المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المضحية



هديل الرافدين
17/01/2009, 05:15 PM
المضحية
في زمنٍ ضاعت فيه هوية الوفاء...وتاهت كلمات الصدق والثقة,في زمنٍ لا يوجد فيه مبادئ الإنسانية وكلام الجميل وتحولت العصافير إلى صقور وغرابيل...كانت هناك إمراة تعيش ليس لها احد فقدت أباها وأخاها وأخواتها بالأنفال والجرائم الغير إنسانية وقتل زوجها من قبل مصاصي الدماء(إرهاب الأسود) قتل لأنه كان يعمل بقوته وبعرق جبينه وبطريقة يرضي به ربه,وكانت للمرأة ابنة وحيدة التي بقيت من عشيرة كاملة , عملت هذه المرأة بجهدٍ واجتهاد...تعبت وسهرت ألاف الليالي باكية لكي تنمو شجرة بيتها وجذور عشيرتها,لكي تكبر ابنتها ,كانت تتحمل ما لا يتحمله الجمل,كانت تتألم ما يتألم به المقتول أو المذبوح, كانت المرأة جميلة...رقيقة تشبه شمس الحياة,تخلت عن جمالها...عن قلبها...عن عمرها بهدف تعويض ابنتها ولا تجعلها تشعر بالحرمان والفقدان والضياع كما شعرت هي من قبل,كانت تموت هذه المراة ألاف المرات, لكنها صبرت لكي ترى الابتسامة ترسم على وجه ابنتها فابتسامتها تمحي كل همومها ويكفيها أن ترى ابنتها مدللة..فراشة ترقص ببراءتها بعيداً عن سواد قلب أمها ,فقد كانت هذه الابنة كل ما تملك من الدنيا هي الأب والأم والأخ والأخت والزوج والحبيب والصديق,هي الارض والهواء والزاد والماء,كانت تعيش وتتنفس بابنتها إذا غابت وردتها للحظة عن بصرها هاجت كأمواج الموت العنيف,فكيف ستصبر إذ دخلت ابنتها الجامعة لتهدي لامها ثمار تضحيتها وتفرحها يوماً بالحصول على شهادتها الجامعية وهي ترتدي ملابس التخرج,كيف ستصبر هذه الأم عندما لا ترى ابنتها...مدللتها...وردتها ساعات طويلة برغم صعوبة الموقف بعدم رؤية ابنتها ولكنها تحملت وأدخلتها الجامعة التي يحلم بها كل إنسان فتاةً كانت او شاب وهكذا دخلت ابنتها الجامعة وسجلت بالمرحلة الأولى كلية القانون بدأت ابنتها دوامها بصورة مستمرة وفي هذه المرحلة حصلت ابنتها على امتياز من بين زملاءها فقد دمعت عيون أمها لسمعها هذا الخبر لتجعل من قهرها قنديلاً يضوي مستقبل ابنتها فرحت... صرخت...شكت...وحلمت, هكذا كانت فرحة الأم الحزينة عند استلام ابنتها نتيجتها للمرحلة الأولى ,وكان الحال في المرحلة الثانية حيث حصلت ابنتها أيضا على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف ,عندما عرفت أمها ذلك قالت لابنتها:انظري يا ابنتي أنا إمراة لأصبحت ألان يابسة كالشجرة الميتة ومهزومة كخائن الوطن ولكن إرادتي وإصراري سيطرتا على ضعفي وخوفي,جعلت من نفسي الشجرة وأنت الثمرة فلا تتراجعِ يا ثمرتي ولا تضعف ِ وتهربِ من حياتكِ فلتكن لكِ إرادة تشبه الموت وقوة تشبه البحر ولا تسقط وتخافي إذ مرت بك أعاصير لتهزك وتحاول إيقاعك فهذه الكلمات كانت هدية ابنتها, وفي المرحلة الثالثة من كلية القانون أقسمت ابنتها على أن تحافظ وان تعمل جاهدةً لكي لا يمر أي إنسان بما مرت به أمها وان تحمي المظلومين بالجوهر وليس القناع وقسمت بالكتاب الذي علمها والقلم الذي تحملها أن تعتني بالقوانين والأنظمة حتى الممات لتجعل القانون سيد الموقف وتحارب من يسير ويعمل على قتل وهزيمة القانون ,قالت هذه العبارات عندما أعطوها كتاب عنوانه(قانون بما يرضي الله) هدية لها كونها حصلت