المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة جديدة لسرداب التاجوري



يوسف أبوسالم
09/12/2008, 01:51 PM
سرداب التاجوري

هي المجموعة القصصية الأولى

للمبدعة مريم الضاني

والتي صدرت طبعتها الأولى في الرياض في تصميم أنيق معبر لغلافها

عن دار المفردات للنشر والتوزيع
( 1428ه______2007 م )

والتي تكرمت المبدعة مريم مشكورة
بإهدائي نسخة منها
وسوف أقوم وفي عدة مشاركات بتنزيل قراءتي لهذه المجموعة تباعا
والتي سأتناول بها مفردات قصصية مختلفة
تتعلق ...

بالمكان والحدث
والزمان والسرد
واللغة وبناء الشخصيات الدرامي
وغير ذلك من المفردات
وأشير أن هذه القراءة تأتي مكملة لقراءة الدكتورة ألق لنفس المجموعة ولكن من زوايا أخرى
على أنني آمل أن أكون قد ألقيت الضوء الكافي على تلك المفردات

والتي تستحقها هذه المجموعة ..وتستحقها مبدعتنا المتألقة مريم الضاني

وسأبدأ اولا في التعريف بالمبدعة مريم كما عرفت نفسها من خلال المجموعة

مريم خليل الضاني

فلسطينية الجنسية

ولدت في المدينة المنورة

حاصلة على بكالوريوس اللغة الإنجليزية وآدابها من كلية التربية في المدينة المنورة
وتعمل في مجال تدريس اللغة الإنجليزية ولا تزال
لها مشاركات قصصية ومقالات
في بعض الصحف والمجلات
والمنتديات الألكترونية
وهي زميلة لنا في المربد

شكرا للكاتبة مريم

ويتبع

مريم خليل الضاني
09/12/2008, 02:13 PM
شكرا جزيلا لك أخي يوسف . قراءتك ستزيد فرحتي بعيد الأضحى المبارك بإذن الله .
كل عام وأنت في أحسن حال .

يوسف أبوسالم
09/12/2008, 02:47 PM
شكرا جزيلا لك أخي يوسف . قراءتك ستزيد فرحتي بعيد الأضحى المبارك بإذن الله .
كل عام وأنت في أحسن حال .



أخت مريم

الشكر لك لأن إهدائك المجموعة لي

هو الذي مكنني أساسا من قراءتها

وأما قراءتها النقدية فهذا واجب علينا تجاه

إبداعات الزميلات والزملاء

ولا أكتمك سرا أن مجموعتك رافقتني منذ أول يوم في العيد

وما زالت وأرجو الله أن يوفقني في قراءتها بما تستحق

تحياتي

رزان
09/12/2008, 03:00 PM
http://www.image.gostshare.com/files/3pp3ycy0kdeoh9bo9kww.gif



الشاعر المبدع الفنان


(( يوسف أبو سالم ))


عيدك مبارك وكل عام أنت بألف خير


أود أن أشكرك كثيراً أخي الكريم على اختيارك لمجموعة


الأديبة المبدعة الراقية مريم خليل الضاني


فبحق هي تستحق ذلك وأكثر فإبداعاتها تعجبني جداً


بانتظار قراءتك وإضاءاتك لهذه المجموعة القصصية


فكلي شوق لمتابعتها فبكل تأكيد ستكون رائعة كروعة شخصكم الكريم


وحتى ذلك الوقت لك أطيب تحياتي


خالص احترامي ،،



....... رزان محمد



http://www.image.gostshare.com/files/3pp3ycy0kdeoh9bo9kww.gif

فيصل محمد الزوايدي
10/12/2008, 09:57 AM
أخي يوسف كل عام و انت بخير و اعلم اننا في المتابعة للاستفادة من قراءتكم لسرداب التاجوري للاخت الراقية مريم الضاني
دمت في الخير

يوسف أبوسالم
10/12/2008, 11:37 AM
http://www.image.gostshare.com/files/3pp3ycy0kdeoh9bo9kww.gif




الشاعر المبدع الفنان


(( يوسف أبو سالم ))


عيدك مبارك وكل عام أنت بألف خير


أود أن أشكرك كثيراً أخي الكريم على اختيارك لمجموعة


الأديبة المبدعة الراقية مريم خليل الضاني


فبحق هي تستحق ذلك وأكثر فإبداعاتها تعجبني جداً


بانتظار قراءتك وإضاءاتك لهذه المجموعة القصصية


فكلي شوق لمتابعتها فبكل تأكيد ستكون رائعة كروعة شخصكم الكريم


وحتى ذلك الوقت لك أطيب تحياتي


خالص احترامي ،،



....... رزان محمد




http://www.image.gostshare.com/files/3pp3ycy0kdeoh9bo9kww.gif



شكرا لك يا رزان

على المتابعة والإهتمام

وهذا أمر ليس غريبا عليك

فأنت متابعة جيدة

وتتغلغلين دائما في عمق النصوص والقصائد

و لا تمرين عليها مر الكرام

وبذلك تفيدين وتستفيدين

وكاتبتنا مريم
تستحق بمجموعتها الجديدة

قراءات متعددة الزوايا فعلا

شكرا لك

وتحياتي

يوسف أبوسالم
10/12/2008, 11:41 AM
أخي يوسف كل عام و انت بخير و اعلم اننا في المتابعة للاستفادة من قراءتكم لسرداب التاجوري للاخت الراقية مريم الضاني
دمت في الخير



المبدع فيصل الزوايدي

وأنتم بألف خير

وتسعدني متابعتك هذه واهتمامك

وإن شاء الله أستطيع إنهاء القراءة المفصلة

بوقت مناسب

لأنها تحتاج إلى بعض الوقت

وخصوصا لانشغالاتنا العديدة

شكرا لك

وتحياتي

محمدذيب علي بكار
10/12/2008, 07:36 PM
أخي الكريم يوسف أبو سالم نحن ننتظر هذه القراءة ونرجوا أن يكون فيها الحوار
نقديا وأن تشارك فيه الأخت مريم
دمت أخا كريما محمد

يوسف أبوسالم
10/12/2008, 10:43 PM
أخي الكريم يوسف أبو سالم نحن ننتظر هذه القراءة ونرجوا أن يكون فيها الحوار

نقديا وأن تشارك فيه الأخت مريم

دمت أخا كريما محمد



أخي بكار
صباح العيد

أنا سأقدم قراءتي على حلقات لأنها

ستكون طويلة وتتناول عناصر عديدة

ومن شاء من الزملاء الحوار فأهلا وسهلا

وبالطبع ميزة أي عمل إبداعي

هو تعدد قراءاته

شكرا لك

وتحياتي

مريم خليل الضاني
10/12/2008, 10:49 PM
أكرر شكري لك يا أستاذ يوسف وبالطبع سأستفيد من تحليلك للمجموعة وملاحظاتك .
بقدر ما فرحت بقراءتك التي سترى النور قريبا بإذن الله بقدر ما تحرّجت لأن القراءة تأخذ أجزاء من وقتك وتشغلك عن مسؤولياتك .
أرجو أن لا تجاملني في القراءة أخي الكريم وكما يقال ( صديقك من صدقك لا من صدّقك ) .

يوسف أبوسالم
11/12/2008, 07:01 AM
اللغة في مجموعة قصص مريم الضاني
( سرداب التاجوري ).؟..( 1)

إن الفكرة القصصية مهما كانت محلقة وعميقة ، تسقط إذا لم يتم تقديمها ضمن قالب لغوي محكم ومناسب ..، لذلك بدأت بعنصر اللغة عند مريم لأهميته

توحي القراءة الإنطباعية الأولى لقصص مريم ، بلغة سلسة وتلقائية غير متقعرة ، لا تتعمد غريب المفردات لإثبات قدرتها اللغوية ، وحين نتعمق في قراءة قصصها ونحللها نجد أننا أمام لغة لا يعتورها الضعف ، ولم يتسلل إليها الملل ، وكذلك نشعر بأن مريم جالسة أمامنا ( تحكي ) أكثر مما تقص ، بتلقائيتها المفرودة على مساحات القصص في المجموعة .
إن مريم ( تبوح ) دون تعمد البوح ، بما يجعل اللغة متماهية مع غرضها من جهة ومع السرد من جهة أخرى .

ففي قصة( أسبرين ) التي تدور حول التقاعد وانشغال الزوج بامرأة ثانية ، يبدأ بوح مريم التي تعبر عن حزنها لتقاعدها فتقول ( أين مملكتي التي أفلت شمسها ) ويتوالى البوح الشجي ، لكنها عند سماع صوت سيارة زوجها تعبر بعمق ..
( أزيز سيارة سالم شحنني بالحماس ) ....!
( فنثرت على عنقي ....قطرات من عطر العود )
لغة حميمة وتلقائية ...
ثم نقرأ لفتة رائعة وهي تعبّر عن اهتمام الزوج بالمرأة الأخرى من خلال تلفونها ( أغلق هاتفه ونظر إليه ( بودّ ) ....وكلمة ( بودّ ) هذه ربما تكون أعمق كلمة دالة معبرة في هذه القصة .لأبعادها وعمقها ودلالة اهتمامه بالمرأة الأخرى على حسابها رغم تهيؤها له ....ثم تعبر بشجن عميق وبوح شجي حقا ..وآسر وحزين ...( اتكأت بظهري على الجدار ...وتنهدت بحرقة ..آآآآه ) .
وتقفز إلى كلمة ( سحر ) ..مباشرة
سحر وما أدراك ما سحر ...!؟ طالبتها الجميلة .....وزوجته الأخرى ...!!!!
سحر ( تلك البئر المطمورة ...التي ما خلت أنني ذات يوم سأنزع غطاءها وأنزل دلوي ...إلى أعماقها السحيقة لأخرجها مترعة بالوجع ).. إن مريم هنا تكتب قصيدة حزينة عاتبة ، في حين تختلف لغة مريم وهي تتحدث بلسان التلميذات الصغيرات في قصتها
( ثلاث على طريق ) فتقول ( مع السلامة يا أبلة ...يا عسولة ..)
لكنها حين تحدث نفسها في نفس القصة تعود إلى شجوها
( أكاد أسمع زفيف الرياح ) ، ( أنصت إلى وقع قدمي ووجيب قلبي ...وتهدج أنفاسي ) ..................وقع ....ووجيب وتهدج ....كلمات عميقة دالة على حالتها النفسية .
ونقرأ في نفس القصة تعبيرا شديد الدلالة كلمة ( وتناءيت عن البيوت ) ..تناءيت ...كلمة تختلف تماما عن معنى ( بعدت ) فهي كلمة تتضمن بدء ووسط وتنامي البعد التدريجي ...وجاءت في مكانها تماما لتعبر عن تنامي الإبتعاد عن البيوت تباعا .
ولنقرأ دقة استعمال مريم لكلماتها المعبرة في هذه الجملة
( أحستا بدنويّ الشديد ، فأجفلتا ....وركضتا ...مبتعدتين ...!!!!!!)
أحستا .....فأجفلتا على الفور كردة فعل للإحساس الفوري( استعمال الفاء في أجفلتا ) ..لكن حين يتم استيعاب الحالة وإلى أن يفكرا بالهرب ...ستمر برهة زمنية قصيرة ..هنا تقول مريم ( وركضتا ) ( بالواو) التي تفيد مسافة زمنية أطول قليلا من الفاء ...
تماما كما ورد في سياق الأية القرآنية
( وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقضي الأمر) فرغم تتابع الحركة السريعة لكن برهة زمنية ستفصل بين توقف السماء عن الإمطار وبدء بلع الأرض للماء المتساقط .
وتتابع ( فتوقفتا .....ثم سارتا ) وهكذا تستعمل حروفا تفصل بينها مسافات زمنية تتماهى والحالة الحركية للفتيات الصغيرات .
وفي ( طرب وحرب وبرتقال )
تتوهج اللغة ..وتغضب وتتوتر مع الحالة النفسية لشعور بطل القصة ، فعند سماع نبأ
( انفجار في بغداد ) تقول ( كأن يدا تعتصر قلبه ) ولاحظوا معي الألم الذي ينز من كلمة ( تعتصر ) ..وعند سماعه محاضرة بعيدة عن الأحداث الجارية تقول ( لم يطق ) وهو تعبير دال جدا ،وتتصاعد حدة التعبير اللغوي ...حين سماعه نبأ ( غارة على غزة ) وخوفه على أهله ومنزله وحارته فتقول مريم ( كان في حالة ذهول وانفعال ، و( يضرب رأسه بيديه ) ويتنامى إحساسه أكثر فأكثر لتقول ( أحس أن أطرافه قطع من الثلج ) وتختم هذا التنامي بكلمة ( لم يصغ إليه أحد منهم ) وهو ينادي على أولاده ليمكنوه من سماع الأخبار ..،
وتعود إلى الحديث بلسان الأطفال ...في قصة ( مارد ) ( سألني وائل بلثغته الواضحة ) ، لكنها في نفس القصة وبين اختلاط لحظات شاعرية رومانسية مع زوجها ولحظات تذكرها لحبيب أو زوج سابق ....تدخل في تعبيرها اللغوي عمق النفس الإنسانية وهي تقول
( انتصب بيني وبينه ذلك الجدار السميك ) وبالذات في كلمتي (انتصب..جدار وسميك) لتعبر عن حاجز فاصل وقوي بينها وبين زوجها وهو تذكرها للزوج السابق ...!!
وتتابع بلغة معبرة أخرى لتقول ( ألقم ثديي ...وأهدهدها ) هل هناك كلمة أبلغ تصويرا ودقة لحالة الرضاعة من ( ألقم ثديي...!! )
وفي نفس القصة المليئة بالبوح تعبر عن الشرخ بينها وبين زوجها فتقول ( ثمة صوتٌ مبهم ، يمتزج بالنبض ) ..ما أبلغ كلمة مبهم وأبلغ منها ( يمتزج بالنبض ) .
أما في قصة ( ضوء )
ونقرأ تعبيرا وصورة جديدة تماما ومحلقة استعملتها مريم في وصف شارع اسفلتي فتقول
( شارعا إسفلتيا أسودا ...كآهة طويلة ) ...الشارع آهة طويلة ما هذا الإبداع يا مريم ...!
وحيت تريد أن تعبر عن حالة اللامبالاة وعدم الإهتمام في نفس القصة من نبأ تهجم الفاتيكان على النبي الكريم ماذا تقول ...( وشوارع المدينة ، التي تعبث بشعرها وتبتسم ببلاهة )
هذه تماما حالتنا كعرب هذه الأيام أمام حصار غزة
( الإبتسام ببلاهة ...!! )
ولكي تعبر عن الأمل في وجه الطفل الصغير تقول ( ابتسم للصغير ، وظل يحدق ، في ذالك الضوء ، الموشك على الإنبثاق ) ( ابتسم ، يحدق ، ضوء ، موشك ، انبثاق ) ولو جمعناها لكانت تعني الأمل ببساطة ..!!

