المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أوفاما وسيناريو القوادة السياسية



محمد محمد البقاش
22/01/2009, 09:51 PM
أوفاما وسيناريو القوادة السياسية
=================

بدأ الاعتداء على شعب غزة وأوفاما رئيس متوج للولايات المتحدة الأمريكية يشاهد المذابح والمجازر ولا يبالي، يمارس السباحة والرياضة ولا ينبس ببنت شفة تجاه ما يجرى حتى يوم تنصيبه.
كان بإمكان الذئب الذي ارتدى جلد الحَمَل أن يتكلم، ولو تكلم فكلامه مسموع لأنه الرئيس المتوج لا يحتاج إلا إلى أداء اليمين الدستورية في موعدها، بل إن أمر فسيطاع ولا شك، أي إن ضغط على إسرائيل أو منعها من الاعتداء فستذعن لأن إسرائيل لا يمكن أن تجازف بأربع سنوات من حكمه، لا يمكنها إلا أن تراعي دعمه وتأييده لها في هذه المدة، وبما أنه لم يفعل، وبما أنه لم يختر إلا خيار القتل كسلفه، فهو شريك قد افتتح عهده بالمذابح ولا غرابة، وسيكون جزارا أفظع بمنح السكين للعرب ليذبحوا بعضهم بعضا بأمره وتدبيره.
وفي يوم السبت 17 يناير 2009 أعلنت إسرائيل وقف إطلاق النار على غزة من جانب واحد، وأُعلن من طرف ألمرت أن سريان وقف إطلاق النار أحادي الجانب سيدخل حيز التنفيذ بعد سويعات، ودقت ساعة الموعد في الثانية عشرة ليلا بتوقيت غرينتش، ولكن إسرائيل لم تلتزم بما وعدت به، ولست أذكر هذا بغية الذهاب إلى تحليل نفسية اليهود السادية ومعرفة علة مخالفتهم للوعد، لا، فهم بقيم مناقضة لتلك التي يتبناها الناس، فلا عهد لهم ولا أمان، فهم وكل من ساعدهم لا يرقبون فينا إلاًّ ولا ذمة، هم أئمة الغدر وصانعوا الحروب بالدسيسة والخداع، ومن يرد أن يعرف حقيقتهم يقينا فليذهب إلى القرآن الكريم، ولكن أسوق ما ذكر لمناقشة ما وراء الإعلان أو ما بعده.
فقد أعلن المذيع السياسي لقناة الخزي والعار بصوته الجهوري قبل انتهاء اجتماع حكومة ألمرت المصغرة (حكومة الحرب) قائلا: ''على إسرائيل أن تعلن وقف إطلاق النار فورا''، وسُمعت تصريحات لمثْليين سياسيين يسوِّقون لمبارك قدرته وحكمته وقوته في الضغط على إسرائيل، وأنه الوحيد القادر على حمل إسرائيل على ما يريد، فهي لا تخاف العرب كل العرب، ولكنها تخاف مبارك، وللعلم فقط فقد تذاكر الساسة الإسرائيليون بعد ظهور انقسامات داخل الحكومة الإسرائيلية وفي الصحافة وظهور عجز الآلة العسكرية على هزم المقاومة بالرغم من القتل الهمجي واستعمال السلاح المحرم دوليا، أقول: تذاكروا في شأن وقف إطلاق النار وحددوا يوم اجتماعهم لذلك الغرض؛ الشيء الذي يعتبر ما قيل بشأن المذيع السياسي مجرد كلام تسويقي لا يرقى إلى مستوى ذكاء المنافقين حتى يمرر ويقبل، ثم إن ما تم تسويقه لم يحظ باحترام إسرائيل، فقد كان يمكن قبول الإطراء والثناء على بطل قصة: غزة والرئيس الوقح المنشورة إلكترونيا في عدة منتديات عربية كشبكة طنجة والمربد والجود وغيرها لو أن إسرائيل التزمت بوقف إطلاق النار حفاظا على شريكها الذي امتدحته وامتدحت دوره هي والولايات المتحدة الأمريكية في معبر رفح بحيث ضَبط كل شيء ومنع حتى الغذاء والدواء والأطباء من العبور إلى غزة لمساعدة إخوانهم في شماتة لا يقبل بها أخسّ الأخِسَّة من الشّمّاتين، وأنا هنا لا أدين مبارك لأن إدانته صبيانية سياسية، فهو لا يستحق الإدانة لأنه ليس جزءا من أمتنا، ولا هو جزء من شعب مصر، فهو أجير لدى إسرائيل وموظف لدى البيت الأبيض يشبه القتلة الجزائيين لإخوانهم المقاومين للاستعمار الفرنسي الذين ما إن طرد الاستعمار الفرنسي من الجزائر حتى رحلوا معه، وبقي منهم في الجزائر من بقي ليذبحوا، لا أدينه، بل أحب لفت النظر إلى ما يلي:
استهداف المقاومة وحماس وشركائها والعاملين في حقل الجهاد والنضال والدفاع عن الكرامة والعزة والحقوق والشعب بالتصفية الجسدية ومنعها من الحصول على السلاح هو الهدف الأسمى.
