طارق شفيق حقي
21/02/2009, 05:13 PM
نبذة عن حياة شيخنا الإمام شيخ الإسلام كبير أولياء العصر عبد الله سراج الدين الحسيني
بقلم: الأستاذ الدكتور نور الدين عتر
ولد سنة 1924م، في بيت علم وولاية، ورعاه والده الشيخ الإمام محمد نجيب سراج الدين.
وقد التحق بالمدرسة الشرعية (الخسروية)، ونبغ بين أقرانه، وحفظ القرآن، واشتغل بحفظ الحديث ودراسته.
وكان شيخه الشيخ محمد راغب الطباخ رحمه الله (مؤرخ حلب ومحدثها) يفخر به؛ لنبوغه بالعلم عامة، وفي الحديث خاصة.
بلغ محفوظه نحو ثمانين ألف حديث؛ من أحاديث السنة والمسند والترغيب والترهيب والتفسير وغير ذلك.
عندما وصل الشيخ السنة الأخيرة تغيرت مناهج (الخسروية)، وأُدخل عليها منهاج وزارة المعارف بكامله، وخفَّت مناهج العلوم الشرعية؛ فاعتزل الشيخ المدرسة، ولم يبال بفوات الشهادة، وعكف على علوم الشريعة بدأب عظيم وإشراف وتوجيه والده.
واعتنى عناية كبيرة بمختلف علوم الشرع وعلوم العقل واللغة حتى صار بحراً في كل علم منها، وما لبث أن طار صيته في العلوم الشرعية وخاصة علم الحديث ومصطلحه، وعُهِد إليه بالتدريس في المدارس الشرعية والشعبانية، إضافة إلى دروسه العامة في المساجد، وكانت في أصعب وقت (بعد طلوع الفجر)، أربعة دروس أسبوعياً.
اعتنى بالاتصال بالعلماء في سفرات الحج والعمرة، ورحل رحلات كثيرة إلى دمشق وحمص وحماه، وإلى بغداد، وإلى القدس، واتصل بعلمائها، وكان محط إعجابهم.
وكانت عنايته في دروسه بالعلم الشرع، والمعارف الإلهية، ومحبة النبي ، حتى صارت دروسه متميزة بذلك، واعتمد بكل ذلك على الجمع من القرآن والحديث، والتوفيق بين كلام العارفين وكلام الله ورسوله، والرد على المنكرين، حتى كانت مدينة له بإنقاذها من كل فكر متطرف شاذ.
ومن منهجه أنه يكره أشد الكره: تكفير المسلمين، أو التسرع برمي مسلم بالضلال والابتداع، وكان يقول لرجال الفكر مخالفي السنة: " نحن هنا أهل السنة ليس عندنا إشكال ضد أحد، إنما الإشكال عندكم بتكفير مَن يخالفكم بالحكم عليه بالضلال أو الفسق، فراجعوا أنفسكم".
وحفلت كتبه بالحديث عن رسول الله وبيان سيرته، وقد خصص بعض الكتب لهذا الغرض، مثل كتاب : "سيدنا محمد رسول الله "، وكتاب "الصلاة على النبي "، وكتاب "شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله".
ولا حظ فضيلته ـ أعلى الله مقامه ـ حاجة حلب لمدرسة شرعية تُخَرِّج طلاب علم أقوياء في العلوم الشرعية، ويَصلحون لإمامة المساجد والخطابة، فافتتح مدرسة الشعبانية، بدأ بذلك سنة 1960م، وكانت الفكرة مستغربة، ولكن ما لبثت أن صارت مطمحاً للعلماء في حلب وغيرها؛ فافتتحت مدارس عديدة أفادت من تجربته في مدرسته، في المعرة ودمشق، وقد تميزت مناهجها بالتكامل؛ فهي علمية شرعية، تتضمن علوم اللغة العربية، ومناهج تربوية إيمانية.
وكان عظيم الورع يحتاط من أي شبه، ولا يرضى أن يُطعن عنده في أحد.