يتبع .....

يوسف أبوسالم
11/12/2008, 07:10 AM
اللغة في مجموعة المبدعة مريم الضاني
( سرداب التاجوري )...(2)

أما في قصتها المحورية في المجموعة كلها ( سرداب التاجوري )
فلعلها أكثر قصة تتألق فيها لغة مريم المتناسبة تماما مع مضمون القصة وحالة البطلة النفسية وتنامي الحدث ...فحين تريد التعبير عن فرح طفلة ببيتها القديم تقول ( وأنفاسي تحتبىء بين طوب البيت القديم ) حالة توحد حقيقية ، وحين تتعمق في سرد هذه القصة التي تدور حول اختلاط انتمائها لوطنها ( فلسطين ) ومسقط رأسها ومدرج شبابها ( المدينة المنورة ) لا تنسى استعمال مفردات معمارية لأنها تتحدث عن أماكن عايشت بعضها طوال حياتها ( كحارة سرداب التاجوري في المدينة المنورة ) فتردد مفردات معمارية
( طوب ، دهاليز ، طبطاب ، درج ، بسطة ، دكة ، ديوان ، سرداب ) .
وحين تسرد ذكريات أمها عن قريتهم بفلسطين تجعلنا نشعر أننا في قرية من قرى فلسطين فعلا إذ تقول ( البرتقال والزيتون يحتضنان البيت ، والطرقات كالأذرع تضم البيوت ، وأسلال منسوجة من جريد النخل ، والخبز الساخن من التنور) هل تشمون معي رائحة القرية الفلسطينية من خلال كلمات مريم وهي التي لا تعرف فلسطين أبدا لكونها ولدت وعاشت وما زالت في المدينة المنورة .
وعن اختلاط مشاعرها بين فلسطين والمدينة المنورة ..كيف تصرفت كطفلة حين أخبرها أبوها بعزمه على العودة إلى فلسطين ( فتحت باب السرداب المشروخ ، واختيأت بالأخشاب ، والمتاع القديم ) ولنتأمل كلمة فتحت باب السرداب وكان مخيفا لكنها فتحته ..وكلمة ( اختبأت ) لقد اختبأت في أحضان نورانية المدينة المنورة وهي وطنها الواقعي الفعلي التي لم تستطع الإنسلاخ عنه رغم إغراء العودة لفلسطين التي لا تعرفها ...!!
وهنا أعلق فأقول إن هذا الواقع الغريب والتشتت النفسي هو حال الفلسطينيين المشردين عن ديارهم والعراقيين أيضا بفعل إجرام امريكا وربيبتها دولة العدو الصهيوني .
وفي قصتها ( صباح الدم )
نحن مع لغة صارخة محتجة وعاتبة وصاخبة ، ذلك أن القصة تشريح لحالة لا وعي جمعي تتعلق بعذرية الفتاة العربية وما يكتنفها من تقاليد ، لدرجة أن البطلة تصيح ( تمنيت أن لا أتزوج ) ، وتصف وجه الفتاة ووجه الطبيب الذي قال لأبيها أنها ليست عذراء رغم أنها لم تتزوج بأنهما ( مسماران مغروسان في داخلي ) ، وحين سمعت أبيها لا يعجبه قول الطبيب قالت في تعبير رائع ( هوى ...قلبي ) ..(هوى) تلخيص لحالة الرعب التي تعيشها .
وانظر كيف تطيب لها الحياة وهي طفلة فتصف نفسها في هروب واضح من واقع مرير ...
(تطير ورائي جديلتي ، وكشاكش فستاني ، ) إلى أن تصل إلى اللحظة الحاسمة التي تيقن الأب من عذريتها فيقول بكل فرح الدنيا ( بيّضَ الله وجهك يا بنيتي ) ...
وبيّض هذه كلمة لها شعبيتها في الأردن وفلسطين .
ولا تنسى مريم رومانسيتها بين حين وآخر وإسقاط عذاباتها على العصفور وهي تخاطبه في ( عصفور على النافذة )
( لعلك جربت صقيع الغربة ، وكريشة في هاوية لا قرار لها ) ، ثم لحظات الأمل الواعد وهي تقول ( أن العصافير تبتسم ) ،
أما في قصة خارج المفكرة ....تفاجئنا مريم بوصف دقيق للنوبة القلبية فتقول
(يباغته صداع حاد ، وخدر ثلجي ، ويترنح في سيره ، وأطنان الحجاره تُخمدُ أنفاسه )
وربما لا يكون وصفا إكلينيكيا تماما لكنه عبّر بشكل لافت عن الحالة .
وبين( يا الله ..يا ألله) في استهلال قصة على بابه (ويا ألله يا ألله) في ختامها بون شاسع
ذلك أن الأولى تقولها متيقنة أن راتب الإعانة سيصرف كالعادة أما الثانية في الختام فإنها تقولها بما يشبه الإستغاثة ...وحين تريد وصف لحظات الذهول على وجه العجوز بعد أن علمت بانقطاع راتب المعونة تقول ( وجمت العجوز ، ساكنة في مقعدها كتمثال حجري ) وتمثال حجري تعبير دقيق لغياب الملامح وتجمدها على لحظة محددة لحظة سماع النبأ ...
ثم تعود الكاتبة في قصتها الأخيرة( بائع الشراريب) ( لتتوهج لغتها وتتماهى تماما مع حالة الطفل المشرد الذي يبيع الشراريب لشراء علاج لأمه المريضة إلى حالته وهو يعاني لحظات الموت الأخيرة في إدانة واضحة للمجتمع ككل
فهي تصف المحال التجارية وتستعمل كلمة أكثر شعبية من محال وهي ( دكاكين ) وهذه الكلمة أيضا مشهورة في الأردن وفلسطين ، كما أنها لا تنسى استعمال كلمات شعبية وهي
( شراريب ) جمع ( شراب ) على ما فيها من أبعاد شعبية .
وانظر كيف تتحول نفس الكلمة وتختزن غضبا واحتجاجا وإيقاعا آخر تماما رغم أنها نفس الكلمة حين تصف مريم حالة مرور الوقت والطفل لم يبع بعد الشراريب فماذا تقول ...
( تسارعت دقات قلبه ، سار بخطى حثيثة ، رفع صوته أكثر ، شراريب ، شراريب )
إنها مريم التي خزنت في نفس الكلمة كل هذا الإيقاع ...
وعندما تصدم الطفل السيارة ....تصف لحظاته الأخيرة وهو يتذكر أمه المريضة فتقول ...
( بهتت الصورة ..إلى أن تلاشت )

وما بين بهتان الصورة وتلاشيها ..تألقت الكاتبة في توظيف لغة ذات إيقاعات متناغمة مع السرد من جهة ومع الحالة النفسية لأبطال قصصها ومع تنامي الحدث أيضا .
فلم تكن تضع الكلمات جزافا ، ولا كيفما اتفق ، ولكنها كانت تختارها وإن بصورة عفوية ولكنها دقيقة وشديدة الدلالة ..
ولعل حرفية مريم جعلتها تختار الكلمات التي تريد دون أن تفسد ، البناء الدرامي للقصة ولا التسلسل المتنامي للسرد ولا حالة الوحي الإبداعي ..بل بدت كلماتها وكأنها لم تختارها وكتبتها في أول هطول إبداعي ، وهذه حرفية لا يتقنها إلا الكاتب المتمرس .
يتبع .........

مريم خليل الضاني
11/12/2008, 03:38 PM
بشرك الله بالجنة أخي يوسف ! .
مثل هذه القراءة تشحنني بالعزم على تطوير قلمي والاستمرار في طريق الكتابة رغم أشد العوائق .
أنتظر بشغف بقية هذه الإضاءات .

يوسف أبوسالم
11/12/2008, 05:39 PM
بشرك الله بالجنة أخي يوسف ! .
مثل هذه القراءة تشحنني بالعزم على تطوير قلمي والاستمرار في طريق الكتابة رغم أشد العوائق .
أنتظر بشغف بقية هذه الإضاءات .



المبدعة مريم
مساء الورد

أنت تستحقين أيتها المبدعة وبلا أية مجاملة

ومحموعتك رائعة وهذا لايعني خلوها من السلبيات

لكننا سنأتي على إيجابياتها وهي كثيرة وسلبياتها وهي قليلة

وهذه القراءة للغة هي مدخل القراءة القادمة التي ستكون أكثر عمقا ودقة إن شاء الله

وآمل أن أكون أوفيت جانب اللغة حقه من القراءة

وهو جانب هام سيبرز ثانية عند قراءة البنىالسردية في المجموعة لارتباط السرد ارتباطا حيويا باللغة

شكرا لك

محمدذيب علي بكار
11/12/2008, 06:23 PM
الأخ الكبير والشاعر القدير يوسف أبو سالم :نت أتمنى أن أقرأ المجموعة لكن للأسف لم أستطع قراءة سوى ثلاثة قصص فقط لذلك انتظر ان تتم القراءة لكي نجعل الحوار أكبر أخوك محمد

مريم خليل الضاني
11/12/2008, 06:38 PM
أخي يوسف :
عندما تكمل قراءتك بإذن الله سأخبرك لماذا كنت قلقة عند صدور مجموعتي بخصوص اللغة فيها .

