أحمد غانم عبد الجليل
28/12/2008, 04:15 PM
همس الأحلام ..
ـ قصة قصيرة ـ
استيقظت من نومي مجددا و العرق يتصبب فوق جبيني بعد تشتت طويل بين سلسلة من الأحلام الغريبة و المتشابكة , أضحت لا تتركني إلا و أنا منهك القوى و كأني قد ارتحلت فعلا أينما شاءت .. أجوب بلادا و مدنا يلفها الضباب , أتنقل بين أماكن و يبوتا عدة , منها ما هو مألوف جدا بالنسبة لي و منها ما لا أتذكر إني ولجتها من قبل , أناسٌ قد يتطابقون مع أشخاصٍ أعرفهم في الإسم تارةً و في الشكل تارة أخرى , و لكن وجهها , الذي تشوب فتنته حمرة المغيب , يصر على ملاحقتي من غفوةٍ لأخرى , يتجلى بوضوح ساطع أحيانا , ثم لا يلبث أن ينزوى في ركنٍ قصي خلف ظلالا قاتمة تلفه بالغموض ..
أخذت تنسل كحورية من موج الأحلام و تستلقي إلى جانبي على الفراش , تتدثر بالبطانية الصوفية لتحتمي من برد الليالي المثلجة الذي لم تألفه من قبل, حاولت الإنصات بكل حواسي لكل كلمة تقولها , و كأني أستحضر كلامها من ثنايا الذاكرة , أنفاسها الحارة تلثم شفتي و تهبني عبيرا لم أشم مثله منذ أن فارقت أرض بلادي البعيدة .. شرعت تحكي لي قصتها, منذ زواجها بكهلٍ يكبرها بعقود , عن حسراتها المكتومة بين ذراعيه المترهلتين و مخاوفها من أن يتحول إلى جثة هامدة و هو فوقها , عن تلامسهما المقزز الذي لم يهبها سوى الألم و المرارة و لم يهبه سوى المزيد من وهن الشيخوخة , و عن نحيبها الطويل في الفراش فيما هو يمضي بعد إغتساله ليصلي الفجر في الجامع القريب .. راحت تضحك كطفلة ماكرة و هي تروي لي صعوبة كتمان فرحتها بموته أمام الناس الذين راحوا يحسدونها على ميراثها منه و الذي جعلها في منزلة أخرى لدى الجميع , و بخاصة أخوتها , و بقدر ما كانت ضعيفة أمامهم في السابق بقدر ما عرفت كيف تتعامل مع أطماعهم بأموالها , كانت تعطي كل واحد منهم بالقدر الذي يجعله في حاجةٍ إليها دوما , و يحرص على كسب رضاها أكثر من بقية أخوته , بينما كانت هي تتوق للحرية و الحب الذين حرمت منهما طويلا .. وددت معانقتها بضراوة , مأخوذا بسكونها المتراخي بين ذراعيَ و نبرات صوتها المشحونة بالشجن , غير أني خفت أن تعاود الإختفاء في لجة البحر الضبابي من جديد , فاكتفيت بنثر قبلات ناعمة على جبينها و خديها التضرين و كأني أحثها على مواصلة سرد حكايتها ..
وَشَت نبرات صوتها بالنشوة التي كانت تصوغ قصتها مع جارها القديم , عشقهما المجنون المنعزل في أحد البيوت التي ورثتها عن زوجها , عشق كانت الفترات الطويلة التي يمضيها بعيدا عنها على خط النار في الجبهة تذكي جذواته بأستمرار , فلا تبالي لشيء سوى إستغلالهما كل لحظة تجمعهما معا , تعود بعدها إلى ذلك النزق الذي يجتاح أوقاتها و يطغى على تصرفاتها حتى تبدو أحيانا كزوبعة من الغضب لا يأمن أحد شر عصفها .. هكذا وجدتها بعد استشهاده , نمرةٌ متوحشة تنزوي بجراحها في دار الغرام تلك , تكتم أحزانها عن الجميع, كانت الزيارة الثانية لي إلى ذلك البيت , المرة الأولى دخلته برفقة أحد رفاقنا لنشهد على عقد زواجهما , في ذلك اليوم و رغم إرادتي وجدتني مبهورا بجمالها و هالة الشبق التي تسطع في عينيها , تزوجتها متحديا ذكريات عشقها المهزوم من قبل الأقدار , و كأني كنت أخوض غمار حرب من نوعٍ جديد , صهرتني نيرانها بقدر ما صهرتها .. لم أسأل نفسي ما الذي كان يفعله أو يقوله لها بالضبط , و لكني كنت متأكدا إنها أمست بين يدي امرأةً مختلفة تماما , فلم تعد مستعدة أن تجهر بعلاقتنا أمام الجميع فحسب , بل السفر معي إلى آخر العالم لنحيا معا دنيا جديدة بعيدة عن كل أشباح الماضي ..
نفضت النعاس عن أجفاني , و أضئت المصباح المنضدي القريب, ثم جلت ببصري أبحث عنها في الغرفة الصامتة بعد أن هجرت فراشي و في عينيها السوداوين يتمطى جرحٌ غائر يشكو الخيانة و الخذلان إثر إخنفائي المفاجئ من حياتها و سفري ـ بمفردي ـ إلى الخارج ما أن حصلت منها على بعض مال ذلك الكهل المتصابي ..
أعددت قدح نسكافة ثم جلست أمام جهاز الكومبيوتر الصغير , و ضياء الفجر لم يزل وليدا في الأفق , أكتب القصة التي واتتني فكرتها كالحمى و أنا أجوب الأرض الرخوة لساحل الأحلام ...
