المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأعمال الفائزة بالمسابقة



طارق شفيق حقي
17/12/2008, 09:11 PM
الأعمال الفائزة بمسابقة المربد الأدبية الثالثة 2008


http://www.merbad.net/vb/attachment.php?attachmentid=534&stc=1&d=1225608143

الفائز الأول في قسم الشعر


عبدالعزيز بن عبدالله الحميضي


بغداد : تختصر المسافة



بغدادُ سيّدةُ البلاد
دوماً ترافقني وتسهرُ حين أمرضُ ,
جالساً , ظهري القتادْ
وحين يختنق البكاء ,
ويعلنُ الوقتُ الحدادْ
كالفجر تنهضُ من رحيق الجرحِ ,
شامخةً كما أحلى المدائن
عربيةٌ تاريخها عمرُ السلام
هي وردةُ الأيام والأحلامْ
تهدي لنا طلعاً على تاج الخزام
ترمي غلالتها الشفيفةَ ,
فوق زند الريحِ ,
من عمق البنفسج والجراح
تتزين الطرقاتُ والشرفاتُ
تنتشرُ المحبّةُ في أناشيد الصباحْ
في الرسم , في التلوين ,
بين الناس في الأفراحِ,
تكبرُ في ابتسامات الصغار ,
وفي أهازيج المدائن
في مواويل العصافير الحبيسةْ
في ترانيم اللقاءات الرتيبةْ
بغدادُ تختصرُ المسافةَ بيننا
وتحدّدُ الأبعادْ
تتنفسُ الأشجارُ خضرتَها وترفعُ ماءها
للنخل والأرياف والأنهار
وتوحّدُ الأسماء والأشياءَ والألوانَ والأضدادْ
بغدادُ تكتبُ كلَّ تاريخ الوطنْ
أسفارَ أمتنا وتختزلُ الزمنْ
مذ كان ينحت "حامورابي" في مسلّتهِ الوثيقةْ ؛
أمجادَ بابلَ
يرسمُ الشكل البدائي الجميل
لأحرف اللغةِ العريقةْ
كلماتهُ تحكي عن الأمل المبعثر في الحديقةْ
ومواسمُ الذكرى رمادْ
ها نحن يجمعنا التشتتُ والبعادْ ..
إنّا نؤرخُ حزننا الفصلي ,
بالصمتِ المدنّس والسوادْ ..
ونعيدُ أرشفةَ المواقف ,
والأغاني والمعارك والجهاد ..
نُلغي علاقتنا الحميمةَ ,
تحت ضغط الخوف من "قيلٍ وقال"
فالكلّ رهنُ الإعتقالْ
والكلّ يحلمُ أن يُعيدَ الروحَ
للأحلام .. في صور الخيالْ
***
لا الفجرُ يأسو -بابتسام النور-أنفسنا الجريحةْ
لا الليلُ يُخفي عُريَ حاضرنا , وتتبعنا الفضيحةْ
ماتت على قسماتنا كلماتُنا ,
وخبتْ براكينُ القريحةْ
وكأنما بعثَ الذهولُ عبارةَ الموتِ الصريحةْ
***
ما ضاع ضاعَ ولن تجودَ بهِ " أتى"
ما كانَ كانَ فأين أهربُ من "متى " ؟
...
والأرضُ ما زالت تدور ُ ,
على فحيح الأفعوان ِ
حرباً على الحبّ المجنّحِ بالزنابقِ والأغاني
وأنا الفتى العربيّ -وحدي-فوق أسلاك المنافي الشائكةْ
أبدو غريبَ الوجهِ واليدِ واللسان ِ
***
رحّالةٌ أنا في جراح الشرق مفقودُ الهويّةْ
من جرحِ قرطبةٍ رحلتُ لجرح بغدادَ الأبيّةْ
مرثيةٌ .. هي كلّ يومٍ, ألفُ قنبلةٍ ذكيّةْ
تلك القضيّة , والحقيقة لم تعد أصلاً قضيّةْ
***
يا وردةَ "السيّابِ" يا رمز الطهارةِ والبراءةْ
من سوف يُرجع للصباح على مدينتنا نقاءةْ
ويجففُ العينينِ للمأمون وهو يرى بكاءهْ
***
شبحٌ كئيبٌ أنت يا وطني وفيك الحزنُ يكبرْ
ما زلتَ منكمشاً وتاريخُ الحضارةِ فيك يصغرْ
...
الغربُ يصعدُ ..
أنتَ تهبطُ في الحضيض إلى اللهبْ
سأظلّ أصرخُ قائلاً
" تبت يدا حُلمي وتبْ "
ويظل وجهكَ بين أضرحة المدائن ينتحبْ
وتظلّ أمريكا تفتشُ في ثراكَ عن الذهبْ
ويظل أبطالُ الخطابةِ يهتفونَ بلا سببْ
ويظل تاريخُ العروبةِ صافعاً وجهَ العربْ


=======
===================
=======


الفائز الأول قسم القصة
نهى رجب


شرفة الدار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ


ابتسامته تضيء شرفة الدار، نكاته الطريفة تملأ أجواء الجلسة بروح مرحة، يتوسط الحديث كنورس قائد، تنجذب إليه نجمات السماء فتسهر تطارحنه النقاش.كان قريبا في الشبه من والدي، ولكن حداثة سنه ومشاركته لنا السمر الليلي والمذاكرة والطقوس البيتية الصغيرة جعلته بمثابة أخ كبير.


أذكره طويل القامة مثل شجرة سرو سامقة، أرى صورته الآن مثل ظل أخضر في جدول ماء. يجلس القرفصاء يرتب باحتراس أكواز الذرة الخضراء فوق اللهب، ثم يقوم ليلوح بمروحة الريش، وبين فرقعة الشي وصوت غنائه العذب تتهلل في أيدينا لكنة التصفيق.


اعتاد لبس الجلباب الأزرق ذي الأكمام الواسعة في الدار، وأحب أكل الجبن (القريش) والجرجير والفول الأخضر والفطير الساخن صباحًا. وعندما يسافر عائدا للعاصمة مساء يهفهف على جسده القميص الأبيض المخطط والبنطال الأنيق.


لكل مقام مقال عنده حتى اللغة لها وجهان:
وجه صعيدي يتحدثه عندما يكون بصحبتنا في الدار.
ووجه قاهري ينطقه بين أصدقائه في الجامعة.
أعجبني طموحه وفرحت بحصوله على عمل مرموق في العاصمة، وزواجه بجامعية جميلة، سمعت أخبارا قلائل عن إنجابه صغارا تمنيت أن أراهم.