يوسف أبوسالم
12/12/2008, 05:12 PM
البنى السردية في مجموعة مريم الضاني سرداب التاجوري...
(1 )


تشكل البنية السردية في القصة القصيرة بصفة خاصة ، معيارا هاما ، لقدرة المبدع على إيصال فكرته وأجوائها ودواخلها ، وكذلك بيئتها وأبعادها المتقلبة والمتنوعة للمتلقي ، بما تحتويه من لغة مركزة على مرونتها ، ومنهمرة على جزالة تركيبها اللغوي ، وسرد تلقائي ، لا يعتوره التكلف ، ولا يشوبه التردد وعدم الثقة ، والبنية السردية يمكنها أن تحلق بالفكرة إلى عنان السماء لتتلقفها الغيوم فتمطر زلالا رائقا ، أو تسقط في قيعان من الطين فتتلوث ، ويصبح قوامها رجراجا لا شكل ولا روح له .


وها نحن نبدأ بالتغلغل في الكيفية التي أنشأت فيها مريم الضاني بُناها السردية على مدار قصص المجموعة فماذا نجد .
في البدء سأضطر إلى تكرار القول كما ورد في قراءة اللغة وهي أن مريم تجعلك تحس وأنت تقرأ قصصها أنها ( تحكي وتبوح ) أكثر مما تقص ..وخصوصا في قصصها التي تتناول أبعادا ذاتية مثل ...سرداب التاجوري وعصفور على النافذة وصباح الدم وأسبرين...الخ
ويمكنني القول أن البنى السردية في المجموعة تتوزع على النحو الآتي...
_ الراوي
والذي تشعب إلى


الحديث الداخلي مع النفس ( ضمير الأنا ) أو ما يسمى بالمنولوج الداخلي .

ضمير المخاطب الغائب

الحوار

وبالطبع تتعدد التفاصيل التي تتشعب من كل نوع من الأنواع ، ولكن هذه القوالب هي التي برزت في طريقة السرد في قصص المجموعة عند مريم .
_ ضمير الأنا
استخدمت المبدعة هذا الأسلوب في قصص عديدة في مجموعتها لعل أهمها ...
أسبرين....
( إنه يومي الأول من أيام التقاعد ، ارتديت قميصا ورديا ، توقفت هنيهة أمام المرآة )
ثلاث على الطريق ..
( جلت ببصري في السماء المكفهرة ، أكاد أسمع زفيف الرياح )
سرداب التاجوري...
( وأذكر أنني كنت أجد كلامي وضحكي بل وأنفاسي تختبىء بين طوب البيت القديم )
صباح الدم ...
( أتأملك يا أبي من رواء فرجة باب حجرة نومي )
عصفور على النافذة ( عدت من عملي تناولت غدائي ، ثم استلقيت على سريري )
انتظار ...
( يجثمون على صدري كالجبال ، يحيطون بي كالأسلاك الشائكة )
مارد ...
( ها أنت يا خالد تتراءى لي من جديد )
ويلاحظ أن استخدامها لهذا الأسلوب ، ارتبط إلى حد ما بالقصص التي تبحث الهم الذاتي ، ولا تتطرق للهم العام ، إلا بلمحات لا تكاد تذكر .
وطغت على هذا الأسلوب شاعرية منسابة ، وشجون عميقة ، نلحظها في ثنايا السرد ، وخصوصا في
أسبرين
لنقرأ الشجن العميق هنا ( أبلة سعاد المديرة ، لا أحد يراك الآن ، هيه ، أين الملامح الصارمة التي تخشاها الطالبات )
ولنقرأ الشاعرية المتدفقة الرقراقة في مارد
( أتنكرين أنك ما زلت ترتدين الفستان الأزرق الساتان ، وتصرين على اقتناء العطر الذي أهديته لك ذات مساء حالم )
ونقرأ أيضا شاعرية شجية شفافة في عصفور على النافذة ( فتحت عيني بقوة ، حين تناهى إلى سمعي تغريدك قرب النافذة ، تمتمت .....عصفور هنا ...!! )
( هل تعيش وحيدا ؟ وهل جربت صقيع الغربة ؟ عندما ينساك الآخرون ؟وعندما تدمن البكاء ؟ وحين تهبط كريشة في هاوية لا قرار لها ) شجن يمتزج بشاعرية حزينة تمطر فيها سحابات الإحساس بالغربة.


وكذلك تميز هذا الأسلوب بالتذكر واستخدام الفلاش باك في لقطات متعددة ، نقرأ في ثلاث على الطريق
( آه ما تزال تلك الأيام تجوس كالخفافيش في سراديب غرفة الإفاقة من العملية )
وفي مارد
( ها أنت يا خالد تتراءى لي من جديد ، تحت تلك الشجرة ، وعيناك المشبعتان بالإنكسار ، لا تبرحان عينيّ ) .
وفي سرداب التاجوري نقرأ
( كانت حكايات أمي ، تتفتح فوق السطح كالأزهار ، ) ثم تسرد وصف الأم الرقيق لقريتهما الفلسطينية وأشجار البرتقال والزيتون فيها وسمائها الصافية وهوائها العليل )
وفي صباح الدم
( التي نستطيع القول أن معظمها استخدمت فيها هذه التقنية ..مع تقطيع حسب الحدث )



_ ضمير الغائب
وهو الأسلوب الذي استخدمته في معظم القصص الباقية والتي تتطرق فيها للهم العام غالبا .
طرب وحرب وبرتقال
( أوقف سيارته أمام السوبر ماركت ) ( أطفأ سيجارته وفك أزرار قميصه )
وفي ضوء
( أغلق التلفاز وخرج إلى السوق ، لا يلوي على شيء )
وفي مثل ما أحب أمي
( كانت ليلى تراقب الطبيب بضجر )
وخارج المفكرة
( تلفت حوله متأملا المقبرة الشاسعة الموحشة )
وصناديق البكاء
( جلس القرفصاء على الرصيف المقابل للدار )
وفي بائع الشراريب
( التفتت إليه امرأة وجعلت تقلب بضاعته ، والنساء يتجولن بين الدكاكين ، وفجأة خرجت من إحدى الحارات الضيقة سيارة مسرعة ) .


تقطيع المشاهد
وهو أسلوب يستخدم لوصف الأحداث المتشعبة عن الحدث العام أو التي تغذيه وتصاحبه ، وكذلك تجعل القاريء يحيط بـأبعاد القصة في زمن متقارب ، وهذا الأسلوب يستخدم عادة في الرواية .
لكن مريم استخدمته هنا بمساحات قليلة لأن القصص أساسا قصيرة
ففي أسبرين
( كانت تصف مشهدا لها وهي تبدأ بتنظيف المنزل ، ثم انتقلت إلى وصف مشهد وصول زوجها وسماعها لصوت سياراته ) ( وانتقلت بعد إسدال الستارة إلى وصف مشهدها وهي تتذكر وتستدعي في مخيلتها الزوجة الأخرى طالبتها ( سحر ) .
وفي طرب وحرب وبرتقال
( تصف مشهد البطل أمام السوبرماركت ، وتسكعه بالممرات حتى سماعه للأغنية الحدث بدورها ) ( ثم وصف مشهده وهو يفتح المذياع ويستمع إلى محاضرة عن الإمام أبو حنيفة ) ومشهده وهو يسمع خبر الغارة على غزة وتداعيات هذه الغارة في نفسه ) وفي المشهد الأخير وهو المشهد المتألق ( وهو الذي تصف فيه تناقض حسرته ولهفته على الإطمئنان على بلده وأهله ، مع إهتمام أطفاله الذين لم يصغ إليه أحد منهم ، وهم منشغلون ببرنامج ( السوبر ستار ) .
والرائع هنا في سرد هذه القصة
تعدد المشاهد وارتباطها جميعا مع أغنية يالبرتقالة التي كانت تفصل بها بين مشهد وآخر كلازمة إحتجاجية صارخة ...!!!.
وفي مارد ( تتناوب المشاهد مرة في وصف جلسة ودية مع زوجها سامي ، وأخرى مع عصف الحوار في مشهد تذكرها لزوجها السابق خالد ، إلى أن تصل إلى وصف مشهد شديد الدلالة في صراعها النفسي بين حبها لزوجها السابق ورغبتها في استمرارحياتها مع زوجها الحالي من جهة وسيطرة مشهد بروز خالد الزوج السابق الذي خلعته ..وكأنما هو مارد يتلبسها ( لشدة إحساسها بالذنب لأنها خلعته دون ذنب منه ولأنه لا ينجب أطفالا ، ) ( ولا تنسى أن تصف صراعها النفسي بين حبها وزواجها ورغبتها بالأمومة ) .
على أن تقطيع المشاهد عند مريم لم يكن تقطيعا سينمائيا بفصل بين المشهد والآخر تماما ولكنه كان أشبه باللقطات المشهدية المرتبطة بخط السرد العام للقصة .
ولا ننسى أن نشيرلاستخدامها أسلوب سرد آخر في قصة واحدة فقط وهي ( أخرج يا سعيد ) وهو أسلوب الرسالة الموجهة للزوج وربما أرادت مريم أن تنحو هنا إلى التجريب في هذا الأسلوب .


يتبع .........

يوسف أبوسالم
12/12/2008, 05:27 PM
البنى السردية في مجموعة مريم الضاني سرداب التاجوري...

(2 )

أما الحوار
فقد استخدمته بين حين وآخر في معظم قصص المجموعة ..ولم يكن طويلا بحيث طغى على بنية السرد العامة ، ولكنه كان يستخدم لضرورة الحدث وتنامي السرد بين حين وآخر .
واستخدام الحوار يضفي على القصة نوعا من عدم الملل ...ويضيف لبنية السرد نمطا مألوفا قصير الجمل شديد التأثير مباشر وربما لاذع ومعبر أحيانا .
وألتقط من حورارتها بعضها لنقرأ في مارد
_ لا تلمني على أمر ليس بيدي يا خالد أنت تعلم أنني أحب الأطفال بجنون
_ لو كنت مكانك لما تخليت عن أحب إنسان لدي
_ ربما ، ولكن ليس لأنك أشد وفاء مني ، بل لأنك رجك لديك خيارات أخرى
وكذلك نقرأ حوار قصيرا آخر في علاقة وهو حوار استوعب القصة كلها تقريبا وكان حوارا غير متكافيء بين زوجة مظلومة لا حول ولا قوة لها ..وزوج عابث لا يحترم مشاعرها
_ ألن تكف عن إيذائي
_ أنا لا أوذيك أنا ألعب ....!!
_ أنظر إلى جسدي المثخن بالجراح من جراء لعبك
_ أنا لا أتعمد إيذائك ، ..أنا ألعب ...!
ولكنك أقرب الناس إلي ، ويجدر بك أن تتجنب إيذائي
_( رد بحنق ) إن عليك أن تعي أنها مجرد لعبة ، أجد متعة في ممارستها
_ ولكنها تؤذيني
_ أف...قلت لك لا أتعمد إيذائك
على أنه استمر في إيذائها ، وهو يدعي أنه يلعب ...!!!!
وفي على بابه نقرأ حوارا مأساويا
_ خير يا ابنتي ما بك ...؟!
_ والله لا أعرف ماذا أقول لك ...؟
_ يا ابنتي تكلمي
_ لقد أوقفوا عنك الإعانة الشهرية يا خالة !!!!!
وعندما تنهض العجوز لتغادر البنك كسيرة الروح تسأل
_ هل قرارهم هذا نهائي ؟ أقصد حتى لو شرحت لهم ظروفي !
_ لا أعلم يا خالة
وهكذا تمضي حوارات قصص مريم الضاني كجزء لا بد منه من بنية السرد دون أن يشكل الحوار المعلم الرئيس فيها ، ولكنه استخدم بمهارة كلما كان الحدث يتطلب ذلك .

