المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "مصطفى النجار".. رؤيتي للشعر ليست محدودة



طارق شفيق حقي
22/01/2009, 12:09 PM
"مصطفى النجار".. رؤيتي للشعر ليست محدودة
«مجموعة (غنائيات عصرية) شعر مرتبط بالواقع اليومي للإنسان العربي المعاصر، و التعبير فيها أخذ شكل التفعيلة والقصيدة العامودية وبعض الأحيان قصائد ما يسمى الومضات (المكثفة) بمعنى أن الرؤيا تتسع كلما ضاقت العبارة على حد تعبير "النفري"».
http://www.ealeppo.sy/images/literature/085254_2009_01_10_16_05_23.jpg
بهذه الكلمات تحدث الشاعر"مصطفى أحمد النجار" عن مجموعته الشعرية"غنائيات عصرية" لـesyria في(16/12/2008) وأضاف:«رؤيتي للشعر ليست محدودة التجربة من تفعيلة وعامودي وقصيدة النثر التي هي قصائد جديدة، فهناك مزيج منها وتحقيق المعادلة الصعبة بين أن يكون الشعر متواصلا مع المتلقي، ويؤدي أغراضها العاطفية والإنسانية والوطنية وفي الوقت نفسه يحقق الشرط الجمالي».

والشاعر"مصطفى النجار" واحد من الشعراء الشبان الذين يصوغون الكلمة الإبداعية الجيدة، وهو من الذين صنعوا مستقبل القصيدة العربية الجديدة، فقد كتب الشعر التقليدي والشعر الحر في آن معا. وكان العيد من النقاد والأدباء العرب قد تحدثوا عن إبداعاته في هذا المجال، فممن كتب عنه: "نازك الملائكة"، و"روز غريب"، و"حلمي القاعود"، و"محمد أحمد العزب، و"أحمد دوغان"، و"أحمد بسام"، و"محمد الراوي"، والدكتور"حسين علي محمد"، و"أحمد شبلول".

فقد كتب الدكتور الناقد"حسين علي محمد" من "مصر": «مصطفى النجار عرفناه نغمة حلوة من الشعر الوجداني، فهو وتر دافىء جديد يحاول أن يزيل الثلوج المتراكمة في الشعر العربي عن طريق اقتحاماته الجديدة».

في حين قال عنه رائد قصيدة النثر في "سورية"
http://www.ealeppo.sy/images/literature/085254_2009_01_10_16_05_23.image1.jpg ديوان غنائيات
الشاعر:"سليمان عواد": «"مصطفى النجار" شاعر يحاول إيقاظ الذين يعيشون في الواقع».

بينما قالت عنه الأدبية "روز اليوسف": «تلتقي في شعر "مصطفى النجار" أكثر خصائص الشعر المعاصر:الوحدة، التركيز في القصيدة، بناؤها على الصورة، والرغبة الملحة في الطريف منها والمبتكر، في صورع تنوع وافتتان يستمدها من الطبيعة من الريف من المدينة من الصحراء».

يذكر مصطفى النجار قد ولد عام (1943) في مدينة "حلب" وهو عضو في نادي "أبها" الأدبي، وهيئة تحرير مجلة الثقافة السورية، ونائب رئيس نادي التمثيل العربي "بحلب"، ومراسل لعدة صحف ومجلات في الوطن العربي. وقد نشر نتاجه في محطات الإذاعة العربية والأجنبية. وهو يكتب- إلى جانب الشعر- القصة والمقالة، والخاطرة، والزجل. من دواوينه الشعرية: "شحارير بيضاء"و"الخروج من كهف الرماد"و"من سرق القمر"و"الطائران والحلم الأبيض"و"حوار الأبعاد"و"ماذا يقول القبس الأخضر ".

من قصائده اخترنا هذه قصيدة(شامخة الجرح.. فرعاء الروح!):

«تتمشى في ردهات العصر - الغابه

كانت تتملى الأوجه باحثة عن شيء ما

كانت بين اللحظة واللحظة ينقر من عينيها

عصفور الحزن الجارح
http://www.ealeppo.sy/images/literature/085254_2009_01_10_16_05_23.image2.jpg


وكذلك ينقر بلور الروح الأكثر حزنا وضياعا

حزن عاقره الوجدان

حزن من نوع فادح

لكن.. لكن كانت أكثر وعيا ودفاعا

تتجدد رغم مشاغلها، اللحظات الأكثر وجدا

تتمرأى بالإنسان - الإنسان!

فصحيح.. قد شاغلها زمن يتفصد عن شرخ في الروح

وصحيح قد ناجزها زمن

كانت فيه البقرات عجافا

وسنابل حقل العمر خفافا

لكن قد راودها حب أغلى من ياقوت الدنيا

أمل مثل الورد الجوري ومثل بزوغ الأشجار

عرس لا أحلى مثل الأطفال المولودين

على شرفات الريف

ومثل أراجيح العيد

قد راودها أول إيقاع، أول رعش لوني،

اول قنديل في فلوت الرؤيا

قد راودها حب، أمل،عرس،حال

كانت رغم تجاعيد العصر تنادي الفطرة في الانسان

تمضي راكضة مثل غزال يتجاوز عثرته الاولى

تمضي.. تتملى التاريخ القابع في ذاكرة الضوء

المتواري تحت رماد وقتاد

كانت كالخنساء تكابد

من بؤس العصر الوائد

ماذا في المرآة تشاهد

فشباب يتفتت خلف شريط هابط

ورجال قد أضحوا أسرى يوم ضاغط

ونساء قد حنطن على عربات الأزياء ومرأة الحائط

آه .. كانت تتملى الأوجه

والحركات وشارات التاريخ

تستنجد بينابيع ضياء قد أهملها الأهل،

ظماء الحي، فراحوا يستسقون الأغراب؟!

كانت رغم تألمها ورماد الجوع

كانت شامخة، فرعاء الروح ولا ترضى

أن تعتاش بثدييها!؟

كانت بين العثرة والعثرة تنهض أكثر خضرة

في مبسمها ما فتئت تبزغ في الليل مجرة

مازالت واعدة حبلى

مازالت حالمة في فلوات الرؤيا

وتحت رفيف ( اقرأ) شامخة الروح

وواثقة الخطوات إلىالمستقبل؟!ّ ».

عن موقع مدونة وطن

د. حسين علي محمد
22/03/2009, 02:15 AM
مصطفى النجار
...............

مصطفى أحمد النجار (سورية).
ولد عام 1943 في مدينة حلب.
حاصل علي الثانوية الزراعية 1964, والثانوية الأدبية 1966, وأهلية التعليم الابتدائي 1967.
عمل في المجال الزراعي, كما عمل مدرساً.
عضو في نادي أبها الأدبي, وهيئة تحرير مجلة الثقافة السورية, ونائب رئيس نادي التمثيل العربي بحلب, ومراسل لعدة صحف ومجلات في الوطن العربي .
نشر إنتاجه في العديد من الصحف والمجلات العربية .
أذيع شعره في محطات الإذاعة العربية والأجنبية.
يكتب - إلى جانب الشعر - القصة, والمقالة, والخاطرة, والزجل.
دواوينه الشعرية: شحارير بيضاء 1963 - الخروج من كهف الرماد (بالاشتراك) 1974 - من سرق القمر? 1977 - الطائران والحلم الأبيض (بالاشتراك) 1977 - حوار الأبعاد (بالاشتراك) 1977 -ماذا يقول القبس الأخضر 1977 - حينما نلتقي (بالاشتراك) 1980 - قصائد عربية 1982 - عندلات الحزن والسفر (بالاشتراك) 1984 - كلمات ليست للصمت 1997.
ممن كتبوا عنه: نازك الملائكة, وروز غريب, وحلمي القاعود, ومحمد أحمد العزب, وأحمد دوغان, وأحمد بسام, ومحمد الراوي, وحسين علي محمد, وأحمد فضل شبلول.
عنوانه: حلب ص.ب 5219 - الجمهورية العربيةالسورية.

د. حسين علي محمد
22/03/2009, 02:16 AM
دعـــــــــــــاء

شعر: مصطفى النجار
......................

أيها العصر الذي فيك ينادي
كل نبض في فؤادي:
بارك اللهمّ أفواج الطفوله
فهم الأغراس, أورادُ الخميله
وهم الأعراس, أحلام بلادي!
أيها العصر الذي فيك ظلام ووباء
وضياع وشقاء
يتعالى من شغاف القلب لله دعاء:
أَسْبغ اللهمَّ نوراً وسعاده
كي يعيش الناس في الأرض عباده
تتجلى بعد صبر وعناء
جنة وارفة الظل, وأفقا للشوادي
بسمة الشوق التي تنمو شعاعاً في العيون
تبزغ الشمس ربيعا وجناناً في البوادي
رغم بؤس الأرض..
والأوجاع والوقت السريع
رغم ما في العصر من ليل مُريع..
يزرع الأرض بأحداق النجوم
ويغني للغيوم
شاعر لبّى أذان الفجر.. في عصر الجحيم
يتعالى من يديه
ذوب قلب, وإليه..
يثب النور كأشواق الطيور..
بارك اللهم في نسغ الجذور
(إنه العصر, وفي العصر الأخير
تشتكي الأوراق والأغصان من سوء المصير)

د. حسين علي محمد
22/03/2009, 02:18 AM
الله .. وقابيل

شعر: مصطفى النجار
......................