طواه الزمن في صفحاته بعيدا عن ذاكرتي وانغمست في يومياتي بين أبنائي ومن حين لآخر أسأل عنه فيردون: هو بخير (وليس من رأى كمن سمع). والآن عندما علمت أنه مريض وربما موشك على الرحيل (لا يوجد من يقول الحقيقة لحبيب غائب) لم أدرك ماذا أفعل غير أن أنظر من شرفة الدار وأعد نجمات السماء وأظن أن إحداهن نجمتي التي تنتظرني أن أصعد إليها وأمسك بها مثلما كان يحكي لي وأنا صغيرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طارق شفيق حقي
17/12/2008, 09:13 PM
الفائز الثاني بقسم الشعر
أحمد عبد الرحمن جنيدو


وطن البراءة


(1)
وجه البراءة وجهها،
ونقاوة الألوان تعطيك اليقينْ.
سحر الشروق جبينها،
والنور في عسل العيون تأصّلٌ
لــبٌّ سكينْ.
وهي المحاذير التي تركتْ مشاهدها
على الجسد القرينْ.
وهي البساطة
كالحمامة إنْ تبيض على العرينْ.
عمر الطفولة عيشها،
فحو النداوة في حياء الوجه،
يطفو فوق بارقة الجبينْ.
في الهمس تختصر الغناء،
وفي الطلوع تذيب ذاكرة السنينْ.
في الحسِّ تكتمل الحكاية،
حسّها بالآخر المسلوب
يغني البائسينْ.
في صوتها نايُ النوى يزكي فصول الحبّ
أغنية ً تداعب يائسينْ.
وهي التكامل في الحضور،
وفي الغياب وفي التأكـّد والظنونْ.
رعش المحبّة من يديها،
والغطاء لبردك الشعريِّ
يرويه نضوجٌ من ينابيع الحنينْ.
هي لحظة ُ الأحلام والإيحاء،
مبدعة الجنونْ.
(2)
وفسيحة ٌ كالنور أوسع من ضحى،
وعميقة ٌ كاللؤلؤ المدفون في الأعماق،
أبعد من مداركنا،
وأجمل من خيالْ.
وقريبة ٌ للروح،
أقرب بالبعيد من الوصالْ.
هي نغمة الأوتار في قيثارة ٍ شردتْ،
تعانق عندليب الغصن،
يعزف في الفضاء شجونه دون اعتقالْ.
هي رقصة ُ الحجل البديعة والسنونو،
والحكايات المعفـّرة السوالف والخصالْ.
هي أمّنا الأولى،
ونطق البوح والماء الزلالْ.
هي ضحكة الأطفال في عيد الربيع
هي الجمالْ.
أحبيبتي؟!
يا صوتنا المبتور من كتب السؤالْ.
وجع المواويل المقيم على صدور العاشقين،
وليلة التكوين،
نشوته النبيذ كمن معتـّقة الثمالة
سكرة الغرقان في بحر الزوالْ.
أصغيرتي؟!
مازلت أركض في حوافي الحلم،
أتعبني الوصول،
وأرّق الإحساس تسليم المحالْ.
حاولت صلب السرّ في عقل الخمول،
فسال من أرق السطور دمٌ ،
وذاب الصوت في صخب الجدالْ.
(3)
من أنت يا وجه البراءة؟
يا تراب الجسم والعمق المثيرْ.
يا رعشة المذهول بالأمل الكبيرْ.
أمي تمشّط شعرها في مدفن الفقراء،
والرئة انشقاقٌ للدخان
وللرماد وللسعيرْ.
يا حلمنا المغلوب فوق المستحيل،
وتحت أنقاض الكسيرْ.
آمنت فيك،
تصالح الشيطان من نفسي،
تزوّج شهريار خصوبتي،
والزرع أنجب خافقي،
أصبحت في زخِّ الهوامش كالأسيرْ.
في ظلـّه الوثنيّ نامتْ رغبتي،
بالعيش أكوام الأخيرْ.
يا أمنا الأولى،
وآخرنا المصاب،
بنزلة التكتيم،
كل شواهد التاريخ واقفة،
وصوت الأرض و التاريخ صار المستجيرْ.
وجه المآسي وجهها،
والشعب يجهل ما المصيرْ.

==========
================
=======

الفائز الثاني قسم القصة
مريم خليل الضاني

(مــارد)

ماما ، متى ستأتي مها ؟ .
سألني وائل بلثغته الواضحة وهو يضع أذنه على بطني ويرهف السمع . دفعه أنس بكفيه الصغيرتين ووضع أذنه على نفس الموضع ثم سألني :
ماما ، مها تحبني ؟ .
ضممتهما إلى صدري وأجبتهما :
مها تحبكما. بعد أيام قليلة ستخرج من بطني بإذن الله ، وستكبر وتلعب معكما .
ركض الصغيران ليلعبا تحت ظل شجرة في حديقة البيت ، فيما أخذت أتحسس بطني البارزة أمامي في استدارة محببة .
كان سامي جالسا بمحاذاتي يحتسي قهوته ويراقب طفليه ، تتراقص على وجهه ابتسامات مشرقة ، ومن حين لآخر يتسابق الصغيران للوصول إلى ذراعيه المشرعتين ، وعندما يصلان إليه يحتضنهما و يتدحرج معهما على العشب فيتناغم ضحكهما و كلامهما مع قهقهته ولهاثه .
شرعتُ أتأمل وجه سامي الذي يشي بالألفة والحنو ، فتنبّه إليّ وهو ينفض التراب عن ثيابه ثم جلس إلى جانبي. ألصق فمه بأذني وهمس لي :
من أسعد مني يا حياة ؟! .
ضمّ أصابعي بين كفيه وقبّلها . هممت بأن أضع رأسي على صدره فانتصب بيني وبينه ذاك الجدار السميك .
ها أنت يا خالد تتراءى لي من جديد تحت تلك الشجرة ، وعيناك العسليتان المشبعتان بالانكسار لا تبرحان عينيّ . ضمني سامي إلى صدره وربت على شعري فاستسلمت لدفئه ، وسرعان ما ابتعدتُ عنه حين دنوتَ مني وانهالت عليّ سياط وجودك . سحبتُ أصابعي من بين كفَي سامي حين حاذيتني . بدأ الخوف يدب في عروقي . وجهك تزداد مساحته بالتدريج حتى يغطي السماء . يدمدم صوتك في أعماقي رعدا :
لطالما أقسمتِ لي يا حياة أنك لن تكوني لرجل آخر سواي .
ـ لا تلمني على أمر ليس بيدي يا خالد . أنت تعلم جيدا أنني أحب الأطفال بجنون .
ازدادت حدة الانكسار في عينيك حين خفضت رأسك قائلا:
لو كنتُ مكانك لما تخليت عن أحب إنسان إليّ .
ـ ربما ، ولكن ليس لأنك أشدّ وفاءً مني ، بل لأنك رجل لديك خيارات أخرى : إنّ بمقدورك أن تتزوج امرأة ثانية تحقق لك حلم الأبوة وفي الوقت ذاته تحتفظ بي ، أما أنا فليس لدي أي خيار آخر ، إمّا أنت وإمّا الإنجاب .
تناءيت عني وجلست على العشب متكئاً بظهرك على السور ، تراقب ولديّ وهما يلعبان . نهضتُ من مقعدي ومشيتُ صوبك بخطى بطيئة ، ثم جلستُ بمحاذاتك . تأملتني مليا ثم أشرت بسبابتك إلى وائل قائلا :
وائل يشبهك تماما .عيناه جميلتان واسعتان مثل عينيك ولكنهما فاحمتا السواد مثل عيني أبيه.
تناولتَ عودا من الأرض وشرعتَ ترسم به على التراب دوائر متداخلة ثم أردفتَ : ـ