إيقاع البنى السردية
إن أهم ما يميز السرد في القصة عموما ...هو ذلك الإيقاع الذي يكاد يسمع من خلال تنامي السرد أحيانا متوافقا مع الحالة النفسية للشخصية القصصية ، أو متمشيا مع مختلف انفعالات الشخصيات وتقلبات مزاجها الداخلي ، وتماهي السرد أيضا مع تقلبات الحدث صعودا وهبوطا .
لنسمع الإيقاع هنا في أسبرين
( أسدلت الستارة على النافذة ، واكتنفني إحساس ثقيل بالضيق ، واتكأت بظهري على الجدار) ، ( وهنا وحين تصل إلى ذروة الإحساس بالألم النفسي ، تتابع فتقول ...
( وتنهدت بحرقة ...آآآآه ....) ( سحر ، طالبتي الحسناء ذات الحسد البض ، والبشرة البيضاء الناعمة ، زالأنامكل الرقيقة ) .
ولنسمع معا إيقاع هذه الآه الطويلة آآآآآآه....... ) ونقرأ بصوت عال تلك النقاط التي تلتها ..!
وحين يرن جرس هاتف زوجها من سحر لنسمع هذا الإيقاع المصطخب في نفسها والغيرة الحارقة وهي تقول له ....هاتفك ....ألا تسمعه ؟!
وكأنها تقول ( هاتف زوجتك الأخرى ..ذلك الورم المتجذر في طيات نفسي ، ما فتىء ينمو ويتناسل )
وأكاد أسمع صوت وجيب الغيرة والحسرة في نفسها ..يطغى على رنين هاتف سحر ...!!
وفي طرب و حرب وبرتقالة
لنسمع إيقاعا آخر صاخبا ساخطا يلعن الظروف وتحولات الزمن حين اكتشف أن هاتفه غير مشحون ( صرخ في أبنائه وهو يضرب بيده بقوة على طاولة أمامه ..
_ ليعطني أحدكم هاتفه ، أريد أن أطمئن على والديّ )
ولنحاول سماع ضجيج قلبه وثورته وسخطه وحزنه حين لم يصغ إليه أحد منشغلين برسائل هواتفهم إلى سوبر ستار ..!!!!!!! )
ونسمع إيقاعا حزينا آخر يقطر بالأسى والإحساس بعقوق الأبناء حين شعرت الأم العجوز تبرم ابنتها من بقائها معها بالمستشفى فتخاطبها فتقول بكلمات خرجت من فمها ممزقة
(يا ابنتي ...أتعبتك معي ..إذهبي إلى ...بيتك ...منذ أسبوع وأنت بعيدة عن زوجك ..لا تقلقي علي..!!!)
ونستمع إلى إيقاع الوحدة والفراغ والغربة في
عصفور على النافذة
فتقول مخاطبة العصفور( هل يستوطنك إحساس ، بأنك غصن مقطوع ، تدحرجه الرياح إلى أراض بعيدة موحشة ، هل تبحث عن شيء تحتمي به عندما تسحقك عواصف الخوف ، فلا تجد إلا الفراغ ، ...)
صارخٌ إحساس الغربة هنا ...هائج نازف ثائر حزين ...!!! أهو إحساس فلسطينيي الشتات ...ربما !!
ونتأمل إيقاعا من نوع آخر استطاعت مريم أن تعزفه بنفس الكلمات وهو ( يا ألله ...يا ألله ..في مستهل قصة على بابه فجاء أشبه بالدعاء والترديد العادي ..لكنه وهو يتكرر إثر سماع العجوز بقطع المعونة عنها يضج بالإستغاثة ...والشكوى والألم والحرقة وأكاد أسمعه طويلا ...حزينا
يـا أللــه يــا أللــــــه ....!!
وأخيرا الإيقاعات المتتالية والمتنوعة في بائع الشراريب ...
( يطحنه الرجاء فيقول ...
_ خذي شرابين بريال
ولما لم تستجب يكرر بإغراء وتوسل......!
_ خذي ثلاثة شراريب بريال...!؟
ولم تستجب المرأة التي يتوسل إليها
وعندما ترجوه أمه (يا مسعود حاول أن تجمع ثمن الدواء) ...
ماذا يعتمل عندها في داخله ما تلك النار التي أشعلتها أمه بصدره وجوانحه ......(تتسارع دقات قلبه ...ويسير بخطى حثيثة ..ويرفع صوته أكثر ....!!!
شراريب ...شراريب ....شراريب...........!!! )
والله لكأني أحس به يبكي وينحب وهو يصيح هكذا ...
ولنسمع فرحته الهائلة وهو يصيح غير مصدق عندما تشتري امرأة كل الشراريب منه بمئة ريال في حين أن ثمنها هو ثلاثين ريالا وتترك الشراريب له ..
_ غمرته نشوة عارمة ..يركض تارة ...,يقفز تارة ...ويلوح بالنقود ويصيح معي مئة ريال ....مئة ريال .......!!!
هل من الممكن قراءة هذه القصة دون سماع فرحة الطفل ...وجلجلة قلبه فرحة بالمئة ريال
إنه إيقاع مسموع بالعين ...استطاعت مريم أن تجعلنا نسمعه على مدار قصص المجموعة
وقبل أن أنهي قراءتي للبنى السردية أتوقف هنا عند مستهل قصة ( بائع الشراريب ) ..
والتي بدأتها مريم هكذا .....
المدينة ....المدينة المنورة
المكان ( سوق قباء ) السوق الرئيسي فيها
الزمان ..الساعة الخامسة من مساء يوم صيف
ولا أدري ما معنى هذا التقديم عند مريم ... كان يجب أن نفهم من خلال السرد ..نفس المعلومات .. لا أن تقدمها مريم لنا ..وكأنما تخاف من أن لاتصلنا هذا من جهة
ومن حهة أخرى ..فالتقديم بهذه الصورة ..هو أسلوب كتابة السيناريو ...أو المسرحيات
ذلك أن من يقرأ هذا التقديم ...يتخيل أن الستارة ستفتح عن أول مشاهد بالمسرحية ..فهل أرادت الكاتبة أن تقول ......
ها نحن أمام مسرح عبثي سنشاهد فصولها مسرحيته الآن
بلد بترولي ..و شديد الثراء..,في مدينة رسول الله الأكرم ...يضطر طفل صغير ليذرع شوارع السوق الرئيسي ليبيع ( شراريب ) لجمع ثمن الدواء لأمه المريضة ...
فلا تنقذه إلا الحسنة التي تأتي بالصدفة ..,...!! بعد أن رفضته صدفٌ متعددة .....!!!
وهكذا يمضي بنا سرد قصص المجموعة بين سرد ذاتي شاعري وآخر صاخب وآخر هادىء
وبين إيقاعات تنوعت فارتفعت وانخفضت وصاحت وترنمت وبكت وضحكت مع تقلبات نفسيات الشخصيات القصصية ....وتقلبات الحدث الرئيس والأحداث المتفرعة عنه .


يتبع

مريم خليل الضاني
12/12/2008, 08:15 PM
لا أعرف كيف أعبر عن فرحي بهذه الإضاءات الجميلة العميقة للمجموعة والتي بدون مجاملة تدل على حسك النقدي العميق وأدواتك النقدية القوية يا أستاذ يوسف !.
وددت أن أوضح نقطة في قراءتك للبنى السردية :
نعم أنت أصبت عندما قلت بأنني استخدمت ضمير المتكلم في المجموعة في القصص التي تحدثت عن هم ذاتي ولكي أكون صريحة فأنا لست بطلة تلك القصص بنسبة مئة في المئة ولكن في كل قصة من تلك القصص جزء من روحي . من ماضي بعيد أو حاضر أو مخاوف من الآتي .كثير من الذين قرؤا المجموعة وكتبوا عنها ظنوا بأنها (معاناة مريم ) وذلك الظن ضايقني إلى حد ما ولكن في النهاية من حق قارئ القصة أن يستنتج ما يشاء منها وأن يظن ما يشاء لذلك أضطر أحيانا إلى أن أوضح بأنني متزوجة وسعيدة مع زوجي وليس لي ضرة ولم أكن في يوم من الأيام مطلقة ولست بطل قصة انتظار الذي هو شاب معاق ينتظر أهله موته على أحر من الجمر ليرتاحوا من عناء خدمته . القصص التي فيها همي الذاتي هي مزيج من همومي وهموم المرأة التي أشعر بمشاعرها وأشاركها مخاوفها وأحلامها وأفكارها ولعل المرأة أقدر من الرجل في الغالب على تجسيد مشاعر المرأة في الكتابة لذلك يظن البعض بأن مجموعتي هي قصص من حياتي .
أيضا لا أعرف لماذا يا أستاذ يوسف أحب التعبير بضمير المتكلم ولو كان ذلك مستساغا على إطلاقه لاستخدمت ضمير المتكلم في جميع القصص ذات الهم العام والخاص ولكنني أتعمد استخدام ضمائر أخرى كالغائب والمخاطب حتى لا تكون جميع قصصي بضمير المتكلم .
بالنسبة لقصة ( اخرج يا سعيد ) نعم صدقت أخي يوسف فقد تعمدت كتابتها بصيغة الرسالة من قبيل التجديد في الأسلوب وحاليا أقوم بكتابة قصة جديدة على طريقة تداعي الأفكار أو اللاوعي وهي طريقة لم أستخدمها من قبل أرجو أن أوفق فيها .
أعتبر هذه القراءة التفصيلية دروسا لي في النقد فأنا لم يسبق لي كتابة قراءة نقدية . كتبت فقط قراءة انطباعية واحدة ولكن أسلوبك في تحليل كل جانب من جوانب القصص على حدة ( اللغة ، البنى السردية ...... ) يعلم القارئ كيف ينقد النص بطريقة واضحة علمية تسهّل تذوق النصوص على القارئ .
ما زلت أنتظر بشغف هذه الوقفات النقدية المفيدة .

يوسف أبوسالم
12/12/2008, 08:51 PM
لا أعرف كيف أعبر عن فرحي بهذه الإضاءات الجميلة العميقة للمجموعة والتي بدون مجاملة تدل على حسك النقدي العميق وأدواتك النقدية القوية يا أستاذ يوسف !.
وددت أن أوضح نقطة في قراءتك للبنى السردية :
نعم أنت أصبت عندما قلت بأنني استخدمت ضمير المتكلم في المجموعة في القصص التي تحدثت عن هم ذاتي ولكي أكون صريحة فأنا لست بطلة تلك القصص بنسبة مئة في المئة ولكن في كل قصة من تلك القصص جزء من روحي . من ماضي بعيد أو حاضر أو مخاوف من الآتي .كثير من الذين قرؤا المجموعة وكتبوا عنها ظنوا بأنها (معاناة مريم ) وذلك الظن ضايقني إلى حد ما ولكن في النهاية من حق قارئ القصة أن يستنتج ما يشاء منها وأن يظن ما يشاء لذلك أضطر أحيانا إلى أن أوضح بأنني متزوجة وسعيدة مع زوجي وليس لي ضرة ولم أكن في يوم من الأيام مطلقة ولست بطل قصة انتظار الذي هو شاب معاق ينتظر أهله موته على أحر من الجمر ليرتاحوا من عناء خدمته . القصص التي فيها همي الذاتي هي مزيج من همومي وهموم المرأة التي أشعر بمشاعرها وأشاركها مخاوفها وأحلامها وأفكارها ولعل المرأة أقدر من الرجل في الغالب على تجسيد مشاعر المرأة في الكتابة لذلك يظن البعض بأن مجموعتي هي قصص من حياتي .
أيضا لا أعرف لماذا يا أستاذ يوسف أحب التعبير بضمير المتكلم ولو كان ذلك مستساغا على إطلاقه لاستخدمت ضمير المتكلم في جميع القصص ذات الهم العام والخاص ولكنني أتعمد استخدام ضمائر أخرى كالغائب والمخاطب حتى لا تكون جميع قصصي بضمير المتكلم .
بالنسبة لقصة ( اخرج يا سعيد ) نعم صدقت أخي يوسف فقد تعمدت كتابتها بصيغة الرسالة من قبيل التجديد في الأسلوب وحاليا أقوم بكتابة قصة جديدة على طريقة تداعي الأفكار أو اللاوعي وهي طريقة لم أستخدمها من قبل أرجو أن أوفق فيها .
أعتبر هذه القراءة التفصيلية دروسا لي في النقد فأنا لم يسبق لي كتابة قراءة نقدية . كتبت فقط قراءة انطباعية واحدة ولكن أسلوبك في تحليل كل جانب من جوانب القصص على حدة ( اللغة ، البنى السردية ...... ) يعلم القارئ كيف ينقد النص بطريقة واضحة علمية تسهّل تذوق النصوص على القارئ .
ما زلت أنتظر بشغف هذه الوقفات النقدية المفيدة .