(1)
اللهُ وانطلقتْ بحنجرتي الحياةْ ..
بأضلعي العطشى
بذاكرتي الفصول الأربعة
حملْتُ في هذا الطريقِ ..
متاعبَ الغرقِ المدمِّرِ، والغرقْ
وقصةَ الشجرِ المُعطَّرِ بالعذابْ
حملتُ ـ يا اللهُ ـ دالية الوجودْ
وبلابلَ الصحراءِ
رفرفةَ العيونْ
تشوُّقَ العنبِ المُدمَّى بالخلود
وتراكضَ الأمل المُلفَّعِ بالشبابْ
كنْ لي الدليلَ برحلةِ الفوْضى ..
منْ ثديِ أُمي .. للترابْ
(2)
اللهُ .. وانفتحتْ أمامي المعجزاتْ
حينَ ارتقتْ
للعيْنِ والأضلاعِ والجسدِ المُسرْبَلِ بالدِّهانْ
صاحتْ كياناتي فحرْتْ
هلْ للربيعِ ..
تقومُ داليةُ الحنانْ
هلْ للرحيلِ المُشْتَهى
يرتاعُ إيقاعَ الزمانْ
هلْ للسماءِ يفرُّ منْ جسدي الضياءْ
أمْ فيهِ ينسكبُ الضياءْ؟
صاحَتْ كياناتي فحرتْ
لمْ أدرِ مركبةَ الزمانْ
فيها أنا؟ أم أنَّها فيَّ تدورْ؟
والأرضُ ولقفةً تدورْ
تدورُ .. واقفةً .. تدورْ
اللهُ وانبلجَ الظلامْ
تراقصتْ لغةُ السَّلامْ!
(3)
يا ربِّ أنصفتَ الوجودْ
وخلقتَ إنسانَ الوجودْ
لكنْ .. يُحيِّرُ ني سؤالْ:
منْ أينَ أبدأ بالسؤالْ؟
«قابيلُ» يسرقُني السؤالْ

د. حسين علي محمد
22/03/2009, 02:18 AM
«شحارير بيضاء» لمصطفى النجار

بقلم: د. حسين علي محمد
.......................

منذ أواخر الأربعينيات والشعر الحر يغزو الصحف والمجلات الأدبية، والشعر الحر هو ذلك الشكل الأدبي الذي يتخذ من وحدة التفعيلة إطاراً له، وقبله بوقت قليل، وبالتحديد منذ بداية الأربعينيات ظهر شكل أدبي جديد اصطلح نقّاد الأدب على تسميته بالشعر المنثور (أو قصائد النثر) ( )، ومن كتّاب هذا اللون: أنسي الحاج، ونزار قبَاني، ومحمد الماغوط، وهاني مندس، وألبير أديب، وهدى أديب، وأدونيس في سورية ولبنان، وحسين عفيف، وإبراهيم شكر الله، وعزت عامر في مصر.
ومصطفى النجار صاحب «شحارير بيضاء» من أرق أصحاب قصيدة النثر عبارة، وأنصعهم بياناً، وقصائده غنائية عالية النبرة، تكاد تقترب من عالم الشعر كقوله:
قلبي كهاربٍ خائف
يقفُ على جسر منصوب ..
فوقَ بحرٍ عميق
تعج فيه آلاف الوحوشِ المائية
يكادُ أن يهوي
فتلتهمه الوحوشُ، وينتهي !
أيدفعه الزمان
في جوف البئر العميق ؟
إنما الحب أقوى
من الفشل وعوادي الزمان ،
أقوى من وحوش البحار
وجهنم الحرمان (ص24، 25)
وفي تجاربه في هذه المجموعة، نلاحظ أنه يجنح إلى التعبيرات المبتكرة في مثل قوله (في النص الخامس عشر)( ):
بالأمسِ كنتِ عذراء
يا ذات الطلاء السرابي (ص30)
وفي النص نفسه يقول:
كان نفَسُكِ عطراً شعريا
والآن
عربدت في السماء
أفاعي دخان طويلة (ص31)
وفي (النص الثالث عشر) يقول مخاطباً حبيبته:
تعالي يا حمامة
زوريني في الشتاءْ
لا تخافي
على شبّاكي نقّري عند الصباح
واهتفي
وعلى جناحيك قبلتي العذراء (ص28)
وفي ذيل هذه المجموعة نص نثري طويل بعنوان «سموات بعيدة» (ص ص37-52) في عشرة مقاطع، وهي دون نصوصه جميعاً، باستثناء المقطع التاسع من هذه المطولة النثرية. ففي هذا المقطع يسمو النص النثري (أو قصيدة النثر كما يسمونها!) إلى مرتبة عالية من الإجادة (بالنسبة لهذا النص الهابط) .. يقول في هذا المقطع:
يا ماردي
دعْني لحظةً
في مذكّراتي أُدوِّن
((يفتح العالمُ للزائرين صدره!))
فوق سماء غريبة ..
نحن كطائرين
كفرحتين
تطفران من عيون الكون ! (ص48)
ولغة هذا الديوان جيدة عموماً، فهو لا يجنح إلى التركيبات اللغوية المألوفة، وإنما تجارب "قصيدة النثر" عنده أنتجت لغتها الخاصة من خلال التجارب التي مرّ بها الشاعر.
ومن أجمل قصائد الديوان على الإطلاق ـ بل من أجمل تجارب "قصيدة النثر" العربية (بعيداً عن الثرثرة اللغوية، والبهلوانيات الأسلوبية، والرمز المُلغز غير الواضح، الذي لا يبين، وادّعاءات العمق، والسفسطة الفارغة، واتهام القارئ بالجهل إذا لم يفهم هذه الثرثرات العشوائية الفارغة) بعيداً عن كل هذا تكون (القصيدة السادسة عشرة) من أنجح قصائد النثر التي كُتبت في الستينيات، وننقل للقارئ مطلعها الذي يقول:
رفقاً بالورود الناعمة
رفقاً يا شوكُ بأحلامها الشفافة السكرى ،
وبراعمها الفتية الخجلى !

أدوماً تنطقُ بخشونة ،
وتلمس بخشونة ؟

اجرحني أنا
مزِّقْني إن شئت
أنا لست سوى وردة خضراء
تتأرجح على غصن ناحل ! … (ص32)
فهل يستمر مصطفى النجار في كتابة "قصيدة النثر" ويُضيف إضافات باهرة لتراثها الممثل في كتابات: ألبير أديب، ومحمد الماغوط، وأنسي الحاج، وأدونيس، وعزت عامر، وهدى أديب؟
أم يتركه، ويكتب الشعر الخليلي (الموزون المقفى) أو الشعر الحر (شعر التفعيلة)؟ ومصطفى النجار يكتب اللونين الأخيرين، وإن كنت أرى أنه يُجيد كتابة "قصيدة النثر" في المقام الأول (رغم اعتراضي على مصطلح "قصيدة النثر")، ثم قصيدة التفعيلة في المقام الثاني، ربما لأن كلماته جامحة أبية، تأبى أن (تتقوْلب) في إطار الشعر التقليدي، وتثور على قوالبه المحكمة الصّارمة.
وفي انتظار عطاء شعري آخر لهذا البلبل الغريد من سورية الحبيبة.
.................................................. .......
* نشر في مجلة «صوت الشرق»، في 1/11/1975م.

د. حسين علي محمد
22/03/2009, 02:19 AM
حوار عمره 33 عاماً مع الشاعر السوري مصطفى النجار
عدم الموضوعية تُؤزِّم الموقف الأدبي

حاوره: د. حسين علي محمد
.............................

