د.هوب
26/02/2009, 08:07 AM
" لقاء أخير "
هز رأسه في عصبية؛ و قال في لهجة حادّة :
" يا أخي قلت لك مائة مرّة؛ أخبر سعادة المستشار أني أريد أن أقابله لأمر مهم .."
رد السكرتير ببرود مهذّب قائلا :
" لا بد من وجود معاد مسبق يا أستاذ .."
" يا أستاذي الأمر طارئ ولا بد من أن أقابله اليوم على وجه السرعة .. هذه مسألة حياة أو موت .."
السكرتير و قد على صوته :
" قلت لك لا بد من معاد مسبق؛ سيادة المستشار منشغل الآن في أمور غاية في الأهمّية؛ و لن يسمح لأحد أن يقاطعه الآن .. هل فهمت ؟؟ "
ثم بعصبية : " و الآن انصرف من هنا ... "
قال الرجل و قد بدأ الغضب يحفر ملامحه؛ و الغيظ يجثم على أنفاسه .. لكّنه أمسك بزمام أعصابه لئلا تنفلت؛ فيحدث ما لا يحدث عقباه؛ و ينتهي كل ما جاء من أجله ..
: أنا أريد فقط توقيعه على عدّة أوراق؛ و لن يأخذ هذا ثواني معدودة .. لقد مضى لي الآن أربعة شهور و أنا ألف و أدور !!
انتفض السكرتير واقفا و قد نفذ صبره و نادي بأعلي صوته على الحرّاس .. أجابه أحدهم؛ و كان ضخمَ الجثّة؛ صارمَ الملامح؛ يرتدي زيّا مميّزا لطاقم الأمن؛ و يحمل سلاحا مرخّصا ...
وقف أمام السكرتير الذي قال في صرامة حاول أن يجعلها مهذبة :
" أوصل الأستاذ إلى الخارج .. "
و هكذا؛ ململما ما تبقّي من كرامته الجريحة خرج .. آثر ألا يسبب مزيدا من المشاكل ..
... مُبلبلَ الأقكار عبر بوّابة المبنى ...
.
متحسّرا على مجهود الشهور الماضية؛ مشي بعيدا ..
ثم التفت .. ليلقى نظرة أخيرة على المبنى ...
طرأت في ذهنه فكرة ..
..
******
" نعم يا حضرة الظابط هذا ما حدث تماما .. "
تأمّل العقيد"مجدي" الجثّة الملقاة أمامه؛ وكانت لشاب في الخامسة و العشرين؛ كما تقول بطاقته الشخصية ... تأمّل بركة الدماء .. و الملاءة التي غطّت وجهه؛ و التي وضعها أحدهم على عَجَل .. و تحسّر على إقدام شاب؛ يمتلئ شبابا و حيويّة على مثل هذا العمل الأخرق ..
تقدّم من النافذة المكسورة .. و قال دون أن يلتفت ..
" تقول إنه كسر الزجاج هذا و قفز للداخل ... "
أجابه المستشار بالايجاب للمرة الثالثة و قد أصابه الضجر ..
الظابط : من كان معك في هذه الوقت .. ؟
ارتبك المستشار و تلعثم : كانت الآنسة .. آآ أقصد إحدى الحالات الإنسانية و الطارئة معي وقتها !!
الظابط في سخرية : طارئة ... آها ..
احمرّ وجه المستشار خجلا و سكت متشاغلا بمراقبة رجال المعمل الجنائي و هم يرفعون الأدلة و البصمات من الغرفة ... قال للظابط بعد برهة ..
" ألن ننتهى من هذا الأمر ؟؟ "
الظابط متجاهلا السؤال :
" و ماذا كان يريد منك ؟ "
ضحك المستشار ضحكة عصبية و قال و هو يهز كتفيه .. : لا أدرى قال إنه يسعي من شهور لمقابلتي للحصول على توقيعي على عدّة أوراق .. و أشياء من هذا القبيل ..
ثم مط شفتيه و هو يقول متصعّبا :
" لا أدري لِمَ لمْ يحدّد موعدا مسبقا مع السكرتير .. أو يخبره فقط .. أنه حالة طارئة و كنت سأقابله على الفور .. "
الظابط يهمس متهكّما : آآه حالة طارئة؛ كالتي كانت معك !! ..
المسشار : لولا يقظة الحارس؛ الذي سمع الجلبة؛ و أتى على الفور .. لكنتُ الآن في خبر كان ....