على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف في هذه المرحلة والسنوات السابقة ايضاً وفي بداية المرحلة الرابعة قالت الأم لابنتها:احترسي يا ابنتي أن من يحمل هذا الكتاب سيكون مستهدف في ظل أوضاع بلدنا الحزين والمغلوب على أمره فأجابت ابنتها قائلةً: يا آمي لقد أقسمت’ بحياتكِ أن أحافظ على هذا الكتاب وما يحتويه وأدافع عنه وان أصحح الأخطاء التي دخلته بعدما حرفته أنامل لا تعرف من القانون مبدئها ابتسمت أمها وقالت: أحسنت يا ابنتي فاجعلِ هذه الكلمات وصية’ بعد موتي إذ مت’ فليكن هذا الكتاب أمك وإذا أحييت’ مدى الحياة فاجعلِِ من هذا الكتاب نورك وبصركِ وبهذه الكلمات ذهبت ابنتها إلى الجامعة لكي تصحح الأخطاء وتدرس وتبحث ليعيش القانون في الحياة وهكذا استمرت الابنة بالبحوث والاستخبارات العلمية لكي تؤلف كتاب قانون عنوانه المضحية ومع التعب والإرهاق في الاستنتاجات والتقارير........الخ قد أنهت الكتاب وفي نهاية السنة من أخر مرحلة من مراحل الجامعة وهو اليوم الذي لطالما انتظرته أمها ,قررت الابنة أن تقيم حفل التخرج في إحدى قاعات الجامعية وليكون كتاب الذي الفته ثمار دراستها لطلاب القادمين وفي يوم التخرج طلبت من أمها المجيء ليتعرف عليها الناس ويعرفون من هي المضحية التي كتبت عنها كتاب القانوني رفضت في البداية وبعدها وافقت وذهبت مع ابنتها إلى الحفل وفي الشارع الذي أمام بوابة الجامعة نزلت الابنة وأمها من السيارة وعند نزول الابنة لم تكن أمها مطمئنة وشعرت بالارتباك والخوف وشعرت بحدوث كارثة في ذلك اليوم ,هكذا نزلوا وعند الشارع نادت على الابنة صديقتها ميزان وباركتها على تأليفها لهذا الكتاب الذي سيكون الأول من نوعه وفي وقت الذي كانت أمها بانتظارها لكي يدخلوا ويحتفلون بالقانون والنظام ,فقد كانت الابنة تريد أن تمر الشارع وتجتمع مع أمها وأصدقائها وكتاب القانون بين أحضانها مبتسمة متأملة بنجاح كتابها وبغفلة جاءت سيارة وبها أشخاص ملثمون أطلقوا عليها النار محاولين قتل الحياة أطلقوا عليها النار لكي تموت ويموت معها القانون وعندما رأت الأم ابنتها مرمية في الشارع كوردة باكية وكتابها المغطى(ملطخ) بالدماء بين أضلعها ,رأت الأم كيف تضم ابنتها الكتاب تخاف أن يسقط من يديها ويتبلل بالدم, نادت الابنة أمها بدمائها والناس من حولها خائفين مرتعبين من موتها تترجى أمها أن تحافظ على الكتاب وان لا تدعمهم أن يقتلوا روحها,كانت الام ترى كيف تموت ابنتها مدللتها وردتها من اجل القانون؟ والكتاب المسكين يبكي بين أحضانها وقطرات الدماء تتساقط كزخات المطر, فلم تصرخ الأم ...لم تبكي...لم تشكي سوى قالت بهدوء ساعدوني برفع ابنتي...أرجوكم لا تجعلوها تتحرك كثيراً لكي لا تستيقظ وبجثة ابنتها ذهبت إلى الحفلة كما وعدت ابنتها وقالت ما كانت تنوي أن تقوله ابنتها وابتسمت الأم ودمعة الضياع على خديها ترتجف... معاتبةً الزمان صارِِخةً هذه هي المضحية والتضحية التي ضحت بيها ابنتها لكي يعيش القانون ويموت الإرهاب ,قالت أمام الجميع صافنة جامدة لا تخافي يا ابنتي ونامِ مرتاحة البال إذ قتلوكِ أنت فلن يقتلوني ولن انهار ابداً بالرغم محاولاتهم العديدة لاغتيالي لن اجعلهم يقتلوني يا ابنتي لأنني العراق.






بقلــــــــم
هديـــــــــل الرافديــــــــــن