القضاء على حماس اختيار في محله لأنها هي الأقوى في غزة، فإذا قضي عليها سهل القضاء على غيرها من فصائل المقاومة، ولكنه إن حصل، وهو ما لم يحصل، ولن يحصل، فإن المقاومة والجهاد ورفض الخنوع والذل فكرة قبل أن تكون عملا بالجوارح، أي تبدأ فكرة قبل أن تكون اندفاعا للقتال والاستشهاد والتصدي والمقاومة، وعليه فالفكرة حية في أهل غزة، وحية في كل المسلمين وأحرار العالم الذين يرفضون الظلم والطغيان، وقد باتت ورقة الإرهاب .
وبما أن المقاومة لم تهزم على أرض الواقع رغم الفرق الشاسع بينها وبين الجيش النظامي الذي قاتلته ببسالة، فإن الواقع لم يتغير إلى ما كانت تتصور إسرائيل ومعها أمريكا وبعض العرب والغرب، وعليه فقد فرضت المقاومة واقعا جديدا لا بد من التعامل معه، ولا بد من حسابه حسابا يليق بأثره على الواقع، فكان للحرب وجهها السياسي الذي بدأ بتحركات أوروبية فرنسية وألمانية وإيطالية يشارك فيها الأمين العام للأمم المتحدة في شرم الشيخ للتباحث في شأن غزة..
سيفرض الواقع الجديد نفسه على باراك أوفاما وسيعمد مع طاقمه على وضع مخطط جديد للتعامل مع المقاومة، وسيقصي فرنسا وألمانيا لكي لا تخذلانه، فهو لا يحتاج إلى مساعدة لتحريك دُماه، لأن هناك من سيساعده عمليا باستسلامه وانبطاحه وقوادته السياسية، ولن يجني هذا المنبطح وذاك المستسلم من مساعدته لأمريكا إلا كلمة الرضا تقال له، أو الثناء عليه عند كلمة متلفزة، أو في تصريح سياسي مع استمراره حانوتيا في حانوته، وإن كان ولا بد فلا بأس من استخلافه بحانوتي آخر سيكون ابنه، ولكنه في آخر المطاف هو وخليفته إلى مزبلة التاريخ..
اللاعبون في المشهد السياسي القادم ليسوا جددا، بل هم قدامى، ولكن الإدارة الأمريكية لم تخترهم لدور لا ترشحه، وهم يمثلون الوجه الثاني للعملة المزيفة، ولكنها ستعمد إلى تسخيرهم وعينها على المقاومة دائما، واللاعبون هم سوريا ومصر.
ستعمد أمريكا إلى حل مشكل الجولان على مسار واحد ولن تجمع بين مسارين اثنين كما فعلت إدارة بوش الغبي. وفي إدارة أوفاما بقايا بوش، أي بقايا من رسموا سياسة أمريكا وشاهدوا إخفاقها، وعليه فالتوجه سيكون نحو سوريا ليس لحل مشكلة غزة أو الضفة أو السير في العملية السلمية بالمعنى الصحيح للسير، لا، بل سيركز على سوريا بغية عزلها، ولهم في كمبد ديفيد خير مثال، فسوريا تمسك بخيط المقاومة في جنوب لبنان وفي غزة، وإذا انقطع ذلك الخيط تبعثر العقد، فقيادة المقاومة الحمساوية والجهاد مثلا لا يعيان على حقيقة النظام السوري، وليتهما يراجعان التاريخ ليس للبناء عليه، لا، فالقياس لا يدخل السياسة، لأن لكل حدث ظروفه الخاصة به، بل للاستئناس، المهم أن يعيان على الورقة السياسية الأمريكية الأخرى، فلن يكون بشار مخالفا لوالده الذي ساهم مع مصر وكثير من الدول العربية في حصار العراقيين وتجويعهم، بل والمشاركة في قتلهم في بداية التسعينات من القرن الماضي.