ـ قصة قصيرة ـ
استيقظت من نومي مجددا و العرق يتصبب فوق جبيني بعد تشتت طويل بين سلسلة من الأحلام الغريبة و المتشابكة , أضحت لا تتركني إلا و أنا منهك القوى و كأني قد ارتحلت فعلا أينما شاءت .. أجوب بلادا و مدنا يلفها الضباب , أتنقل بين أماكن و يبوتا عدة , منها ما هو مألوف جدا بالنسبة لي و منها ما لا أتذكر إني ولجتها من قبل , أناسٌ قد يتطابقون مع أشخاصٍ أعرفهم في الإسم تارةً و في الشكل تارة أخرى , و لكن وجهها , الذي تشوب فتنته حمرة المغيب , يصر على ملاحقتي من غفوةٍ لأخرى , يتجلى بوضوح ساطع أحيانا , ثم لا يلبث أن ينزوى في ركنٍ قصي خلف ظلالا قاتمة تلفه بالغموض ..
أخذت تنسل كحورية من موج الأحلام و تستلقي إلى جانبي على الفراش , تتدثر بالبطانية الصوفية لتحتمي من برد الليالي المثلجة الذي لم تألفه من قبل, حاولت الإنصات بكل حواسي لكل كلمة تقولها , و كأني أستحضر كلامها من ثنايا الذاكرة , أنفاسها الحارة تلثم شفتي و تهبني عبيرا لم أشم مثله منذ أن فارقت أرض بلادي البعيدة .. شرعت تحكي لي قصتها, منذ زواجها بكهلٍ يكبرها بعقود , عن حسراتها المكتومة بين ذراعيه المترهلتين و مخاوفها من أن يتحول إلى جثة هامدة و هو فوقها , عن تلامسهما المقزز الذي لم يهبها سوى الألم و المرارة و لم يهبه سوى المزيد من وهن الشيخوخة , و عن نحيبها الطويل في الفراش فيما هو يمضي بعد إغتساله ليصلي الفجر في الجامع القريب .. راحت تضحك كطفلة ماكرة و هي تروي لي صعوبة كتمان فرحتها بموته أمام الناس الذين راحوا يحسدونها على ميراثها منه و الذي جعلها في منزلة أخرى لدى الجميع , و بخاصة أخوتها , و بقدر ما كانت ضعيفة أمامهم في السابق بقدر ما عرفت كيف تتعامل مع أطماعهم بأموالها , كانت تعطي كل واحد منهم بالقدر الذي يجعله في حاجةٍ إليها دوما , و يحرص على كسب رضاها أكثر من بقية أخوته , بينما كانت هي تتوق للحرية و الحب الذين حرمت منهما طويلا .. وددت معانقتها بضراوة , مأخوذا بسكونها المتراخي بين ذراعيَ و نبرات صوتها المشحونة بالشجن , غير أني خفت أن تعاود الإختفاء في لجة البحر الضبابي من جديد , فاكتفيت بنثر قبلات ناعمة على جبينها و خديها التضرين و كأني أحثها على مواصلة سرد حكايتها ..
وَشَت نبرات صوتها بالنشوة التي كانت تصوغ قصتها مع جارها القديم , عشقهما المجنون المنعزل في أحد البيوت التي ورثتها عن زوجها , عشق كانت الفترات الطويلة التي يمضيها بعيدا عنها على خط النار في الجبهة تذكي جذواته بأستمرار , فلا تبالي لشيء سوى إستغلالهما كل لحظة تجمعهما معا , تعود بعدها إلى ذلك النزق الذي يجتاح أوقاتها و يطغى على تصرفاتها حتى تبدو أحيانا كزوبعة من الغضب لا يأمن أحد شر عصفها .. هكذا وجدتها بعد استشهاده , نمرةٌ متوحشة تنزوي بجراحها في دار الغرام تلك , تكتم أحزانها عن الجميع, كانت الزيارة الثانية لي إلى ذلك البيت , المرة الأولى دخلته برفقة أحد رفاقنا لنشهد على عقد زواجهما , في ذلك اليوم و رغم إرادتي وجدتني مبهورا بجمالها و هالة الشبق التي تسطع في عينيها , تزوجتها متحديا ذكريات عشقها المهزوم من قبل الأقدار , و كأني كنت أخوض غمار حرب من نوعٍ جديد , صهرتني نيرانها بقدر ما صهرتها .. لم أسأل نفسي ما الذي كان يفعله أو يقوله لها بالضبط , و لكني كنت متأكدا إنها أمست بين يدي امرأةً مختلفة تماما , فلم تعد مستعدة أن تجهر بعلاقتنا أمام الجميع فحسب , بل السفر معي إلى آخر العالم لنحيا معا دنيا جديدة بعيدة عن كل أشباح الماضي ..
نفضت النعاس عن أجفاني , و أضئت المصباح المنضدي القريب, ثم جلت ببصري أبحث عنها في الغرفة الصامتة بعد أن هجرت فراشي و في عينيها السوداوين يتمطى جرحٌ غائر يشكو الخيانة و الخذلان إثر إخنفائي المفاجئ من حياتها و سفري ـ بمفردي ـ إلى الخارج ما أن حصلت منها على بعض مال ذلك الكهل المتصابي ..
أعددت قدح نسكافة ثم جلست أمام جهاز الكومبيوتر الصغير , و ضياء الفجر لم يزل وليدا في الأفق , أكتب القصة التي واتتني فكرتها كالحمى و أنا أجوب الأرض الرخوة لساحل الأحلام ...