سميتهما وائل وأنس ، اسمان من الأسماء التي كنت أنوي أن أسمي أبنائي بها ، لو أن الله رزقني بأبناء .
ـ أنت لا تكف عن تأنيبي ! .
ـ .............. .
ـ والله إني أدعو الله لك في كل صلاة أن يرزقك بالذرية .
ابتسمتَ ابتسامة مشوبة بالأسى وقلتَ :
أن يكون للمرء أبناء ، شيء يبعث على السعادة والرضى ، أليس كذلك ؟ .
ـ أتذكُر يا خالد كم كنت أتحرق شوقا إلى أن يكون لي طفل يناديني يا ماما ! ؟ ، وكم كنت أعشق رائحة أجساد الأطفال حديثي الولادة ومناغاتهم ، وأطرافهم الدقيقة وملابسهم القطنية الناعمة الملمس ؟ .
أتذكُر يوم أن باغتني وأنا ألقم ثديي فم ابنة أختك الوليدة خفية ؟ . كنتُ آنذاك أتخيل أنها ابنتي وأهدهدها لتنام .
أتدرك عمق حسرتي حين كنت أشتري الهدايا وأذهب لأبارك لصديقاتي اللاتي وضعن ؟ ، وحين كانت النسوة يطلقن عليّ رصاص أسئلتهن الذي لا يفتر : ألم تحملي بعد ؟ ! .
قذفتَ بالعود بعيدا وقلت وأنت تنفض يديك من التراب :
وها أنت يا حياة قد أصبحت أما وتحقق حلمك القديم ، وبيتك الآن يضج بنداءات ولديك : ماما .. ماما .. ماما ، فهل وجدت السعادة التي كنت تنشدينها ؟ .
ـ كنت سأجدها لو أنك كففت عن ملاحقتي .
ـ أنا لا ألاحقك !.
تنهدتَ واختلج صوتك قائلا : ـ
إن مشكلتي يا حياة هي أنك روحي .
نظرتَ إليّ بعينيك الدامعتين واستطردتَ : ـ
كيف يحيا المرء بلا روح؟ ! .
ـ ولكنك تعذبني .
ـ ألأنني مازلت أحبك ؟ ! ، أنت أيضا يا حياة لم تخب جذوة حبك لي منذ افترقنا . أتنكرين أنك مازلت ترتدين الفستان الأزرق الساتان الذي أحضرته لك من سوريا ، على الرغم من أن سامي لا يحب اللون الأزرق ؟ ! ، وتصريّن على اقتناء العطر الذي أهديته إليك ذات مساء حالم . وتلك الحقيبة التي تحتفظين فيها ببعض ملابسي ، ألا تلوذين بها في لحظات انهيارك كما تلوذ القوارب المنهكة بأرصفة الموانئ ؟ ! .
ـ خالد ، أتمنى أن أعيش يوما واحدا بدونك ، و أن أستيقظ في الصباح وأرتب سريري دون أن أشم رائحة جسمك في لحافي ووسادتي ،ودون أن استنشق أنفاسك التي يعج بها بيتي . أتمنى أن لا أرى ملابسك وأحذيتك ونظارتك وأشياءك متناثرة حولي .
في بعض الأوقات أهرب منك وأختبئ في حجرة أولادي ، وفي أحيان أخر أخلو بنفسي وأغلق الأبواب وأحتسي قهوتي ، فأراك في البخار المتصاعد منها ، أراك عند بوابة المحكمة يوم الخُلع . قلت لي آنذاك:
والله لن أسامحك ما حييت .

كانت شفتاك ترتجفان بشدة وانفلتت من عينيك دمعة كبيرة ، وأنت تحث
الخطى منصرفا نحو سيارتك .
في تلك اللحظة فقط يا خالد أدركتُ هول ما اقترفتُ . عارية كنت أقف تحت شلالات الذهول الثلجية . إلى متى سنظل على هذا الحال ؟ .

ـ أنا أيضا متعب بدونك .
ـ من الجنون أن نستسلم لهذه الحبال الروحية التي تربطنا . كلانا متزوج . قدرنا أن نفترق ، فلم يصرّ كل منا على أن يحيا حياتين في آن واحد ؟ .
ـ ............ .
ـ أتحب زوجتك ؟ .
ـ من الغباء أن يهب المرء قلبه لمن يغدر به عندما يتعارض الحب مع المصالح الشخصية .
ـ أي أنك لا تحبها .
ـ لا يهم . المهم أن أحيا بسلام . هي أيضا لا تنجب . لا أحد منا يهدد الآخر أو يطالبه بما لا يملك .
ـ ما الحل يا خالد؟ .
ـ ماذا تريدينني أن أفعل ؟ .
ـ ارحل .
ـ سأرحل عندما تجتثين جذوري من قلبك .
ـ هب أنني ضعيفة أمامك ، ألا ترأف بي وترحل ؟ .
ـ هل هو قرارك الأخير ؟ .
ـ ............
ـ ............
التفتُ إليك فلم أرك .
نهضتُ بمشقة وعدت إلى مقعدي بجانب سامي الذي استقبلني بنظرات قلقة حانية . ضمني إلى صدره قائلا :
تبدين شديدة الإعياء ! . هوني عليك ، بعد أيام قلائل ستضعين حملك بالسلامة .
التصقتُ به بقوة وتنفستُ بعمق فتفتحت في نفسي براعم الطمأنينة . همستُ له : ـ
سامي خبئني بين ضلوعك هناك بعيدا .... بعيدا عن هذا العالم .
ألصقتُ رأسي بصدره وأصغيتُ إلى نبضات قلبه ، لكن ثمة صوت مبهم يمتزج بالنبض ، صوت بعيد خفيض كأنه قادم من قاع بئر . الصوت يعلو بالتدريج ويستحيل نداءً ملحا ً.
رفعتُ رأسي فرأيتك جالساً على حافة السور ! .