ونفس الذي كانت تُصنَّف دولته ضمن الدول الراعية للإرهاب الذي تأسس على خلفية التمثيلية البليدة والمفضوحة في إسقاط برجي مركز التجارة العالمية سنة 2001 بيد أمريكية وقحة، والذي بات أغنية بالية وسيمفونية مقيتة تتأذى لها آذان أحرار العالم، وبعد وفاة والده، التقت بخليفته الذي غير الدستور وحول الجمهورية إلى ملكية يسمى ملكها رئيسا، هذا الرجل عند جنازة والده التقت به رأسا لرأس سحلية الكمودور أُلْبرايْتْ وزيرة خارجية أمريكا قبل كولين باول في مطار دمشق، ثم رحلت راضية لتتفرج على التحول الجديد في سوريا التي استنبتت رئيسا جديدا هو الابن للأسد، ويعني ذلك في منطق السياسة؛ التفاهم، وهو ما لا يزال قائما إلى الآن، ولكن أمريكا تدير ظهرها أحيانا لمن تفاهمت معهم على أن تظل ماسكة بالخيط الذي يربطهم ويربط غيرهم بها، هذا الرجل لا يُؤْمَن جانبه، وكونه لا يؤمن جانبه فلا يعني ذلك أننا بصدد بحث الأخلاق، لا، فهو على استعداد للتخلي عن مساندة المقاومة، بل وعلى استعداد لخذلانها، وربما تسليمها، ولم لا؟ فالمقاومة العراقية خفتت بسببه، ولا أستثني إيران غير أنني أعتبرها جزءا من المشروع الأمريكي في العراق والمنطقة، فكم مجاهدين رغبوا في قتال الأمريكان في العراق غض الطرف عنهم النظام السوري فدخلوا، وكم مجاهدين ألقي القبض عليهم وتم سجنهم، ومنهم من تم تسليمهم إلى دولهم ليعذبوا فيها وليحاكموا من مغاربة وسعوديين وغيرهم، إنه يحيا بالمقاومة، ويعرف أنه قد كان مستهدفا بالشرق الأوسط الجديد، ولكنه الآن في طمأنينة، لأن الشرق الأوسط الجديد ازداد ميتا، وأنى لغبي مثل بوش أن يوفق في الوصول إليه، وعليه فهو ورقة ضغط لا يوجد غيرها، فقد أضحى بانتصار المقاومة في غزة أهم من مبارك في العملية السلمية، وعليه فستعمد الإدارة الأمريكية للتعامل معه على تسوية قد توصله إلى تسلم الجولان بعملية سلمية، أو بعملية حربية محدودة ينتصر فيها نصرا سينمائيا على إسرائيل، ثم يتلو ذلك تحرير مزارع شبعة وكل شبر مما أريد له نزعه من قبضة إسرائيل، وعندها لن يبقى للمقاومة اللبنانية حجة للاحتفاظ بأسلحتها، وإذا لم تسلم أسلحتها فالجيش السوري كفيل بإنهائها بالحصار والقتال، ولن يأسف النظام السوري عليها، ولن يندم على علاقته بإيران إذا أريد لها أن تبث الحياة في حزب الله، لأنهما ينهلان من كأس واحدة.
وتبقى غزة وحيدة بمقاومتها في البلاد العربية، ثم يلتفت إليها بوجه جديد يكشر صاحبه عن أنيابه فيعتقل قيادة حماس والجهاد وغيرها إذا لم يفهموا مصير الحرب، أو مصير العملية السلمية مع سوريا، وإذا فهموها فما عليهم إلا الذهاب إلى غزة ذاتها أو أفغانستان وسيخطئون خطأ الموت إن هم ذهبوا إلى السودان أو أي بلد عربي.
بهذا السيناريو تبقى إسرائيل على موقفها من المقاومة، وعليه فستنيب أمريكا عنها من يقوم بدور تصفية المقاومة كما يفترض أن يكون قد حصل في لبنان، فإن كان الاختيار سياسيا، فهو إسرائيلي أمريكي يلقم به عباس والمنتفعون معه، وإن لم يكن استُعْملت مصر للقيام بالدور الوقح، ولا غرابة فهي لا تقوم به منذ كمبد ديفيد المشئومة فقط، بل منذ بدء ثورة 23 يوليو الأمريكية التي منعت العرب من التحرر وقد كانوا عقب الحرب العظمى الثانية على وشك التحرر؛ وإلى يومنا هذا.
