المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإصلاح والخوازيق في بلاد الرقيق



علي طه النوباني
10/01/2006, 05:10 PM
بقلم :علي طه النوباني
عندما يسمع عربي كلمة ورشة فإنها توحي إليه بأجواء محلات الميكانيك والنجارة بما فيها من ضوضاء وحركة ومدخلات ومخرجات ، أما الآن فقد تطور المفهوم وظهر نوع آخر من الورشات في العواصم العربية ؛ إنها ورشات العمل ذات العناوين الكبيرة المتعلقة بالإصلاح الإداري والسياسي ؛ والتي تقام في القاعات الفخمة المزودة بأحدث وسائل الراحة حسب مواصفات فنادق الخمسة نجوم .
في هذه الورشات يتم حوار الطرشان بقيادة أبطال الفساد والمحسوبية والانتهازية السياسية الذين يناسبون كل الأزمان ويتكيفون مع جميع المراحل فيهطل وابل من الشعارات والتوصيات التي يتم حفظها في أدراج مسؤولين يعتبرون الإصلاح أعدى أعدائهم ولا يفهمون من أيِّ مؤتمر أو ورشة عمل سوى أصناف الطعام والشراب التي عادةً ما تقدم في البوفيهات المفتوحة المرافقة لمثل هذه الورشات .
من هو الأبله الذي يصدق بأنه من الممكن إصلاح سجنٍ أو معتقل عريقٍ ليصير فندفاً فخماً ، ومن هو المجنون الذي يصدق بأنه من الممكن تعديل حمارٍ ليصير جرّافةً مثلاً ، ومن هو الذي يملأ عين حاكم عربيٍّ من شعبه لكي يتنازل له عن بعضِ سلطته من أجل الإصلاح والتطوير .
إنَّ شكل ممارسة السلطة في الغالبية العظمى من الأنظمة العربية مبنيٌّ على احتكار السلطة والثروة والفرص ، فالحاكم هو القادر الوحيد على العطاء والمنع والقبول والرفض والتكريم والتحقير ، والدولة إذ تقدِّم نفسها على أنها أبٌ للجميع ـ على ما في هذا المنظور من تخلف ـ فهي في الواقع تمارس دور زوج الأم الذي يسلب حقوق الصغار ثمَّ يمن عليهم بما حقق لنفسه من مجدٍ وعظمة .
لقد نجحت الأنظمة العربية في أيام الحرب الباردة في قطع الاتصال عن شعوبها بالعالم الخارجي؛ وحوصلة عقول الناس طوال عقود طويلة تماما كما تتحوصل البكتيريا في الجليد ، فتجمَّدت الأيدي على تصفيقها البائس ، أما الآن وقد انكشفت عورات هذه الدول الأشبه بالعصابات في ظلِّ عولمة شديدة الشفافية والسرعة فإنَّها تحاول أن تمرِّر على العالم أكذوبة مشاريع الإصلاح التي يتمُّ التظاهر بها حاليّاً والتي ما هي في الواقع سوى ضحك على الذقون وذرٍّ للرماد في العيون ، وأداءٌ تمثيليٌّ لا يمسُّ جوهر المشكلة ، وما الغرض منه سوى التسويف وكسب الوقت والمماطلة والمراوغة بل والحصول على مزيد من المساعدات والمنح التي لا تطال سوى أولئك الانتهازيين الذين كانوا على الدوام أبطالاً لكل المراحل... أبطالاً للتعذيب في زنازن المخابرات وأبطالاً للخطابات على منابر البرلمانات المزيَّفة ، وأبطالاً للاختلاسات العملاقة وفضائح الفساد الكبرى ، وأبطالاً للتنظير في الإصلاح والتطوير .
وعلى الرغم من أنَّ أبطال هذه المرحلة لا يمتازون بالذكاء الخارق على المستوى المهني والإداري والمعرفي ؛ إلا أنَّ احتكارهم للسلطة والثروة عبر فترة زمنية طويلة مكَّنهم من الاستفراد بالمسرح السياسي والاقتصادي في بلادنا العربية ، وأورثهم مهارة لا تطاول في انتهاز الفرص لمزيد من الفساد والتقلب في أدوار مختلفة ومواكبة متطلبات المرحلة ضمن نفس الأهداف القديمة .
ومن هنا يمكن تفسير ظاهرة التسميات المبتكرة للمناصب والوزارات التي يتمُّ استحداثها ضمن موجة الإصلاح ؛ مثل إيجاد وزارة للتنمية السياسية وأخرى لمراقبة الأداء الحكومي وأخرى لتطوير القطاع العام وأخرى للثقافة .
أيُّ تنمية سياسية هي تلك التي يمكن أن تبثَّها وزارة للتنمية السياسية دون توزيع عادل للسلطة ، ودون الخروج عن الوصاية الأبويَّة القاتلة التي تجمُّد العقل وتدمِّر الإبداع ، ودون إنهاء القبضة الحديدية للأجهزة الأمنية ليس فقط على مناحي الحياة وإنَّما أيضاً على عقول الناس وأفكارهم .
وأيُّ تنمية إداريَّة للاقتصاد يمكن بثها في حالة من احتكار الثروة وشرعنه هذا الاحتكار عن طريق عشرات من القوانين والأنظمة والمواد التشريعية التي تعمل على مركزة الثروة وحفظها في أيدي قلة من السماسرة وقطاع الطرقات . وأيُّ ثقافة هي تلك التي سيتمُّ تنشيطها وقد هاجر أكثر المثقفين العرب بسبب أجواء الحجر الثقافي والتكفير التي مورست عليهم وانكفأ الباقون على أنفسهم يحاكون الحجارة والأشجار بعد أن احتجبت عنهم وسائل الإعلام المتحجِّرة في أمراضها المزمنة ، وتصَدَّر المشهد الثقافيَّ في بلاد العرب أشباهُ المثقفين وكتابُ السلاطين ضِمن الاختلال الشامل في موازين الأمور.

وفي معمعة هذه المشاريع التي تسمّى إصلاحية يقف المواطن العربي مثل اليتيم على مائدة اللئام حيث تنفق الحكومات الرشيدة المبالغ الطائلة على ورشاتها وبوفيهاتها المفتوحة ما قد يكون كافيا لحلِّ مشكلة البطالة واستئصال الفقر من جذوره ... وفي نفس المواطن العربي حسرة ولوعة متمنِّيا لو يستطيع أن يطلق نداء للعالم بأن لا يقدِّموا أيَّ مساعدات لهذه الحكومات الفاسدة لأنَّ شيئا منها لا يطاله ولأنَّ نفس الفاسدين الذين دمَّروا الاقتصاد وخرَّبوا بيوت العباد هم الوحيدون الذين يستفيدون من هذه المساعدات .
فيا أيَّتها الدول المانحة
نشكر لكم مشاعركم النبيلة ومساعداتكم الوافرة ولكننا نرجوكم أن توقفوا هذه المساعدات لأنَّها ببساطة لا تصبُّ في جيوب الشعوب العربية المسكينة الرابضة تحت سطوة وكلائكم الذين لا يبين لخدمتهم نهاية مدَّة أو تقاعد لأنَّ كلَّ ما يصلنا من هذه المساعدات هو تشذيب جوانب الخوازيق الموجهة إلى أجسادنا وإلى أشيائنا التي نعتبرها شرفاً شخصيّا ... فهلا سمعتم .... استجيبوا بحقِّ حبطرش وكل الآلهه والملائكة والعفاريت ...

طارق شفيق حقي
17/01/2006, 04:02 PM
صدقت وكشفت وعريت كل عاري عن الضمير

بورك حرفك النير