المبدعة مريم الضاني
مساء الورد

من الطبيعي أن يعتقد بعض القراء ..أن المبدع هو بطل قصصه أو بعضها
تماما كما يعتقدون أن جميع قصائد الشاعر مثلا هي حالات مرّ بها كتجارب فعلية واقعية
ولكن هذا الفهم لا يمكن أن يرتكبه قارىء مثقف وواع ويعرف تماما معنى الإبداع بشتى أنواعه
فضلا عن الناقد الذي يدخل إلى عمق النصوص ويقرأ أحيانا ما بين السطور .
وأنا حين أشرت للهم الذاتي ..فلكي أميزه عن الهم العام والقضايا العامة
ومما لاشك فيه أن أبطال القصص ماهم إلا شرائح اجتماعية يلتقطها المبدع أو يكون له بها احتكاك ما .
والمبدع عادة لا ينقل الشخصية فوتوغرافيا كما هي في الواقع ، بل يخلق لها واقعها الدرامي دون أن تفقد ارتباطها بشكل أو بآخر بواقعها الفعلي .
وبخصوص التجارب السردية التي قمت بها أو تفكرين بتجريبها فهذا أمر ممتاز يصقل تجربة المبدع ويجعله يتعمق أكثر في شخصيات أو فكرة قصصة .
إذ يجب أن يتحلى المبدع بالجرأة بين حين وآخر .مادام اتخذ مجالا إبداعيا ما طريقه في الحياة
أما القراءات النقدية عموما على اختلاف مدارسها ..فهي تشكل رؤية الناقد التي قد تختلف مع رؤية ناقد آخر ..وتعدد الرؤى أمر مهم لإضافة أبعاد جديدة للعمل الإبداعي .
في كل الأحوال أرجو أن أكون وفقت في التعبير عن وجهة نظري بمجموعتك ( حتى الآن ) وإن شاء الله تستمر القراءة لتحليل الجوانب الأخرى من المجموعة ..وقد بدأت الآن بتجليات المكان في قصص المجموعة
أشكرك يا أخت مريم على تفاعلك واهتمامك

وتحياتي

روان أم المثنى
13/12/2008, 06:17 PM
http://www.9ll9.com/up/uploads/3e615b2d30.gif



الأستاذ الكبير سيــد البيــان

http://forum.te3p.com/uploaded3/48911_11194533290.gifيوســف أبو سالمhttp://forum.te3p.com/uploaded3/48911_11194533290.gif


استمتعت جدا بقراءة جمال رؤيتك النقدية الثاقبة

وكنت أتوقع أن أقرأ مثل هذا الجمال

فالكاتبة مريم الضاني كاتبة متميزة تابعت

قصصها المنشورة في المربد باهتمام كبير

كما أن القراءة النقدية لا عجب في تماهيها وتشويقها وعمقها

لأنها صدرت من متذوق دقيق وقارئ متميز وشاعر مبدع

كالشاعر يوسف أبي سالم الذي عودنا على ألا ننتظر منه إلا الإبداع والإبداع فقط

وأكثر ما أعجبني في قراءتك أستاذي أنك بدأت متدرجا

بشكل منهجي رصين من اللغة أولا ثم عرجت على بنية السرد والعرض

وهذا التدرج متميز دون شك لأنه تدرج يوافق أولويات المتلقي المثقف والعادي على السواء

فاللغة أول شيء يصادف المتلقي وينشئ الألفة بينه وبين النص

والسرد هو العنصر الذي يشده ويغوص به إلى الفكرة والهدف

وهذا التنظيم الممتاز يضفي رونقا بديعا على قراءتك

ويدفعنا لمتابعتها بشغف

أشكرك على هذا الإتحاف الراقي

واسمح بتثبيت الموضوع المبدع في منهجه المتألق في أسلوبه الفنان في رؤيته




http://www.9ll9.com/up/uploads/3e615b2d30.gif

يوسف أبوسالم
13/12/2008, 09:25 PM
http://www.9ll9.com/up/uploads/3e615b2d30.gif



الأستاذ الكبير سيــد البيــان


http://forum.te3p.com/uploaded3/48911_11194533290.gifيوســف أبو سالمhttp://forum.te3p.com/uploaded3/48911_11194533290.gif



استمتعت جدا بقراءة جمال رؤيتك النقدية الثاقبة


وكنت أتوقع أن أقرأ مثل هذا الجمال


فالكاتبة مريم الضاني كاتبة متميزة تابعت


قصصها المنشورة في المربد باهتمام كبير


كما أن القراءة النقدية لا عجب في تماهيها وتشويقها وعمقها


لأنها صدرت من متذوق دقيق وقارئ متميز وشاعر مبدع


كالشاعر يوسف أبي سالم الذي عودنا على ألا ننتظر منه إلا الإبداع والإبداع فقط


وأكثر ما أعجبني في قراءتك أستاذي أنك بدأت متدرجا


بشكل منهجي رصين من اللغة أولا ثم عرجت على بنية السرد والعرض


وهذا التدرج متميز دون شك لأنه تدرج يوافق أولويات المتلقي المثقف والعادي على السواء


فاللغة أول شيء يصادف المتلقي وينشئ الألفة بينه وبين النص


والسرد هو العنصر الذي يشده ويغوص به إلى الفكرة والهدف


وهذا التنظيم الممتاز يضفي رونقا بديعا على قراءتك


ويدفعنا لمتابعتها بشغف


أشكرك على هذا الإتحاف الراقي


واسمح بتثبيت الموضوع المبدع في منهجه المتألق في أسلوبه الفنان في رؤيته






http://www.9ll9.com/up/uploads/3e615b2d30.gif



روان يوسف
مساء الورد

شكرا لك على هذه الإطلالة العميقة

المتفحصة لقراءتي هذه

وأقول معك أن المبدعة مريم الضاني

تستحق أن نتفاعل مع إبداعاتها ..

لأنني أراها مجتهدة وتحاول تطوير ذاتها باستمرار

وتتقبل النقد وتحاول الإستفادة

من الإضاءات التي تراها مفيدة لها

ويظل مرورك وقراءتك

لهما دائما نكهة أخرى مميزة

وكنت أتمنى أن تكون لمجموعة الأخت مريم

نسخة رقمية

حتى يستطيع الجميع قراءتها والتفاعل

مع قراءاتنا لها

شكرا لك ثانية

وتحياتي

مريم خليل الضاني
13/12/2008, 09:49 PM
وكيف لا أتقبل النقد أخي يوسف ! .
إن الشخص الذي يرفض معرفة عيوبه أو لا يعترف بها لن يصححها أبدا وستظل ملازمة له إلى الأبد.
دعني أخبرك وأخبر القراء بشيء :
أنا بدأت الكتابة منذ كنت فتاة صغيرة ولكنني لم أعرض كتاباتي على أحد ولم أنشر منها شيئا ولم يشجعني أحد إلى أن يسر الله لي البداية الجدية في الكتابة والنشر ومحاولة تطوير قلمي قبل خمس سنوات فقط . لقد بدأت جديا في سن متأخر ، في سن الثامنة والثلاثين وهي سن يكون الكاتب فيها قد قطع شوطا طويلا في طريق الأدب ولكنني أعزّي نفسي بأن البداية المتأخرة خير من الاستسلام للخوف من خوض تجربة الكتابة والتعرض لنقد الآخرين واحتمالات الفشل .
لذلك منذ خمس سنوات وأنا أحاول بكل جهدي أن أستكمل أدواتي ككاتبة جيدة . نعم قد أنجح تارة وأضعف تارة لكنني بحول الله لن أتوقف أبدا لأنني حين يسر الله لي طريق الكتابة وجدت نفسي التي لم أجدها في مجالات حياتية كثيرة . دائما عندما أكتب قصصي أبكي بحرقة وأشعر أن بركانا يتفجر في داخلي ولا أتوقف عن البكاء إلا عندما أنتهي من كتابتها فأشعر آنذاك براحة غامرة . لكن الخوف يلازمني الآن دوما وهو خوف مختلف عن اخوفي الذي ذكرته والذي كان يمنعني من الكتابة . إن خوفي الآن هو خوف من أن لا أتطور وهوأمر رغم قسوته إلا أنه مثل السوط يجلد قلمي باستمرار لكي يتابع الطريق ولا يتوقف بسبب أمور محبطة أو مشاغل حياتية .
إن هذه القراءة النقدية يا أستاذ يوسف والقراءات النقدية الأخرى التي اتحفني بها بعض الأدباء الفضلاء والأديبات الفضليات هي بالنسبة لي بمثابة يد حانية تشد أزري في طريق الكتابة وكأن تلك اليد تقول لي : يا مريم لا تهني .. تابعي بثقة وقوة ألا ترين بشائر إصدارك الأول ! .
عذرا أخي يوسف على إزعاجك بهذه الهواجس التي أثارتها قراءتك في نفسي .

يوسف أبوسالم
13/12/2008, 10:36 PM
وكيف لا أتقبل النقد أخي يوسف ! .
إن الشخص الذي يرفض معرفة عيوبه أو لا يعترف بها لن يصححها أبدا وستظل ملازمة له إلى الأبد.
دعني أخبرك وأخبر القراء بشيء :
أنا بدأت الكتابة منذ كنت فتاة صغيرة ولكنني لم أعرض كتاباتي على أحد ولم أنشر منها شيئا ولم يشجعني أحد إلى أن يسر الله لي البداية الجدية في الكتابة والنشر ومحاولة تطوير قلمي قبل خمس سنوات فقط . لقد بدأت جديا في سن متأخر ، في سن الثامنة والثلاثين وهي سن يكون الكاتب فيها قد قطع شوطا طويلا في طريق الأدب ولكنني أعزّي نفسي بأن البداية المتأخرة خير من الاستسلام للخوف من خوض تجربة الكتابة والتعرض لنقد الآخرين واحتمالات الفشل .
لذلك منذ خمس سنوات وأنا أحاول بكل جهدي أن أستكمل أدواتي ككاتبة جيدة . نعم قد أنجح تارة وأضعف تارة لكنني بحول الله لن أتوقف أبدا لأنني حين يسر الله لي طريق الكتابة وجدت نفسي التي لم أجدها في مجالات حياتية كثيرة . دائما عندما أكتب قصصي أبكي بحرقة وأشعر أن بركانا يتفجر في داخلي ولا أتوقف عن البكاء إلا عندما أنتهي من كتابتها فأشعر آنذاك براحة غامرة . لكن الخوف يلازمني الآن دوما وهو خوف مختلف عن اخوفي الذي ذكرته والذي كان يمنعني من الكتابة . إن خوفي الآن هو خوف من أن لا أتطور وهوأمر رغم قسوته إلا أنه مثل السوط يجلد قلمي باستمرار لكي يتابع الطريق ولا يتوقف بسبب أمور محبطة أو مشاغل حياتية .
إن هذه القراءة النقدية يا أستاذ يوسف والقراءات النقدية الأخرى التي اتحفني بها بعض الأدباء الفضلاء والأديبات الفضليات هي بالنسبة لي بمثابة يد حانية تشد أزري في طريق الكتابة وكأن تلك اليد تقول لي : يا مريم لا تهني .. تابعي بثقة وقوة ألا ترين بشائر إصدارك الأول ! .
عذرا أخي يوسف على إزعاجك بهذه الهواجس التي أثارتها قراءتك في نفسي .


الأخت مريم
صباح الخيرات

إنني أرى أن بدايتك ليست متأخرة كما تظنين

فخير للمبدع أن تظل محاولاته الأولى ..له بأخطائها وكبواتها الكثيرة

وحين يرى أنه أصبح يملك أدواته كما يجب ينطلق بقوة

ومنذ أول إصدار له

ذلك أن الإصدار الأول في هذه الحالة يكاد يعادل الإصدار الخامس أو السادس

في حالة البدايات التقليدية

إن حرصك وخوفك هو احترام لنفسك وقلمك وقرائك

سدد الله خطاك ووفقك مبدعة متألقة على الدوام

وتحياتي

يوسف أبوسالم
14/12/2008, 11:11 AM
تجليات المكان في مجموعة الضاني سرداب التاجوري


رغم أن المكان يبرز في الرواية ، أكثر بكثير من بروزه في القصة القصيرة ، لكنه إذا وظف توظيفا ماهرا ..فإنه يتحول إلى الشخصية المحورية للقصة كلها ..وفي كل الأحوال ..فإن تأثيرات المكان تضفي أبعادا وعمقا جديدا للشخصية القصصية من جهة ..وللحدث وفكرة القصة من جهة أخرى.
على أن قصص مجموعة مريم برزت فيها..أماكن محورية ...شكلت الفضاء الأساس لكثير من القصص ، وأماكن ثانوية ..متفرعة من الأماكن المحورية ..وذلك على النحو التالي ...
برزت في قصص المجموعة ..الأماكن التالية كأماكن محورية
المنزل وهو محور هام على مدار قصص المجموعة ..واتخذ مساحات كبيرة منها .
والمدينة المنورة بأسواقها ومختلف مفرداتها المعمارية ألأخرى
مع إشارات لافتة للقرية الفلسطينية وهي الوطن الأم ..ولمدينتي بغداد وغزة بما تعانيانه من عذابات
المدرسة ( التي لم تأخذ دورها ولا حقها كمكان من أهم الأماكن في حياة المبدعة ذاتها .