مصطفى أحمد النجار (33عاما) واحد من الشعراء الشبان الذين يصوغون الكلمة الجيدة، والذين سيصنعون مستقبل القصيدة العربية الجديدة، يكتب الشعر التقليدي والشعر الحر في آن.
صدر له "شحارير بيضاء" (شعر منثور، 1963م)، و"الخروج من كهف الرماد" (مجموعة مشتركة، 1974م)، وله ثلاثة دواوين تحت الطبع هي: "من سرق القمر"، و"ماذا يقول القبس الأخضر؟"، و"كلمات ليست للصمت"، وله كتاب نقدي تحت الطبع ـ أيضاً ـ بعنوان "وجهاً لوجه".
وكان هذا اللقاء معه لمجلة "صوت الشرق":
*ما واقع الحركة الأدبية في حلب خاصة وفي سوريا عامة؟
-هناك الصحف اليومية التي تخصص بعض صفحاتها للأمور الثقافية والأدبية وتُسهم إلى حد ما في تواجد النشاطات الأدبية مع مجلات أدبية شهرية أو دورية متخصصة، مثل: "المعرفة" و"الثقافة" و"الآداب الأجنبية" و"الموقف الأدبي"، وهي تتمركز في دمشق. وثمة أمسيات أدبية في المراكز الثقافية وبرامج أدبية في الإذاعة والتلفاز.
تلك الأصعدة والمجالات التي يتحرك الأدب السوري عليها ومن خلالها، الأدب بنوعيه: التقليدي والحديث، ولو أن الأخير هو الذي يستأثر بمعظمها، إذ هناك حوار أو صراع بينهما، أو بعبارة أصح: فعل ورد فعل.
وثمة أصوات أدبية تندرج تحت لافتة أدب أو لا أدب، سواء أكان ذلك في الشعر أم في القصة القصيرة، طبقاً لمعايير الجودة والجدة، والرؤية الواضحة والحداثة المنطلقة من تراث يشتمل على بؤر من النور!، ولا أكون مُغالياً إذا قلت إن في سورية طاقات إبداعية كبيرة على امتداد أجيال أدبية تتمثل في أجيال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات) لكن الأصوات المبدعة التي تنتمي إلى جيل الستينيات هي الأصوات الجيدة في الشعر والقصة لأسباب لا مجال لذكرها في هذه العجالة.
وهناك ملمح بارز في واقع الحركة الأدبية في سورية هو اهتمام بعض الأدباء والشعراء بكتابة المسرح المتأرجح ما بين الجدة والارتزاق، ولا أكون منحازاً إذا قلت إن الجمعيات الأدبية في حلب ـ في السنوات الأخيرة على وجه الخصوص ـ أخذت تلعب دوراً بارزاً ورياديا في الحركة الأدبية، وتشكل رافداً رئيساً يصب في نهر الحياة الأدبية في القطر العربي السوري.
*ما دور النقد في توجيه الحياة الأدبية في حلب؟
-هناك نقد مدرسي يشترط على كل عمل إبداعي مجموعة من الشروط والقواعد والسلوك هو بمثابة المحاسب القسري أن يسقط كل أدب لا يتوافق وإياه من خلال نظرة "أيديولوجية" مسبقة، أو اهتمام بجزئيات، ليس غير!
كما أن هناك نقداً يوجد بعد مواصلة العمل الأدبي، فلا يُخضعه له، بل تتبلور ملامحه من خلاله. وطبعاً لا تنعدم قيمته عندما يُقيِّم أو يُقوِّم العمل الأدبي بلطف وأناة ووعي كامل لمنهج تكاملي في النقد، أما النقد في حلب فهو يراوح هناك وهنا، وغالباً ما يجنح نحو النقد المدرسي أو الجزئي، إلا أن ثمة ملامح تبشر بنقد طالما يحلم به الأديب المنتج، ربما في نقاد يعيشون بيننا، أو نقاد على مقاعد الدراسة، أو مازالوا في ظهر الغيب، والله أعلم!
فالنقد ـ في حلب ـ يتأرجح ما بين نقد صداقة ومحاباة، ونقد عداوة وغايات أخرى! والنقد الموضوعي يشق طريقه في الزحام والركام!
*ما المشاكل التي تواجه الأدب العربي في حلب: إبداعاً ونقداً؟
-من خلال ما سيكتشفه القارئ في إجاباتي المختزلة، أضيف: إن الأنانية إلى حد الغرور، وجنون العظمة تسبب رداءة العلائق ـ بين الأدباء فيما بينهم ـ وبين الأدباء والناقدين من طرف آخر.
كما أن اللاموضوعية في إطلاق أحكام القيمة على أي عمل أدبي أو نشاط فكري أو ثقافي يؤزِّم الموقف الأدبي.
بالإضافة إلى إغفال دور الأدب الشاب من قبل من يدّعي الريادة الأدبية ويعتبر نفسَه القيِّم عليه يخلق حساسيةً، لا تدل إلا على تصميم هؤلاء الشباب الأصلاء. كما أن سيادة النقد الشفوي والتهامس الجانبي الثرثار في المقاهي أو الحلقات الأدبية الخاصة، تشوش جو الصفاء الأدبي.
وأهم مشكلة تُواجه الأديب هي تضخم مسؤولية المبدع في عملية المخاض أولاً، وفي عملية إيصال إبداعه ثانياً. بالإضافة إلى انصراف المتعلمين وأنصاف المثقفين إلى أدب الضحالة، كما أن طغيان الصورة المتحركة يلعب دوراً في هذا الانصراف وإشاحة النظر عن الأدب الجاد النظيف.
*ما آخر كتاب قرأته؟
-للمرة الثانية أُطالع كتاب "الشمس والعنقاء" للناقد السوري خلدون الشمعة، الصادر عام 1974م، وهو كتاب نقدي هام يشتمل على قسمين: الأول في فن النقد، والثاني في نقد الفن.
وقد ضم القسم الأول فصولاً تنظيرية للمنهج الذي يدعو له، وضم القسم الثاني فصولاً في التطبيق على نماذج في الشعر والقصة القصيرة. وتأتي خطورة هذا الكتاب من كونه ينطلق من ثلاثة اعتبارات جوهرية كما أوردها الناقد في مقدمته، وهي كما يلي:
1-النقد الأدبي ليس علماً، بل فنا يستخدم العلم.
2-يكتسب العمل الأدبي بمجرد إنجازه وجوداً موضوعيا مستقلا، على الناقد أن يستنبط منه المنهج الفني الملائم لدراسته.
3-يُفترض أن يُعامل الشكل في العمل الأدبي كغاية في حد ذاته، كما يصبح وسيلة ناجعة لغاية أخرى.
*ما مشاريعك الأدبية المقبلة؟
-رغم أني وبعد التجربة ـ لا أرغب في إعلان أسماء أطفالي، أقول: أطمع في الانتهاء من طباعة مجموعة شعرية بعنوان "من سرق القمر؟" إن شاء الله، كما أنوي القيام بعدة أمسيات ضمن النشاط الأدبي القادم، وثمة محاولة نقدية، ومجموعة شعرية مشتركة.
....................................
(*) نشر في "صوت الشرق"، في 1/11/1976م.

د. حسين علي محمد
22/03/2009, 02:20 AM
الأسود والأبيض في شعر حسين علي محمد (*)

بقلم: مصطفى النجار
......................

