المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (( طائر يخترق الشمس)) عائده محمد نادر



عائده محمد نادر
21/01/2009, 08:23 PM
طائـر يخترق الشمس
عائدة محمد نادر

لم يكن ذاك النهار الربيعي الأول للقائهما, وشمس أول نيسان الذهبية تنشر ضياءها, تتسلل أشعتها على شَعرٍ حسناء الطويل, فتبرق خصلاته بتموج عسليّ لامع, يبهر الأنظار.. وهي تتجول مع رفيقاتها بسوق البصرة الشعبي, وأصوات مزاحهن يملأ المكان روحا شفافة , تضج بالحياة.. لتلتقي مخلد الضابط الطيار ورفاقه كما المرات السابقة, وهم يتبضعون الهدايا لأهاليهم, وصوت ضحكاتهم يملأ الأشداق, تظهر مدى فرحهم, لقرب إجازتهم الدورية, والعودة إلى بغداد, ورؤية الأهل بعد أيام مضنية من الهجمات.. دس بيدها بخفة حاو, قصاصة ورقية صغيرة, أخذتها منه وخبأتها, دون أن تعي, وهي مذهولة, وقد تسمرت قدماها بالأرض, غير مصدقة بأنها قد فعلت ذلك, ورفيقاتها يسحبنها من يدها, لحثها على المسير.
المساءُ الآن على الأبواب, وعيناها ترقب حقيبتها, بتساؤل ملحٍ, لا تجرؤ على البوح به , عما خط بتلك الورقة الصغيرة, تتوسم قدوم الليل, وغفوة الأهل.. لتسرع لورقتها, التي خطت بيد فارس أحلامها, وفيها كلمات قليلة, رقم هاتف واسم, طالما شاغلت نفسها, باستنتاجه ليال طويلة.
أدارت قرص الهاتف بقلب ينبض بقوة, وصوت مرتعش, بومضة الخجل المشحون, وهي تطلبه, ليفاجئها, بأنه هو مخلد وفرحة غامرة, تعتلي صهوة صوته الدافئ, وهو يبثها شوقه العارم لرؤيتها, وحبها الذي سكن جوارحه, مذ لمحها قبل أشهر مع رفيقاتها.
حدثها عن طفولته, عن صباه, عن حبه لطائرته, وهو يحلق فيها عاليا في الفضاء كطائر حر, عن أمه الحنون, وهي تتمنى أن تراه, زوجا وأبا, عن أحلامه الوردية التي حلم فيها, وهي تتأبط ذراعه, تتفاخر بزوجها, الذي يجوب السماء دفاعا عنها, طال الحديث بينهما, ولم يقطعه سوى نداء, للطيارين بالتأهب, لطلعة جوية, وموعد للقاء بينهما مساء الغد.
تعلقت عيناها الواسعتان, بساعة الحائط, تستعجلها المضي, تعد الدقائق, وتحلم باللقاء, وشاغلت نفسها, تحضر ملابسها, فتخلع قميصا, لتلبس آخر, والوقت لم يزف بعد, وهاتف المنزل يرن بإلحاح, تململت متأففة, قبل أن ترد, والدهشة تغزو وجهها الخمري, لتسمع صوته الرخيم, يدعوها أن تصعد إلى السطح, بعد دقائق كي تراه, محلقا بسمائه, سألته بتعجب!! وابتسامة تعلو محياها:
- وكيف سأعرف طائرتك, مخلد ؟!!
- حسناء, سأهز جناحي طائرتي, يمينا وشمالا عدة مرات.. ستعرفينها.. صدقيني.
