قلت ؟

- كلا , لكن هل يستطيعُ الأبُ أو الأمُ أو الأخُ ومهما بلغتْ الابنة ُمن حبِّ هؤلاءِ مجتمعينَ
أن يمنحوها طفلا ً كطفل ِهذه الغجريةِ أو أن يمنحوها بيتا ً مستقلا ً مثلا ً وأطرقتْ برأسِها.

( لم أكن لأتوقعَ إجابة ًكهذه هززتُ رأسي وكأنني لأولِّ مرةٍ أعرفُ معلومة ًكتلك). ثم أرْدفتْ
قائلة ً: أتعلمُ يا أستاذ نصفُ رجل ٍبل ربعُ رجل ٍأفضلُ من شهادتي هذه التي جعلتكَ تناديني
بالبرفسورةِ أو أيِّ عمل ٍآخر ,وهذا لا يعني أنَّ العلمَ سبة ٌ أو أنالعملَ كذلك
بل على العكس تماما ً شريطة َألا يكونَ على حسابِ الأسرة ِ.

كنت أنظر إليها بحزنٍ تارة ً وبإعجابٍ تارة ً أخرى لاحَظتْ تسمُّر عينيَّ بعينيها.

- ما بكَ تنظرُ إليّ هكذا هل جانبْتَ الحقيقة َفيما قلتُ ؟

- بل ما سمعتُهُ منكِ هو عين الحقيقةِ وأتمنى أن تعدي محاضرةٍ في هذا الموضوع ِفإنه
موضوعٌ يستحقُ أن يُكتبَ عنه .

هزتْ برأسِها وقالتْ : ربّما سأفعلُ ذلكَ ذاتَ يوم ٍ.
- إنْ كانَ هذا ما يُؤرّقكِ فلماذا لا تتزوجين ؟
- قالت متأوهة:ًآه .....آه.....
- عفواً.... عفواً, هل أخطأتُ ؟هكذا قلت !
- كلا لكن لم يعدْ هذا ممكناً .
- ولماذا ؟ وأنتِ تمتلكينَ كلَّ المقوماتِ التي تُخولكِ لأنْ تفعلي ، وخصوصاً وأنتِ على هذا
القدر ِالبديع ِمن الجمال ِوالعلم.ِ
- ربما لا يعجزني أن أجدَّ رجلاً ، بل همْ كُثرٌ فأنا بالإضافةِ لما ذكرتَ ثرية ٌأيضاً
- وكماتعلم كُثرٌ هم الطامعون
لكن لم يعدْ بوسع ِهذا الرحم ِ, ثم ضربت بيدها على بطنها , وكررت :
لمْ يعدْ بوسع ِهذا الرحم ِأن يمنحني الطفلَ الذي أريدُ , لذلكَ أنا أحسدُ هذه الغجرية َ تارة ً
وأغبطها تارة ً أخرى , فأنا على أعتابِ الخمسين من عمري .

قالت هذا(بانفعال ٍ شديدٍ) وحينَ أرجعتْ يدها سحبتْ كأس الماء ِ معها
فأندلقَ على فستانِها
كذلك تساقطتْ بعضُ الأوراق ِعلى الأرض ِ
نظرتْ إليّباستحياءٍ شديدٍ ثم أطرقتْ برأسِها .

وقفتُ على أثر ِ ما حدثَ وأنا أرددُ :

- لا عليكِ ....لا عليكِ سيدتي وانحنيتُ ألملمُ الأوراقَ ثم أخذتُ بيدِها وخرجنا من المقهى .
كانت صامتة ًوهي تمشي بخطى وئيدةٍ ، بينما كنتُ أسوحُ في عوالم ٍ ما كانتْ لتخطرَ
ببالي لولا صديقتي البرفسورة .

