المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العراق مابين الكان واليكون / كتاب في حلقات ..



محمد حسين
09/02/2009, 07:43 AM
العراق مابين الكان واليكون / كتاب في حلقات .. 8-9-10


أما أحد وجهاء بغداد آنذاك وهو سليمان فيضي يقول للمس بـل الجاسوسة البريطانية محذرا أيـّاها فيقول :- (( أنتم لايمكن أن تتركوا الأمور تجري على هذا المنوال الذي تجري عليه الأن ، فأن الهياج قد وصل الى درجة الخطر وأنا أخشى كثيرا من وقوع أضطراب علني ليس في بغداد وحدها ... بل ربما في الألوية ، لأن العشائر كلها قد تأثرت به ،

وأني أرغب كل الرغبة في تجنب ذلك من أجل مصلحتنا ومصلحتكم معا ))
أما عبد الرحمن النقيب فكان يصرّح جازما في أحاديثه الخاصة مع الحكام السياسيين ... بأنه ضد تعيين أمير على رأس الحكومة في العراق على أساس أن البلاد لم تكن على درجة من النضوج تؤهلها لأيّ نوع من أنواع الحكم العربي ، ولذا فأنه كان يدعوا الى أستمرار الأدارة البريطانية التي يتحتم عليها أن تتعاون مع الشعب ، مثلما كان يؤكد على الحاجة الى وجود الحاميات البريطانية في العراق من أجل المحافظة على السلم ، كما انه كان اولا واخيرا يعرب عن تعجبه وأسفه لأستفتاء الرأي العام عن مستقبل العراق .

هكذا تكتب ((مس بل)) عن عبد الرحمن ... نقيب بغداد وتروي عن لسانه أيضا ( كنا في غنى عن حماقة أستفتاء الناس عن رأيهم في مستقبل العراق ، حيث أن ذلك كان سببا للأضطراب والقلق ولم تخمد نار الفتنة في المدينة بعد ، أن ألأنجليز فتحوا هذه البلاد وبذلوا ثروتهم من أجلها كما أراقوا دمائهم في تربتها ولذا فلا بد لهم من التمتع بما فازوا به ) .

وكما يوجه النقيب خطابه اليها ليقول :-
أن أمتكم أمة عظيمة وثرية وقوية فاين قوتنا نحن ؟ وأنا إذ أقول هذا راغبا في أن يدوم حكم الأنجليز علينا ، كما إنني أعترف بأنتصاركم ، وأنتم الحكام ولأنا المحكوم ! وعندما اُسـأل عن رأيي في أستمرارالحكم البريطاني ... أجيب بأنني من رعايا المنتصر ، ويضيف النقيب :- لقد مات الأتراك اليوم ، وتلاشوا ، وأنا راض ٍ بأن أكون من رعاياكم ! ويلتفت أخيرا الى زائرته الجاسوسة البريطانية ليقول :-

مايجب عليك أن تقولين في لندن هو أننا نرغب في أن يحكمنا السر برسي كوكس ! وأن معظم الذين تكلموا ضدكم هم رجال لاسمعة لهم ولاشرف ولا يمتون الى أشراف البلدة بصلة ولكني أقول لكي أن تكوني حذرة من الشيعة .( المصدر كتاب حركة رشيد عالي الكيلاني للمؤلف أسماعيل أحمد باقي) .

كانت تلك الشهادات مجرد عينات صغيرة من آراء ومواقف الطبقة الأقطاعية أو الأرستقراطية المنعزلة تماما عن مواقف الشعب المشرّفة ، أما جماهير الأمة بأجمعها عربا وأكرادا وتركمانا وآشوريين كلدان وباقي الاقليات من حملة الأديان أو المعتقدات المتنوعة التي يتجمـّـل بها العراق كانوا يسيرون خلف العلماء والمفكرين الاحرار ومن العلمانيين الذين لم يبيعوا ضمائرهم للمحتل مقابل الاموال أو المناصب في الحكومة ن فلقد حاولت بريطانيا ولمرات عديدة أن تشتري ضمائر الشرفاء ولكن والحمد لله بائت بالفشل الذريع .

وفي نفس الوقت الذي كانت قوات الأحتلال تتوجه لشراء الضمائر فتفشل كانت تتجه الى عامة الناس فتمارس ضدها سياسات من عدة بنود :- فالأغراء بالأنتعاش الأقتصادي وزيادة الأجور والتضليل بالحضارة الغربية والتقدم من ناحية والأفساد بالملاهي والحانات وصالات العرض الخليعة وإثارة الخلافات القومية والقبلية والدينية بين السنة والشيعة والمسيح واليهود والعرب والفرس والكرد والتركمان ومختلف أطياف المجتمع العراقي الأخرى ، في محاولة منها لتمزيق كلمة الشعب وتخديره وتضليله وقتل الروح الوطنية فيه ، ومن أجل توطيد أركان الأستعمار والأحتفاظ بالعراق الى الأبــد .