أطلقت ساقيها, تسابق السلالم, وقلبها الملهوف يرتعش, تراقب السماء, بعينين حائرتين, وأسراب الطائرات تروح وتغدو, حتى بانت طلائع, طائرة, تهز الجناحين بإلحاح.. تقافزت حسناء على سطح الدار, فرحا ضحكت ملأ شدقيها, وهي ترى طائرها الحر, يغازل عينيها في الفضاء, والفرحة تتناثر على قسمات وجهها الصبوح, حتى غابت طائرته, مخترقة جوف الشمس, وهي تهمس بوله العاشقة المغرمة, بجنون حبيبها:
- مجنون!! كم أحبك, حبيبي المجنون.
أزف وقت الموعد, وحين وصلت, وجدته يجلس على كرسي بمحاذاة النهر, يدخن سيجارته, بشغف وقلق, ينظر إلى ساعة يده الكبيرة, ولما رآها, تهللت أساريره, بابتسامة ساحرة, وفرحة الشباب تكاد من عينيه تنطق, بحب الحياة, وروعة الحب واللقاء بين حبيبين.
صارت ترقب السماء, يخالجها خوف من نوع غريب لم تعرفه من قبل, وهي تراه كل يوم, يخترق قرص الشمس, ذاهبا يهز جناحا طائرته, ونيران تأكل قلبها هلعا عليه, حتى تراه, وطائرته تخرج من عنق الشمس, عائدا, فتشعر براحة, تعيشها سويعات, لتعود لقلقها مرة أخرى.
أسراب الطائرات كانت اليوم مختلفة, فهاهو سرب كامل يهز أجنحة طائراته, يمينا وشمالا, وحسناء تراقبها, بدهشة, وتساؤل, وابتسامة أقرب للبلاهة تغمرها, فقد اتفق رفاقه أن ينفذوا مقلبا, يمازحونه فيه, وحبيبته البصرية, وحين ترجل ورفاقه من طائراتهم, تفرقوا وهم يتراكضون, يفردون أيديهم ويتمايلون مقلدين حركة طائرته, هاربين منه, ومخلد يلاحقهم, بخوذته ليضربهم فيها, لأنهم أفسدوا على حبيبته متعة مشاهدته, وهو في أعالي الجو, وضحكاتهم المجلجلة النابعة من القلب تملأ, أرض القاعدة الجوية, بمرح الشباب وحيويته, بالرغم من الحرب, وشبح الموت الذي يطل عليهم, في كل طلعة جوية.
لقاؤهما القادم, كان مليئا بالمرح, وهو يقص عليها ما حدث من اتفاق بين رفاقه عليه, وقطعهم لوعد له, بأن لا يكرروها مجددا, وهي تنظر بشغف لعينيه, اللتين إلتمعتا بريقا زاهيا, زادها ولهًا وتعلقا فيه, سكت حين انتبه لها تراقبه, فأحست بالخجل, احمرت وجنتاها وارتبكت, بلهفة, تفحص وجهها, وعيناه تترجم النظرات, كلمات حب, ثم قال:
- حسناء.
- نعم.
- غدا آخر يوم, أطير فيه, سأذهب إلى بغداد بعد غد, في إجازتي الدورية, وسأفاتح والدتي, كي نأتي لخطبتك, رسميا, فما رأيك؟
بان الفرح على قسمات وجهها, وترقرقت في عينيها دمعة صغيرة, لم تستطع أن تمنعها من النزول على خدها, وهي تجبيه, بصوت أقرب للهلع:
- كيف سأحتمل غيابك؟
- إنها سبعة أيام حبيبتي, سرعان ما ستنقضي.
- ستكون أطول سبعة أيام, صدقني.