ورغم ذلك وما يبدو من تعدد الأماكن في قصصها ...فلم تظهر المدينة بتركيبتها الديموغرافية ، وتعقيدات الحياة فيها ..والإحساس بالعزلة لكثير من ساكنيها ...، وطحن المدينة في العادة لسكانها وتذويبهم بشكل أو بآخر ،..ولم نلحظ تأثيرات روحانية للمدينة المنورة على بعض القصص ، ولا حيوية الحركة الدائمة فيها خصوصا في مواسم العمرة والحج . وظل المكان محدودا ..إلى حد كبير في عالم مريم القصصي ..فهو في حقيقته لم يبرح المدينة المنورة والمنزل وبعض الأماكن العادية فيها .
ولأن المنزل شكّل لأبطال المجموعة عالما قائما بذاته ، وكان هو المعادل الموضوعي للوطن ، والمستقر والأمان ، فسأبدأ بتجلياته في قصص المجموعة .


المنزل ...
وهو الشقة أحيانا ..والبيت أحيانا أخرى وكلها تسميات لتكوين مكاني واحد
يمتد المنزل كمكان ..محوري عند مريم ..في مساحات كبيرة من القصص ، بل اعتبر في أعماق أبطالها هو المأوى والأمان ....كما تقول في قصة أخرج يا سعيد ( لعل البيت في الرؤيا يرمز إلى المأوى والأمان ما رأيك..؟فيرد عليها سعيد ردا مقتضبا مليئا بالغموض ...ربما ربما
وهو رد ذكي جدا ..من الكاتبة ..ارتبط بالحدث الرئيس في القصة وهو نهايتها ( بل خرجت امرأة )
ومن أين ..من البيت الذي هو المأوى والأمان ...ولكنه لم يكن كذلك أبدا بالنسبة لسعيد ...!!
وإذا كان البيت هنا قد فقد رمزيته ، بفعل الخيانة الزوجية ، لكنه عاد يشكل مكانا لعدم الإستقرار النفسي وللعذابات التي تعانيها بطلة قصة أسبرين كلما عاد زوجها ورن جرس التلفون الذي يذكرها ( بسحر )
الزوجة الأخرى ...
وكذلك في ( ثلاث على الطريق )
لنقرأ كيف تصف علاقتها بالمنزل ( أكاد أسمع زفيف الرياح عبر شقوق حجرتي تنتظرني فوق السطح ، لعل الغبار الآن يغطي سريري وأرفف الكتب ) .
والإشارة إلى أرفف الكتب لم تأت عبثا .ولكنها إشارة بشكل أو بآخر مستمدة من الكاتبة نفسها ، والتي أسقطت الإهتمام بالكتب على بطلة القصة .
وفي طرب وحرب وبرتقال ...لنقرأ كيف تحول المنزل هنا إلى صراع أجيال ...فهاهو الأب يعود إلى بيته وهو مهموم بأنباء الغارات على غزة فيجد أولاده مشغولين تماما عنه وعما يعتمل في داخله ببرنامجهم المفضل السوبر ستار ، بينما تمزقه فكرة أن ضررا أحاق بأهله وقريته .
و( كم أحب النوافذ ...! ) ...كما تقول في ( ثلاث على الطريق )
تتوقف بطلات وأبطال قصصها طويلا أمام النوافذ ..في لحظات تأمل ...ومناجاة للنفس
فمن النافذة ترى زوجها وهي حزينة في أسبرين ، ومن النافذة تطل لتتأمل أوضاعها من خلال شرودها عبر تأملها هذا في ( ثلاث على الطريق ) ومن النافذة تنز الوحدة ويصرخ الفراغ ، وتصيح الغربة ، في تألق بارز لدور المنزل في قصص المجموعة كما تجلى في ( عصفور على النافذة )
وهذه القصة تدور كلها في المنزل الذي من خلاله ومن نوافذه تطالعنا البطلة بهمومها ووحدتها ومعايشتها للحزن وإحساسها الشديد بالغربة وتفاؤلها رغم هذا كله ..في سرد شاعري حزين بالغ الشجو ..!!
( فالصمت يسكن أوصال شقتها الصغيرة ) ( وأطفو في فراغ الحجرة ) ( وحين تناهى إلى سمعي تغريدك قرب النافذة ) ( وصفحات من مناجاتها لعصفور النافذة التي عبرت بها عن كل دواخلها النفسية )
لدرجة أنها رغبت في البكاء لكنها( تشاغلت عن رغبتها بالبكاء بمراقبة حركة العنكبوت جيئة وذهابا )
ثم تشرع أبواب الأمل ومن النافذة أيضا ( حدقت مليا بستارة نافذتي ، وسحبت الستارة فوجدتك على حافة النافذة .......)
لكن تألق المنزل كمكان ( في سرداب التاجوري ) أمر آخر
فالمنزل هنا هو الوطن والمأوى والملجأ كما ترسب في أعماقها .....لطول معايشتها لكل عناصره المعمارية والبيئية والأسرية ( فهي تغسل مع أمها درج البيت المتآكل ، وتسترخي على بسطة الدرج ، وتضع خدها على الأرض الرطبة الندية ، وتشم رائحتها التي تدغدغ مشاعرها ، وتجلس مع عرائسها على الدكة القريبة من الباب ، وتحب القاعة والديوان والمقعد وكل الحجرات الأخرى ) إلا مكانا واحدا معتما مجهولا هو السرداب ....!!!! ذلك الحبل السري الذي يربط البيت بالمدينة الوطن... !
فأي توحد وتماهي وتمازج بين الشخصية القصصية والبيت هنا ..إنك لا تكاد تميز بينهما أبدا ، إن الطفلة هنا تكاد تصبح عنصرا من عناصر البيت ذاته ، ويكاد البيت يتحول إلى جزء من تكوينها النفسي وهو كذلك فعلا ولعلي أظن أن الطفلة هنا تحديدا هي مريم نفسها ..لشدة صدق الوصف والإنتماء إلى ذلك البيت )..!!
أما المدينة
فقد برزت بشكل واضح ذو دلالة في قصة ( بائع الشراريب ) وشكلت أرضية وفضاء المسرح الذي دارت فيه القصة ..بل وانعكست دلالاتها وتناقض مستوياتها الإجتماعية الطبقية من خلال التناقض الحاد بين بائع الشراريب شبه المتسول والعجوز التي تشتري دراجة لطفلها بسهولة بالغة ..ومن خلال رفض بعض المتسوقين الموسرين لشراء شراريب مسعود وهي المعادل لثمن دواء أمه المريضة
وأكثر من ذلك لم تكتف المدينة هنا بعذابات مسعود بل وطحنته بصخب وتهور السيارات العمياء التي خرجت من بعض الأحياء الضيقة لتقضي على كل أمل له في إيصال الدواء لأمه ..
هل نقول هنا أن المدينة بتناقضاتها تطحن الفقراء ...وتزيدهم فقرا وتدلل الأغنياء لتزيدهم غنى ورفاهية ..
إن أشد ما يلفت النظر هنا أننا نتحدث عن المدينة المنورة بظلالها الروحية العطرة وعن بلد نفطي بظلاله المادية الخانقة...!!!!


وفيما عدا ذلك فقد تناثرت مفردات المدينة بشكل متوتر أحيانا وهادىء أحيانا أخرى في فضاءات القصص الأخرى ، فمن الشارع وهو الآهة الطويلة في ( ضوء ) بما تعنيه هذه التسمية للشارع من انعكاس على البنية النفسية للشخصية القصصية والبيوت الطينية القديمة حول المدرسة والدروب الضيقة الوعرة ( في ثلاث على الطريق ) إلى السوبر ماركت والمسجد ( في طرب وحرب وبرتقال ) إلى العيادة الطبية التي كانت مسرحا آخر لمأساة إنسانية في ( خطوات ميتة ) إلى المستشفى التي صرخت احتجاجا على عقوق الإبنة المتبرمة من بقائها مع أمها المريضة والتناقض الحاد مع الأخرى التي امرأة غريبة عنها وتعتبرها أمها
وإلى دار الرعاية الإجتماعية في ( صناديق البكاء ) وهي المكان الذي يكاد يكون شاهدا على التحولات الإجتماعية في المدينة الكبيرة ...وشاهدا على ما تخفيه المدينة من أسرار ...وأكثر من ذلك شاهدا على التناقض الحاد بين الإيمان الظاهري المقنع وبين الواقع الفعلي المتفسخ .
ويؤكد ذلك أيضا البنك الذي عصف بنفسية عجوز تتلقى راتب الإعانة بعد أن تم قطع الإعانة عنها دون تفهم لظروفها الشاهدة تماما على عقوق الأبناء وعلى التحولات الإجتماعية السلبية في ( على بابه )
وهكذا نجد أن مفردات المدينة شكلت فضاءات دلالية صارخة ، وشواهد على تحولات إجتماعية متجددة
ولكنني لن أنسى الإشارات اللافتة والتي لم تعطها الكاتبة حقها كما يجب وهي وضع العراق وغزة وفلسطين المحتلة ...
ففيما عدا إشارة دارت حولها قصة حرب وطرب وبرتقال عن غارات على غزة ....وإشارة عن غارات على بغداد في نفس القصة لا نلمس التأثيرات المكانية للعراق وفلسطين في قصص المجموعة إلا في الوصف الشجي للقرية الفلسطينية وهو وصف أخاذ في سرداب التاجوري .
بقي أن ألفت النظر إلى مكان شكل دلالة هامة للغاية وهو ( المقبرة ) في ( خارج المفكرة ) وما استدعته من تداعيات عميقة في نفس الكاتبة والشخصية القصصية والقارىء على حد سواء
فالمقبرة لم تعد إلا مكانا توارى فيه الأجساد بصورة آلية ، ثم لا يلبث الذين دفنوا المتوفى أنفسهم إلى الإنشغال في متطلبات الحياة الأخرى كبناء المنزل وشراء السيارة وغيرها وكأن هذه المقبرة والمتوفى وحالة الموت ذاتها خارج مفكرات حياتهم .


على أنني أستطيع التأكيد أن المحور المكاني ذو الدلالة في كل المجموعة هو المنزل بمختلف أشكاله الدلالية والمدينة بمفرداتها المعمارية المتنوعة التي حضنت الأفكار القصصية في المجموعة .
ودارت فيها شخوص القصص وأضاء فيها بمستويات مختلفة فضاء دلاليا حادا وساطعا أحيانا وباهتا خافتا أحيانا أخرى .