وقد نجحت بريطانيا في سياساتها تلك نجاحا لابأس به إذ إستطاعت أن تضعف الروح الوطنية والثورية بشكل عام ، مثلما إستطاعت من أن تعزل قطاعات كبيرة من أبناء الشعب العراقي عن المشاركة في الثورة الأكيدة ، مثلما تمكنت من إضعاف سلطة العلماء والمفكرين الأحرار و الشرفاء من أبناء العراق وأبعدتهم نوعا ما عن الأتصال بالأمة .........
كما يعلم الجميع،
لم يكن العراق البلد الوحيد أو الأول الذي وقع فريسة للأستعمار الأجنبي أو الغربي وكما إنه لم يكن الأخير، فالاستعمار لم يكن وحده العلة الاولى لكل المآسي والويلات التي جرت على الشعوب العربيه ومنها العراق، لأن الأستعمار جاء نتيجة للاوضاع السياسية والأجتماعية التي تكرست لعدة قرون أبان توقف المد الحضاري على بلداننا وشعوبنا لأسباب متباينة، ونتيجة لذلك فقد إختل التوازن الحضاري مابين الغرب والشرق، فجائت الحصيلة سيطرة قوى الغرب على الشرق .


ولكي نعرف طرق واساليب مقاومة الشرق للغرب، يجب علينا أن نتعرف على هوية الهجوم الحضاري الغربي، لأن لكل مقاومة حضارية شرقية طرق تتناسب من حجم وأسلوب التحدي الحضاري الآخر حسب الأزمنة التي تمر عليها، وبأختصار نستعرض عدة حقائق أساسيّة في المواجهة الحضارية بين الشرق والغرب لكي يتضح لنا وبشكل كامل موقع الصراع الذي قام ولايزال حول العراق.


الحقيقة هي إن الصراع بين الشرق والغرب قديم وذو جذور تاريخية طويلة تمتد الى آلاف السنين، فقد كانت الحروب بين القارتين مستمرة لمدة 37 قرنا من الزمان، وهذا الصراع كان مابين الحضارة الفارسية والحضارة الرومانية، ففي عهد الأسكندر المقدوني تم إجتياح مركز الأمبراطورية الفارسية ودمرها تدميرا، وخلال أكثر من ألف عام لم تقم للغرب أية حضارة فتية أو قوية بسبب الحضارة الأسلامية التي إجتاحت معظم بقاع الأرض فدمرت أو حاصرت القوى الغربية فتلقوا في تلك الفترات الهزائم المتتالية والواحدة تلوه الأخرى، فمرة على يد العرب وأخرى على يد الأتراك .


بينما تلقى المسلمون أضخم الضربات من الغرب في عهد الحملات الصليبية وعلى التحديد في أسبانيا والبرتغال، ولكن لم يختل التوازن الحضاري بين القارتين إلاّ بعد عدة قرون .


وقد كان تفوق قوى الشرق على الغرب واضح ولفترات طويلة من الزمن رغم الحروب التي شنوها على العالم الأسلامي، فمنذ ظهور الأسلام كان المسلمون من أحدى القوى الكبرى على وجه الأرض ... ألى أن جاء المستعمرون في إيران القاجارية أو في المناطق التي كان يحكمها سلاطين آل عثمان .


ولكي يتمكن الشعب من كشف حقيقة حكامه كان عليه أن يصطدم به في معارك مريرة حتى يرى من خلالها هويتهم الحقيقية الموالية للمستعمر، لأن الحكومات المستبدة والجائرة وبـما تملكه من قوة المال وقوة وسائل الأعلام والدعاية المغرضة والتزييف تستطيع أن تخنق أصوات الأحرار وتطوّق حكمها بستار كاذب من شعار الوطنية والقداسة والأخلاص للشعب .


وهكذا ولفترات طويلة من الزمن إستطاع الحكام والسلاطين الظلمة وبطرقهم الملتوية أن يحجبوا الحقائق عن الشعب ويفرضوا على الناس سياساتهم المقيتة، الأمر الذي كان يمنع الشعوب من فهم الحقائق الكامنة وراء الستار ومن ثم يمنع قيام ثورة شعبية ضدها. وربما كان الجهل والأمية هي أحد أكبر الأسباب التي أدت بالنهاية الى هذا الركود العام في أنحاء البلاد آنذاك



عندما جاءت الهجمة الأستعمارية على البلاد ظهرعجز السلطة الحاكمة عن مقاومتها، وذلك بتخلفها وتآمرها الواضح ضد الشعب المغلوب على أمره،

ولهذه الاسباب وتلك التي ذكرناها سابقا دخل الأستعمار الأوربي أو البريطاني الى العراق، فكان الحاكم التركي يترك البلاد مفتوحة أمام المستعمر، وبه يسلـَّم الشعب الفقير الأعزل الى جيش العدو المدرّب والقوي، ونادرا ماكانت جيوش الأتراك تحارب جيوش المستعمر الفاتح، بـل كانت غالبا تسلمهم البلاد من دون قتال .