- حسناء,عديني حبيبتي بأنك ستنتظرينني, عديني بأنك ستعلقين أشرطة خضراء, على غصن أعلى شجرة, في حديقة بيتكم, كي أراها حين أعود, وأعلم بأنك, مازلت تنتظرين عودتي.
بكت بحرقة وهي تعده, إنها ستفعل, منذ ليلة الغد, وإنها ستبقى تعد الدقائق حتى يعود, خنقتها عبراتها, حتى غصت فيها, وسالت على خديها دمعات, اختلطت بكحل عينيها, فأخذ منديله, يمسح وجهها فيه, أخذته منه, قبلته, ثم وضعته في حقيبة يدها.
لم تستطع أن تغفو وهي تفكر, في عودته لبغداد, وبقائه سبعة أيام, بلياليها, ومن أين يأتيها النوم, وهي تتصور الجميلات في بغداد, فربما سيتعرف على إحداهن, وينساها, ابتلتْ وسادتها بدموعها, وارتجف قلبها الصغير, غيرة عليه, من فاتنات مُغيبات, ولسانها يلهج, بدعاء أن يعيده الله لها, بعد إجازته الدورية.
بعد العاشرة صباحا, هاتفها كي تصعد إلى السطح, لتراه محلقا, فارتقت السلالم قفزا, كان سربه في السماء, وطائرته تهز الجناحين, وتتقلب في الهواء , كإنشوطة, ثم اخترق السرب جوف الشمس المتوهج, وكأنها ابتلعته.
انتظرت ساعة كاملة, وعادت إلى سطح الدار ترتقب عودته, كما المرات السابقة, كانت أسراب الطائرات تروح وتغدو, دون أن تهز أي منها, جناحيها!!
أصابها دوار وعيناها معلقتين, في السماء, حتى صار وقت الغروب, أحست بالوحشة والخوف, والأفكار المرعبة, توسوس في صدرها, فشعرت بأن أنفاسها لم تعد تكفيها, وأنها تكاد تختنق, ولم تعد تدري ما تفعل, والليل أطرق أبوابه, فصارت اللحظات, عليها جحيما, ولجة عميقة من كوابيس اليقظة, تسلطت على روحها, وهي تتنصت لهسهسات أهلها, عندما هجعوا لمخادعهم, لتتصل هاتفيا بالقاعدة الجوية, الهاتف يرن, يرن في أذنيها, دون مجيب, والهواجس المخيفة تتلاعب برأسها, تعتصره, تذيبها حد الاحتراق هلعا عليه, بكت في صمت, وهي تتخيل أنواع الصور عنه, وسؤال يلح برأسها.. هل ((كَبتْ طائرته))؟
يا إلهي!! كيف لم أفكر بذاك؟!! ما العمل الآن, وكيف سأعرف؟!!
هرعت بسرعة إلى الراديو, تستمع لنشرة الأخبار, وهاهو صوت المذيع يعلن بأسف, بأن طائرة قد كَبتْ, أدارت الموجة إلى الإذاعة الأخرى, تتنصت, الكثير من الجنود, يعلنون عن أسمائهم, وهاهو الآن المذيع, يتفاخر بأسر ضابط طيار عراقيّ, سيقدم نفسه للتعريف, تلاحقت أنفاسها, وانقبض بسرعة قلبها, وارتعش بقوة جسدها, وهي تسمعه, جاءها صوته متهدجا, يعلن بحزن عن اسمه, ويهدي السلام أهله, وأنه لم يصب, وأنهى كلماته, بقوله:
- سأعود يوما ما, سأعود بإذن الله.
نهضت في كل عزم, تنهمر دموعها الغزيرة على خديها, أحضرت شريطا أخضرا, وتوجهت إلى الحديقة, وعلقت شريطها, على أعلى شجرة في حديقة منزلها.