حسين علي محمد شاعر من القطر المصري الشقيق، يمتاز بنشاطه الأدبي المتعدِّد، فمثلما يكتب الشعر يكتب الدراسة الأدبية والنقدية، وقد فاز بالجائزة الأولى في المسابقة التي أجرتها دار البحوث العلمية في الكويت 1976م عن بحثه القيِّم "نظرة إيمانية للصراع الدرامي والشخصية في الأدب المسرحي". وله نشاط في المسرح الشعري، فقد أعدَّ مسرحية للطبع بعنوان "الرجل الذي قال"، كما أنه يُسهم كمحرر بارز في مجلة "صوت الشرق" القاهرية.
وفي هذا المقال عنه سأكتفي بجانب واحد، إذ سأعرض على القارئ مجموعة من قصائده التي طالعتها عدة مرات. وفي كل مرة أشعر بمتعة جمالية، فالشعر من النوع البسيط العميق، والغنائي الشفاف رغم ما يحمله من معاناة جماعية هي هموم كل إنسان يعيش الواقع اليومي.
وإن الحديث المُجزَّأ عن شاعر هو غبن له، فالصورة الكاملة تُعطي أبعاداً كاملةً، وبخاصة عن شاعر شاب لم تكتمل عنده ألوان تلك الصورة، ولعل مجموعة شعرية كاملة لحسين علي محمد تساعدنا يوماً في إحاطة تجربته على مدى سنوات العطاء.
والقصائد التي بين يديَّ وليدة الزمن الأخير (ما بين 1975-1976م)، وهي منشورة في مجلات مصرية (الكاتب ـ الزهور) وفي مجلات سورية (الثقافة ـ الفداء).
إن قصائد حسين علي محمد وليدة الحالة النفسية التي يعيشها الشاعر إذ أن بعضها يمتاز بالبساطة والوضوح والآخر يمتاز بالغموض. والنفس كالبحر بين مدِّ الحزن وجزر الأفراح! وهذا عائد إلى الصدق عند حسين.
فمضامين قصائده تأملية واقعية. يُحاول خلق معادل موضوعي لمشاعره، فيبني من خياله الثر أحلاماً تتجاوز هذا الواقع، ورغم ذلك فإن شعره لا يخلو من نبرات اللوعة والأسى، وحتى الخيبة والخوف من الغد. وقصيدته "نهاية الرحلة" تجسِّد المرارة والفراغ النفسي. يقول فيها:
.. وحينما رحلْتُ في عيونِكِ البُحيْرَهْ
(أكنتُ راكِباً بساطَ الموْجةِ المُنطفِئهْ ؟
أكنتُ مُمْسِكاً زِمامَ الماءِ والأعشابِ ..
والطَّحالبِ المُلوَّنَهْ ؟)
كانتْ عناكِبُ الخريفِ في انتِظاري !
تُراقِبُ انكِسارَ ضَوْئها الهتونِ ..
في مدامِعِ النهارِ !
هي تصوير دقيق لحالة الإحباط النفسي؛ فالعيون بحيرة، والموجة منطفئة، والطحالب ملونة، والخريف، والانكسار.
وتزداد الموجة حدة حينما يقول في القسم الثاني من القصيدة:
ومركبي في الوحلِ ياصديق
أخافُ منْ عوائقِ الطريقْ
أخافُ من غدي المجهولْ
وفي قصيدة "السقوط في الليل" وللعنوان دلالة نفسية مركّبة تُعمِّق من تلك الحالة النفسية التي أتيْنا على ذكرها .. إنه يُخاطبها ـ تلك التي ينتظرها ـ فتطلع عليه في الصباح فيقول:
والعاشقُ الذي ألقتْهُ في الطريقْ
عواصفُ الحنينِ والأشواقْ
يظلُّ مُغمضَ العيْنيْن
حالماً بقطرةٍ من مائكِ اللُّجيْن
هي بين يديه ويحلم بقطرةٍ من ماء! وعندما يرى أميرته غمامةً ساعة الظهيرة، يشعر بالطمأنينة والسلام هنيْهات، فلا يُصدِّق هذا الانسجام الشاعري، يقول:
تُرى كمْ يستمرُّ ذلك الأمانُ
في أحضانكِ المُظِلَّهْ ؟
وصحَّ ما توقَّعه، فالنهاية واحدة مهما أخذت أشكالا، وفي أي الأوقات:
أراكِ في المساءِ تخرجينَ منْ يدي
وتفلتينَ منْ أصابعي
يا فُلَّتي البيضاءُ أين تذهبينْ؟
وتحتدم المأساة حين يراها:
أراكِ تسقطين
فراشةً محروقةً في الليْلْ
أراكِ تسقطينْ
والليلُ يستمر
ولعلَّ القارئ يتساءل: ومن السبب؟ فيأتي الجواب من الشاعر:
والخاطفون
أنوارُهم مثيرهْ
أموالهم كثيرهْ
عيونهمْ ضريرهْ
لا يُبصرونَ العاشقَ المسكينَ في الظلامْ
بهذه اللفتة الذكية استطاع أن يُعمِّق من مسار القصيدة فكريا وأن يخلق عنصراً دراميا يُثير فينا الحركة والانفعال.
الشاعر يسأل دائماً، ولا يرضى السكينة، أو هي التي تفر منه، إن في أعماقه الحركة والمشاعر المنطلقة، لذا عندما كتب قصيدته "تأملات" التي تتألف من ثلاثة مقاطع أخذ الأول شكل القصة المكثفة والمرمزة قد شابها بعض التشويش في مضمونها، مثلاً: كيف المارد يُصبح قزما؟ ثم يصبح القزم فارساً ثم يموت؟ الحقيقة لم أستطع الولوج في تكوين هذا المقطع، وذلك بخلاف المقطع الثالث الجميل المنساب شكلا ومضموناً:
افتحُ بيتي للآتْ
وهي جملة تلخص أفكاراً وحالات، فهو يسمع ويشهد ويبحث ـ وهذا ديدن كل المفكرين في العالم ـ، إنه لا ييأس كما لمحنا ذلك في نبرات الخيبة الحزينة، بل يقول:
أسمعُ موَّالَ البحرِ، وموَّالَ الليلِ
.. وموَّالَ الأحياءِ / الأمواتْ
أبحثُ في الصَّدَفاتْ:
عنْ سرِّ الحسرةِ في الضَّحِكاتْ
عن سرِّ الدُّودةِ في قلبِ الصَّخْرهْ
والأوعيةُ المثقوبَهْ
لا تحتفظُ بقطرةِ ماءْ
أمشي في طرقاتٍ الليلْ
أسمعُ وشوشةَ الأغصانِ المنكسرهْ
في ليلِ الصًّيفِ .. وفي ليلِ البرْدْ
أنتظِرُ الشمسَ تعودْ
أنتظرُ عصافيرَ الفجرِ تُوشوِشٌ شجرَ الصبرِ
بأحلى الهمساتْ
وحبذا لو توقف هنا ولم يشرح هذا الموقف! إذن ماذا تُضيف على القصيدة تلك الكلمات:
أنتظرُ الغَدْ
ما أحلى شمسَ الغدْ
تقتلُ ميكروبَ الخوفِ،
وميكروبَ الحَسَراتْ!
والشاعر حسين علي محمد يُجرِّب تشكيلات مختلفة لقصيدة "الشعر الحديث"، منها ما يحتفظ بالقوافي وتنويعها مما يُضفي جوا موسيقيا محببا يقترب بها من معمار الشعر العربي وما يسميه بعض المتطرفين الجدد بـ "الجديد الكلاسيكي"، ومنها ما يأخذ شكل "الرباعيات"، ولهذا النوع نكهة تنتسب إلى الشعر الفارسي والعربي شكلا.
وأمامي الآن قصيدة "لماذا تظل العصافير تشدو؟" تتألَّف من خمسة مقاطع، كل مقطع: طريقة كتابته ككتابة النثر وينتهي بروي الميم، مع أن المقاطع غالباً لا تأبه بالقوافي من داخلها. وهذه كتابة مارسها بعض الشعراء عندنا كصلاح عبد الصبور في قصيدة "توافقات" التي نُشرت في مجلة "الشعر" القاهرية عام 1972م، ومارسها غيره تقليداً لبعض الشعراء الأجانب أمثال سان جون برس، ويمكن أن أنسبها إلى العربية إذا ما قورنت بالشكل الكتابي الذي قام به الشاعر أبو العلاء المعري في "الفصول والغايات".
فالتشكيل نفس التشكيل سوى أن كلامه من غير إيقاع عروضي، وألفت نظر الباحثين والدارسين لهذه النقطة بالذات مما يفتح النوافذ المضيئة على كنوز تراثنا الخالد وارتباطه بالعصر الراهن.
وشاعرنا حسين علي محمد قام يجرب، ووراء تجريبه ذخيرة من الموهبة والمعاناة، وهذا ما يُميِّز تجريب الأصلاء عن تجريب الدخلاء وأصحاب الألعاب الشكلية والألفاظ الخلبية الذين ابتُلي بهم شعرنا العربي، وكأنما شاعرنا حسين عناهم حين قال:
قدْ كرِهْتُ الشعرَ والعِشقَ وإني
راحلٌ يا نفْسُ للأرضِ البعيدَهْ!
لنْ تراني هائماً أمضي أُغَـنِّي
فالأغاني كلُّهـا أضْحَتْ بليدَهْ !
أو في قوله:
لا تقُلْ نثْراً ولا شعراً كهــذا
لا تقُلْ شيئاً ففي الصمتِ النجاةْ
قدْ قضيْنا العُمرَ تغريداً فمـاذا
قــدْ جَنَيْنا غيْرَ تنكيلِ الطُّغاةْ ؟
وفي قصيدة "لماذا تظل العصافير تشدو؟" روح تساؤلية قلقة، وشاهدة ومنتظرة، ويمكن أن نفرد لها مقالة خاصة لدراستها وتحليلها، ولعلي أفعل ذلك تحت عنوان "شاعر وقصيدة" إن شاء الله.
أما رباعياته فهو يحاول فيها أن يُفلسف الوجود من حوله فينقل شرائح مختزلة ناقدة للمجتمع وللحياة، ومصورة لحيثيات الواقع وأسرار الطبيعة الإنسانية.
وأقتصر على ذكر بعضها، فإن بعضها يغني:
هذهِ الأرضُ سعـيرٌ في دِمــانا
ولظاها في حنايانا حــــرائقْ
قدْ كرهْــنا العيْشَ فيها ونهـانا
أنَّنا منذُ وُلِــدْنا في الخنــادِقْ
ولا أجد ما يبعث على استمرارية التغريد على أفنان هذا العمر بكل جسارة إلا ترديد المقطع الأول من قصيدة "الظل والموت" للشاعر حسين علي محمد المنشورة في مجلة "الكاتب" المصرية (عدد نيسان 1976م)، ما يُعطي القارئ مفتاحاً من مفاتيح شخصية هذا الشاعر، وما يدل على اللون الأبيض في اللوحة الرمادية:
حين تلاقيْنا
واستلْقى ظلُّكِ في وادي الصَّمْتْ
كانتْ أُغنيَةُ الحُبِّ السَّكْرى النَّشْوانهْ
تضْحكُ في عيْنيْنا
تزرعُ في صحراءِ النَّفْسِ
ورودَ الأملِ ، وفُلَّ الأحلامِ الرَّيَّانَهْ
كانتْ تقْتُلُ في داخِلِنا الموْتْ !
مصطفى النجار
.................................
(*) نشر في مجلة "الأديب"، مايو 1979، ص28-30.

د. حسين علي محمد
22/03/2009, 02:21 AM
قراءة في ديوان « السقوط في الليل » للشاعر حسين علي محمد

بقلم: مصطفى النجار
......................

