المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة الأديب أحمد مكاوي لسرداب التاجوري



مريم خليل الضاني
17/12/2008, 08:50 PM
قناديل الإبداع في «سرداب التاجوري»
قراءة في سرداب التاجوري للأستاذة مريم خليل الضاني
بقلم أحمد مكاوي


في تسعين صفحة من القطع المتوسط وعن دار المفردات للنشر والتوزيع وفي طبعتها الأولى بالرياض 2007 ، تمضي بنا الأستاذة مريم خليل الضاني عبر مجموعتها القصصية «سرداب التاجوري» في جملة من الحالات التي نشترك / نشتبك معها في هذه الحياة ، لكن من منظور الأستاذة مريم ، حيث أنها غلبت ضمير الأنا في قصها – مع يقيني أن هذا الضمير لا يعني أن البطل في القصة هو المؤلف – لكنه يجعلنا نعتقد أن حياة المؤلف سيكون لها حضور في القص (لقطة من هنا – ملمح من هناك ...) .
هذا الضمير ساعد القاصة على الانسيابية في قصها ، وجعل كل قصة من مجموعتها تمتح من ذاكرة راصدة لوقائع دقيقة في الحياة ، وأعطت لها قدرة فائقة على رصد الأشياء الجزئية ضمن إطار كلي ضمن النجاح الحقيقي لقصص المجموعة.
هذا الرصد للأشياء نجده في كل قصص المجموعة ، فنمضي معها في وصفها الراقي الجميل من أول قصة (أسبرين) وإن كنت في هذه القصة بالذات أحس رغم جمالها بأنها لم تنتهي!!
وهي قصة سافرت فيها القاصة في نفسية مديرة متقاعدة شاركتها في زوجها ضرة ، فعبرت عن أحاسيسها وجسدتها بطريقة فنية راقية ..
أما القصة الثانية (ثلاث على الطريق ) فإن الوصف فيها يفوق الوصف من حيث الجمال والإبداع وانظر معي إلى قولها : «جلت ببصري في السماء المكفهرة بالغيوم . الغبار يصبغ البيوت بلون أصفر شاحب. لعلها ستمطر !. تهب ريح حارة تذرو التراب علي فيدخل إلى فمي وعيني .
أكاد أسمع رفيف الرياح عبر شقوق سقف حجرتي التي تنتظرني فوق السطح . لعل الغبار الآن يغطي سريري وأرفف الكتب . هدأت الريح إلا أن الغبار عالق في الهواء. » (ص 12)
أو إلى قولها : «تناءيت عن البيوت السالكة الطريق المؤدية إلى الشارع العام . الطريق ساكنة وموحشة ، تلفت حولي ، لا أحد خنا سوى فتاتين تسيران على مقربة مني ، ترتدي كل منهما ثوبا أزرقا ووشاحا أبيضا ذا حواف مطرزة بخيوط مهترئة وخرز تساقط جله ، وتنتعل حذاءا من النايلون الشفاف يبدي قدمين بيضاوين وأصابع دقيقة ما تزال أظافرها تحتفظ ببقايا طلاء أحمر . تحمل كل منهما كيسا سميكا ، يدل انحناء ظهرهما على ثقله ، وتمسك بيدها كيسا آخر شفيفا يحوي بساطا مقلما» (ص 14) .
هذه القدرة على الوصف تجعلنا نعيش مع أبطالها متعة الحياة و مآسيها !!
ولا يقتصر جمال الوصف في هذين الموضعين فقط بل يسري هذا في كل المجموعة ، يجعلنا نقف إجلالا لقدرة القاصة الكبيرة في التحكم باللغة الوصفية لتدفع بالسرد إلى اللغة الشعرية الراقية !!
في قصة (طرب وحرب وبرتقال) نلمح ميزة أخرى من ميزات القاصة وهو القدرة على العنونة التي تشد القارئ للولوج في معاني التي تريد توصيلها دون الوقوع في التقريرية الفجة أو المباشرة المميتة والقصة بعد ذلك تجمع قضية مضاعة / فن هابط / ومال مهدر ، حال أنة غيبت الجد ومعاني الرجولة ليصبح قدوتها سوبر ستار!!!
أما قصة (مارد) فقد حلقت بنا القاصة في سماء الإبداع من خلال تصوير الصراع داخل المرأة التي تضطرها الظروف إلى أن تخلع زوجا وتتزوج آخر مع بقاء حبها للأول وهو صراع ليس للإنسان فيه يد لولا لطف الله ومنحه نعمة النسيان !!والقصة أروع من أن تفيها هذه الكلمات .
وتذهب بنا مريم في رمزية ممتعة مع قصة(ضوء) حيث يظهر ضوء النصر على المعتدين على الأمة الإسلامية في شخص النبي الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام عندما نجد الفتى في آخر القصة يوقظ البطل الذي غفى على وقع الرسوم/ ردود الفعل وهو الهائم في الدنيا .