محمد السنوسى الغزالى
22/01/2009, 01:34 PM
حييت عائدة على هذا النص الرائع والمُعبر ، ولابد ان تعود الارض خضراء وارى الافق الان يشي بهذا..لك الود.

يوسف أبوسالم
23/01/2009, 09:40 AM
طائـر يخترق الشمس
عائدة محمد نادر


لم يكن ذاك النهار الربيعي الأول للقائهما, وشمس أول نيسان الذهبية تنشر ضياءها, تتسلل أشعتها على شَعرٍ حسناء الطويل, فتبرق خصلاته بتموج عسليّ لامع, يبهر الأنظار.. وهي تتجول مع رفيقاتها بسوق البصرة الشعبي, وأصوات مزاحهن يملأ المكان روحا شفافة , تضج بالحياة.. لتلتقي مخلد الضابط الطيار ورفاقه كما المرات السابقة, وهم يتبضعون الهدايا لأهاليهم, وصوت ضحكاتهم يملأ الأشداق, تظهر مدى فرحهم, لقرب إجازتهم الدورية, والعودة إلى بغداد, ورؤية الأهل بعد أيام مضنية من الهجمات.. دس بيدها بخفة حاو, قصاصة ورقية صغيرة, أخذتها منه وخبأتها, دون أن تعي, وهي مذهولة, وقد تسمرت قدماها بالأرض, غير مصدقة بأنها قد فعلت ذلك, ورفيقاتها يسحبنها من يدها, لحثها على المسير.
المساءُ الآن على الأبواب, وعيناها ترقب حقيبتها, بتساؤل ملحٍ, لا تجرؤ على البوح به , عما خط بتلك الورقة الصغيرة, تتوسم قدوم الليل, وغفوة الأهل.. لتسرع لورقتها, التي خطت بيد فارس أحلامها, وفيها كلمات قليلة, رقم هاتف واسم, طالما شاغلت نفسها, باستنتاجه ليال طويلة.
أدارت قرص الهاتف بقلب ينبض بقوة, وصوت مرتعش, بومضة الخجل المشحون, وهي تطلبه, ليفاجئها, بأنه هو مخلد وفرحة غامرة, تعتلي صهوة صوته الدافئ, وهو يبثها شوقه العارم لرؤيتها, وحبها الذي سكن جوارحه, مذ لمحها قبل أشهر مع رفيقاتها.
حدثها عن طفولته, عن صباه, عن حبه لطائرته, وهو يحلق فيها عاليا في الفضاء كطائر حر, عن أمه الحنون, وهي تتمنى أن تراه, زوجا وأبا, عن أحلامه الوردية التي حلم فيها, وهي تتأبط ذراعه, تتفاخر بزوجها, الذي يجوب السماء دفاعا عنها, طال الحديث بينهما, ولم يقطعه سوى نداء, للطيارين بالتأهب, لطلعة جوية, وموعد للقاء بينهما مساء الغد.
تعلقت عيناها الواسعتان, بساعة الحائط, تستعجلها المضي, تعد الدقائق, وتحلم باللقاء, وشاغلت نفسها, تحضر ملابسها, فتخلع قميصا, لتلبس آخر, والوقت لم يزف بعد, وهاتف المنزل يرن بإلحاح, تململت متأففة, قبل أن ترد, والدهشة تغزو وجهها الخمري, لتسمع صوته الرخيم, يدعوها أن تصعد إلى السطح, بعد دقائق كي تراه, محلقا بسمائه, سألته بتعجب!! وابتسامة تعلو محياها:
- وكيف سأعرف طائرتك, مخلد ؟!!
- حسناء, سأهز جناحي طائرتي, يمينا وشمالا عدة مرات.. ستعرفينها.. صدقيني.
أطلقت ساقيها, تسابق السلالم, وقلبها الملهوف يرتعش, تراقب السماء, بعينين حائرتين, وأسراب الطائرات تروح وتغدو, حتى بانت طلائع, طائرة, تهز الجناحين بإلحاح.. تقافزت حسناء على سطح الدار, فرحا ضحكت ملأ شدقيها, وهي ترى طائرها الحر, يغازل عينيها في الفضاء, والفرحة تتناثر على قسمات وجهها الصبوح, حتى غابت طائرته, مخترقة جوف الشمس, وهي تهمس بوله العاشقة المغرمة, بجنون حبيبها:
- مجنون!! كم أحبك, حبيبي المجنون.
أزف وقت الموعد, وحين وصلت, وجدته يجلس على كرسي بمحاذاة النهر, يدخن سيجارته, بشغف وقلق, ينظر إلى ساعة يده الكبيرة, ولما رآها, تهللت أساريره, بابتسامة ساحرة, وفرحة الشباب تكاد من عينيه تنطق, بحب الحياة, وروعة الحب واللقاء بين حبيبين.
صارت ترقب السماء, يخالجها خوف من نوع غريب لم تعرفه من قبل, وهي تراه كل يوم, يخترق قرص الشمس, ذاهبا يهز جناحا طائرته, ونيران تأكل قلبها هلعا عليه, حتى تراه, وطائرته تخرج من عنق الشمس, عائدا, فتشعر براحة, تعيشها سويعات, لتعود لقلقها مرة أخرى.