صدرت مجموعة شعرية بعنوان "السقوط في الليل" للشاعر العربي المصري حسين علي محمد بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب بدمشق بطباعة مزينة برسوم لطيفة ومعبرة لمحتوى أغلب قصائدها، وهي من ريشة الفنان العربي المصري يوسف غراب.
وحسين علي محمد شاعر في العقد الثالث من عمره، خريج قسم اللغة العربية بآداب القاهرة، وفاز بجائزة دار البحوث العلمية بالكويت لعام 1976م عن بحثه "نظرة للصراع الدرامي والشخصية في الأدب المسرحي"، وأصدر قبل هذه المجموعة "عوض قشطه حياته وشعره"، وهو كتاب نقدي كشف به عن موهبة هذا الشاعر الشعبي من أعماق الدلتا، و"حوار الأبعاد الثلاثة"، مجموعة شعرية صدرت في صيف 1977م بالاشتراك مع الشاعر محمد سعد بيومي (من مصر) وكاتب هذه السطور (من سورية).
والمجموعة التي سنُعرِّف الآن القارئ العربي في سورية بها، اشتملت على عشرين قصيدة من الشعر الحديث، والشاعر يُحافظ على التفعيلة ـ اللبنة الأولى لتشكيل القصيدة الجديدة ـ ويستعين الشاعر بالحوار المسرحي والتشويق القصصي، ليوصِّل إلى القارئ أفكار ومشاعر قصائده التي تركز على استيحاء الواقع الحياتي المعيش والواقع النفسي بنسب متفاوتة ما بين الوضوح والغموض الشفاف.
والقارئ يرتاح إلى جمله الشعرية إذ يجد فيها مرآته الفكرية والشعرية، ولعل أبرز مزية لهذه المجموعة: البساطة المموسقة، المستقاة ـ بالإضافة إلى الواقع ـ من الفولكلور الشعبي المصري كحكاية ياسين وبهية، ومن التاريخ العربي مثل قصائده: من كراسة علي بن أبي طالب، وأوراق من ابن الرومي، وأربع صفحات من مذكرات أبي فراس.
وقد أضاف إلى عجينة الشعر ما أنقذه من المباشرة والتقريرية، وأقصد: الحلم، فالشاعر حالم، والحلم عنده مرتبط بالواقع في تشكيل جديد.
هو شاعر يتطلع إلى المستقبل، لكنه لا يقطع جذره العميق:
أحنُّ يا أُمي .. أحنُّ لا بتسامهْ
فمنذُ أنْ رحلتُ من حضنيْكِ
لمْ أجدْ سوى القتامهْ
ومنذُ أنْ خَلعْتُ جذريَ العميقْ
منْ تربتي الطينيهْ
ونمتُ في العراءِ .. في القواقعِ الصَّدفيَّهْ
ذبلتُ في مُستنقعِ البلاهةِ الملحيَّهْ
وجفَّ عودي
فالشاعر حزين، ليس حزناً جزافيا مرضيا، لأنه الشاعر الذي خرج من ذاته ليعيش ذوات الآخرين، ولأنه حمل على كاهله آلام الوطن وإنسانية الإنسان، وفي لحظة إحباط نفسي يُعبر عنها عقب نكسة حزيران (يونيو) 1967م بقوله:
لا قمر في حدائق الشتاء
لا حبة من ضوء
فلتغلقوا الأبواب
أشعرُ أنني أموتُ في العراءْ
وعندما يتلمس الأمل يتلامح في فوهات بنادق الجنود في حرب تشرين 1973م، يرسل إلى من عبر القناة ترنيمة رائعة:
ها هِيَ الشمسُ تعودْ
شمِّري عنْ ساعِدِ الجِدِّ ، وغنِّي
وامتطي ظهرَ الحصانْ
حطِّمي أصنامَ خوْفي
أشعلي النيرانَ في ضَعْفي ،
وفي أمسِ الجبانْ
أشعلي القنديلَ منْ عزْمِ الجنودْ
ومن ثم نقرأ للشاعر من قصيدته "أربع صفحات من مذكرات أبي فراس":
أبو فِراسٍ يا أحبتي أسيرْ
في قَبْضَةِ الأعْداءْ !
وذلك في الورقة الثالثة، أما في الورقة الرابعة فيُوجِّه النداء:
أحبتي
النارُ في البيادِرْ
من يُطْفِئُ الحريقْ
ويمْلؤُ الدِّيارَ بالمزاهِرْ ؟
والشاعر صادق في حالات التعبير النفسي المتأرجحة مابين الحزن والفرح، واليأس والأمل، والخوف والرجاء، والسكون والسفر إلى داخل الأشياء. ومع صدقه يتألق التعبير الفني في صور مبتدعة بدون مغالاة السرياليين، وأصيلة من دون لزوجة التقليديين.
نأمل من الشاعر أن يُعنى في دواوينه القادمة بوضوح الحروف التي تُساعد القارئ على التعامل معها بيسر، وأن يرتب قصائده تبعاً للحالة النفسية لكل قصيدة وما ينتظمها مع سواها، كما أن لا تتنافر الرسوم في بعض الأحيان ـ مع مضمون القصائد، كقصيدة "أوراق عن ابن الرومي" مع اللوحة المرافقة لها مثلاً.
مصطفى النجار
.................................
(*) نشر في جريدة "العروبة" الحمصية، في 3/8/1978م، ص9.

د. حسين علي محمد
22/03/2009, 02:22 AM
رؤيا – مصطفى أحمد النجار

بقلم: عايد سعيد السراج
.........................

لفلوات الرؤيا – يتزنر الأمل ليلمّ قصائد الحلم , ياحبّ , يا نبع البراءات الوضئية , يا وسادة أضلعي , كفكف بقية أدمعي , وهكذا نسافر مع الروح الفياضة للشاعر , تهدهدنا الكلمات تارة , وأخرى نطير على أجنحة الفراشات التي تهرب من نار الواقع , آن لم يعد للدمع سوى لغة الوجع , والدموع مهطالة في أعماق الذات المبدعة , إذ لم تعد الخيول تداري فرسانها , رغم أنين الكلمات الموجع , وضفائر الوقت المنهوبة للغرباء . الحروف لدى الشاعر تكاد تنبجس منها الدماء الموجعة بالأرق الداخلي , ونوءاسات ذبول الضوء القادم من بعيد لا ينطفئ , متهادياً على جلال الحرف الذي قُدَّ من روح تتراشقها شياطين الخيبات , وتظل مدينة / حلب الشهباء / هي قيثارة القلب التي يعزف الشاعر على أوتارها بوح العمر .
شهباء يا عرس الشباب الناضر 00 يا بسمة الفجر ومهوى الطائر
يا ملعب الصبح ونجمات السما 000 كنت ِ وما زلت ربيع الشاعر
شهباء قيثاري على أوتارها 000 قلبي يبوح بوحة سامر
ويظل وفياً لمجرتي الحب – أمه التي تسقيه في اللبن حب الله , وحب الوطن , أما ذاك الكامل فوق الأكتاف – هموم الأولاد القصر – يتمنى الخير لكل الناس .
ويظلا هما الجوهر المتجذِّر في أعماق الشاعر , فالأم والأب هما مصدر الإلهام , ورجوة المنى , ولا يكون إلا هو عندما تتقاطر بين يديه الأحرف , بسيطة طيبة وادعة , لاكسل فيها ولا وهن, تتظافر أرياشها بيد خبير عرف كيف يوظف الكلمة , ويضع الجملة في مكانها الصحيح , كلبنة في بناء محكم البنيان , فتراك تتعاطف مع القصائد , حيث العاطفة الواجّة الأخّاذة , تأخذك إلى وصف الشاعر , فلا تستطيع هنا أن تكون حيادياً 0 إذاً أليس الشعر هو سفح الروح على الورق , كما يقول الشاعر الكبير – بدر شاكر السياب – وهو الذي خبر الغربة بين الأهل والوطن , حيث لا صوت يسمعه سوى صوت الصدى , وهل هناك ظلم أكثر مضاضة من ظلم الأهل , أم أن قلعة حلب , نسيت خُلّص القوم من أبنائها 0الشاعر تتلبسه الأحزان, وهو مترع بخيبات الأيام , والفواجع التي تزيد أحزانه حزناً , وهو يحمل قلبه بين جنباته ويصارع نكبات الدهر , ( أنا النهر المتعثر بالأحزان – أتساءل عن عكاز العمر – جفّفت دموع الورد بمنديل الإيمان ) فموت طفلة الشاعر بمرض عضال يجعله أكثر شفافية وقدرة على التلفع بالإيمان , لأن مصطفى أحمد النجار – يكابر على جراحه , ويسمو فوقها , إذ هو يعتد بقدرته على التناسي كما الذرى التي تنحني للعواصف , فأي أحزان تفيض منك أيها الشاعر المترع بالحب والأمل .
فإذا قرأت قصائد ديوان – فلوات الرؤيا – ترى العناوين التالية – خطوات ولكن – انبثاق الحياة – بالمطر الأخضر – ورقاء النور – صحوة حب – بداية النهايات – مخلوقات اللغة – كلمات – انبثاق – حياة – مطر – نور – بداية – كل هذه المفردات تعطيك معنى – ديمومة الخلق – الطهارة التجدد – الحياة – فالشاعر صديق الحياة , وصديق النور , دائماً يبحث عن التجدد , وذلك كونه صديق الأزاهير .
ماذنبها تلك الأزاهير التي
ماتت على أقدامك المتحجرات
أوّاه من غدر الصقور
ومن عذاب القبرات ؟
ومن قصيدته كلمات الجوقة نختصر الآتي :
-1-
صاعقة تولد من كلمة
وجنان تولد من كلمة
من يقوى آن يجتثّ الكلمة ؟
-2-
متهم 00 متهم 00 خطر
وبماذا تتهم الشمس
ولماذا يتهم الإنسان
يتمنى لو سُعد البشر ؟
يتصور ّ دنيا مبتسمة
ولأجل أمان ٍ غالية
عاصرها التفكير الخطر
-3-
للكلمات الحرة قوة ألف حصان
لايغلبها جبروت الجان
لايغلبها ظلم السلطان
ما ماتت كلمات الإنسان – الإنسان ؟
-4-
ظلم ّ زائد ظلم نار
أعلنّا إفلاس الأشرار
صنم للزيف الأجوف
يتهاوى 00 آه ٍ يتقصّف
تنتصر الأفكار الأفكار
تنتشر الأفكار , الأزهار !
-5-
وحده
وحده
يحمل همَّ العالم
أعظم ذنب ٍ عنده
حب التفكير الأخضر
كره الهمجية
كره الظلم
حب العدل
كم يعشق حسناء الحرّية ؟
-6-
ما أكثر أعداء الحب
ما أكثر أعداء الشعب
ما أوسع فوهة البركان
لن تبلع إلا الطغيان !
-7-
يا ظالم التاريخ أنك جاهلُ
كن منصفاً إن الحياة تفاؤل
إن الشاعر رغم كل ظروفه القاسية يتحدى القهر ويعلن ثورة الحب التي حتماً ستسود أخيراً .
فهو يتماهى مع الحس الداخلي , الشعور لديه هو جوهر العبارة , ومنها تخلق الجملة التي غمسها الشاعر بريحانة العمر 0 تسليط ضوء بسيط أردنا من هذه الكتابة على الديوان الجديد للشاعر – مصطفى أحمد النجار – الذي أختار له عنوان – فلوات الرؤيا – التنفيذ الضوئي والإخراج الفني : إبراهيم جنيد – تصميم الغلاف – عمار النجار – وذلك عن دار الثريا للنشر في مدينة حلب .
* صدرت له الأعمال الشعرية التالية : شحارير بيضاء – عام 1963
* من سرق القمر – شعر – ماذا يقول القبس الأخضر –شعر –كلمات ليست للصمت – شعر – من رفيف الروح – شعر – الطائر والحلم الأبيض – شعر مشترك – الخروج من الكهف – شعر .
* عضو في عدد من النوادي والروابط في سوريا والعالم العربي له شعر في بعض المعاجم والكتب النقدية والاطروحات الجامعية – ورغم ذلك لم يقبله اتحاد كتاب في سوريا عضوا فيه .