يوسف أبوسالم
14/12/2008, 01:02 PM
تداعيات الزمن في مجموعة الضاني ( سرداب التاجوري )


( أما الزمن...... فهو الذي يضبط إيقاع المواقف ، ويرسم تسلسل الأحداث في الرواية .....فالزمن عنصر جوهري في الأعمال الروائية حتى وإن بدا في الروايات الحديثة عرضة للتشظي والتهشيم) ( 1)
وينطبق هذا التعريف بشكل أو بآخر على القصة القصيرة وخصوصا الكلاسيكية الشكل منها ، كقصص مجموعة الضاني ، والتي لم تعمد إلى اختزال كل عناصر القص في سطر واحد برقي كما هو في قصص الحداثة .
ولعلنا نلحظ وقع الزمن على مدار قصص المجموعة بما يشبه الثنائيات بين سرعة لاهثة وبطء قاتل ..ومرور خاطف وحركة ثقيلة وماض بهيج وحاضر قلق ...!
ففي طرب وحرب وبرتقال ..
نلاحظ السرعة المتلاحقة والتتابع الزمني الواضح في الزمن الخارجي وبطء وثقل مرور الزمن في الزمن النفسي والذي يبدو عند محاولة الأب سماع الأنباء للإطمئنان على والديه وقريته إثر سماعه نبأ الغارة العدوانية على غزة ...وعدم اهتمام أبنائه وعدم انتباههم له وهو يحاول سماع الأخبار ولا يفلح
واسترخاء زمن ابنائه وتناقضه الحاد مع زمنه ( رغم أنهما في حاضر واحد ) وهم يصوتون لبطلهم في سوبر ستار .
وكذلك البطء والظلال الكثيفة التي تخيم بها الساعات على بطلة عصفور على النافذة...
وهي تتأمل بثقل واضح وحدتها وغربتها وشعورها بأنها ريشة في مهب الريح.وبالمقابل الإضاءة اللافتة للزمن الآتي وهي تحس بابتسامة العصفور .
وفي ضوء
نلحظ بوضوح الوقع الثقيل لتحولات الزمن على بطل القصة وهو يسمع التهكم على الرسول الكريم ...وثقل هذا الوقع عليه بدلالة أنه لم يطق سماع المحاضرة عن أبي حنيفة ...وبالمقابل هدوء وقع الزمن على نفسه حين هدأت حالته وهو يتأمل زمنا مضيئا يشع من ابتسامة طفل وإشراقة عينيه
أما في سرداب التاجوري
فينقسم الزمن إلى صراع الماضي المتحرك الملون الذي يحيط بالطفولة ومباهج الحياة فيها والحاضرالقاتم الأسود والأبيض الموحي بإعادة ترتيب الأشياء والأماكن . .
والحاضر الدامي الذي يعج بالمتناقضات في
( صباح الدم )
من حيث العادات والتقاليد والنظرة للمرأة ، وهو نفس الوضع بصيغة أخرى
( في علاقة )
والمستقبل المنشود ( غير البارز مباشرة ) ولكنه هو البديل المسكوت عنه بتغير الأوضاع
وفي مثل ما أحب أمي
والزمن الثقيل الوطء ذو الظلال الكثيفة على الإبنة لاضطرارها مكرهة لمرافقة والدتها المريضة ..ونفس الزمن الضاحك الملىء بنشوة العطاء عند بطلة القصة المعطاءة التي ترعى امرأة تعتبرها أمها
والساعات الثقيلة الرنين على بطلة
أخرج يا سعيد
والساعات الحذرة الخائفة المريبة عند الزوج
وانتهاء الزمن عند بعض الأفراد بالموت وبدءه واستمراره بصورة أخرى عند آخرين شغلتهم الحياة بمتطلباتها وأنستهم زمن الموت القادم ..والسرعة اللاهثة في التكالب على الحياة ونسيان الموت في ( خارج المفكرة )
وتحولات الزمن وتغيراته في صراع الأجيال بين الأب وأبنائه في طرب وحرب وبرتقال وتحولاته وتأثيره على التحولات الإجتماعية في ( صناديق البكاء )
والوقع العادي لدقات الزمن في مستهل قصة
على بابه
وروتينيته الشهرية على العجوز في على بابه وثقله الضاغط وكثافة الأسى في كل ساعة ودقيقة وثانية منه في نهاية القصة نفسها
والمرور البطيء والثقيل والضاغط للساعات على
بائع الشراريب.....
وهو لم يبع بعد الشراريب
وتلاشي الزمن تماما عند ما أعطته العجوز مائة ريال ...وتلاحق الثواني بسرعة شديدة لشراء الدواء لأمه في فرحة غامرة وترافق ذلك مع وقع حركة الزمن المتسارعة في قلب السوق واختلاف وقعه مع اختلاف الوضع الإقتصادي لساكني المدينة
والشعور ببطء الزمن وطول ساعاته بعد التقاعد على الزوجة ثم تحول الزمن إلى وحش كاسر ينهش بأنيابه نفسيتها حين تتذكر الزوجة الأخرى ...
في أسبرين


ولعل أبرز استخدام ومعالجة لطغيان الزمن وتشكيله للأحداث وتحكمه في سرعاتها المتنوعة كان في
سرداب التاجوري
من حيث ارتداد البطلة للطفولة وتذكرها في حركة ( فلاش باك شجية لطفولتها مع منزل من منازل حرة التاجوري ) بالمدينة المنورة .
ثم قرارها بفتح السرداب حين اقترب زمن تحرير الأرض والعودة للقرية الفلسطينية الأم بفلسطين بما يعني هروبها من وقع الزمن الحاضر أو لنقل القادم ..وهو فكرة العودة وثقل تخيلها مجرد تخيل تحول الزمن ليجعلها تغادر المنزل الذي ألفته والمدينة التي أحبتها .
وفي عصفور على النافذة
ووقع الزمن الثقيل بدقائقه وساعاته على بطلة قصة ( وكيف خيم عليها شعور الوحدة والغربة ) وكيف أضاء الزمن برهة وهي تتخيل زمنا قادما يبتسم فيه العصفور .
وفي بائع الشراريب
و ثقل الزمن والمرور البطىء للغاية على مسعود قبل بيع شراريبه وتسارعه حد التلاشي بعد حصوله على المائة ريال .
وبذلك نلاحظ ارتباط الزمن بصورة جوهرية مع تنامي الحدث من جهة ....والحالة النفسية المتقلبة صعودا وهبوطا للشخصيات الدرامية على مدار المجموعة..وضبطه لحركة الحدث وجزئياته والمواقف وتنوعها ومرافقته لتسلسل المشاهد وتنامي درامية الحدث فيها .

__________________________________________________ _




[1] (http://www.merbad.net/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=69011#_ftnref1) _ عبد العزيز المقالح في كتابه ( مدارات في الثقافة والأدب ) الصادر مع العدد 43 من مجلة دبي الثقافية شهر 12 - 2008

مريم خليل الضاني
14/12/2008, 03:39 PM
أخي الكريم يوسف :
لئن كانت أجزاء قراءتك لمجموعتي كلها عميقة ووقوية إلا أن قراءتك لجانب المكان جعلتني أعتقد بأنك متخصص في علم النفس . نعم والله بدون مبالغة ! . لقد سبرت قراءتك للمكان أعماقي . عندما قرأت عبارتك وتعليقك حول جملة ( كم أحب النوافذ ) قلت في نفسي هذه هي مريم .
قرأت ذات مرة يا أستاذ يوسف بأن الصدق العاطفي في الكتابة يخرج إلى القراء نصوصا حية وقرأت أن من الأفضل للكاتب أن يكتب عن خبرات وتجارب عاشها هو أو عاشها الآخرون ولكنها تركت آثارا خاصة عميقة في نفسه بدلا من أن يتصنع أو يتكلف الكتابة عن خبرات لا تحرك في نفسه ساكنا . مثلا الشخص الذي يعيش في صحراء لن يكتب بصدق قصة تدور أحداثها في القطب المتجمد مهما كانت مهارته الكتابية .
نعم أنا أحب النوافذ كثيرا وأحب عندما أكون في الشارع في سيارة أو على قدميّ أن أتأمل النوافذ من بعيد فأكاد أسمع حكايات الناس وضحكهم وبكاءهم وأحب حين أكون في البيت أن أنظر من النافذة إلى الشارع والبيوت والسماء . بالطبع النوافذ لها دلالات نفسية لست أخصائية نفسيةحتى أفسرها لكنني أعتقد بأنها بالنسبة لي تعني الدفء الأسري و الترابط العائلي والعاطفي . وحين قلت أن أبرز مكان لاحظته في المجموعة هو المنزل فقد صدقت أيضا فمنزلي هو أحب مكان إلي وهو بالنسبة لي الاستقرار العاطفي والأسري الذي أنعم الله علي به فله الحمد والشكر .
أما قصة سرداب التاجوري فهي القصة ( الجرح ) نعم عشت طفولتي في بيت شعبي ولكن ليس في حارة التاجوري بل في شارع العينية ولم يكن في بيتنا سرداب ولكن أغلب بيوت المدينة كان فيها سراديب تثير في نفسي ما لا يمكن وصفه بالكلمات من الخوف والفضول كما أن أسرتي لم تحزم أمتعتها لتعود إلى فاسطين . القصة مزجت فيها الخيال بالواقع واستخدمت السرداب كما قالت الأم في القصة ( أنه نفق طويل يمتد كالعروق في جسد المدينة ويؤدي إلى قلب المدينة ) فالطفلة هربت إلى السرداب الذي يؤدي إلى قلب المدينة والقلب هو الحنان والعطف والاطمئنان الذي يحسه ساكنو المدينة النبوية والبعد التاريخي الديني الذي يمنح ساكنيها آفاقا روحانية قد لا يدركها من يعيش خارج المدينة تلك الآفاق الروحانية التي تعوض المغترب عن فقد وطنه وعن الظلم الذي يتعرض له المغتربين .

أخي يوسف سأعود مرة أخرى بإذن الله لأعلق على بعض نقاط قراءتك للمكان .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لاحظت يا أستاذ يوسف أنك لم تعلق بتاتا على قصة (صديقتي التي ) فما السبب يا ترى ؟.

يوسف أبوسالم
14/12/2008, 06:17 PM
أخي الكريم يوسف :
لئن كانت أجزاء قراءتك لمجموعتي كلها عميقة ووقوية إلا أن قراءتك لجانب المكان جعلتني أعتقد بأنك متخصص في علم النفس . نعم والله بدون مبالغة ! . لقد سبرت قراءتك للمكان أعماقي . عندما قرأت عبارتك وتعليقك حول جملة ( كم أحب النوافذ ) قلت في نفسي هذه هي مريم .
قرأت ذات مرة يا أستاذ يوسف بأن الصدق العاطفي في الكتابة يخرج إلى القراء نصوصا حية وقرأت أن من الأفضل للكاتب أن يكتب عن خبرات وتجارب عاشها هو أو عاشها الآخرون ولكنها تركت آثارا خاصة عميقة في نفسه بدلا من أن يتصنع أو يتكلف الكتابة عن خبرات لا تحرك في نفسه ساكنا . مثلا الشخص الذي يعيش في صحراء لن يكتب بصدق قصة تدور أحداثها في القطب المتجمد مهما كانت مهارته الكتابية .
نعم أنا أحب النوافذ كثيرا وأحب عندما أكون في الشارع في سيارة أو على قدميّ أن أتأمل النوافذ من بعيد فأكاد أسمع حكايات الناس وضحكهم وبكاءهم وأحب حين أكون في البيت أن أنظر من النافذة إلى الشارع والبيوت والسماء . بالطبع النوافذ لها دلالات نفسية لست أخصائية نفسيةحتى أفسرها لكنني أعتقد بأنها بالنسبة لي تعني الدفء الأسري و الترابط العائلي والعاطفي . وحين قلت أن أبرز مكان لاحظته في المجموعة هو المنزل فقد صدقت أيضا فمنزلي هو أحب مكان إلي وهو بالنسبة لي الاستقرار العاطفي والأسري الذي أنعم الله علي به فله الحمد والشكر .
أما قصة سرداب التاجوري فهي القصة ( الجرح ) نعم عشت طفولتي في بيت شعبي ولكن ليس في حارة التاجوري بل في شارع العينية ولم يكن في بيتنا سرداب ولكن أغلب بيوت المدينة كان فيها سراديب تثير في نفسي ما لا يمكن وصفه بالكلمات من الخوف والفضول كما أن أسرتي لم تحزم أمتعتها لتعود إلى فاسطين . القصة مزجت فيها الخيال بالواقع واستخدمت السرداب كما قالت الأم في القصة ( أنه نفق طويل يمتد كالعروق في جسد المدينة ويؤدي إلى قلب المدينة ) فالطفلة هربت إلى السرداب الذي يؤدي إلى قلب المدينة والقلب هو الحنان والعطف والاطمئنان الذي يحسه ساكنو المدينة النبوية والبعد التاريخي الديني الذي يمنح ساكنيها آفاقا روحانية قد لا يدركها من يعيش خارج المدينة تلك الآفاق الروحانية التي تعوض المغترب عن فقد وطنه وعن الظلم الذي يتعرض له المغتربين .