أسراب الطائرات كانت اليوم مختلفة, فهاهو سرب كامل يهز أجنحة طائراته, يمينا وشمالا, وحسناء تراقبها, بدهشة, وتساؤل, وابتسامة أقرب للبلاهة تغمرها, فقد اتفق رفاقه أن ينفذوا مقلبا, يمازحونه فيه, وحبيبته البصرية, وحين ترجل ورفاقه من طائراتهم, تفرقوا وهم يتراكضون, يفردون أيديهم ويتمايلون مقلدين حركة طائرته, هاربين منه, ومخلد يلاحقهم, بخوذته ليضربهم فيها, لأنهم أفسدوا على حبيبته متعة مشاهدته, وهو في أعالي الجو, وضحكاتهم المجلجلة النابعة من القلب تملأ, أرض القاعدة الجوية, بمرح الشباب وحيويته, بالرغم من الحرب, وشبح الموت الذي يطل عليهم, في كل طلعة جوية.
لقاؤهما القادم, كان مليئا بالمرح, وهو يقص عليها ما حدث من اتفاق بين رفاقه عليه, وقطعهم لوعد له, بأن لا يكرروها مجددا, وهي تنظر بشغف لعينيه, اللتين إلتمعتا بريقا زاهيا, زادها ولهًا وتعلقا فيه, سكت حين انتبه لها تراقبه, فأحست بالخجل, احمرت وجنتاها وارتبكت, بلهفة, تفحص وجهها, وعيناه تترجم النظرات, كلمات حب, ثم قال:
- حسناء.
- نعم.
- غدا آخر يوم, أطير فيه, سأذهب إلى بغداد بعد غد, في إجازتي الدورية, وسأفاتح والدتي, كي نأتي لخطبتك, رسميا, فما رأيك؟
بان الفرح على قسمات وجهها, وترقرقت في عينيها دمعة صغيرة, لم تستطع أن تمنعها من النزول على خدها, وهي تجبيه, بصوت أقرب للهلع:
- كيف سأحتمل غيابك؟
- إنها سبعة أيام حبيبتي, سرعان ما ستنقضي.
- ستكون أطول سبعة أيام, صدقني.
- حسناء,عديني حبيبتي بأنك ستنتظرينني, عديني بأنك ستعلقين أشرطة خضراء, على غصن أعلى شجرة, في حديقة بيتكم, كي أراها حين أعود, وأعلم بأنك, مازلت تنتظرين عودتي.
بكت بحرقة وهي تعده, إنها ستفعل, منذ ليلة الغد, وإنها ستبقى تعد الدقائق حتى يعود, خنقتها عبراتها, حتى غصت فيها, وسالت على خديها دمعات, اختلطت بكحل عينيها, فأخذ منديله, يمسح وجهها فيه, أخذته منه, قبلته, ثم وضعته في حقيبة يدها.
لم تستطع أن تغفو وهي تفكر, في عودته لبغداد, وبقائه سبعة أيام, بلياليها, ومن أين يأتيها النوم, وهي تتصور الجميلات في بغداد, فربما سيتعرف على إحداهن, وينساها, ابتلتْ وسادتها بدموعها, وارتجف قلبها الصغير, غيرة عليه, من فاتنات مُغيبات, ولسانها يلهج, بدعاء أن يعيده الله لها, بعد إجازته الدورية.
بعد العاشرة صباحا, هاتفها كي تصعد إلى السطح, لتراه محلقا, فارتقت السلالم قفزا, كان سربه في السماء, وطائرته تهز الجناحين, وتتقلب في الهواء , كإنشوطة, ثم اخترق السرب جوف الشمس المتوهج, وكأنها ابتلعته.
انتظرت ساعة كاملة, وعادت إلى سطح الدار ترتقب عودته, كما المرات السابقة, كانت أسراب الطائرات تروح وتغدو, دون أن تهز أي منها, جناحيها!!
أصابها دوار وعيناها معلقتين, في السماء, حتى صار وقت الغروب, أحست بالوحشة والخوف, والأفكار المرعبة, توسوس في صدرها, فشعرت بأن أنفاسها لم تعد تكفيها, وأنها تكاد تختنق, ولم تعد تدري ما تفعل, والليل أطرق أبوابه, فصارت اللحظات, عليها جحيما, ولجة عميقة من كوابيس اليقظة, تسلطت على روحها, وهي تتنصت لهسهسات أهلها, عندما هجعوا لمخادعهم, لتتصل هاتفيا بالقاعدة الجوية, الهاتف يرن, يرن في أذنيها, دون مجيب, والهواجس المخيفة تتلاعب برأسها, تعتصره, تذيبها حد الاحتراق هلعا عليه, بكت في صمت, وهي تتخيل أنواع الصور عنه, وسؤال يلح برأسها.. هل ((كَبتْ طائرته))؟
يا إلهي!! كيف لم أفكر بذاك؟!! ما العمل الآن, وكيف سأعرف؟!!
هرعت بسرعة إلى الراديو, تستمع لنشرة الأخبار, وهاهو صوت المذيع يعلن بأسف, بأن طائرة قد كَبتْ, أدارت الموجة إلى الإذاعة الأخرى, تتنصت, الكثير من الجنود, يعلنون عن أسمائهم, وهاهو الآن المذيع, يتفاخر بأسر ضابط طيار عراقيّ, سيقدم نفسه للتعريف, تلاحقت أنفاسها, وانقبض بسرعة قلبها, وارتعش بقوة جسدها, وهي تسمعه, جاءها صوته متهدجا, يعلن بحزن عن اسمه, ويهدي السلام أهله, وأنه لم يصب, وأنهى كلماته, بقوله:
- سأعود يوما ما, سأعود بإذن الله.