وروعة القصة تكمن في خاتمتها«ابتسم للصغير وظل يحدق في ذاك الضوء الموشك على الانبثاق ». (ص33)
وتكشف المخبوء مريم في قصة (صديقتي التي ) وآه من أقنعتنا الزائفة التي نتقنع بها!! كلنا تلك الصديقة يا مريم وكلنا نتحدث تلك الأحاديث في بله عجيب ، نعرف أن ما نقوم به مفضوح ، ولكننا نمارس اللعبة بلذة عجيبة ، إن مريم هنا عرت أقنعتنا وكشفت بكل جمال خلاق ما نستحي نحن الحديث عنه !!
وحين نأتي إلى القصة التي حملت اسمها المجموعة (سرداب التاجوري) و التاجوري كما جاء في الهامش (ص 41) هي حارة قديمة في المدنة المنورة سردابها هذا هو سرداب كل فلسطيني يبحث عن مخرج يوصله إلى القدس الشريف والقصة أراها قصة فلسطيني الشتات الذي يعيش في وطن عربي أحبه ويهفو إلى وطن الحلم وطن الروح فلسطين !!
ولا غرابة أن تجعل مريم مجموعتها تحمل هذا الاسم ، وعلى جمال القصة ورمزيتها لا أعرف لماذا أحس أنها الأضعف فنيا في المجموعة؟!
وإذا كنت القصة السابقة حملتنا من المدينة المنورة إلى القدس- في نظري – فإن (صباح الدم) تحملنا إلى هم آخر من هموم الأمة المصابة بلوثة فقدان الثقة تجمع جناحيها المشرقي والمغربي في هذه العادة السيئة المقيتة التي ما أنزل الله بها من سلطان .
إني وأنا أقرأ هذه القصة الرائعة مبنى ومعنى أحس أن مريم كانت فعلا الأقدر على التعامل مع هذه القضية من وجهة نظر فنية حيث تحدثت عن مشاعر المرأة المشكوك فيها وعن أحاسيس الرجل كل همه شرفه ! وكأن هذا الشرف يحتاج إلى دليل ليس سوى بقعة دم على ملاءة بيضاء!!
وفي مفارقة رائعة تأخذنا مريم في قصة (خطوات مميتة) حيث يصبح اللقاء في عيادة طبيب بين مريضتين ، مريضة رضيت بما قسم لها تمشي على كرسي متحرك ليس لها إلا أن تشتهي وتتمنى ساقين كساقي الأخرى التي تتأفف من خوف والديها المرضي عليها وتخشى أنها أصبحت مريضة فعلا ، ولا تجد الراحة إلا في حديث كهذا ! ولم تلحظ أن محدثتها مريضة فعلا عكسها تماما!!
إننا لا نبحث عن المواساة حيث نجدها ! وكل همنا البحث عن طبيب يشعرنا بالمرض حقا بكتابة وصفة عادية لمريض يظن أنه غير عادي !
وتأتي (مثل ما أحب أمي) أيضا ضمن سياق المفارقة إحداهما تتأفف من أمها المريضة التي تعاني إضافة إلى ذلك عقوق هذه البنت التي لم ترى فيها سوى عبء ثقيل ، وبين أخرى تطعم وتقوم على راحة جارتها المريضة التي تحبها مثل أمها ! وقد تركت لنا مريم باقي الكلام الذي يقال في مثل هذه المفارقة .
مفارقة وضعتها مريم بطريقة رائعة وأسلوب فني راق لتقول الكثير الكثير مما لم تكتبه !
وتتساءل بطلة قصة (عصفور على النافذة)في (ص 62) « من سيصدقني عندما أؤكد لهم أن العصافير تبتسم ؟!» لأجد نفسي وقد شدتني القصة ودون شعور أجيب : أنا !! وفعلا هذه القصة وما أثارته من شجون الوحدة والغربة والوضع الاجتماعي والحالة المعيشية في صفحات خمس تجعلنا نقف مليا مع هذه الحياة التي نحياها ونحن لا نلتفت إلى ما يدور في وجدان أناس يعيشون معنا ولا نعرف عنهم شيئا سوى مطالبتهم أن يبتسموا لنا إذا رأونا ، وأن يفرحوا إذا فرحنا ويحزنوا إذا حزنا ، أما أن نشاركهم هم ما يعانون فهذا بعيد عن تفكيرنا ، فكان العصفور هو الملاذ ... ولكننا في حالات كثيرة نفتقد هذا العصفور من على نوافذنا !!
(أخرج يا سعيد) هي القصة التي جاءت على شكل رسالة من زوجة إلى زوجها وهذه القصة بالذات جعلتني في نشوة فنية وذهول بالفكرة أولا والطريقة الفنية ثانيا التي كتبت بها القصة حيث تعالج مشكلة الخيانة الزوجية وإحساس المرأة بها وعنوان القصة إبداع آخر..