تركه الظابط يستكمل كلامه .. و تأمّل الجثّة الملقاة على الأرض؛ و قد فقدت وقود الحياة؛ الروح ..
بالأمس كان يملأ الأرض؛ طموحا و أملا في الحياة؛ و الآن هو جسم هامد؛ ينتظر من يحرّكه ..
هذا الرأس الذي اخترقته الرصاصة؛ كم من فكرة حمل ؟ و كم من ذكريات حوى ؟ و كم من ماض جميل سجّل ؟
طفولة .. شباب .. عنفوان .. أمل .. يأس .. حياة .. حب ... صداقة ...
الآن انقطع الحاضر؛ و انسحق الماضي .. و انتهى المستقبل ..
منع دمعة تحاول أن تقر بإصرار من عينيه ..
يا صديقي؛ أنت ضحّية و لست مذنبا؛
مصيبتك أنّك وُلِدت في زمن؛ يغدو فيه الذئب مؤتمَنا؛ و اللّص صدّيقا؛ و الداعر راهبا ..
آآه يا دنيا ضاعت منك الرجولة؛ و انمحت منكِ المروءة ..
آآه يا غابة؛ استأسد فيكِ ذوو النفوذ، و أولادُ الذوات .. و توارى أصحابُ الحقوق، بل أرغموا على ذلك ..
حين تُصبح البراءة و الطيبة؛ فريسة للصيّادين؛ فقل على الدنيا السلام ..
غرق في تأملاته؛ و لم يخرجه منها إلا صوت خبير الأدلّة الجنائية ..
" وجدنا هذه الورقه في جيب القتيل سيادة العقيد .."
فضّها العقيد مجدي سريعا و قرأ ما فيها ..
" زوجتي حبيبتي ..
بلغ شوقي لرؤيتك مداه .. سأنتهى خلال أيّام من أوراقي؛ ليكون سفري بعدها مباشرة .. يتبقّي لي مقابلة واحدة مع أحد المسؤولين؛ و أكون بعدها ملكك .. أتوق إلى لقائك؛ و أعد اللحظات التي تفصلني عنك .. أعدك لن تنتظري كثيرا .. أحبّك بجنون ..
ماهر"
هز رأسه في عصبية؛ و قال في لهجة حادّة :
" يا أخي قلت لك مائة مرّة؛ أخبر سعادة المستشار أني أريد أن أقابله لأمر مهم .."
رد السكرتير ببرود مهذّب قائلا :
" لا بد من وجود معاد مسبق يا أستاذ .."
" يا أستاذي الأمر طارئ ولا بد من أن أقابله اليوم على وجه السرعة .. هذه مسألة حياة أو موت .."
السكرتير و قد على صوته :
" قلت لك لا بد من معاد مسبق؛ سيادة المستشار منشغل الآن في أمور غاية في الأهمّية؛ و لن يسمح لأحد أن يقاطعه الآن .. هل فهمت ؟؟ "
ثم بعصبية : " و الآن انصرف من هنا ... "
قال الرجل و قد بدأ الغضب يحفر ملامحه؛ و الغيظ يجثم على أنفاسه .. لكّنه أمسك بزمام أعصابه لئلا تنفلت؛ فيحدث ما لا يحدث عقباه؛ و ينتهي كل ما جاء من أجله ..
: أنا أريد فقط توقيعه على عدّة أوراق؛ و لن يأخذ هذا ثواني معدودة .. لقد مضى لي الآن أربعة شهور و أنا ألف و أدور !!
انتفض السكرتير واقفا و قد نفذ صبره و نادي بأعلي صوته على الحرّاس .. أجابه أحدهم؛ و كان ضخمَ الجثّة؛ صارمَ الملامح؛ يرتدي زيّا مميّزا لطاقم الأمن؛ و يحمل سلاحا مرخّصا ...
وقف أمام السكرتير الذي قال في صرامة حاول أن يجعلها مهذبة :
" أوصل الأستاذ إلى الخارج .. "
و هكذا؛ ململما ما تبقّي من كرامته الجريحة خرج .. آثر ألا يسبب مزيدا من المشاكل ..
... مُبلبلَ الأقكار عبر بوّابة المبنى ...
.
متحسّرا على مجهود الشهور الماضية؛ مشي بعيدا ..
ثم التفت .. ليلقى نظرة أخيرة على المبنى ...
