المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ألم الوحدة ..



ريم محمد
01/03/2009, 02:32 PM
http://www.9arq3h.com/up/data/visitors/2008/03/28/storm_1465007019_607622501.jpg



حين تُظْلِم الأشياء أمامنا .. تأكد أن هناك أشياء لا تُظْلِم في دواخلنا ..
*
تناولت بيمينها .. قطعة حطب أخيرة .. بقيت وحيدة إلى جانب المدفئة .. أوسعتها نظرا .. قبل أن تلقي بها في أحضان النار الملتهبة .. تأوهت كثيرا .. و هي تميل على كرسيها القديم .. و تقبض بكفين مرتعشين على "فنجان شاي" ترتشفه بعجز .. و عيناها تجولان بصمت مقيت في حجرة تشاركها عبث الوحدة ..
"الوحدة .. ما كنت وحيدة ..!"
تبتسم و في صدرها عبرات .. لا تصمت أبدا .. و في عينيها رسم الحزن بريقا لا ينطفئ .. تنكفئ أجفانها .. لحظة .. و هي تتلمس بكفها جبينه .. الدافئ .. و تطبع قبلتها الأخيرة عليه .. قبل أن يحملوا جسده لمكان سيسكنه .. وحيدا من دونها ..
" آه .. يا حبيبي .." تقولها .. و تصمت .. و هو يمزق وحدتها ذات مساء ..
ليقول لوالدها : أريدها زوجة لي ..
مازالت تذكر والدها لما تعجب .. و صمت مبتسما ..
- سأبحث عن عمل .. و ستكون ملكة .. لا لن تكون ملكة فقط .. بل ستكون روحا أخفيها ..
- مازلت صغيرا .. يا بني .. ! و ...
يصمت الأب قاطعا .. كلمة قد تكسر شموخه ..
- فقيرا .. يتيما .. ماذا أيضا ..؟
كانت تمعن النظر من خلف الباب .. قلبها يكاد أن يقف .. تصفد العرق كاللؤلؤ من جبينها .."يا رب .." ما زالت تذكرها حينما لهجت بها ذاك المساء .. تميل على كرسيها .. و تبصره على وقع اللهب المتعالي .. حينما طرق الباب ذات ليل .. تلتفت ناحية الباب .. و تهز سرير الصغير بيدها..يدخل مخفيا شيئا خلف ظهره .. توقن أنه يخفي مفاجأة .. تبتسم فجأة .. و هي ترى بين يديه وردة ..
- جميلة جدا .. كم أحبها و ...
قبل أن تكمل .. قال ضاحكا .. و هو ينزع معطفه ليعلقه على مشجب متهالك ..
- حديقة جارنا مليئة بالورد .. ما عليّ إلا أن أقطف وردة فقط ..!
كم تشعر بالغيظ .. ترميه بها .. و تعود لتهز سرير و تغني بصوت هامس لطفلهما ..
"وردة .. لكنها ستبقى أجمل هدية .. حتى و إن كانت من حديقة جارنا العجوز "
تنهض بتثاقل .. تمعن النظر إلى النار المنبعثة من الموقد .. و تنصت إلى ريح التي تزأر خارج البيت ..
تمتلئ المساحات أمامها بالدفء .. و تتجه ناحية حجرتها .. تمر بحجرة .. تقبض على مقبض الباب .. تضغط عليه .. يئز بألم .. ترى الحجرة الساكنة في الظلمة .. تشعل الضوء .. تمسك بوشاحها جيدا .. و هي تجول فيها .. الأتربة طغت على كل شيء .. على المنضدة على الكتب .. على السرير .. النافذة بللها الغبار ..
" أين أنت ..؟"
يربت على كتفها .. تشعر به .. و بيده .. تلتفت صوبه .." لقد تركني ..و هاجر .. لقد حزم متاعه .. و تركني وحيدة .. أيرضيك ما فعله بي ..؟"
يبتسم لها .. "كلنا مهاجرون .. و حتما سيعود ابننا .. سيعود .. ليعلن لك أنه أخطأ بتركه لك .. "
- مقيت أن ترى كل من أحببتهم يفارقونك .. مقيت و مؤلم أن تبني
حلما .. يكونوا هم أضلاعه .. فتجد نفسك بلا أضلاع .. و هم قد رحلوا ..!
-عزيزتي .. مهما يكن .. فلا بقاء لأحد لأجل أحد .. الأبناء يرحلون ليبحثوا عن حياتهم لوحدهم .. نحن نرحل أيضا عن الدنيا .. إلى حياة أخرى .. كل ما علينا أن نكون مظلة منصوبة على قارعة طريق .. يستظل بنا من يستظل قبل أن يكمل مسيره ..
- الوحدة أليمة .. حينما ذهب .. رجوته أن يأخذني معه .. أن أكون خادمة .. فلن أبتئس .. مادمت أرى طفلي الكبير أمامي .. لكنه .. رفض .. و أدمى قلبي ..
تنتظر أن يرد عليها .. " أين أنت ..؟"
تتلمس كتفها .. لا أثر ليده و لا أثر لحديثه و لا أثر إلا للصمت و الصمت فقط هو ما يملأ وحدتها ..تلملم وشاحها .. قبل أن تغلق بهدوء الباب .. و تقول بصوتها الباكي " تصبح على خير يا صغيري"

