المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مَوعِد سري



أحمد غانم عبد الجليل
24/02/2009, 09:21 PM
مَوعِد سري ..

دخلت غرفة أطفالها, كانوا متقاربين في نومهم, و كأن أجسادهم الناعمة قد قررت الالتحام ببعضها فوق الفراش, دثرتهم ببطانية أخرى, أتت بها من غرفتها, فالبرد الليلة شديد, و الريح تعدو بلا هوادة .. نظرت متململة إلى الساعة المعلقة على حائط الصالة, الساعة لم تتعدَ الثانية عشرة بعد, و ليس أمامها أي شيء تفعله سوى المزيد من الانتظار المهلك, وقفت أمام مرآة التسريحة في غرفة النوم, تحاول أن تعيد إلى وجهها شيئا من حيويته و نضارته, ببعض ما تبقى لها من مكياج, على ضوء القنديل الخافت, سكبت عدة قطرات من زجاجة عطرٍ قديمة, كانت قد اشترتها منذ سنوات, على عنقها وأعلى صدرها, حيث يحب إسناد رأسه دوما, يداخلها إحساس قوي بأنه سوف يتمكن من الحضور هذه الليلة, بل بدت و كأنها تتنصت على صوت باب السطح و هو يفتح ببطء, أمسى لصريره وقعٌ خاص في أذنيها, خطاه المرتبكة على السلم, تردد أنفاسه اللاهثة التي يحاول كتمها لئلا تشي بسره للجدران, و لكنه عبثا يستطيع السيطرة على رعشة جسده أمامها, فتتملكها الدهشة لعدة ثوان, و كأنها تبصر رجلا غريبا عنها, يستلقي على الفراش, و يزفر أنفاسه بقوة توزع الألم في أنحاء جسمها, تقَرب القنديل من وجهه لتتبين ملامحه أكثر, هالات الإجهاد المرتسمة حول عينيه, لحيته التي لم يتسنَ له الوقت لحلاقتها, عظام وجهه البارزة, نحول جسده, و ذات ثيابه التي كان يلبسها في المرة السابقة, رغم أنها كانت قد حملَته حقيبة ثياب صغيرة عند خروجه المتسلل بنفس الطريقة التي دخل بها إلى الدار, في آخر مرة كادت تطلب منه إلا يعاود المجيء, و لكنها لم تجرؤ على ذلك, فكل شيء فيها كان يستعجل زيارته القادمة, و من قبل أن يهم بالرحيل عنها إلى المجهول, بينما بقيت هي وسط الفراش بوجه مكفهر, و عينين لا حدود لنقمة دموعهما على مدن الحب التي أبحرا إليها, فلم يجداها سوى سرابا عابثا بأمانيهما المتسللة من قبضة الحصار الخانق لكل شيء, ثم تتلفع بالبطانية, عسى أن تبعد عنها بعض الصقيع الذي سكنها على حين غرة, و يحاول أنفها أن يعثر على بعض رائحته في الفراش, تتشبث أذناها بهمس كلماته السابحة في أرجاء الغرفة و الدار, شكواه, حيرته, قلقه .. و إشتياقه, موسيقاهما التي استباحتها طبول قبائل بدائية لا تعرف غير لغة النار و الدم ..
وجوههم الممسوخة تغزو الظلمة من شتى الجهات, أصحابها المدججون بالسلاح يقتحمون عليهما الغرفة, يجرجرون جسده المتهالك و ينحروه أمامها, و يخضبون لحاهم بدمائه, ذلك الغريب عنهم .. تبقى جامدة في مكانها, لا تقوى على الإتيان بحركة سوى لملمة جسدها تحت ملاءة السرير لستره عن نظراتهم المتبجحة في ثناياه ..
أيقظها من غفوتها صخب هتافات مرعبة, تهلل لمذهب أهل الجنة الوحيد, تطغى على صوت الأعيرة النارية المنطلقة بكثافة, تتقافز قدماها الحافيتان نحو باب الدار, بالكاد تستطيع السيطرة على ارتجاف يدها حتى يتسنى لها فتحه, واجهها ضياء الفجرفي أول بزوغه و رأسه المعلقة على أحد أغصان شجرة الزيتون التي كان قد زرعها عند الباب الخارجي للدار, في السنة الأولى لزواجهما ...
......................................
14 ـ 12 ـ 2006 عَمان