إن مريم هنا تحملنا معها بعيدا في طريق الفن المعجون برؤى قاصة بارعة تعرف جيدا ما الرسالة التي تحملها وكيف توصلها إلينا .. صدقا لقد بلغت النشوة هنا ، ولم أستفق منها حتى دخلت في نشوة أخرى عبر (خارج المفكرة ) وآه أحبائي .. رائعة هذه الـ (خارج المفكرة) ذلك أنها الامفكر فيه أبدا . فلا أحد سيكتب لقاءه مع الموت لأنه : لا يعرف يقينا متى .. ولأننا ننسى كأننا سنخلد فيها فيأتي اللقاء بغتة
والأجمل من كل هذا أن تنطلق القصة من المقبرة لتنتهي عندها .. أنها قصة أجمل من أن أفسدها بالتلخيص هنا
ونمضي مع مريم في (صناديق البكاء) في مشكلة اجتماعية أخرى هي مشكلة أبناء بلا أهل أو(اللقطاء) أو... لا أعرف كيف يمكن أن ينظر الإنسان لهذا البلاء الخطير سرى في مجتمعاتنا وأصبح من المسكوت عنه رغم علم الجميع به وهنا مريم كعادتها تأخذنا من زاوية أخرى لتعطي رأيها دون وعظ ولا إرشاد ودون حكم يدين أحد ظاهريا على الأقل لكنها مررت بكل ذكاء موقفها وما تريده بشكل فني مميز.
وترجع بنا القاصة في نصها (على بابه) إلى ما بدأته في قصتها (أحبها مثل أمي ) موضوع العقوق وترك الوالدين على باب الله وفي القصة ألم كبير ، وآه من عقوق أصبح سمة لهذا المجتمع وهل بعد هذا ننتظر رحمة من الله . مريم هنا فتحت الجرح الكبير وقالت في قصتها ما أصبح غائبا فهل نسمع ؟!
إذا كانت القصص الماضية على لسان الكبار فإن قصة (انتظار)على لسان رضيع وهذا من سمات التميز في أسلوب وزوايا النظر عند مريم جاء الطفل ليخبرنا من منظاره عن موقفه من يوم من أيام عائلته العصرية جدا !!
وتختم الأستاذة مريم مجموعتها بمأساة (بائع الشراريب) الفتى الصغير الذي يبحث عن ثمن الدواء لأمه من بيعه هذا . وفي القصة أحداث متناقضة بين قسوة ورحمة ، مسعود هذا يسقط ضحية واقع مر لم يعد فيه عدل ولا قيم التكافل ، مسعود ضحية لمجتمع مادي ، ضحية فرحة لم تتم ، جاءت الموت لتخطفها
ومريم هنا لم تصدر حكما ولا أعطت موعظة لكننا نقرأ في ثنايا الكلام كل ما تريد أن تقول!!لنقول نحن ما فهمنه منها أن مسعود ضحية مجتمع لم يعد يعي أن في قيمه ما يبعد المآسي عن كل فرد من أفراده مهما قل شأنه ولكن هيهات لمن ؟أعمت الدنيا بصيرته أن يعي قيمة !!
بقي لي أن أقف وقفة خاصة عند قصة شدتني إليها شدا ، لما لها من قوة في الرمز ، وكثافة في المعنى ، وعمق في الطرح ، هذه القصة التي هي أقصر ما في المجموعة حيث وردت في صفحة ونصف من مجموع الصفحات ..
إنها قصة (علاقة) وقد وردت دون تسمية لبطليها الرجل والمرأة ، مما يزيدني يقينا أن مريم أرادت أن تأخذنا بعيدا من ظاهر القصة وقراءتي المتواضعة أوصلتني أنها ترمز للعرب وفلسطين ، فالكل يلعب بجسدها بسكينه ، مثلما يفعل الرجل بالمرأة في القصة «جعلت تضغط بأصابعها بقوة على الجرح ، إلا أن الدم ظل يتدفق من الشريان المقطوع !! »
مريم أبدعت هنا وأوصلت ما تريده دون أن تخطب ، دون أن تنتفخ أوداجها كما يفعل بعض المنافقين ، المتاجرين بالقضية !
بعد جولتي هذه يمكنني أن أقول :
لقد أبدعت مريم وصفا ، وسردا ، وحوارا ، وقدمت لنا القضايا التي أهمتها / أهمتنا في روعة تجعلنا نعيد قراءة قصصها مرات ومرات ، ذلك أنها في (سرداب التاجوري) تدفعنا عبر قناديل إبداعها للوقوف مليا والبحث عما وراء الكلمات بعيد عن تهويم الضبابية المقيتة ، والمباشرة الفجة التي ابتلينا بها .
ما يزيدنا إعجابا في المجموعة العنونة الموفقة ، التي كانت بحق مدخلا لكل قصة ، هذه العنونة تحتاج لوحدها وقفة خاصة لاستجلاء جمالها.