طارق شفيق حقي
17/12/2008, 09:15 PM
الفائز الثالث قسم الشعر
علي الأسدي
رائحةُ الغروب


" لأنّه معاق ، لم يكن يحبّه أحد
سواها .. لم يتحمّل أحد حملَه ..
حملَتْه على كتفيها صليباً .. وفي
بطنها عشيقاً.. وبين يديها رغيفا
ومات .. فبكته بحرقة حتّى شُلّت
فأعيقت ... فلم يحملها أحد !!! "



أبوابُ بَوحكِ
يا حقيقةُ
مُقفلةْ !!
تبدو ..
كمَن أسرَ الكلامَ وعطّلَهْ ..
أُوصِدتُ دُونكِ
واقتُطِفتُ ..
ولم أزلْ
دمعاً ..
تقطّرَ من وريدِ قُرنفُلةْ !!
جرمي الوحيدُ
على المرارةِ
أنَّني ..
صدّقتُ ما أوحى النّفاقُ
وأنزلَهْ !!
كذّبتُ نفسي ..
وارتشفتُ من الهوى..
لغةً تسيل من العيونِ المُسبَلةْ !!
ونُفيتُ في ..
مَن ؟
كيفَ ؟
هلْ ؟
ومضيتُ في ..
ماذا ؟
وأينَ ؟
وما تُبيحُ الأسئلةْ !!
- مَن ؟
- لا تسلْ .
يكفيكَ من كلّ الكلامِ أن انتهيتَ ..
سليبَ حُبٍّ ..
لستَ لَهْ !!!
***
عامانِ ..
أسألُ ..
والدّموعُ تُجيبُني ..
لهباً ..
وقلبي ذاق جمرَ المسألة!!
يُسقى مرارَ الآهِ ..
يُشعَلُ ليلُهُ ..
وأحارُ كلّ العمرِ في منْ أشعلَهْ !!
***
عامان..


والهمُّ المعتَّقُ في دمي ..
يكفي ..
لأسكَرَ في فيافي البَلبَلَةْ !!
يكفي ..
لأنفيَ ما اعتقدتُ
حماقةً
وطني ..
وحبّاً جازَ أن أتبدّلهْ ..
***
عامانِ ..
يُورقُ مبسمي ..
ألماً ..
ولي :
مقلٌ برائحة الغروبِ مُبلَّلةْ !!!
لتزوغَ عن فجرٍ ..
يخافُ غيابَهُ ..
لو فَكَّ قيدُ غيابِهِ ..
ما كبَّلهْ !!
***
موتي ..
برائحةِ الغروب ..
يردُّني طيناً ..
ويقرأ فوقُ قبري البَسملَةْ !!
موتي ..
تكاثَرَ نسلُهُ ..
عدداً ..
وأمثلةً ..
توسوسُ في صدور الأمثلةْ !!
طوبى
لقارعةِ الطبولِ
إذا غَفَتْ
أنثى القبورِ
على الطلولِ المُهملَةَْ !!
***
وقَلِقتُ ..
من جزعٍ ..
تزوّجَ مُعضلةْ !!
قلقاً ..
وعمّرَ في فؤاديَ مَنزلَهْ !!
وعَلمتُ أنّكِ
يا حقيقةُ
مُقصلةْ !!
تُبدين مَكْراً ..
والرؤوسُ مُزلزلَةْ ..
***
كلُّ النساء ..
إذا حَبلنَ بسُنبلةْ ..
أنجبنَ حرباً ..
كي تعيشَ القنبُلةْ ..
كلُّ النساء ..
إذا ارتمينَ لعاشقٍ ..
قطَّعنَ أفكار الهوى المُتسلسلَةْ ..
إلاّيَ ...
مُعضلتي الوحيدةُ ..
أنَّها
في قبرها
أنثايَ عاشتْ ..
أرملةْ !!!
***
دمشق
15 / 3 / 2008

======
==========
=====
الفائز الثالث قسم القصة
أحمد غانم عبد الجليل
الخالة سعاد ..


شأن كل ليلة تقريبا, تتواصل ثرثراتهم, و يتعالى صخبهم الضاحك قريبا من شباك غرفتها, متناسين وجودها في الدار مع والدها العجوز, الذي يغط في نومه منذ العاشرة مساءً, يتركها بمفردها تتابع برامج التلفاز, و قد تقرأ إحدى الروايات العاطفية, التي تحرص على ادخار أثمانها, أو تقلب إحدى المجلات, بينما تستمع إلى قصائد نزار قباني المغناة بصوت كاظم الساهر, أحيانا تأتي ابنة أختها, أو ابنة أخيها, لتمضي معها ليلة أو ليلتين في تلك الدار الصامتة أغلب الوقت, ذات مرة همت إحداهما أن تخرج رأسها من الشباك لتصرخ في وجهه و وجه أصحابه الذين يقلقون نومهما, و لكنها منعتها من ذلك, و قالت بأنها سوف تشكوه إلى والدته, غير أنها لم تفعل ذلك أبدا, رغم زيارتها لها باستمرار .. غالبا ما كانت تراه هناك, يكاد لا يفعل شيئا سوى النوم حتى الظهيرة, أو الخروج للبحث عن عمل, بعد أن حصل على شهادته الجامعية, دون جدوى .. تلفت انتباهها عضلاته المفتولة, نبرة صوته المشحونة بجسارة الشباب, تلك التي باتت تستطيع تمييز حدتها جيدا عن أصوات البقية, توقظها من غفواتها المتقطعة, تملأ غرفتها ضجيجا مرهقا للأعصاب, بالكاد تفهم ما يقول, و لكنها تنتبه جبدا عندما يخفض صوته ليتحول إلى شيء من الهمس, تجلجل بعد ذلك الضحكات العالية, تذكرها بهمسات زملائها في العمل, و هم يرمون بنظرات خفية زميلتهم التي طالما أبهرتها بأنوثتها الطازجة و أناقتها الملفتة, ليطلقوا بعد ذلك ضحكاتهم المكتومة, حتى تنهرهم بنظرة صارمة تجبرهم على معاودة العمل بسرعة, متهيبين سطوتها و مكانتها لدى المدير العام الذي يعتبرها من أفضل موظفيه, و أكثرهم كفاءة على مدى ثمانية عشر عاما تقريبا, يتذكر دوما أنها حتى عندما استشهد أحد أقربائها في الحرب, قبل حلول موعد زفافهما بفترةٍ بسيطة, لم تأخذ إجازة أكثر من شهر واحد, فاجأت بعده الجميع بصلابة غريبة و نشاط غير عادي, ظنهما البعض وسيلتها للتغلب على مواجعها التي لم تعتد الكشف عنها أمام أحد, خاصة و إن ملامح وجهها السمراء, الشاحبة على الدوام, و حدقتي عينيها الضيقتين كانت تعينها على ارتداء قناع الغموض ذاك ..
باتت كل النظرات التي تحيطها, و كلمات المواساة التي تسمعها, بل و إحساسها أيضا, يوحون لها بأنها أرملة أمضت عمرا مع زوجها قبل وفاته, رغم أن يدا لم تلمس ذلك الجسد النحيل قط, سوى في بعض أحلامها المراهقة التي ما تزال تعلق في ذاكرتها لحد الآن, عيناه فقط كانتا تفتشان عن خباياه الضامرة بعض الشيء عبر الثياب الطويلة التي اعتادت أن ترتديها, يرمقها بابتسامةٍ مراوغة, تتخطى الأيام نحو ليلة لم تأتِ أبدا, فتعتري خديها حمرةٌ خفيفة, و تخفي عنه ضحكةً خجول من إيماءات الاشتياق التي تختلج قسمات وجهه و نظرات عينيه, تسرد حكاية حب جميلة, لم يشهدها قلباهما يوما ..
بعد رحيل رفاقة تبقى عيناه مسمرتين في نافذة غرفة جارته القديمة, الموصدة منذ زواجها, بانفعال و حسرة يحتدمان داخله أكثر أثناء زياراتها و وليدها الجميل إلى بيت أهلها الملاصق لدار الأرملة العذراء التي تسارع إلى حمل و احتضان ذلك الرضيع الضاحك ما أن تراه, تنهال عليه بالقبل, تلاعبه و تضحك لكركرته, تحنو عليه بلوعة حرمانها الطويل من ذلك الدفء الرقيق, و قد تلحظ أحيانا شرود نظرات الشابة الحسناء نحو الشباك المواجه لبيته و كأنها تتلصص على حياة فتاة أخرى ..
بين الحين و الآخر تسألها عيناه عن أخبار تلك الأم الفاتنة, عشقه الذي رافقه منذ صباه, تجيبه بابتسامةٍ مشفقة, تكاد تدفعها لاحتوائه بين أحضانها, كما كانت تفعل أثناء صباه عندما كان يلجأ إليها هربا من عقاب والديه, لدى قيامه بتصرف من تصرفاته الطائشة, و لكن أمام هذا الشاب الوسيم ماذا بوسعها أن تفعل, و شيءٌ في داخلها صار يستغرب مناداته لها بالخالة سعاد, بتلك النبرة الرجولية التي أمست تغشو غرفة نومها بشراسة أكثر من ذي قبل, خاصةً بعد استدعائه لإداء الخدمة العسكرية, قبيل بدء الحرب الأخيرة ..
منذ ذلك الوقت تخلى رفاقه عن الوقوف في الزقاق, متجنبين نوبة جديدة من صياحها الهادر في وجوههم ...