د. حسين علي محمد
22/03/2009, 02:23 AM
على ضوء ما دعت إليه أبولو عام 1932م:

السموّ بالشعر العربي وتوجيه جهود الشعر توجيهاً شريفاً
مناصرة النهضات الفنية في عالم الشعر,,وترقية مستوى الشعراء أدبياً ومادياً واجتماعياً

بقلم: مصطفى النجار
...................

هذه هي النقاط التي دعا اليها بحماسة مشتعلة -قولاً وفعلاً- وفي وقت مبكر، الدكتور احمد زكي ابو شادي في اول عدد من مجلة ابولو الصادرة في القاهرة، عن جماعة ابولو الادبية الشهيرة، صدرت عام 1932م عن جماعة ابولو برئاسة د, احمد زكي ابو شادي , ترى ونحن على مقربة من القرن الواحد والعشرين، ماذا تحقق مما تمناه ابو شادي اودعت اليه تجمعات وروابط وجمعيات ونوادٍ ومجلات مثل مجلة شعر اللبنانية ، تهتم بالشعر اهتماماً كاملاً او تجعله من بين اهتماماتها، او ما احترق في سبيله شعراء، ابداعاً وتنظيراً وممارسة، خلال هذه الرحلة الطويلة؟ الشعر العربي المعاصر والحديث على مدى نصف قرن ونيف في معطياته قد مرَّ في مراحل واجيال ومدارس، وتعرض الى مثاقفات عديدة، كما تعرض الى تحديات جمه، تمخض عن ايجابيات وسلبيات في صعوده وهبوطه، في تطلعاته المتوثبة واحباطاته، كما اسفر عن اضافات، واضافات نوعية تذكر وتضاف الى مجمل ديوان الشعر العربي القديم عامة، تحمل بصمات هذا العصر كما طبع كل عصر بصماته على الشعر العربي في مراحله المتتالية، بغض النظر عما خلفه الشعر المعاصر والحديث من تراكمية، ومن رماد، نتيجة حرق المراحل الزمنية في زمن قصير اذا ما قيس الى كل زمن استغرقته الكلاسية او الرومانتية في الغرب - مثلاً-، وهذه اشكالية تعاني منها الشعوب التي تنهض من سبات محاولة اللحاق بركب الحضارة والتقدم، او التي تعاني من عقدة نقص فتلهث وراء الآخر، تستعير اجنحته، وتتنازل عن اشياء كثيرة, نعم بغض النظر عن هذه الاشكالية وهي جزء لا يتجزأ من الاجابة، فان الشعر الحديث في نهوضه الفني بالشعر العربي المعاصر، ضخ دماء جديدة في عروقه واوصاله، وبخاصة ما ارتكز منه على ارضية فكرية لا تفرط بالهوية العربية، العربية الاسلامية، كما لا تتهاون بالجماليات الجديدة، ما دفع الى ولادات متميزة، جديدة، تمثلت في نماذج ممتازة من شعر التفعيلة، تحقق فيها التوازن الفني والفكري، المعاصرة والاصالة، الحداثة والمسؤولية، فلم تدع رياح التغريب والاغراب تقتلعها من الجذور، انما افادت من الانساغ الجديدة بعد ان اخضعتها الى هضم وتمثل جديدين، ايما افادة.
كما ان هناك على الطرف الآخر عن سابق اصرار وتعمد- انحازت الى الآخر نماذج، مقلدة للغرب، ومشغوفة به، وساعية الى ان يكون الشعر العربي جزءاً من حركة الشعر الغربي فناً وفكراً, اذ ليس كل نهوض يستحق ان يحتذى، فربما له وجه آخر، يستحق ان نطلق عليه صفة اخرى، والنهضات الفنية في عالم الشعر التي دعا اليها او دعا الى مناصرتها ابو شادي، بعد خلاصة التجارب في هذا الشأن، وفي معظم الاقطار العربية اسفرت عن انماط عديدة، منها ما يستحق ومنها من لا يستحق، فأسفرت هذه المناصرة او تلك عن ترجيح كفة على كفة - ان جاز التعبير- وبرزت للعيان وعبر العديد من الدواوين والمجموعات الشعرية الصادرة خلال مدة طويلة، وعبر ما نشر في المجلات والدوريات والصحف والملاحق من شعر ومن كلام هائل عن الشعر، اضافة الى ما ساهمت به وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمهرجانات والندوات، برزت حداثة ضحلة، وحداثة مهمة، الحداثة المهمة افادت من الفنون السمعية والبصرية والتشكيلية في صياغة قصيدة جديدة، كما افادت من ادوات القص والمسرح والدراما، والتاريخ فاستدعت رموزه ووقائعه الى الحاضر والمستقبل, وهذه اضافة تذكر الى ديوان الشعر العربي عامة، اضافة الى اضافة اخرى متمثلة بأدب او بشعر خاص للاطفال، والتراث الشعري القديم كان ضنيناً في هذا المجال، واعطاء مساحة واسعة من مشهديته الى المرأة الشاعرة المبدعة، رغم الندرة، تحسب ايضاً اضافة ايجابية الى ايجابيات لا يتسع المجال لذكرها.
ان امام النقد العربي المعاصر مهمات ومسؤوليات جساما، ليقول كلمته، ليخرج من صمته المريب، ليضع النقاط على الحروف، والا ازداد التراكم تراكماً، واختلطت الازمنة بركامها اكثر فأكثر!!
اين هي القصيدة العمودية العربية ذات الايقاعات العريقة من هذا، وفي هذا؟
الى اين وصلت القصيدة الحديثة بأنماطها واشكالها المتعددة: التفعيلة، قصيدة النثر، النص المفتوح؟
ماذا تبقى في ذاكرة الزمن والتاريخ من كل هذا؟ هل للنقد المتخصص النخبوي وحده، الكلمة، القول الفصل، ام هناك المتلقي في جميع مستوياته، والظروف الموضوعية التي تحيط بالمتلقي وبالمبدع وبالابداع؟ بماذا نفسر عودة كثير من دعاة التجديد والتحديث الى كتابة القصيدة العمودية - مثلاً- والتخلي عن بعض طروحاتهم الحداثوية السابقة؟
اما النقطة الثالثة التي نادى بها ابو شادي، الشاعر رغم انها لا تدخل في صميم العملية الابداعية مباشرة لامن حيث اشكاله ورؤاه، ولامن حيث السمو به، وتوجيهه الوجهة الشريفة- على حد تعبيره- انما هي على قدر كبير من الاهمية لانها تتعلق بظروف المبدع المادية منها والاجتماعية، فالرقي بها امر حضاري، مهم، ومطلوب.
في هذا المجال تتوالد اسئلة كثيرة تتعلق بالوضع الاجتماعي للشعراء خاصة والادباء عامة، وهل صحيح ان الفقر والحاجة والبؤس والتصعلك وقود للمبدع والابداع معاً؟
وهل تحسنت احوال الشعراء الاجتماعية منها والمادية عن ذي قبل، بدءاً من تاريخ هذه الصرخة؟
والجواب يتلخص باشارتين سريعتين:
* اذا شب الالم عن طوق التعبير والاحتمال لدى المبدع,, ينقلب الامر من وقود دافع للعملية الابداعية الى احباط مريع وتختلف الحالة من مبدع الى مبدع آخر.
تفرغ المبدع اضافة الى ما يجنيه من عائدات النشر يساعدانه على ترقية جزئية من الترقية التي دعا اليها ابو شادي وهي ترقية شاملة تشتمل على عناصر كثيرة لو توفرت للمبدع لكان هناك حديث آخر!

د. حسين علي محمد
22/03/2009, 02:24 AM
الطيور

شعر: مصطفى النجار
.......................