أحمد غانم عبد الجليل
01/03/2009, 05:07 PM
القاصة الكريمة ريم محمد ...
بعبارات متماسكة و طريقة تناول متمكنة عالج النص آلام الوحدة لأم تتأرجح بين ذكريات متفاوتة البعد عنها, تختتم بنهاية واحدة, الرحيل و الفراق, سنة الحياة سواء بموت الزوج أو بإختيار الولد الوحيد شق سبيل حياته دون اللالتفات لما ستعانيه والدته من عزلة الشيخوخة ...
خالص تحياتي

يوسف أبوسالم
03/03/2009, 02:45 PM
http://www.9arq3h.com/up/data/visitors/2008/03/28/storm_1465007019_607622501.jpg





حين تُظْلِم الأشياء أمامنا .. تأكد أن هناك أشياء لا تُظْلِم في دواخلنا ..
*
تناولت بيمينها .. قطعة حطب أخيرة .. بقيت وحيدة إلى جانب المدفئة .. أوسعتها نظرا .. قبل أن تلقي بها في أحضان النار الملتهبة .. تأوهت كثيرا .. و هي تميل على كرسيها القديم .. و تقبض بكفين مرتعشين على "فنجان شاي" ترتشفه بعجز .. و عيناها تجولان بصمت مقيت في حجرة تشاركها عبث الوحدة ..
"الوحدة .. ما كنت وحيدة ..!"
تبتسم و في صدرها عبرات .. لا تصمت أبدا .. و في عينيها رسم الحزن بريقا لا ينطفئ .. تنكفئ أجفانها .. لحظة .. و هي تتلمس بكفها جبينه .. الدافئ .. و تطبع قبلتها الأخيرة عليه .. قبل أن يحملوا جسده لمكان سيسكنه .. وحيدا من دونها ..
" آه .. يا حبيبي .." تقولها .. و تصمت .. و هو يمزق وحدتها ذات مساء ..
ليقول لوالدها : أريدها زوجة لي ..
مازالت تذكر والدها لما تعجب .. و صمت مبتسما ..
- سأبحث عن عمل .. و ستكون ملكة .. لا لن تكون ملكة فقط .. بل ستكون روحا أخفيها ..
- مازلت صغيرا .. يا بني .. ! و ...
يصمت الأب قاطعا .. كلمة قد تكسر شموخه ..
- فقيرا .. يتيما .. ماذا أيضا ..؟
كانت تمعن النظر من خلف الباب .. قلبها يكاد أن يقف .. تصفد العرق كاللؤلؤ من جبينها .."يا رب .." ما زالت تذكرها حينما لهجت بها ذاك المساء .. تميل على كرسيها .. و تبصره على وقع اللهب المتعالي .. حينما طرق الباب ذات ليل .. تلتفت ناحية الباب .. و تهز سرير الصغير بيدها..يدخل مخفيا شيئا خلف ظهره .. توقن أنه يخفي مفاجأة .. تبتسم فجأة .. و هي ترى بين يديه وردة ..
- جميلة جدا .. كم أحبها و ...
قبل أن تكمل .. قال ضاحكا .. و هو ينزع معطفه ليعلقه على مشجب متهالك ..
- حديقة جارنا مليئة بالورد .. ما عليّ إلا أن أقطف وردة فقط ..!
كم تشعر بالغيظ .. ترميه بها .. و تعود لتهز سرير و تغني بصوت هامس لطفلهما ..
"وردة .. لكنها ستبقى أجمل هدية .. حتى و إن كانت من حديقة جارنا العجوز "