طارق شفيق حقي
17/12/2008, 09:25 PM
الفائز بجائزة الرسائل الأدبية
المركز الثالث
أمينة خشفة

سل ورقاء الأيك عنها

هل الشمس ستنصفها وتفصح عن شجون آلامها وفلسفة تاريخها , أم ستهزأ من سطور معانيها , وأوجاع زفرتها وأنينها !!؟؟..
أم أنها ستروغ هاربة منها لئلا تذوب في ضيائها , ويبقى الجرح ينزف ألما من داخلها !!!؟؟؟...
من سيحسم عنها وجع الليالي الطوال الذي أصاب كلّ ذرة من كيانها ، وليس هناك من يعلم بحالها سوى الله خالقها !!!؟؟....
البسمة لم تفارق ثغرها , والعطاء والحب لمن حولها عنوان نقوشها , وقد نشأت وترعرعت منذ نعومة أظفارها على أن تضبط القلب بميزان الوفاء والودّ لكل من عرفها ...
لكن مرارة الزمن حرمها الأنس والهدوء ليذيقها مرّ العذاب والألم دون أن ترى أحدا من حولها يشفق على مطروق حالها , أو يروي عطش حرمانها ..
فجأة إذ بصبابة الهوى تمشي الهوينى لتأخذ لها مكانا واسعا في صدرها فترويها أجمل حكاية مع تاريخ زمانها ...
أطلقت العنان لعواطفها , ومع فروع الأيك
file:///D:/%D9%85%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D9%82%D8%A9%20%D8%A7%D9%8 4%D9%85%D8%B1%D8%A8%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8% AF%D8%A8%D9%8A%D8%A9%20%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9 %84%D8%AB%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D9%84/%D9%85%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA%20%D9%8 2%D8%B3%D9%85%20%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D8% A6%D9%84%20%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8%D9%8A%D8 %A9%20-%20%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA%20%D 8%A3%D8%B3%D9%88%D8%A7%D9%82%20%D8%A7%D9%84%D9%85% D8%B1%D8%A8%D8%AF.htm
تمايلت مع بُكا الحمام لتشدو على أوتار القلب عذب سيمفونيتها ..
هاجت لواعجها وشبّت النار من شواظ الهوى النظيف لتحترق بوهج نوره فيكون خير موقد استضاء به قلبها ليتربع على عرش الصبا , وتعود الحياة من جديد لها..
تهمم في خلوتها أبياتا شجية , وهي تسجل حركات واندفاع خفقات صدرها التي لم تشعر بها يوما في حياتها ..
تسأل نفسها هل ستتجرد من كبريائها وتطلب منه أن يأتي غير متحاملا على وجع حاجتها , ومراعيا مطالب حرمة روحها وفكرها !!؟؟...
هل ستنتظر منه أن يجيبها لتلتقي ولأول مرة في العمر مع نفسها !!؟؟..
لطالما غاصت نفثات الروح بالحزن , وحُبست الأوتار عن عذوبة اللحن ستنطلق أمواج الهوى من وراء الحجب لتتناقلها أصداء الليل فتخبره عن الرمز الحيّ الذي بات عنوان صفحتها , وبنور الفجر يبشّرها ...
ها هي اليوم تأتي لمن وهبها أجمل وأسمى معاني الحب والوفاء لتُسْمعه ولأول مرة صوت ضعفها وحاجتها وهي تأمل أن يضمها , و من حنان حبه يرويها لأنه لم ولن تعرف عنه وتشهد له إلا بشرف وصدق الكلمة التي لا يمكن لها يوما أن تتبدّل أو تتغيّر عن ميزان ضوابط حسن شهامته ومروءته وقد أقسم به ربّ الخلق..
ما تأمله أن لا تجفّ حشاشتها بعد أن لامست بصحبتك مزن السحب , ورويتها من عذب حنانك , وقبس نور مدادك لتفصح الشمس عن إشراقتها , وتستبين ضوء القمر ...
لا تهدم يا حبيبي بأنفاس الهجر سمو معانيها لأنها ستقبل عليك بألفاظ نديّة لئلا يهرب منها طائر حلمها , وبهجة حبها الذي كسا كل جزء فيها ...
يقترب منها ليشهد عذب غديرها ويخبرها بأنه سيبقى ملازما ولأمد العمر رفيقا , وصاحبا , وحبيبا , ومؤنسا لها .....
ليتك تعلم كم أنها بحاجة إلى أن تمدّ لها يد العون والمساعدة لتنزع من روحها الجزع والخوف الذي رماها به زمانها ..
أصدقك القول بأنّ حالة الجزع والخوف ما زالت جاثمة داخلها تنقلها بين الحين والآخر إلى أفلاك قلبك , وهندسة سلامة ونقاء روحك لتفصح لك عن طبيعة إنسانيتها التي لم تعرف يوما الغش والخداع والكذب ...
والله يا عزيزي ما خشيت إلا أن أدع أوراق القلب منسية ومتربعة على أسطر الهجر , وما بيننا قصة مودّة ووفاء لم يكتب الزمان لها شبيها ... فامنح القلب منك سلاما لئلا تعود وتغيّر من سحابة ضوئها , وزهو لونها ...
آه لو اطلعت على بريق عينيها لبان لك أجمل سحر المعاني التي أصبحت جزءا لا ينفصل عن كل ذرة من مجموع فكرها وقلبها ...و مدادك يشهد كيف يحبو بلغة البديع ،والهوى النظيف ليسعد ويهنأ به كل من عرف حكاية ودليل عمرها ...
لا تنسى أن في القلب قطعة منزوعة تتموج مع أنحاء الجسم لتتلوى من معجزة الهوى , ونبل المشاعر , وعفّة طهر القلب المتيّم , ورجائي أن تسعف شحذ روح الأمل داخلها , وتداري عنها عذاب روحها , وتريحها من دمع المقل , ودرء العلل لترويك من شهد حبها أجمل سويعات النقاء والطهر عرفها تاريخ زمانها ..
لن يعيبها أن تقف بالأمس واليوم وغدا أمام باب قلعة حصنك , وتبسط جناحيها بعد أن حنوت وآنست الفكر لئلا يضيع الأثر والأصل منها , وإن شئت فسل النجوم لتخبرك بأنها قد أبرمت صكّ الوفاء والوداد ليسري مع حبر مدادها سخيّا ،وقد حفر اسمك على قلب صفحته ليترّبع فوق عرشه عزيزا أبيّا....