من كوّة الأحزان هلّت للسحرْ
قالت لها الأوهام: لا تتعانقي
قالت لها الأشواك: لا تتسابقي
قالت لها الغيلان: في كنفي الأمان
هيا لمائدة الحنان!
من كوّة الأحلام طارت للقمر
قالت لها الأسوار: ينعدم الرفيف..
وخفق أجنحة الهواء..
الأرض إيقاع اللهب
قالت لها الديدان: لا أرض تقل ولا سما
فالراصدون عيونهم ملئت غضب
قالت لها
قالت لها
فتلألأت للطير أغنية لها
عين المها
توق الطيور إلى السّها
هذي طيورٌ ساعيات للغدير
في القيظ أو في الزمهرير
أجلٌ.. أجلْ
هذي طيورٌ ناشطات كم تطير؟
حملت مناقير الشعور
هبةَ الغفور
للعاملين
للصابرين الأنقياء
للزارعين الخير، لألأةَ السماء
***
كفكفتُ دمع الصابرين بمهجتي
ومسحتُ عن وتري العناء
وملأتُ مصباحي ضياءً من تراتيل السماء
وعددت نفسي طائراً عشق القمر
يهب البشر
مطر الغناء!

د. حسين علي محمد
22/03/2009, 02:25 AM
الزمن الاستثنائي!

شعر: مصطفى النجار
....................

قد ضاءت في مقدمك الأكوان
وليالٍ زانتها أقمار الإيمان
وفضاءات عطّرها نور القرآن
وتراويح بلّلها تغريد الكروان
ضاءت نفسي، ارتعشت روحي الآن
في زمن استثنائي يأتي
في أيام لا كالأيام
«أولها الرحمة.. أوسطها مغفرة الرحمن
وآخرها عتق من نار»
قد ضاءت في مقدمك الصلوات
يا زمن الاستثناء النورانيّ الخطوات
خفقات الجسد المكدود لظل أمان
أشواق الأرواح العطشى للطيران
فرح الملأ الأعلى بعباد الرحمن
وتمنى لو كان الدهر جميعاً «رمضان!»
كم أتمنى يا زمناً يأتي
وينادينا في عجل
فكأن الشهر ثوان!
لو تبقى أكثر
لوتمكث في ظهرانينا أكثر.. أكثر
تنمو في غسق الأرضين..
منائر ورد وصداح
وقناديل سماح
***
قال الزمن الاستثنائي الأخضر:
كن «ربّانياً» في كل زمان ومكان
فتزوّدْ بالتقوى وتظلّلْ بالإحسان
كن.. كن إنسان الإنسان!
وعداً..لا لن أتأخر
لا لن أهجر من متّن عروته الوثقى..
بالله ومتّن ما بين الناس الحب الأنقى
لا لن تبعد عنكم أنهار البركات
«وليالي القدر» الأحلى والأعياد
بل يورق، يزهر،
يثمر فيكم في كل الأوقات
«رمضان»، الطهر، الحب، الينبوع،
الوطن الغالي، الأجداد، الأحفاد؟!

د. حسين علي محمد
22/03/2009, 02:25 AM
قراءة في ديوان «من سرق القمر؟» لمصطفى النجّار(*)

بقلم: د. حسين علي محمد
...........................

(1)
مصطفى النجار الشاعر السوري الشاب ، واحد من الجيل الذي أفرخته النكسة المريرة التي واجهتها أمتنا ذات المئة مليون أمام مليوني إسرائيلي عام 1967م.
صحيحٌ أنه نشر ديواناً من الشعر المنثور عام 1962 بعنوان "شحارير بيضاء" كان يُغرِّد فيه كالطيور، ولكنه في الفترة السابقة على النكسة كان يبحث عن طريقه وعن ذاته. وهوى سكين الهزيمة والنكسة على الأعناق الغضَّة فأسال دماءً كثيرة، البعض هوى قتيلاً، والبعض أخذ يُضمِّدُ جراحه النازفة، ويستعدُّ للمقاومة.
وكان شاعرنا مصطفى النجار واحداً من الذين ضمدوا جراحهم وقاوموا، وكانت "أسئلة سفر ما" التي كتبها عام 1967م واحدةً من قصائد المقاومة والإصرار على الصمود:
أقف الغروب مُشيِّعاً
زمناً تضرَّجَ بالسَّوادْ
وبداخلي صرخ الحدادْ
فلِمَ الظَّما ؟
حرقتْْ حرارتُهُ اللهاةْ ؟
ولِمَ الحُواةْ ؟
هل تكونُ النكسةُ نهاية المطاف؟ وهل يفقد شعبنا العريق حضارته ذات الآلاف السبعة من الأعوام وتراثه الحضاري العظيم بهُداته ومصلحيه وقادته؟ وإلى أين ينتهي المطاف؟
أتموتُ في الشَّجنِ الحياةْ ؟
وتضيعُ أسئلةُ الهُداةْ ؟
كانت الهزيمة مروِّعة، ولكنها لم تقتُل فينا الأمل، فـ ..
الخُبزُ في زماننا القتالْ
الحبُّ في زماننا مُحالْ
(2)
لم تذبل الزهور أبداً في أرضنا الطيبة المعطاء، وظل الشاعر واحداً من هذه الكتيبة المجاهدة التي ترفض اليأس لأنها مؤمنة بربها ، وتثق في قُدرة وطنها على النهوض ، وقدرتها الذاتية على الحركة ومُجابهة أسراب اليأس ووساوس النفس..لأن الغاية شريفة:
لأنني أُريدُها الأشياءْ
نقيَّةً بيضاءْ
بسيطةً كالحب
كزُرقةِ السَّماءْ !
لأنني أُريدْ أنْ أسيرْ
أُريدُ أنْ أكونْ
وتستمرُّ الرحلةُ المباركة حتى يُعيدَ الإنسان العربي المسلم في تشرين(أكتوبر) وجهه المشرق، وينزع القناع، وتتحقَّق نبوءةُ الشاعر التي أطلقها عام 1972م في قصيدة "الزرافة والإنسان الآتي"، في قوله:
فلسْتُ لسْتُ طًحلُباً جبانْ
ولاعِناً مسيرةَ الإنسانْ
فغايتي:
المجْدُ للإنسانْ
والموْتُ للغيلانْ
وهاأنا مُزوَّدٌ بالوعْدِ والإشارهْ
وهاأنا في رحلةِ الحضارهْ !
ويكون نصر تشرين ، ويكون "الخروج من كهف الرماد" حيث أوقعتنا الهزيمة السوداء ! وتعود الأشياء إلى ناموسها وكل في فلكه يدور ، فهل ذهب خوف الشاعر الذي سطَّرهُ في مرحلة الهزيمة ؟
أخافُ أنْ تضيع
وتلعنُ الخطوطُ منْ كَتَبْ
وتلعنُ الدروبُ منْ خطاها
ويُنكرُ الجنينُ والديْهْ
ويُنكرُ الآتي الذي ذَهَبْ
ومن أجل ألاَّ يحدث هذا حارب الجندي العربي، وانتصر، ورأينا شاعرنا يحب وطنه حباً خالصاً، ويظل عاشقاً لوطنه الحبيب مُغنيا.
(3)
ثمة سؤال يدور في ذهني :
إلى أين يسير الشاعر بعد تشرين؟ وما هي الرؤيا التي يطرحها هذا الديوان ؟
إن الشاعر في قصائده التي كتبها بعد تشرين ما يزال أسير دمعه وحزنه وخوفه "يُكفكفُ دمع الغزال " ـ وهذا تعبيره ـ ولكن على أي شيء يخاف؟ ومِمَّ؟
إنه يخاف على الإنسان، فشاعرنا إنسان بسيط، ويكتب الشعر حتى يحقق إنسانية الإنسان، وياله من هدف عالٍ للشعر حاول طوال مسيرته الإنسانية الحضارية أن يُحققه!
إن جفَّ تيَّارُ المُحيط
وتاه رُوَّادُ القمرْ
وعُطِّلتْ عن المسيرْ
كُلُّ قطارات السَّفرْ
أهْوَنُ عندي بكثيرْ
منْ جرحِ إنسانِ بسيطْ
ويخافُ شاعرنا من الحضارة الأخطبوطية ، التي تلاشى فيها الإنسان وأصبحَ كمًّـا مهملا، وهو الذي صنعها، يخاف من قوى الشر في العالم التي يرمُزُ لها بـ "ميدوزا" ، ( و"ميدوزا" في الأسطورةِ مخلوقةٌ كريهةُ المنظر،من ينظر في وجهها يتحوَّلُ إلى حجر بفعل السحر). يخاطب الشاعر قوى الشر أو هذه الحضارة المجرمة في شخص "ميدوزا":
تلعنين السَّنا
تشربين الندى من عيونِ النَّهارْ
تأكلين الثمارْ
وكلَّ الجنى
وخُبز الفقير ،حليبَ الصغارْ
تذبحينَ الأغاني كذبْحِ الحمامْ !
إن هذه الحضارة الأنيقة ـ كما يُسميها الشاعر ـ هي التي سرقت القمر من زماننا وجعلتنا لا نشعر به.
وتنتهي صفحات الديوان على مصرع الباحث عن الحب والصفاء والطهر في زماننا.
(4)
بقي شيء نقوله في فنية هذا الديوان، وهي لجوء الشاعر إلى الصور البكر التي لم يفترسها شاعر من قبل، يقول:
حاملاً من جراحي سلاحاً جديدا
لمْ نر من قبل شاعراً يحملُ جراحه سلاحاً، يجاهد ويقاوم به الأعداء.
ويقول:
وها أنا في رحلة الحضارهْ
مخزَّنٌ بالحبِّ والمرارهْ !
كان يمكنه أن يقول " محمَّلٌ بالحب والمرارة"، ولكن كلمة "محمل" تفيد الحمل الطارئ، بينما كلمة " مُخزَّن" تعني أن المرارة قديمة في النفس، وكذلك الحب.
وبالإضافة إلى التعبيرات البكر نرى بساطة الصور ، وتلقائيتها حتى إننا لنُحس أننا أمام كلام منثور، وليس شعراً؛ يقول في قصيدة "من سرق القمر":
تصارخوا: أتسألُ الجموعُ منْ رأى القمرْ ؟
لأنتَ أرنبٌ يدورْ
لأنتَ ثعلبٌ خطيرْ
أنت سارقُ القمرْ
وفي قصيدة "الفراشة والسور":
وكيف أقولُ كلاماً يُقالُ حزينْ ؟
أهرولُ مثلَ صغارِ الأوزِّ النحيلْ
وأزرعُ بالوردِ قبر الأحبة
شيءُ واحدٌ آخذه على مصطفى النجار هو "التكرار"؛ الذي يلجأ إليه في بعض قصائده، ولعل هذه الخاصية قد تسربت إلى شعره من عمله مدرساً بالمرحلة الأولى؛ عليه أن يكرر الكلمة أحياناً أكثر من مرة حتى يفهم تلاميذُه الصغار.
وبعد ؛
فمصطفى النجار شاعر من أفضل شعراء جيلنا، وضع قدمه على الدرب ، وأمسك بجمرة الشعر، وكتب لنا شعرً جميلاً مؤثراً معبراً عن أزمة الإنسان المعاصر، وما أندر الشعراء في زماننا البخيل!
.......................
(*) نشر في صحيفة "الوطن" العُمانية ، في29/9/1980. وفي مجلة "الثقافة" ، العدد(106)، يوليو 1982م.