ولم يكن أمام الشعب آنذاك إلاّ أن يبدي مقاومته البدائية أمام جيوش المستعمر الجبارة، وكيف يستطيع شعب مستعبد ولقرون من الزمان لايملك من أمره شىء أن يقف بوجه المستعمر الغازي المؤجج بالعدة والعتاد وأمام قوة غازية كقوة الغرب .

فلقد كان الحكم التركي يترك الشعب بدون سلاح أو مال ناهيك عن المؤسسات الاجتماعية او المحلية، فكان العراقييون الشرفاء الأحرار يواجهون الأتراك الى جانب مواجهتهم للمستعمر الغازي، ومع كل تلك المحن والمآسي التي جرت على الشعب العراقي، ورغم خيانات حلفاء المستعمر لم يستسلم الشعب الى قوات المستعمر بل ظل يقاومه بما يمتلك من قوة وبأس ...

وبعد الهزيمة رفض شعبنا الأبي كل أنواع التعاون مع المستعمر الغازي للعراق . والجدير بالذكر فأن الفرنسيين لاقوا مقاومة عنيدة وشرسة من قبل أبناء الجزائر ومراكش وهكذا هو الحال بالنسبة للأيطاليين في ليبيا، فما أن دخلوا المستعمرين الى البلاد فأنهم لم يروا من الشعوب إلاّ المقاطعة والتنظيم السري للمقاومة ضدهم من أجل نيل حريتهم والوصول الى تحقيق هدفهم بالأستقلال .

وهكذا الحال كان ساريا ليس على شعوب المغرب العربي فحسب بل في المشرق العربي أيضا كما حصل في سوريا وأيران وأفغانستان والهند . ففي مثل هذه المواقف ينكشف زيف الحكام فيتعرض وجهاء السلطة للخطر، فينهزم الملوك والزعماء من قصورهم التي بنوها للأبد ويسقط عن رؤوسهم تاج المملكة فلاصولجان ولاجلاد في البلاط .

فهنا تظهر جليا هوية الشعوب وبها يستيقظ الضمير الحي، فينتفض بعد إنكشاف واقع الحكام وعجزهم عن ردّ الأخطار عن الوطن، وحينئذ لايبقى أمام الزعماء المزيفين سوى طريق الهرب أو اللجوء الى صف الغزاة المغتصبين، ولا يبقى أمام الشعب إلاّ اللجوء الى زعمائه الحقيقيين من العلماء والمفكرين وبمختلف مشاربهم وأديانهم وقومياتهم .

وخلاصة القول :- إنه وفي اللحظات الحرجة والحاسمة من تأريخ الشعوب تظهر الهوية الحقيقية للأمة، مثلما يبرز الزعماء الحقيقيون والشرفاء الذين يثقون بقوى الشعب والشعب منهم في ثقة، فيرفعون علم التحدي ضد المستعمر الغازي، وقد ظهرت هذه الحقيقة عندما بدأ الهجوم الأمبريالي لإستعمار البلاد العربية فتجلت هذه الحقيقة في ثلاثة مظاهر هي :-
أولاً :- إنبعاث روح الاديان في ضمير الامة من جديد باعتبارها اساس هوية وتاريخ وثقافة الملل، وأمام هذا الانبعاث الثقافي للاديان انهزم كل ماهو خاضع مستسلم في قصور السلاطين .

ثانياً :- بروز قيادات شعبية وفكرية لمختلف الانتماءات باعتبارهم الممثلين الحقيقيين لثقافة الشعوب، وبالمقابل إندحرت زعامة السلاطين والملوك الذين كانوا يحكمون الشعوب بالحديد والنار وبقهر الاجهزة البوليسية .

ثالثاً :- إلتحاق وعّاض السلاطين وأقلامهم بأسيادهم الخونة وانسحابهم عن الساحة بعد خيانتهم للامة وبروز دور روّاد الحرية والعدالة والمفكرين المرتبطين بجذورهم الشعبية القوية .
............... / يـــتـــــبـــــــــــــ ع

مــحــمــد حــســيــن
مدير مركز الإعلام العراقي – سيدني
imcsydney@yahoo.com
مشرف عام موقع شبكة إعمار العراق
www.iraq2003.com