نهضت في كل عزم, تنهمر دموعها الغزيرة على خديها, أحضرت شريطا أخضرا, وتوجهت إلى الحديقة, وعلقت شريطها, على أعلى شجرة في حديقة منزلها.




عائدة محمد نادر
أيتها المبدعة

على ضفة القمر ربما ، أو على وقع خرير دجلة ، ومن خلال إنصاتي لزقزقة طيور الكناريات المحلقة في المدى الأزرق الصافي ..قرأت قصتك الجميلة ،
شدَهَني فيها السرد المتلاحق الرقيق الشفيف ، ولفتني فيها شاعرية تنهمر من قلم مخضّبٍ بالفيوض ، ظل ينهمر في ظني بلا انقطاع حتى نهاية القصة ، ويبدو ذلك واضحا من خلال استمرار نمو تصاعد السرد الذي تماهى مع نفسية حسناء ومشاعرها .
وبدأت قطرات من الدمع الشفيف تبلل الجمل السردية في السطور الأخيرة من القصة لتعلن حزنها النبيل على مصير حبيبها ، ( البطل المقاتل ) .
صورة البطل المقاتل رسمٌ بديع وإشارة ذات دلالة للوضع في العراق ، وتمازج لطيف بين الحب والحرب ، وإعلان غير مقنع على تفضيل وحب الرجولة المتمثلة بالشجاعة ، والبطولة ، على الرجولة المخنثة .
لكن روعة تصوير مشاعر الأنثى العاشقة كانت تتقافز من أقواس الحروف ، ومن ثِنْياتِ الكلمات ، فهطلت برومانسية كأنها بضع قطرات من ضوء .
وإذا كان لا بد لي من أن أختم مشاركتي ، فلن أنسى ذلك الأمل الممتد، والنبض الذي يرفض الإستسلام ، وانتظار المستقبل الواعد ، لعودة البطل وعودة العراق معا حينما حلقت الكاتبة وهي تحمل الشريط الأخضر ، وتتوجه ( بأمل وسع الدنيا كلها ) إلى الحديقة لتعلق شريطها في غصن أعلى شجرة فيها .


عائدة نادر
شكرا لك ولقلمك ولشاعريتك وللأمل النابض في هذه القصة الجميلة .
تحياتي

عائده محمد نادر
23/01/2009, 08:01 PM
حييت عائدة على هذا النص الرائع والمُعبر ، ولابد ان تعود الارض خضراء وارى الافق الان يشي بهذا..لك الود.



الزميل القدير

محمد السنوسي
شكرا جزيلا على إطرائك الجميل والودود
ندعو الله أن تنفك الغمة عن العراق العظيم
ليعود عراق الأحبة والإخوة
تحياتي لك سيدي الكريم

بنور عائشة
24/01/2009, 03:17 PM
تحيةطيبة....


لي عودة عائدة ....

عائده محمد نادر
24/01/2009, 09:04 PM
عائدة محمد نادر

أيتها المبدعة


على ضفة القمر ربما ، أو على وقع خرير دجلة ، ومن خلال إنصاتي لزقزقة طيور الكناريات المحلقة في المدى الأزرق الصافي ..قرأت قصتك الجميلة ،
شدَهَني فيها السرد المتلاحق الرقيق الشفيف ، ولفتني فيها شاعرية تنهمر من قلم مخضّبٍ بالفيوض ، ظل ينهمر في ظني بلا انقطاع حتى نهاية القصة ، ويبدو ذلك واضحا من خلال استمرار نمو تصاعد السرد الذي تماهى مع نفسية حسناء ومشاعرها .
وبدأت قطرات من الدمع الشفيف تبلل الجمل السردية في السطور الأخيرة من القصة لتعلن حزنها النبيل على مصير حبيبها ، ( البطل المقاتل ) .
صورة البطل المقاتل رسمٌ بديع وإشارة ذات دلالة للوضع في العراق ، وتمازج لطيف بين الحب والحرب ، وإعلان غير مقنع على تفضيل وحب الرجولة المتمثلة بالشجاعة ، والبطولة ، على الرجولة المخنثة .
لكن روعة تصوير مشاعر الأنثى العاشقة كانت تتقافز من أقواس الحروف ، ومن ثِنْياتِ الكلمات ، فهطلت برومانسية كأنها بضع قطرات من ضوء .
وإذا كان لا بد لي من أن أختم مشاركتي ، فلن أنسى ذلك الأمل الممتد، والنبض الذي يرفض الإستسلام ، وانتظار المستقبل الواعد ، لعودة البطل وعودة العراق معا حينما حلقت الكاتبة وهي تحمل الشريط الأخضر ، وتتوجه ( بأمل وسع الدنيا كلها ) إلى الحديقة لتعلق شريطها في غصن أعلى شجرة فيها .