ومن ورعه أنه لم يُعَجِّل بعملية إزالة (الفتق) لأن فيه كشف عورة، ولم يجد ما يبرر كشفها؛ لأنه قادر على التصرف بأمور من دونها، لكن لَمَّا وجد لزومها طلبها هو بنفسه، ودخل غرفة العمليات، وقَدَّر الله قَدَرَه، بحصول مضاعفات أثناء العمل الجراحي؛ وكان أمر الله مفعولاً، وليكون ذلك سبب نيله درجة الشهداء إن شاء الله، كما نال درجة كُمِّل الأوفياء.
وآخر فتوى أفتاها ، أن أحد الأطباء سأله عن معاملة المرضى، فقال له :"بر مريضك ولو كان كافراً".
ومنذ اللحظة الأولى لوفاته: انتشر الخبر في أنحاء الدنيا بسرعة عجيبة، وجاءت الاستفسارات الهاتفية عن جلية الخبر، وصُلِّي عليه صلاة الغائب في بلاد شتى، وأُقيم العزاء، وتحدَّث العلماء عن جسامة الخسارة لفقده، وعلو منـزلته، وأسماه العلماء في المدينة المنورة (الإمام في العلوم الشرعية والولي الأكبر لهذا العصر).
لقد وضع الله شيخنا الإمام: القبول في الأرض، فعلى الرغم من اعتزاله الناس منذ إحدى عشرة سنة خرجت حلب بأسرها (مليون شخص)، أو أكثر لتوديع هذا الشيخ.
ولا حظ المحللون أن نصف المشيعين سنهم من سن الخامسة والعشرين فما دون، وأنهم لم يروا الشيخ، ولم يحضروا دروسه، إنما هي المحبة أودعها الله في قلوبهم.
أيها الإخوة الأعزاء:
إن الخطب بوفاة شيخنا جليل عظيم، وإن القلب ليحزن ويُهلِع، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إمامنا لمحزونون، وإن لنا عزاءً بما خلَّف هذا الإمام من أبناءه الأفاضل الصلحاء العلماء، وتلاميذه الشيوخ الفضلاء، ولنا عزاء بكتبه القيمة التي بلغت خمسة وعشرين كتباً.
بقلم: الأستاذ الدكتور نور الدين عتر
ولد سنة 1924م، في بيت علم وولاية، ورعاه والده الشيخ الإمام محمد نجيب سراج الدين.
وقد التحق بالمدرسة الشرعية (الخسروية)، ونبغ بين أقرانه، وحفظ القرآن، واشتغل بحفظ الحديث ودراسته.
وكان شيخه الشيخ محمد راغب الطباخ رحمه الله (مؤرخ حلب ومحدثها) يفخر به؛ لنبوغه بالعلم عامة، وفي الحديث خاصة.
بلغ محفوظه نحو ثمانين ألف حديث؛ من أحاديث السنة والمسند والترغيب والترهيب والتفسير وغير ذلك.
عندما وصل الشيخ السنة الأخيرة تغيرت مناهج (الخسروية)، وأُدخل عليها منهاج وزارة المعارف بكامله، وخفَّت مناهج العلوم الشرعية؛ فاعتزل الشيخ المدرسة، ولم يبال بفوات الشهادة، وعكف على علوم الشريعة بدأب عظيم وإشراف وتوجيه والده.
واعتنى عناية كبيرة بمختلف علوم الشرع وعلوم العقل واللغة حتى صار بحراً في كل علم منها، وما لبث أن طار صيته في العلوم الشرعية وخاصة علم الحديث ومصطلحه، وعُهِد إليه بالتدريس في المدارس الشرعية والشعبانية، إضافة إلى دروسه العامة في المساجد، وكانت في أصعب وقت (بعد طلوع الفجر)، أربعة دروس أسبوعياً.
اعتنى بالاتصال بالعلماء في سفرات الحج والعمرة، ورحل رحلات كثيرة إلى دمشق وحمص وحماه، وإلى بغداد، وإلى القدس، واتصل بعلمائها، وكان محط إعجابهم.