روان أم المثنى
23/04/2009, 01:50 PM
http://img411.imageshack.us/img411/8938/65020911181141528qg8.gif



الكاتب المبدع


محمد حسن المنلا


سطور بليغة


أعجبتني مقدمتها


فكل حرف فيها وكل عبارة وضعت بميزان


لكن صديقتك البروفيسورة ليست بروفيسورة في رأيي البسيط


ما زال أمامها طريق طويل للتعلم


الهدف الأساسي من القصة لهو الأروع


تقبل احترامي لقلمك المبدع


ودمت بألق




http://img411.imageshack.us/img411/8938/65020911181141528qg8.gif

الامير الصيادي
23/04/2009, 05:47 PM
دمت رائعاً أستاذ محمد

إذا كان الأمر كما ذكرت ! فلكل ٍ منّا مدفن ٌ !
ولكنهُ مختلفٌ تماماً عن مدافن الآخرين !!!!
وهذه المفارقات التي وردت في نصّك ، ما هي إلا
نتاج ٌ من نتاجات رغباتنا !
وفي غالب الأحوال نجدنا إن حصلنا رغائبنا نلهث
وإن لم نحصلها نلهث 0

محمد حسن المنلا
24/04/2009, 08:51 PM
http://img411.imageshack.us/img411/8938/65020911181141528qg8.gif




الكاتب المبدع


محمد حسن المنلا


سطور بليغة


أعجبتني مقدمتها


فكل حرف فيها وكل عبارة وضعت بميزان


لكن صديقتك البروفيسورة ليست بروفيسورة في رأيي البسيط


ما زال أمامها طريق طويل للتعلم


الهدف الأساسي من القصة لهو الأروع


تقبل احترامي لقلمك المبدع


ودمت بألق




http://img411.imageshack.us/img411/8938/65020911181141528qg8.gif


أخت روان : فقط لانك مبدعة / قرأت بعين المبدع / فالنص أدنى مما قلت / وأنت فوق ما أقول / لك الشكر كل الشكر / والود كل الود / مع فائق التقدير والأحترام أخوك:محمد حسن المنلا

مصطفى البطران
25/04/2009, 11:00 PM
أخت روان : فقط لانك مبدعة / قرأت بعين المبدع / فالنص أدنى مما قلت / وأنت فوق ما أقول / لك الشكر كل الشكر / والود كل الود / مع فائق التقدير والأحترام أخوك:محمد حسن المنلا




ليس غريباً أن أحلق معك صديقي المبدع ولكن المدهش حقاً

أنني لم أستطع أن أحلق في أفق سمائك000

لأنني ما اعتدت أن أحلق في عوالم سحرية

تبدعها أناملك 000 شكراً لأنك ممتع في كل ما تكتب 0

مودتي 000

محمد حسن المنلا
26/04/2009, 10:57 AM
ليس غريباً أن أحلق معك صديقي المبدع ولكن المدهش حقاً


أنني لم أستطع أن أحلق في أفق سمائك000


لأنني ما اعتدت أن أحلق في عوالم سحرية


تبدعها أناملك 000 شكراً لأنك ممتع في كل ما تكتب 0


مودتي 000


لماذا لا نستطيع أن نجاريك في الرد ألانك شاعر مبدع جميل أم لانك قاص يكتب القصة المستحيلة فبمحبتي أجبني أيها الصديق

محمدذيب علي بكار
26/04/2009, 06:02 PM
الأديب القاص
تمتلك لغة مختلفة
وليس من الضرورة الكمال
دائماً هناك شيء على حساب شيء أخر
تمتلك لغة ساخرة
دمت بود
محمد

محمد حسن المنلا
26/04/2009, 11:58 PM
الأديب القاص

تمتلك لغة مختلفة
وليس من الضرورة الكمال
دائماً هناك شيء على حساب شيء أخر
تمتلك لغة ساخرة
دمت بود
محمد


أستاذ محمد :اشكرك على كل ما تقضلت , واكبر لك هذه المتابعة واثمنها , أنت مبدع ولا شك , لذلك تقرأ بعين الإبداع ........محبتي

العيسوى الصغير
27/04/2009, 02:13 AM
أخذتنا معك عبر الكلمات فتناثر الماء علىّ

محمد حسن المنلا
27/04/2009, 10:19 AM
أخذتنا معك عبر الكلمات فتناثر الماء علىّ

أستاذ عيسوي أشكر مرورك محبتي

خليد خريبش
29/04/2009, 10:24 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
كشف النص بشكل حواري عن هواجس يعيشها المبدعون،إذ أن البروفسورة في لحظة من اللحظات تمنت لو كانت مكان الغجرية التي تعيش مع ولدها فيصير المرء لا يكاد يعرف من في وضعية يحسد عليها .نقطة أخيرة هي أن محاولة المحاور سبر أغوار نفس البروفسورة لاح في النص.تحياتي الأخوية.

محمد حسن المنلا
02/05/2009, 10:10 AM
أشكر كل من مر على قصتي وعلق عليها بارك الله بكم