عائدة نادر
شكرا لك ولقلمك ولشاعريتك وللأمل النابض في هذه القصة الجميلة .

تحياتي


الزميل القدير
يوسف أبو سالم
أسعدني مرورك الكريم على قصتي طائر يخترق الشمس
وأسعدني أكثر إعجابك بها وإنها دخلت قلبك
ربما هي فعلا عودة لرومانسية بتنا نفتقد وجودها
مداخلتك من الروعة بحيث أعيت حلية ردي عليها
كانت مداخلة تعج بكل ذاك الود الحميم وحب العراق كان يتجلى بحروفك
أشكرك بحجم الكون
تحياتي المعطرة لك بعطر الياسمين زميلي العزيز
أحتاج إلى قاموس من الشكر لك

محمدذيب علي بكار
25/01/2009, 04:49 PM
الأديبة القاصة
والمبدعة عائده محمد نادر
وأناأقرأ قصتك سافر بيعيداً
يوم كان العراق يخوض القادسية الثانية
وكان الأنتماء إلى العراق أكبر من أيي أنتماء أخر
تفاصيل أقرب ماتريد أيصال مكان العراق عليه
يوم كانت العراق في تنوعه وأطيافه
بحزنه وفرحه وحبه حييث كان نداء الواجب
أعلى من الحب واعلى من أي شيئ أخر
دلالات رمزية لكن ذات مدلول حيث االمحبوبة
حين تصف حبيبها وتفتخر به وهو يحلق في السماء كنسر
وكانت النهاية أنه وقع في الأسر وهي سارعت وربط خيط أخضر فوق الشجرة
وبهذا أكدت أنها سوف تنتظره طال الزمن أم قصر
قصة لها قراءة متعددة الوجوه
وهي نص أبداعي
دام قلمك المغمس بحب الوطن
أخوك محمد

عائده محمد نادر
25/01/2009, 08:23 PM
تحيةطيبة....


لي عودة عائدة ....

الزميلة القديرة
أهلا وسهلا بك
عودي بألف خير سيدتي الكريمة
تحياتي لك

عائده محمد نادر
28/01/2009, 07:37 PM
الأديبة القاصة

والمبدعة عائده محمد نادر
وأناأقرأ قصتك سافر بيعيداً
يوم كان العراق يخوض القادسية الثانية
وكان الأنتماء إلى العراق أكبر من أيي أنتماء أخر
تفاصيل أقرب ماتريد أيصال مكان العراق عليه
يوم كانت العراق في تنوعه وأطيافه
بحزنه وفرحه وحبه حييث كان نداء الواجب
أعلى من الحب واعلى من أي شيئ أخر
دلالات رمزية لكن ذات مدلول حيث االمحبوبة
حين تصف حبيبها وتفتخر به وهو يحلق في السماء كنسر
وكانت النهاية أنه وقع في الأسر وهي سارعت وربط خيط أخضر فوق الشجرة
وبهذا أكدت أنها سوف تنتظره طال الزمن أم قصر
قصة لها قراءة متعددة الوجوه
وهي نص أبداعي
دام قلمك المغمس بحب الوطن
أخوك محمد


الزميل المبدع
محمد ذيب علي بكار
آه من ذكرياتك
ماذا يقول قلب كل من اكتوى بنيران أحرقتنا جلبها علينا الخونة المارقين الذين خانوا الله والوطن وباعوه بأبخس الأثمان
هذا العراق الأبي .. الكريم.. الشجاع.. المعطاء.. منارة العلم
صار مرتع لسياسيين أشرفهم سارق والباقي ....!!
لصوص .. قطاع طرق .. خونة .. مرتزقة ومصاصي دماء
آه سأموت قهرا محمد
أذوب بأوجاعي وحرقة قلبي على بلد الرافدين ولاأستطيع فعل شيء سوى الكتابة
قصص تشتعل نارا
وخواطر تجترع وجعي
وذكريات أمرها كان أحلى من الحلاة نفسها
أدام الله عليكم نعمة الأوطان
آمين