أخي يوسف سأعود مرة أخرى بإذن الله لأعلق على بعض نقاط قراءتك للمكان .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لاحظت يا أستاذ يوسف أنك لم تعلق بتاتا على قصة (صديقتي التي ) فما السبب يا ترى ؟.



أخت مريم

أشكرك على متابعتك واهتمامك بقراءتي
بالطبع يمكن أن نفرد صفحات لكل عنصر من العناصر
ولكن ضيق الوقت وخوفا من إطالة الموضوع نختصر ما أمكن
أما عدم قراءة قصة ما فربما جاء الأمر صدفة
ولا أتعمد التعليق على كل القصص
بل على ما أراه مناسبا حسب الموضوع المطروح
وإذا كانت نسبة تناولي للقصص نسبة عالية جدا كما أرى
فهذا يكفي لإعطاء صورة معقولة تؤدي دورها في القراءة المعنية
وربما آتي على القصة التي ذكرت في قراءتي لأفكار االقصص والعناوين
وربما تقنية القص أو الحدث ...
أما أنني دارس لعلم النفس فالأمر أنني أشعر أحيانا كلما أعدت قراءة قصة ما من المجموعة أن عبارات صدرت من أعماق القلب
وأنها شديدة التأثير ومنها ( كم أحب النوافذ )
ولعلني شدتني بصورة خاصة قصة ( عصفور على النافذة )
لما فيها من لغة شاعرية وبوح شجي شعرت بصدقه من بطلة القصة سواء كانت هي مريم أو شخصية درامية من نسج خيالها
على أنني مؤمن أن مريم موجودة في الكثير من قصص المجموعة في جانب من جوانبها كما وضحت أنت سابقا
المهم في الأمر أن يلتفت أدباء المربد بجدية إلى هذه القراءات ويضيئون لنا بعضا
من جوانب التقصير لتداركها لا حقا
شكرا لك وتحياتي

مريم خليل الضاني
14/12/2008, 06:30 PM
عذرا أستاذ يوسف لم أقصد إزعاجك . فقط تساءلت عن قصة صديقتي التي لأني ظننت بأنك وجدتها أضعف قصص المجموعة .
جزاك الله عني خيرا وجعل هذه القراءة النيّرة في ميزان حسناتك .

يوسف أبوسالم
14/12/2008, 08:07 PM
عذرا أستاذ يوسف لم أقصد إزعاجك . فقط تساءلت عن قصة صديقتي التي لأني ظننت بأنك وجدتها أضعف قصص المجموعة .
جزاك الله عني خيرا وجعل هذه القراءة النيّرة في ميزان حسناتك .


أخت مريم
لم أقيم القصص من حيث الضعف والقوة
ولا أعتقد أن هناك قصة قوية بالمطلق أو ضعيفة بالمطلق
فلكل قصة جوانبها الجميلة والضعيفة
وربما أقوم بإجراء تقييم حسب وجهة نظري
إذا توفر لدي وقت وإذا كان ذلك ضروريا
شكرا لك

يوسف أبوسالم
15/12/2008, 09:21 AM
تنامي الحدث وتنوعه في مجموعة الضاني


اللحظة التي تتفجرفيها فكرة القصة ويسطع فيها الزمن ...ويتجلى المكان ...هي الحدث
وهي اللحظة التي تشد انتباه القارىء ...وتتمحور القصة كلها في تداعياتها .
وفي مجموعة الضاني
تنوعت الأحداث بين صادم ومفاجىء ..ومفرح وحزين ...ومتوقع وغيرمتوقع ...وتلونت الشخصيات وحالاتها النفسية ..تبعا لحركة الحدث في القصة .

فبينما كان الحدث الرئيسي في
(أسبرين) (هو اليوم الأول من أيام تقاعد البطلة )
وهي الحالة التي يشعر الفرد فيها بالفراغ الشديد ..وعدم الحاجة إليه وكأنه أصبح باتظار الموت ، في تلك اللحظة ترتد بطلة القصة إلى نفسها وتعود لتشريح علاقتها الزوجية التي صرخ بها حدث سابق وهو زواج الزوج من زوجة أخرى ..
وبين تنهدات الأآآآآآآه الطويلة الحزينة يتنامى الحدث في نفس البطلة موجعا حزينا .
ولعل أحداثا صغيرة هنا لها تأثيرها الحاسم فلحظة شعورها بنظرة الود لتلفون سحر أسدلت الستارة و انتابها إحساس ثقيل بالضيق ،فاستندت للجدار وتنهدت تنهداتها الحزينة .
ألا ترون كيف يسلسل الحدث المشاهد ويحدد المواقف تبعا لعمقه وتأثيره ...!!
(وعدم الإنجاب)
هو الحدث الرئيسي في ( ثلاث على طريق ) وهو الذي جعلها تتأمل مشاهد متعددة من النافذة
وجعلها تتابع الطفلات اللواتي فوجئن بها بين حين وآخر تقترب منهن فيجفلن ويبتعدن ..وتظل صورتهن في أعماقها .
( واحتلال فلسطين)
هو الحدث البعيد بينما الحدث الآني القريب ..
( هو سماع الرجل نبأ الغارة على غزة) ...
وهذا الحدث شكل حركة الزمن وتناميه ..وسلسل المشاهد في القصة ومحوَرها حول رغبته في الإطمئنان على قريته وأهله .ولا تخلو القصة من أحداث جانبية ( مثل اكتشافة لعدم شحن التلفون ، وأحداث صاخبة وغريبة لعدم انتباه أولاده له
كما ( في قصة طرب وحرب وبرتقال ) .
أما في
(مارد)
فظل الحدث الرئيسي فيها ينطبع على مشاهد القصة
(وهو خلع زوجها السابق لعدم إنجابه ..رغم حبها له ..)
وتزوجها بعده ..لكن علاقتهما السابقة وشعورها بالندم ظل جدارا سميكا بينها وبين زوجها الحالي ، وظلت صورة الزوج السابق تتراءى لها حتى في لحظات حميمية مع زوجها الثاني .
وفي
(ضوء)
اختلف نوع الحدث من خاص وذاتي إلى عام وروحاني
(وهو التهكم على الرسول الكريم )
وما شكل ذلك من تداعيات وإحساس بالعجز عند بطل القصة..عن فعل شيء مؤثر مما دفعه ليترقب الفرج والأمل في ضوء تراءى له في عيني طفل صغير .
وفي سرداب التاجوري ....
سيطر الحدث على كل مشاعر البطلة وهز كيانها تماما وشكل كل تحركاتها وتصرفاتها اللاحقة ..فلحظة تنبهت إلى صوت أبيها ا( لذي عزم على العودة إلى قريته الأم في فلسطين)
( وهو الحدث الإفتراضي )
القابع في لاوعي البطلة ، هربت إلى طفولتها وتنامت عندها فكرة الإنتماء وعانت صراعا نفسيا مريرا بين العودة والبقاء في مدينة تعتبرها وطنها الحقيقي .
ونعود للحدث العام الذي يتحول إلى حدث ذاتي عند كل فتاة وهو ( ليلة عرسها )
وخوفها الشديد من تقاليد تتعلق بإثبات عذريتها .في
(صباح الدم)
(لكن وجود الأم ذاته بعد زواج ابنتها ومرضها )
هو الحدث العام فيما زواجها هو الحدث الأهم الذي شكل لها تناقضا حادا بين رفض البقاء مع أمها في المستشفى ..وبقائها مكرهة ..في
( مثل ما أحب أمي)
(واكتشاف عصفور )
على نافذة بطلة
( عصفور على النافذة )
هو الحدث المحور الذي دارت حوله القصة فأسقطت عليه بمناجاته ..شعورها بالوحدة والروتين والإحساس العارم بالغربة .ولم تخلُ هذه القصة على حزنها من فسحة أمل في النهاية .
أما ( الخيانة الزوجية)
فشكلت محور الحدث في
( أخرج يا سعيد )
والذي تصورته الزوجة على صيغة رؤيا تحققت في الواقع وهذا هاجس كان يتمدد في نفسيتها على الدوام .
أما في
( مفكرة )
فاختلف الحدث تماما
فقد تشابه الحدث من حيث كونه
( موتا في البداية والنهاية )
، لكنه كان عاديا لا يتذكره الآخرون وتلهيهم الدنيا وشواغلها عن الإعداد له والإتعاظ به ، أما في الموت الثاني فقد كان
حدثا مفاجئا صاعقا ..
كأنما هو من
صتع البطلة
لتجعل الناس يتذكرون ....ولعلي أقول
أن الحدث الأول طبيعي والثاني مصنوع بمهارة .
وتخيم لحظات التحول الإجتماعي السلبي وتأثيرات الحضارة واتساع المدينة والكبت وسقف الحرية المتدني ومجمل عادات وتقاليد تضيق الخناق على المرأة ..تسيطر على فكرة الحدث في صناديق البكاء ..
الذي اشتعل الحدث القريب بها عند
( تقاعد حارس الدار )
الذي أمضى ثلثي عمره بها .
ودعك من أحداث فرعية لكن الإشارة اللافتة على التحول الإجتماعي السلبي هي استقبال طفل في البداية ثم تكاثر الأطفال في الصناديق في النهاية وهو الحدث العام الذي دارت حوله القصة .
وبينما شكل
(انقطاع راتب المعونة الحدث الصاعق على نفسية العجوز) ...وأشار إلى طبقات اجتماعية فقيرة في بلد نفطي ...أشار الصاعق التالي في بائع الشراريب إلى نفس الحالة من تناقض الوضع الإقتصادي ووجود أطفال متسولين بالشوارع في بلد نفطي أيضا وهذه مفارقات حادة
وشكل
موت الطفل
وهو
حدث مأساوي ..
إشارة لافتة جدا على مسؤولية الدولة هروبه السريع إثر حصوله على ممائة ريال من محسنة عجوز ، كان بفعل ملاحقة سيارة البلدية له ولأمثاله من باعة الشوارع المتجولين
وهنا اٌقول أن معظم بلدياتنا في الوطن العربي تقوم بنفس الإجراء وهو ملاحقة أصحاب البسطات والباعة المتجولين في الشوارع وعلى إشارات المرور ولعل الحل الأمثل بدلا من ملاحقتهم وهم المحتاجون أن تفكر البلديات بإيجاد الحلول لهم ودراسة أسباب لجوئهم إلى تلك الممارسات كإيجاد فرص عمل أو أسواق ثابتة تحتويهم ...إلخ
لكننا نلاحق
حدثا نفسيا
من نوع عميق يغور في سراديب النفس ويشكل بعد ذلك ردود الأفعال المتنوعة بل ويحدد
عبارات الفضفضة والبوح
بما تراكم في النفس من تأثيراته
( كما هو الحدث في صديقتي التي )
الذي تفجر في نفس الصديقة لحظة سماعها تعليقا يوم زفافها ( عريس أعمى القلب ..ألم يرها قبل أن يخطبها ...قصيرة وعرجاء ........!!!
إذن قصيرة وعرجاء هو الحدث الدائم المستقر
في أعماق النفس والتعليق الذي نبشه وأشار إليه هو
الحدث الآني المباشر
وما بين تأثيرات الحدثين في أغوار النفس دار البوح من جديد ولكنه مختنقا بعبرات كادت تسيل من عين الصديقة وهي تقول عن صديقتها
( أن زوجها لا يبالي بمشاعرها )
وهي لا تدري أنها فجّرت في نفس صديقتها التي اختلقت شخصيات عديدة لتتوارى خلفهن وخصوصا عندما قالت لها
( أن زوجها لا يبالي بمشاعرها على الإطلاق )
وبذلك
( فتحت أبواب السراديب المعتمة المغلقة في نفس محدثتها ( والتي تضج بالألم)
وتبقى الإشارة إلى ظاهرة الفقر لافتة في اضطرار طفل لبيع الشراريب لشراء الدواء لأمه المريضة
في تناقض هذا الإطار الإجتماعي دارت أحداث قصة
بائع الشراريب ..
وتنوعت من
حدث عام جدا
وهو التحول الإجتماعي وبروز الفقر في بلد نفطي ..إلى فرحة الطفل وصاعقة الحدث على نفسيته إثر
حصوله على مائة ريال ...
وصخب المدينة وتهور سائقيها إثر
بروز سيارة
( مسرعة ) في قلب السوق التجاري الرئيسي لتنهي حياة الطفل وتقضي على آمال أمه بالشفاء .