د. حسين علي محمد
22/03/2009, 02:26 AM
الحداثة الشعرية

بقلم: مصطفي النجار
.....................

يمكن لكل ذي بصيرة ان يميز بين حداثات الشعر العربي المعاصر - وللحداثة مستويات وهي ليست حداثة واحدة كما يشاع - وسوف لا تخفى عليه سمات هذه الحداثات من خلال تتبعه لما نشر وينشر من الشعر، هنا وهناك ومنذ اربعين عاما ونيف وما يطلق عليه اسماء كثيرة منها: الشعر الحر، شعر التفعيلة، الشعر الحديث، الشعر الجديد، الشعر الطلق، الشعر المنثور او قصيدة النثر او نص او كتابة مضادة، او ابداع الخ، الا انه سوف يقف امام حداثة لا ترتبط بزمن ولا بمكان وادامت القصيدة من خلالها دائمة التأثير ونضرة التعبير، لا تشيخ مع الزمن مهما اوغلت في الزمن، وهذه الحداثة تعتبر القصيدة العمودية العربية - مثلا - ضمن دائرتها وقابلة لاحتضانها معنية بتطلعاتها اذا ما توافر لها شاعر كبير مبدع مقتدر، كما تعتبر قصائد تنتمي الى آداب مختلفة ومن عصور غابرة برزت فيها خصائص انسانية وفنية عالية المستوى هي حديثة بالمعنى الفني اذا كانت لصيقة بالوجدان الانساني عبر اداء يتصف بالعمق والبساطة اضافة الى نضارة التعبير وقوة التأثير اذا ماقورنت بحداثات حديثة العهد، ينتمي كتابها الى العصر الذي نعيش، ولكنها مختلفة ولا اثر لها لركاكتها، ولافتعال الشكل والمضمون - اذا وجد هذا المضمون - في معظمها رغم انها تلبس لبوس الحداثة الفاقع اللون.
الا يوجد في الشعر العربي نماذج حية لمثل هذه الحداثة القديمة، الجديدة على مستوى ابيات او قصائد أو اضاءات شعرية او مطولات؟
اما في الشعر المعاصر فنقع على نوعين هما:
الاول: حديث يتصف بافادته من الكنز الايقاعي الذي استنبطه وقعده الخليل بن احمد الفراهيدي وبتجديده الواعي المرتبط بالجذور والمعبر عن شعور الفرد والجماعة والبيئة والوطن، وبسعيه الحثيث على تأكيد الهوية العربية والاسلامية الحضارية والالتفات الى قضايا المادة والروح معا، وبأشكال تتجاوز وتفيد من معطيات العصر وينطبق على هذا النمط ذي الجذور الاصيلة مقولة الشاعرة نازك الملائكة بانه الابن الشرعي للشعر العربي القديم، والامثلة كثيرة في نتاج عدد من الشعراء المعاصرين ومن جميع الاجيال ولن يتحرج القارىء المبصر، القارىء الذواقة، في تقديم امثلة تتسم بالمغامرة الواعية، والتجديد الاصيل بارتياد مواقع بكر ونفض الغبار عن اسماء ومواقع ووقائع من التراث العربي والاسلامي اضافة الى التغلغل في العصر الراهن والتعبير عن هذا وذاك باسلوب فيه الجدة والاضافة والابداع والرؤية الخلاقة وبأسلوب يعنى اول ما يعنى بالهوية الحضارية والبحث عن الذات في زحمة التحديات والصراعات والمخاضات، والشعر مهما قيل انه يهتم بذات الشاعر من خلال رؤيا او هواجس، او تجريب حداثي او طقوس غامضة خاصة به، فانه اولا واخيرا يستمد نسغ استمراره من تربة الواقع والتراث والانسانية.
وتتراوح قصائد هذه الكوكبة من الشعراء المعاصرين فنيا تبعا لموهبة كل شاعر منهم، ولفهمه لما هية الشعر، ولدوره وغائيته.
اما النوع الثاني من الحداثة وهو على النقيض من الاول:
ينتمي الى حداثة تجد جذورها في تربة الغرب، اذ تمعن في هذا الطريق الى حد التطرف، وترفض ما عداها من حداثات, لا ريب ان النموذج الغربي الشعري له خصائصه وظروفه الموضوعية الخاصة به إذ جاءت السوريالية - مثلا - بعد مذاهب أدبية عديدة افرزت العديد من المعطيات وعلى مدى سنوات وسنوات ولا ريب ان هذا النموذج فيه معطيات ايجابية من الممكن الافادة منها إما ان يتبناها نفر من حداثيي العرب ذوي الاهواء المتعاطفة معها، والاوضح بالتعبير ان يتخذها هؤلاء وثنا جديدا لا محيد عنه، فتغدو حداثة الغرب هي الحداثة الاولى ولا حداثة سواها، وان تعتبر قصيدة النثر ذات الاجواء الاجنبية المكتوبة بحروف عربية، هي البديل ولا بديل سواها فهنا التغريب والغربة المقصودة والاستلاب الحضاري الذي يحتاج الى اكثر من وقفة للنظر واعادة النظر وللمراجعة.
وهذا الاقتفاء واسبابه كثيرة، اشكالية عانى ويعاني منها الشعر الحديث في الوطن العربي منذ الاربعينيات ومايزال والاقتفاء هنا ابعد من التأثر او المثاقفة والافادة من الشعر العالمي.
ويسأل سائل: لماذا لا يكون التأثر - لا الاقتفاء - بالشعر الآخر الذي تتصف به آداب الشعوب الاسلامية فيقف الادب الشرقي موقف الند امام الادب الغربي وغيره ممن يعزم تعميم ثقافته لتستلب ثقافة الشعوب النامية ومنها الشعب العربي.
ان من يطلع على آراء اعلام الشعر العربي المعاصر فيما آل اليه هذا الشعر، هذا النمط منه، سوف يتلمس مدى التململ والضيق من مغبة الامعان في شيء اسمه الحداثة المتطرفة والا بماذا نفسر اقوال بعض من هم رواد الحداثة وصناعها على مدى عدة عقود من السنين من هذه الاقوال ما قالته نازك الملائكة: يعاني شعرنا المعاصر الحديث من مجموعة اشكالات منها: التعمية، والتقليد واخطاء الوزن، وضعف اللغة، واستعمال اللغة العامية.
وما اشار اليه د, عبدالعزيز مقالح بربط ازمة الشعر الجديد بأزمة الثقافة العربية عامة.
وما اطلقه محمود درويش حيث قال: ان هذا الذي يسمونه شعرا حديثا ليس شعرا,, وذهب أبعد من ذلك فقال: الى حد يجعل واحدا مثلي متورطا في الشعر منذ ربع قرن ونيف، مضطرا لاعلان ضيقه بالشعر واكثر من ذلك يمقته، يزدريه، لا يفهمه.
ولا يبرىء جبرا ابراهيم جبرا نفسه فيقول: إنني متخوف من انني - انا وجيلي - مهدنا لهذا النوع من الشعر.
ويشير احمد عبدالمعطي حجازي الى الدائرة الايقاعية التي حصر معظم الشعر الحديث نفسه فيها فيقول: تستطيع ان تقول الان وانت مطمئن، ان تسعين في المائة من الشعر العربي خلال العشر سنوات التي مضت تكتب على بحر واحد هو المتدارك.
اما نزار قباني يتلمس ما هو فيه هذا الشعر الحديث فيقول: الشعر العربي واقع في ازمة ثقة مع الناس.
كل هذا وغيره يضعنا - قراء ومبدعين - امام حقائق كانت - ولا ريب - نتائج فهم خاطىء لما هية الحداثة، واستفحال النوع الثاني من حداثة التغريب، ويحثنا على ابداع اصله ثابت وفرعه في السماء.