بقلم : أمينة أحمد خشفة
بنت الشهباء

طارق شفيق حقي
17/12/2008, 09:36 PM
الأعمال المنوه بها:
----------------
وهاب شريف
قصيدة
في رازقيّ الروح لاحوا

فاسْتدْرج الأسف اقتراحُ
لو أمهلوا مطر الحدائق ليت يمهلهم ْ سماحُ
عندي من الطُرف الكثيرُ وعندهم أمل مُزاحُ
عندي سأحملهمْ عليّ وعندهمْ وجع متاحُ
لأرى ابتسامتهمْ وتحت أصابعي صمت نواحُ
آه ستذكرهمْ حكايات مضيئات ملاحُ
وتشكُّ في فمها الصباحاتُ النديّات الفساحُ
أخذوا طفولتهم وراحوا
تركوا الوساوس واستراحوا
عافوا ملامحهم على
غبش الندى لما أشاحوا
شغفتْ بهم آلامهمْ
عبروا مضايقها وساحوا
فرشوا لذاكرة الشذا
أسرارهمْ لمّا أباحوا
ضحكوا لفقر انائهم
من نبلهم فبكى الصباحُ
لمّا أتاهمْ آخذُ الأحلام ما ارتجفوا وصاحوا
يتزاحمون محبة
وفمُ ابتسامتهمْ جراحُ
هذا سحاب الضيم وهو يصبُّ ماشرب الكفاحُ

في لوعة النارنجة اتّحدوا كبسمتهم ْ وفاحوا
قصصا يحلّ الورد فيها حين يسحره انشراحُ
لمْ يندموا لكنْ يعذّبهمْ جمال مستباحُ

يبستْ أسامينا على
دمنا فذرّتْها الرياحُ
أخذوا طفولتهم وراحوا
تركوا الوساوس واستراحوا
في رازقيّ الروح لاحوا

============
=======
============

عبد الله الطليان
قصة
الدرس الأخير

ضوء الشمس يتسلل ببطء يعلن قدوم النهار وانحسار الظلام لتبدأ معركة البحث عن الرزق وهو متدثر في فراشه غارق في نوم عميق فاقد الإحساس بما حوله، شخيره يتردد في الغرفة بلا انقطاع معزوفة على وتيرة واحدة لا تتغير لا يستمتع بها سوى من ولج إلى تلك الغرفة المظلمة التي تفتقر إلى النظام والترتيب فخزانة الملابس ذات الأبواب الخمسة كان اثنان منها مشرعين تصدران صريرا عند إغلاقهما وفي إحدى الزوايا طاولة مسندة إلى الجدار هجم عليها الغبار فأود بريقها ولمعانها يعلوها مرآة ذات برواز خشبي أصابها شرخ في طرفها فغدت كحال الأرض التي أصابها الجدب، كانت تلك الطاولة تحوي أدواته فهذه صبغة شعر وزجاجتان من العطر إحداهما فارغة والأخرى لا يوجد بها إلا القليل بالقرب منهما نظارته ومشط بلاستيكي مكسور من منتصفه..
جاءت دقات الساعة التي كانت بجانب سريره لتخبره بقرب حلول موعد العمل استيقظ ورفع الغطاء عن وجهه وفتح عينيه ثم أغمضهما وعركهما بعدها نهض بتثاقل وكاد أن يترنح، فالنوم مازال يسيطر عليه والكسل غامر جسده قاوم قليلا وجمع قواه ونهض بسرعة انطلق إلى عمله لكن هذه المرة لم يغلب عليه الحماس والجد بل كان مترددا خطواته بطيئة لا تعرف الجدية في السير زاد عليها عمره الذي زحف نحو الكبر حادا من طاقته التي بدأت في النضوب يدلف إلى المدرسة ويحدث نفسه لقد جاء التقاعد انه اليوم الأخير سوف يغادر المدرسة من غير رجعة يجول ببصره وترسم الذكريات سنوات العمر التي أمضاها فيها ليخرجه من حالته صوت التلميذ الذي أشار إليه من عند باب الفصل يا أستاذ.. يا أستاذ انك عندنا فنحن في انتظارك ادخل إلى الفصل وراح يتفحص وجوه طلبته في صمت كانت نظراته تحمل الوداع سعل وكح وامسك الطباشير ورفعها بالقرب من عينه فقال في نفسه لن أمسكك ولن أكون في حاجة إليك بعد اليوم لقد قضيت معك عمري وأنا كل يوم أداعبك بين أناملي خط درسه على السبورة وشرع في شرحه حتى قرع جرس الحصة معلنا نهايتها.
============
=======
============
هبة الله محمد حسن
قصة


