المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التذكرة ذهاب وعودة!



محمد ابراهيم سلطان
25/02/2009, 02:39 PM
التذكرة ذهاب وعودة!


على الكرسى المقابل لصفحة التلفاز المقيم فى صالة العيادة جمعت أعضائى,محاولاً إحراق الوقت ومستسلما للانتظار..لم أنس تلاوة سورة البلد وبعض الآيات والأذكار التى حثنا بها الرسول الكريم تفريجا للكرب,ختمتها بدعاء مستجاب إنشاء الله.
شق البطن وإخراج روح من روح لا جزاء له إلا الجنة,هذا ما تعلمناه فى خطبة الجمعة ومجلس جدتى .

إدعيت الإنشغال بالقنوات المختلفة حتى تخرج زوجتى بسلام من غرفة الجراحة,أعبث بجهاز التحكم الآلى,ولكن الروتين التلفزيونى رتيب وممل حتى فى عيادات الجراحة الخاصة.

تجولت فى الشرق والغرب,وأخيراً ثبت التردد على نافذة حمراء,تنزف بالطول وبالعرض,استوقفني التحذير الأحمر

( ننصح مرضى القلب والأعصاب من عدم المشاهدة)

نساء محتشدات ينددن هنا وهناك,وثمة أطفال عزل منزوعى اللحم وعظم الترقوة,واستغاثة مدوية نقشت على لافتة:
(الرافدين يا رافضون)
وأخرى تسغيث بهن:
(الفرات يا رافضات)
خفق قلبى وأحسست بماء ساخن ينز تحت إبطى,ورحت بغداد وكان الشيخ على يفتح باب غرفتى بهدوء وحقائبى المنتفخة متأهبة وقد صفت جنباً إلى جنب,سألنى وهو يكشف عن أسنان تؤكد حرصها على استعمال السواك,فأوضحت له:
ـ الكبيرة لأمى والأخرى لزوجتى وتلك الصغيرة لأصدقائى..وكل ماترى هو من خيركم شيخ على ..من خير العراق.
فربت على كتفى وقال بلهجة عراقية أحببتها مليئة بطعم دجلة:
ـ لا تقل..بل هذا تعبك ومجهودك.
ثم احتضنني ودس فى جيبى مظروف متورم به تذكرة ومبلغ من المال و أعاد:
ـ التذكرة ذهاب وعودة..لا تنسى سأنتظرك.

عشقت هناك الطعام والكتابة,ولفحات البرد على غير أوان,عشقت الزيتون ونخيل التمر,كان لزخم الحياة مذاق خاص وأنا أسير فالأسواق..آهٍ آه سأمنحك حياتى كلها لو أرجعتنى أعيش ليلة واحدة هناك يا كل عاشق لطميها..عشقت شخصية الشيخ على السهل الممتنع,ومكتبته الزاخرة بأمهات الكتب والأقلام الفاخرة,راقت لى أربع كلمات مخطوطة بيده على لافتة عتيقة برسمة كوفية,لصقها فى مقابل الباب حتى يتمكن الزائر من قرائتها
(أمى وزوجتى وبغداد والفرات)
ما فهمتها وما سألته عنها,بل كانت جميلة واعتدتها.

سقط جهاز التحكم من يدى وأنا أفكر فالكلمات و الرجل..هل انتظر عودتي طويلاً؟ ترى ماذا يفعل الآن وكيف يجاهد من أجل مكتبته والكلمات؟!سامحنى يا رجل لم أكن معك.
تتوالى الصور بأوجاع وتهدم..الشوارع رامدة بآدميين متفحمين وجثث لعذارى وأمهات,وأنات نابعة من تحت الأنقاض تعلن عن وجود أرواح وتعيب النخوة الضائعة.

غامت عينى بماء مملح به حرقة,وجف حلقى,وخرجت سيدة تفوض أمرها إلى الله وتمرغ وجهها فى صدر رضيعتها المقذوفة,والغرف المتناثرة بهمجية تنم عن وحشية بهيمية, فانطلقت منى زفرة حارة تأن بوجع فالقلب حينما رأيت وجهه الدامى يملأ العدسة,وترصده الكاميرات من كل نواحيه..صرخت بارتجاف وانتفض جسدى المرتعش وتبعثرت أعضائى:
ــ شيخ على..شيخ على.
ولكن صدره المثقوب بقذيفة الخنزير الأبيض منعه من الإجابة..احتضنته..ضممته إلى صدرى..مرغت وجهى فى شيب لحيته البيضاء وتنفسته,استحلفته أن يسامحنى ودنوت إلى رأسه أقبلها وأشم فيها أيام بغداد وامتزجت دموعى بدمه ,ونظرت إلى عينيه الدامعتين,كانت تنظرنى وشفتاه تتحركان بكلمات مكتومة لا صوت فيها, لكننى أدركتها كان يذكرنى:
ـ انتظرتك كثيرا..لا تنسى كانت التذكرة ذهاب وعودة إرجع يا بنى.
ثم أطلق شهقة اقتلعت روحى معه,ومالت رأسه إلى جهة اليمين كأنما يلقى آخر نظرة, تستقر على لافتة كانت مطروحة بجواره,مرسومة بخط كوفى:
(أمى وزوجتى وبغداد والفرات)
فسرت القشعريرة فى جسدي,واختلط دمعى ثانيةً بحروف اللافتة وأحسست باهتزازة حادة تملكتنى, ويدٍ حانية تجفف وجنتى ملطفة :
ـ لا تبكى يا ولدى زوجتك بخير..وضعت طفلة جميلة..هيا اختر لها إسماً .

فانطلقت مسرعا وقلت لها وأنا أردد:
بغدااااااااااد...
بغدااااااااااد !

عائده محمد نادر
25/02/2009, 07:46 PM
الزميل الرائع
محمد ابراهيم سلطان
قصة رائعة
تبوح بذاك الوجد لبغداد الغالية
عزيزة هي على قلوب كل العرب
ومضتك نورانية كانت ورائعة
أحسست بها كثيرا
تحياتي لك ومودتي

محمد ابراهيم سلطان
26/02/2009, 12:15 PM
الزميل الرائع
محمد ابراهيم سلطان
قصة رائعة
تبوح بذاك الوجد لبغداد الغالية
عزيزة هي على قلوب كل العرب
ومضتك نورانية كانت ورائعة
أحسست بها كثيرا
تحياتي لك ومودتي
أستاذتى الأنيقة الأسلوب دائما
من غيرك أجده
لكى أجد نفسى
بكل آيات الوداد
بكل عبق الورود
بكل الشكر و الاعتراف بالجميل
أرفع لك القبعة
تلميذك:7_5_133[1

محمدذيب علي بكار
03/03/2009, 04:58 PM
الأديب القاص والأخ المبدع
عذراً على تاخري بالرد
كنت أظن انني كتبت عنها لكن في مكان أخر
والشيخ علي بطل قصتك
ربما فارق الحياة
لكن ولادة بغداد
ربما أعادة الأمل
دمت مبدع كما أنت محمد

العيسوى الصغير
03/03/2009, 07:02 PM
الاحساس متدفق بالنص من الحرف الاول الى اللحرف الاخير

محمد ابراهيم سلطان
04/03/2009, 06:27 AM
الكاتب المميز محمد ذيب بكار
كما أحسستك بالمرة الأولى بل وزيادة
لك ودى وكل تقديرى أخى و زميلى