سيقوم الجيش المصري نيابة عن إسرائيل وأمريكا والعرب بمقاتلة المقاومة في غزة، ولن يكترث مبارك لضحايا كلا الطرفين حتى القضاء عليها قضاء مبرما، فقد رتبوا لذلك، ومن ضمن ترتيباتهم الحصار المشدد جوا وبرا وبحرا حتى لا يتسرب سلاح إلى المقاومة، ومن ضمن ترتيباتهم أيضا حسابهم عتاد وذخيرة المقاومة التي حسبوا أنها قد نفذت أو كادت، ومن ضمن ترتيباتهم كذلك استئجار من ينوب عنهم لقتال المقاومة والمختار لذلك بعناية مبارك، وأما عبد الله فهو في الاحتياط، وعبد الله الآخر لأداء الفاتورة.
إن شعوب الدنيا بما فيها الشعوب العربية والشعوب الإسلامية لا تملك ذاكرة، ولكن أفرادا من أبنائها يقلون ويكثرون؛ يملكونها، وعليه فممارسة القوادة السياسية للسير في سيناريو جديد شأن الأجراء والعملاء والموظفين لدى إسرائيل وأمريكا والغرب.
لقد انتهى العدوان على الآمنين في غزة دون تحقيق الهدف، واجتمع العرب في الدوحة وشرم الشيخ والكويت وأظهرت اجتماعاتهم أنهم هم نفس حليمة التي تعود دائما لعادتها القديمة، صحيح أنه قد سحب البساط من تحت قدمي مبارك ـ لا يزال مبارك يحاصر الغزاويين في معبر رفح رغم ترديده بفتح المعابر إلى تاريخ كتابة هذه المقالة ـ بالمبادرة السعودية، ولكن ذلك شأن داخلي مربوط بالديماغوجية والمنفعة ونفاق الشعوب، فما مبادراتهم إن لم تكن مبادرات أمريكية أو أوروبية إلا استهلاك محلي يعيد إليهم ما لم يكن قط لديهم في يوم من الأيام؛ وهو المصداقية.
في نفس اليوم الذي صدر فيه البيان الختامي للمؤتمر الاقتصادي بالكويت، وهو اليوم الذي وصل فيه عدد الشهداء في غزة إلى 1315، والجرحى تجاوز 5340 ( هذان الرقمان مرشحان للزيادة لوجود شهداء تحت الأنقاض ) ونُفضت الأيدي من دفن الضحايا، والأرجل من غبار المشي خلف جنازة شعب غزة المذبوح بمشاركة عربية خسيسة وأشدها خسة المشاركة المصرية المباركية؛ نُصِّب باراك أوفاما، وقد أصر على ذكر اسم أبيه حسين، وهو إصرار لافت، يريد تذكيرنا أنه من أب مسلم يسمى حسينا، ولكنه نسي أننا يمكن أن نلحقه بأبيه ونعتبره مسلما لو أنه لم يتنصر التنصر المعتبر عند رشده، ثم إنه من جهة أخرى يمد يده إلينا لنصافحه، ولكنه قد نسي أيضا أن يمسح يده من الدماء الزكية التي أهرقت في غزة بدعمه في صمته، والأرواح الطاهرة التي أزهقت بمباركته في سكوته، فيده الآثمة لا تزال تقطر دما، لقد طلع علينا يغازلنا وهو يعرف أننا لا نخالف فطرتنا في ميلنا الطبيعي، فلن نكون مَثْليين أبدا، ولكنه لم يقصدنا، بل قصد الحكام العرب، وأعطاهم مدخلا جديدا يفتح به وعيهم على استراتيجية جديدة، وهي مواصلة حرب المجاهدين والمقاومين والرافضين الخنوع لسلطانه بأسلوب يظهر لي أنه سيكون أغبى من سلفه السفاح بوش، وما على العرب إلا الانضباط في سكّته، ولا شيء غير الانضباط مع تقديم فروض الولاء والطاعة، وما على المقاومة والمجاهدين وأحرار العالم إلا الاستعداد لجولة أخرى التي سوف تستأنف في عز النزيف العربي والإسلامي، وفراغ الساحة العربية والإسلامية من حاكم لا يأتمر بأمر أمريكا وبريطانيا وفرنسا، ستكون الجولة القادمة مع جنود عرب أبطال أشاوس يقاتلون إخوانهم المقاومين للأسف.
..................
محمد محمد البقاش

طنجة في:
22 يناير 2009