الخيال البعيد

أرعبني ذلك الخيال البعيد،لم استطع أن أتبين ماهيته ،غير أن حركته الدءوبة و ظلال أطرافه أفزعتني وشلتني عن التفكير..لمَ يحدق بي هكذا؟..عيناه- أستطيع الآن أن استبينهما- كقاع جب عميق يرغب في ابتلاعي..انزلقت وسط زحام الشارع الشائك ، لكنه كان يعرف هدفه جيدا..يتجه إلىّ أنا بالذات..تبا.. ما الذي يريده مني؟..انسللت إلى أول حارة مظلمة قابلتها..تتسارع خطواتي مع دقات قلبي.. تبتلعني الحارات الثعبانية المتشابكة.. و.....و أخيرا وجدت نفسي في وسط شارع رئيسي أعرفه..التفت وراءي، لم أجده..تنفست الصعداء..لمحت مقهى قريبا فاتجهت إليه..ألقيت نفسي على أقرب مقعد ورحت ألهث في عنف..أغمضت عيني وأخذت نفسا عميقا، فتحتهما لأجد من يجلس أمامي، انتفضت:-"ما بك؟..كأنك رأيت عفريتا.." لم يكن من يجلس أمامي سوى صديق لي؛ كان يجلس على طاولة أخرى ولما لم ألحظ تحيته جاء ليشاركني مجلسي..عاود سؤاله:-"ما بك؟" رددت ببطء:-"لا شيء..أنا بخير..""لا تبدو بخير إطلاقا..ماذا حدث.." وشعرت بهواء بارد يصفعني ولأول مرة ألحظ الغيوم الرمادية التي غطت وجه السماء..ارتعش شيء ما بداخلي ووجدت نفسي أقول بكلمات مبعثرة:-"شخص.. ما.. يطاردني.." رد باستنكار:-"ما هذا الذي تقوله؟" أجبت بانفعال:-صدقني..لقد فررت منه بصعوبة عندما......."وانقطع صوتي المبحوح فجأة؛ لم أجد ما أكلم به عبارتي؛ "عندما...عندما ماذا؟"..لكن صديقي التقط طرف الخيط بهدوء قائلا: "ومن تعتقد أن يكون؟" أجبت بقلق:-"جل ما أخشاه أن يكون أحدا من أهلها.." فرد:-"أنس الأمر..إنها ستتزوج الأسبوع المقبل..لا أعتقد أن أحدا منهم قد يهتم بك الآن أو يذكرك أصلا..".شعرت بقليل من الهدوء يسري في عروقي، لكنه عاد ينسحب بسرعة..والتفت إليه قائلا:"لعله سليمان نجيب..نعم..لابد وأنه من طرفه..جاء يطالبني بنقوده.." أجاب هو بسرعة :-"لا تفكر في هذا أيضا..إن الرجل مسافر إلى الإسكندرية منذ أول أمس..كما أنه فقد الأمل تقريبا في أن تعيد إليه ماله.." وهذه المرة بدأت أشعر بالاسترخاء، ورفعت رأسي أتنسم الهواء المنعش المشبع برائحة المطر عندما.....لمحته هناك يتحدث إلى شخص ما مشيرا إلىّ.. قفزت من مقعدي وانطلقت..من خلفي كنت أسمع شظايا من كلمات صديقي:"انتظر..إلى..أين؟.." وكضوء البرق قفزت في أول سيارة أجرة قابلتني..سألني الرجل بصوته الروتيني المعتم:- "إلى أين؟.."ولم أكن أعرف إلى أين..لو كان لي أن أقول ما أريده لقلت له:"أجعلني أتيه في الزحام..أنزلني في أي مكان يبتلعني دون أن يسأل؛ من أكون ولا من أين أتيت"..لكنني لم أنطق بشيء سوى اسم شارع اعرفه بعيد عن هنا وجلست صامتا في مقعدي بينما الأفكار تصرخ داخل رأسي..ثمة شيء آخر كنت أخافه، ولم أجسر أن أخبر صديقي به؛ وعن ماذا أخبره؛ عن هذا الشيء الرهيب الذي فعلته..نعم كان من المستحيل أن أخبره أنني قتلت..لست واثقا حقيقة- حتى الآن-إن كنت فعلتها أم لا..لكن ذاك الفتي كان قد استفزني إلى درجة مفزعة..مميتة..أستطيع أن أتذكر ارتعاش أطرافي من الغضب كأنها تحثني أن أنهض لأبطش به..انطباق فكي كأنهما يرغبان في تمزيقه، وكان هو مستعدا للشجار..اصطدمت رأسه بالحائط ونزف الدم منها غزيرا..نافورة من السائل الأحمر أغرقت المشهد كله أمام عيني..لم يكن هناك أحد..هربت وتركته هناك..ولم أعرف أبدا ماذا حدث وظللت أتعذب بما حدث أو..بما لم يحدث..ألقتني السيارة في الشارع الذي قصدته..نزلت مزعزع الخطوات، مرهق الروح..شعرت أنني وحيد جدا، وضئيل جدا؛ منسي تماما في عالم واسع يضج بالبشر؛ بالحياة؛ بالحركة..ظللت أهيم على وجهي دقائق أو ربما ساعات؛ فقدت الوقت تماما حتى وجدت نفسي أخيرا قريبا من منزلي..سرت إليه على الفور فلقد أنهكني السير الطويل، والمطر، وتوتر الأعصاب عندما وجدت وجهه يبرز من المدخل المظلم..توقف كل شيء بالنسبة لي؛المكان، والزمان؛ وجوده ووجودي؛ قطرات المطر والغيوم والشارع المظلم وكل شيء.. كل شيء..
فتحت عيني شاعرا بصداع خفيف يتسلل بين جفني ويمزق حواسي..أين أنا؟..بل من أنا؟؛ أعتقد أن هذا هو السؤال الأول الذي سألته لنفسي وأنا أستعيد وعيي بوجودي ببطء..اتضحت معالم المكان تدريجيا، ووجدت نفسي في حجرة البواب -الذي يحرس البناية- وقد وضع بصلة ضخمة على أنفي أفزعتني رائحتها..وما إن رآني أفقت حتى قال:"سلامتك يا أستاذ.." قبل أن أحاول تحريك شفتي أصدمت عينأي بذلك الوجه في جانب الحجرة؛ وجه مطاردي الباهت..بدا أقل إفزاعا في ضوء الحجرة الأبيض الهادئ..تجمدت عينأي عليه ف....فابتسم وسمعت صوت البواب يخترق صمتي:"لقد جاء الحاج من البلد ليسلمك مبلغا من أبيك الحاج..بحث عنك ولما لم يجدك جاء ينتظرك هنا.."ورفع هو إلى عينيه قائلا:"لا تؤاخذني يا بني..كأنك كنت تهرب مني..لم أرد..شعرت كأنني تلقيت صفعة قوية..صفعة على روحي..انتزعتني من مكان وألقيتني بعيدا.. بعيدا جدا.. صفعة قاسية..أقسى ما عرفت في حياتي..ووجدت نفسي أبكي.. أبكي كما لم أفعل من قبل كأنني أغسل روحي من شيء ما لا أعرفه..لم نظرا إلىّ هكذا..ألم يكن من حقي أن أبكي؟