تنهض بتثاقل .. تمعن النظر إلى النار المنبعثة من الموقد .. و تنصت إلى ريح التي تزأر خارج البيت ..
تمتلئ المساحات أمامها بالدفء .. و تتجه ناحية حجرتها .. تمر بحجرة .. تقبض على مقبض الباب .. تضغط عليه .. يئز بألم .. ترى الحجرة الساكنة في الظلمة .. تشعل الضوء .. تمسك بوشاحها جيدا .. و هي تجول فيها .. الأتربة طغت على كل شيء .. على المنضدة على الكتب .. على السرير .. النافذة بللها الغبار ..
" أين أنت ..؟"
يربت على كتفها .. تشعر به .. و بيده .. تلتفت صوبه .." لقد تركني ..و هاجر .. لقد حزم متاعه .. و تركني وحيدة .. أيرضيك ما فعله بي ..؟"
يبتسم لها .. "كلنا مهاجرون .. و حتما سيعود ابننا .. سيعود .. ليعلن لك أنه أخطأ بتركه لك .. "
- مقيت أن ترى كل من أحببتهم يفارقونك .. مقيت و مؤلم أن تبني
حلما .. يكونوا هم أضلاعه .. فتجد نفسك بلا أضلاع .. و هم قد رحلوا ..!
-عزيزتي .. مهما يكن .. فلا بقاء لأحد لأجل أحد .. الأبناء يرحلون ليبحثوا عن حياتهم لوحدهم .. نحن نرحل أيضا عن الدنيا .. إلى حياة أخرى .. كل ما علينا أن نكون مظلة منصوبة على قارعة طريق .. يستظل بنا من يستظل قبل أن يكمل مسيره ..
- الوحدة أليمة .. حينما ذهب .. رجوته أن يأخذني معه .. أن أكون خادمة .. فلن أبتئس .. مادمت أرى طفلي الكبير أمامي .. لكنه .. رفض .. و أدمى قلبي ..
تنتظر أن يرد عليها .. " أين أنت ..؟"

تتلمس كتفها .. لا أثر ليده و لا أثر لحديثه و لا أثر إلا للصمت و الصمت فقط هو ما يملأ وحدتها ..تلملم وشاحها .. قبل أن تغلق بهدوء الباب .. و تقول بصوتها الباكي " تصبح على خير يا صغيري"



أهلا يا ريم
كيف حالك

قصتك هذه يقطر كل حرف فيها حزنا
بل لعلي رأيت دموعا تقطر من سردها الرقيق الحزين
ولعلنا جميعا مررنا بمثل هذه المواقف
عند فراق حبيب أو أخ أو صديق
وربما نمر بمثل حالة الوجة هذه حين نفارق مكانا
فللمكان تداعيتاته وذكرياته أبضا
ورغم ذلك
فإن أصعب أنواع الوحدة هي التي يشعر بها المرء
وهو بين أهله وفي وطنه
هنا يشعر بانعدام الوزن
أعود لقصتك
لأثني على هذا السرد المحكم واللغة المتماسكة
وتنامي الحدث مواكبا للسرد صعودا وهبوطا في نبراته تبعا لحالة البطلة النفسية
وتوظيف الفعل المضارع في السرد أعطى القصة حضورا آنيا
ولا أنسى تلك الخاتمة التي تتدفق ألما
ريم محمد
تتألأقين في كل قصة تكتبينها
زادك الله ألقا وإبداعا
لكن لا تبخلي علينا هكذا بإبداعاتك
تحياتي