المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بقايا إنسان



إيمان المازري
10/01/2009, 12:06 PM
بقايا إنسان

تمضي الأعوام تلو الأعوام يشتعل الشيب بالرأس ينحني الظهر ترتعش اليد يفتر الصوت وها هي ذا تعود إلى بقايا بيت كان بيتها تغتالها عيون الناظرين متسائلين من تلك العجوز .

تنظر إلى بقايا نفسها علها تجدها في ذاك البيت المنثور على أرصفة الطرقات .

قائلة لروحها في تلك الزاوية لعبنا و أخوتي الغميضة .

تأرجحت الذاكرة ما بين طفولة متعبة ومراهقة أرهقها ضياع الزمن تساءلت ترى أما زالت أحلام الطفولة تغفو في تلك الغرفة التي بقي منها ربما هوسها الطفولي بدمية تحضنها ؟

تبكي العيون على زمن مر وانقضى وفي ثوب الشيخوخة بات الكل يجهلها أصبحت عجوزا منسية والقلب يشتعل برماد الحب القديم . همت تدخل البيت الذي علق حبها في كل زواياه وإذ بأحد يصرخ لها

ما بالك أيتها العجوز ألا تستأذني قبل الدخول ؟

ضحكت في قرارة نفسها الآن لا تستطيع دخول بيتها دون إذن .

أي زمن يمنعنها من دخول بيت مازالت ضحكات الطفولة تغفو فيه ألمها ووجعها يتأوه على أسرته حبها معلقا على أسلاك الشاشة الصامتة .

تلك الموسيقى إنها تسمعها وهي تتفتق من جدرانه رائحة عطرها المفضل تخرج من ثناياه . هذا الدرج الذي أكل عليه الدهر وشرب تسمع وقع أقدامها عليه .

وإذ بشخص يربت على كتفها يخرجها من ذاكرتها فتتنبه له \سيدتي تفضلي بالجلوس\ سألته \من يقطن هذا البيت \أجابها إنه مهجور منذ سنوات \ قالت إني أرغب بشرائه وأدفع لك ما تريد \

عاد بقايا البيت المنثور إليها ؟أمسكت بالمفتاح وهمت تفتح بابا كتبت عليه صفحات دخولها وخروجها .

صعدت الدرج بمساعدة فتى كان يقف على عتبة المنزل مع كل خطوة كانت تمتلئ الذاكرة بصور تبكي تارة وتضحك تارة وينزف القلب .

وصلت الغرفة التي سكبت فيها دمعها قطرات الدمع ما زالت تندي الأرض أزاحت الغبار عن سرير ووسادة لطالما شاركاها ألمها وشهدا جروح قلبها جلست على حافة السرير تستذكر لحظات سعادة هاربة من زمن الاغتيال .

تلك الوسادة تنظر إليها تستعطفها قائلة \عانقيني سيدتي اشتقت يديك الدافئتين\كم غفوت بين يديك \

ويلفت نظرها آثار دماء تناثرت على أرض الغرفة وتعصف الذاكرة بصورة تمنت روحها ألا تذكرها وبخطواتها المتثاقلة مسحت الدماء التي لم تجف بعد إنها تحملها الرائحة ذاتها ولم يطلها العفن بقيت زكية كعادتها .

حملت دمعها في عيونها وجلست تحملها رياح الماضي فما بال الخيانة تطرق باب الذاكرة لتدخل القلوب الضعيفة وتمزقها قطعة قطعة . ما بال الريح تحمل غبار الهوى ليمتلئ الصدر فيه وتبدأ الروح بالسعال للفظه بعيدا عنها .

ها هي ذا في ثوب الشيخوخة و أرجعتها بقايا البيت إلى صور لم تكن تدرك أنها تذكرها بأدق التفاصيل .

بخطوات بسيطة انتقلت إلى الغرفة المجاورة فتحت بابها ودخلت تبحث عن بقايا أبيها أنفاسه ضحكاته وحتى لحظات غضبه المتفجر الذي لا يلبث أن يزول بابتسامة ترسمها على وجهها .

تبحث عن بقايا والدتها التي طالما اشتاقت لروحها واشتاقت لأنفاسها تعانق أنفاسها .

وحيدة كانت في ليالي الوحدة تبحث عنها لتمسح دمعها وتغطيها برداء حنانها تغسل حزنها .

تساءلت \أين أنا الآن من كل هذا؟\ أصبح بقايا أمس مضى وانتهى

تجلس وحيدة مع أنفاسها المصفرة وسحاب الدخان يتطاير من الشتاء العاصف

تبكي على ماض لن يعود على حاضر على وشك الانتهاء على مستقبل مستحيل القدوم

تجلس وحيدة بانتظار الموت يشفق عليها من وحدتها

يلفها ويرحل فيها إلى حيث لا عودة

حيث تبكي على روحها الضائعة والتائهة

في عالم الزيف

ترحل إلى حيث لا بقايا تجرحها

لا بقايا تعلن لها أنها هي بحد ذاتها أصبحت بقايا إنسان.......

عائده محمد نادر
10/01/2009, 06:05 PM
الزميلة الرائعة
إيمان المازري
قرأت القصة ودفنت رأسي على نفس الوسادة أحاول أن أشم بقايا ذكريات من ملاعب طفولتي وأخوتي الذين استشهدوا وظلت ذكرياتهم . رائحة عطرة على الوسائد
تياتي لك

إيمان المازري
13/01/2009, 02:15 PM
[quote=عائده محمد نادر;70721]الزميلة الرائعة
إيمان المازري
قرأت القصة ودفنت رأسي على نفس الوسادة أحاول أن أشم بقايا ذكريات من ملاعب طفولتي وأخوتي الذين استشهدوا وظلت ذكرياتهم . رائحة عطرة على الوسائد
تياتي لك[/q

الأديبة الرائعة
أحييك من جديد
وأشكرك على اهتمامك بنصوصي
رأيك يهمني جدا
وتحيتي لاخوتك الذين استشهدوا
تحياتي ومودتي
إيمان