سيدي عون في : 27/11/2008

يوسف أبوسالم
17/12/2008, 09:26 PM
الأخت مريم
صباح الإبداع

مبروك على الفوز بالجائزة الثانية للقصة

في مسابقة المربد

أما هذه القراءة للأستاذ أحمد مكاوي

فقد كنت قد قرأتها سابقا في مدونتك

ومع ذلك فإن تنزيلها هنا سوف يثري الحوار المتوقع

بوجود ثلاث قراءات لنفس المجموعة

مما يحعلني أن أعتقد أن القراءات الثلاث مكملة لبعضها

لأن كل قراءة لها أسلوبها وطريقتها في تحليل القصص والتعليق عليها

ففي حين ركزت الدكتورة ألق على الفكرة القصصية في قراءتها

فقد ركزت في قراءاتي على تحليل العناصر المتنوعة تفصيلا في القصص

بينما ركزت هذه القراءة على الإنطباع العام عن القصص

وما زلت بالطبع لم أنهِ قراءاتي ولكن الظروف والمشاغل

جعلتني أتأخر

المهم في الأمر
بوجود هذه القراءات الثلاث يمكن البدء بحوار حولها
لمن كان ينتظر ذلك

فأهلا وسهلا بالزملاء وآرائهم

وتحياتي للجميع

مريم خليل الضاني
17/12/2008, 09:44 PM
الله يبارك فيك يا أستاذ يوسف و يملأ أيامك بالعمل الصالح والخير والسعادة .
أعتقد بأن قراءتك هي عبارة عن ( قراءات ) متعددة وليست قراءة واحدة فأنا لم أكن أحلم بأن يكتب أديب قراءة عن مجموعتي بمثل طريقتك التحليلية التي لم تترك شاردة ولا واردة في المجموعة إلا والتقطتها وأشبعتها دراسة وتقصيا .
هذه القراءات هي شموع ومصابيح تضيء طريق الكاتب وتزرع أمامه زهور الأمل بمستقبل أدبي زاهر بإذن الله .
لقد قمت بنقل جميع القراءات العشر التي كتبت عن مجموعتي إلى مدونتي وإلى المنتديات التي أكتب فيها وسأنقل قراءتك الرائعة أيضا وهي القراءة الحادية عشر بفضل الله وتوفيقه.