وكانت عنايته في دروسه بالعلم الشرع، والمعارف الإلهية، ومحبة النبي ، حتى صارت دروسه متميزة بذلك، واعتمد بكل ذلك على الجمع من القرآن والحديث، والتوفيق بين كلام العارفين وكلام الله ورسوله، والرد على المنكرين، حتى كانت مدينة له بإنقاذها من كل فكر متطرف شاذ.
ومن منهجه أنه يكره أشد الكره: تكفير المسلمين، أو التسرع برمي مسلم بالضلال والابتداع، وكان يقول لرجال الفكر مخالفي السنة: " نحن هنا أهل السنة ليس عندنا إشكال ضد أحد، إنما الإشكال عندكم بتكفير مَن يخالفكم بالحكم عليه بالضلال أو الفسق، فراجعوا أنفسكم".
وحفلت كتبه بالحديث عن رسول الله وبيان سيرته، وقد خصص بعض الكتب لهذا الغرض، مثل كتاب : "سيدنا محمد رسول الله "، وكتاب "الصلاة على النبي "، وكتاب "شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله".
ولا حظ فضيلته ـ أعلى الله مقامه ـ حاجة حلب لمدرسة شرعية تُخَرِّج طلاب علم أقوياء في العلوم الشرعية، ويَصلحون لإمامة المساجد والخطابة، فافتتح مدرسة الشعبانية، بدأ بذلك سنة 1960م، وكانت الفكرة مستغربة، ولكن ما لبثت أن صارت مطمحاً للعلماء في حلب وغيرها؛ فافتتحت مدارس عديدة أفادت من تجربته في مدرسته، في المعرة ودمشق، وقد تميزت مناهجها بالتكامل؛ فهي علمية شرعية، تتضمن علوم اللغة العربية، ومناهج تربوية إيمانية.
وكان عظيم الورع يحتاط من أي شبه، ولا يرضى أن يُطعن عنده في أحد.
ومن ورعه أنه لم يُعَجِّل بعملية إزالة (الفتق) لأن فيه كشف عورة، ولم يجد ما يبرر كشفها؛ لأنه قادر على التصرف بأمور من دونها، لكن لَمَّا وجد لزومها طلبها هو بنفسه، ودخل غرفة العمليات، وقَدَّر الله قَدَرَه، بحصول مضاعفات أثناء العمل الجراحي؛ وكان أمر الله مفعولاً، وليكون ذلك سبب نيله درجة الشهداء إن شاء الله، كما نال درجة كُمِّل الأوفياء.
وآخر فتوى أفتاها ، أن أحد الأطباء سأله عن معاملة المرضى، فقال له :"بر مريضك ولو كان كافراً".
ومنذ اللحظة الأولى لوفاته: انتشر الخبر في أنحاء الدنيا بسرعة عجيبة، وجاءت الاستفسارات الهاتفية عن جلية الخبر، وصُلِّي عليه صلاة الغائب في بلاد شتى، وأُقيم العزاء، وتحدَّث العلماء عن جسامة الخسارة لفقده، وعلو منـزلته، وأسماه العلماء في المدينة المنورة (الإمام في العلوم الشرعية والولي الأكبر لهذا العصر).
لقد وضع الله شيخنا الإمام: القبول في الأرض، فعلى الرغم من اعتزاله الناس منذ إحدى عشرة سنة خرجت حلب بأسرها (مليون شخص)، أو أكثر لتوديع هذا الشيخ.
ولا حظ المحللون أن نصف المشيعين سنهم من سن الخامسة والعشرين فما دون، وأنهم لم يروا الشيخ، ولم يحضروا دروسه، إنما هي المحبة أودعها الله في قلوبهم.
أيها الإخوة الأعزاء:
إن الخطب بوفاة شيخنا جليل عظيم، وإن القلب ليحزن ويُهلِع، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إمامنا لمحزونون، وإن لنا عزاءً بما خلَّف هذا الإمام من أبناءه الأفاضل الصلحاء العلماء، وتلاميذه الشيوخ الفضلاء، ولنا عزاء بكتبه القيمة التي بلغت خمسة وعشرين كتباً.