طرأت في ذهنه فكرة ..
..
******
" نعم يا حضرة الظابط هذا ما حدث تماما .. "
تأمّل العقيد"مجدي" الجثّة الملقاة أمامه؛ وكانت لشاب في الخامسة و العشرين؛ كما تقول بطاقته الشخصية ... تأمّل بركة الدماء .. و الملاءة التي غطّت وجهه؛ و التي وضعها أحدهم على عَجَل .. و تحسّر على إقدام شاب؛ يمتلئ شبابا و حيويّة على مثل هذا العمل الأخرق ..
تقدّم من النافذة المكسورة .. و قال دون أن يلتفت ..
" تقول إنه كسر الزجاج هذا و قفز للداخل ... "
أجابه المستشار بالايجاب للمرة الثالثة و قد أصابه الضجر ..
الظابط : من كان معك في هذه الوقت .. ؟
ارتبك المستشار و تلعثم : كانت الآنسة .. آآ أقصد إحدى الحالات الإنسانية و الطارئة معي وقتها !!
الظابط في سخرية : طارئة ... آها ..
احمرّ وجه المستشار خجلا و سكت متشاغلا بمراقبة رجال المعمل الجنائي و هم يرفعون الأدلة و البصمات من الغرفة ... قال للظابط بعد برهة ..
" ألن ننتهى من هذا الأمر ؟؟ "
الظابط متجاهلا السؤال :
" و ماذا كان يريد منك ؟ "
ضحك المستشار ضحكة عصبية و قال و هو يهز كتفيه .. : لا أدرى قال إنه يسعي من شهور لمقابلتي للحصول على توقيعي على عدّة أوراق .. و أشياء من هذا القبيل ..
ثم مط شفتيه و هو يقول متصعّبا :
" لا أدري لِمَ لمْ يحدّد موعدا مسبقا مع السكرتير .. أو يخبره فقط .. أنه حالة طارئة و كنت سأقابله على الفور .. "
الظابط يهمس متهكّما : آآه حالة طارئة؛ كالتي كانت معك !! ..
المسشار : لولا يقظة الحارس؛ الذي سمع الجلبة؛ و أتى على الفور .. لكنتُ الآن في خبر كان ....
تركه الظابط يستكمل كلامه .. و تأمّل الجثّة الملقاة على الأرض؛ و قد فقدت وقود الحياة؛ الروح ..
بالأمس كان يملأ الأرض؛ طموحا و أملا في الحياة؛ و الآن هو جسم هامد؛ ينتظر من يحرّكه ..
هذا الرأس الذي اخترقته الرصاصة؛ كم من فكرة حمل ؟ و كم من ذكريات حوى ؟ و كم من ماض جميل سجّل ؟
طفولة .. شباب .. عنفوان .. أمل .. يأس .. حياة .. حب ... صداقة ...
الآن انقطع الحاضر؛ و انسحق الماضي .. و انتهى المستقبل ..
منع دمعة تحاول أن تقر بإصرار من عينيه ..
يا صديقي؛ أنت ضحّية و لست مذنبا؛
مصيبتك أنّك وُلِدت في زمن؛ يغدو فيه الذئب مؤتمَنا؛ و اللّص صدّيقا؛ و الداعر راهبا ..
آآه يا دنيا ضاعت منك الرجولة؛ و انمحت منكِ المروءة ..
آآه يا غابة؛ استأسد فيكِ ذوو النفوذ، و أولادُ الذوات .. و توارى أصحابُ الحقوق، بل أرغموا على ذلك ..
حين تُصبح البراءة و الطيبة؛ فريسة للصيّادين؛ فقل على الدنيا السلام ..
غرق في تأملاته؛ و لم يخرجه منها إلا صوت خبير الأدلّة الجنائية ..
" وجدنا هذه الورقه في جيب القتيل سيادة العقيد .."
فضّها العقيد مجدي سريعا و قرأ ما فيها ..
" زوجتي حبيبتي ..
بلغ شوقي لرؤيتك مداه .. سأنتهى خلال أيّام من أوراقي؛ ليكون سفري بعدها مباشرة .. يتبقّي لي مقابلة واحدة مع أحد المسؤولين؛ و أكون بعدها ملكك .. أتوق إلى لقائك؛ و أعد اللحظات التي تفصلني عنك .. أعدك لن تنتظري كثيرا .. أحبّك بجنون ..
ماهر"