============
=======
============


عائده محمد نادر
قصة


جلس يستريح

بوجوده غير المرئي .. جال..((ملك الموت )) بفضاء السوق المكتظ بالناس.. ينظر بشفقة إلى وجوه البشر المتعبة التي كان العرق يتصبب منها لشدةالقيظ, وحرارة الجو تزداد سخونة كلما ارتفعت شمس الظهيرة, لتتوسط السماء المتخمة بدخان التفجيرات, معلنة انتصاف نهار صيفي لاهب آخر.. أمعن النظر بوجه شاب وسيم لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره, يمسح بيده عرقا تفصد على جبينه وينظر إلى بطن زوجته المنتفخ بتساؤل يشوبه القلق, وهي تقلب ملابس صغيرة تشبه ملابس الدمى, وظل ابتسامة خفيفة تلوح على وجهها كلما وجدت قطعة تلائم وليدها المنتظر غير عابئة بالحر الشديد, ولا بنظرات زوجها القلقة.. خطف ملك الموت بنفسه من أمامهما ليطوف فوق رأس شابين يعملان بالتحميل, وهما يكومان الكثير من الرزم فوق كتفيهما وقد ابتلت ملابسهما بعرقهما.. يتسابقان بالوصول أولا للحصول على ((بقشيش ))يعينهما على قوت يومهما, وإطعام أفواه كثيرة جائعة تنتظرهما.. تركهما وطفق يحوم حول فضاء السوق مرة أخرى يتابع من علو أكوام البشر وهي تروح وتجيء وقد بدا له الكثير منهم, يحمل هموم وأعباء حياة سقيمة لا تطاق, تكاد تنطق ملامحهم بما يعانون من بؤس وشقاء,.. بينما بدا له البعض الآخر غير عابئ تبدو اللامبالاة على محياهم, وهنالك ثلة قليلة منهم بدت ملامحهم المترفة توحي له بأنهم سعداء بالرغم من تذمرهم من زحمة السوق, وحرارة الجو إلى حد الاختناق بلفحات الهواء الساخنة المشربة برائحة العرق والأنفاس..من بعيد لمح رجل زائغ النظرات دميم الوجه, عرفه على الفور يحمل بين طيات جنبه (( ميقات الموت )).. ولحظة الآذان فيه.. تحرك ملك الموت بسرعة خاطفة باتجاهه يطوف فوق رأسه مباشرة, والرجل يمشي مطرق الرأس مشية سكرا, وملك الموت يلازمه ملتصقا به لايفارقه.. مد الرجل يده بداخل جيبه وهو يسرع خطاه المترنحة, ينظر إلى وجوه الناس الذين أبدى البعض منهم علامات الاشمئزاز والتقزز عند رؤية وجهه الدميم, يرمقهم بنظرات الغضب والحقد ثم توقف فجأة.. توسط السوق.. وضغط على (( زر الموت )) بقوة .
دوى الانفجار سريعا قويا فتقطع جسده إلى أشلاء صغيرة, وتناثرت معه أجساد كثيرة متطايرةإلى الفضاء.. يتناثر الدم منها وكأنه انهمار مطري ثقيل.. وملك الموت يتلقف الأرواح بسرعة البرق و بلمح البصر, يرفعها إلى السماء عاليا فتطير أرواح كنسمات خفيفة.. وتبقى أرواح أخرى تصارع الموت من أجل الحياة.
مئات الأرواح التي قبضها اليوم, وشدة النيران والدخان الكثيف والأبنية المنهارة وحدوث هذا الانفجار الذي يحمل الرقم ثمانية منذ بدء النهار وحتى انتصافه, جعله يشعر بالتعب الشديد والإنهاك فترك بعض الأرواح تنازع.. وجلس على حافة الرصيف .. يستريح.. وهو يلهث.. تتفحص عيناه أعداد الجثث الكثيرة المتناثرة, بنظرةٍ مذهولةٍ .
تناهى لسمعه صوت بشري يئن أنينا خافتا يائسا.. التفت ناحية مصدر الأنين, فرأى جسد شاب مسجى على قارعة الطريق مقطع الأوصال تنزف كل أوردته, مع كل نبضة من نبضات قلبه.. ترقد بجانبه امرأة بلا رأس, مقطعة الأوصال وقد تدلى جنينها من بطنها التي انفلقت من شدة عصف الانفجار, فبدا الجنين وكأنه لعبة صغيرة ممزقة, تقبع إحدى يديه المقطوعتين على صدر أبيه, وكأنه يستجير فيه إبوته, ويستغيث حمايتها, تفترش أحشائه الصغيرة الرفيعة إسفلت الشارع .. وشرايينه الرقيقة تضخ الدماء على الأرض التي اغتسلت.. بدماء والديه ودمائه .
أدار ملك الموت رأسه إلى الناحية الأخرى مشيحا النظر عن ذلك الجسد المتمزق, يتحاشى رؤية وجهه وسماع أنينه .. فالتعب أخذ منه مأخذه.. ولم يعد يطق قبض روح أخرى.. طأطأ ملك الموت رأسه وصوت أنين الشاب يرن بأذنيه ويدوي برأسه, ووجهه المألوف يحوم حوله.. يأبى أن يفارقه.. وهو يتوسل بصوت خافت ملهوف أن يسرع بقبض روحه, ويخلصه من عذاب وألم لم يعد يحتملهما .استدار ملك الموت مرة أخرى ينظر إلى وجه الشاب فوجده يحدق.. بوجوده.. بعينين تملؤهما نظرة متوسلة.. تطلب الرحمة والخلاص.. يؤشر إلى السماء بإصبعه الوحيد المتبقي من يده.. يستغيث.. قائلا, بصوت واهن متهدج, لملك الموت يستعطفه:
- أستحلفك الله أن تعجل.
خشع قلب ملك الموت .
أحس بالشفقة والرحمة تملأ روحه.. فنهض بسرعة وقبض روح الشاب.. وهو يصرخ بلوعة وحرقة مستغيثا:

- رحماك إلهي .. ألا ينتهي الموت في هذا البلد أبدا.. ألا ينتهي .؟