المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أفراح القمة



عبد المنعم جبر عيسي
06/11/2008, 07:38 PM
يوم جديد .. أشرقت شمسه في قوة وعنفوان ، لتجدد أملا عانقه طيلة سنوات حياته ، طالما حلم به وعاش له .. وانتظر اللحظة التي يتحقق فيها ، لتكون بدايته الحقيقية ، ومنطلقه إلي دنيا الراحة والأمان ، ويبدو أنه آن لحلمه الكبير أن يتحقق .
فقد عاني كثيرا لكي يقنع عائلته الكبيرة بضرورة الجلوس لمناقشة تسوية الخلافات فيما بينهم ، وبحث سبل لم شمل العائلة ، في منعطف جديد وخطير يتطلب التوحد .. بعد طول خلاف وشقاق وقطيعة .. إنه هدف نبيل يسعي الآن لتحقيقه بكل ما أوتي من قوة .. تنامي إلي أذنيه صوت التلفاز في صالة البيت ، وهو يذيع أخبارا عن لقاء القمة ، الذي تتزين له سماء القاهرة ، بين القادة والزعماء العرب ، لمناقشة التطورات الجارية في المنطقة ، واعتداءات العدو الإسرائيلي المتواصلة ؛ في أكثر من صعيد علي أرضنا العربية المحتلة ، وسبل احتواء الخلافات العربية العربية .. استبشر خيرا بهذا الخبر الذي يدعو للتفاؤل ، في صباح جميل يعيشه .. وحلم كبير يسكن جوارحه .
وخرج متعجلا في طريقه لهذا اللقاء ، كان يبدو غريبا وسط زحام الشارع ، يمضي بخطواته المتثاقلة المترنحة ، وكأنه يحمل فوق كتفيه أحزان العالم أجمع ، في طريقه للقاء أمضي العمر في انتظاره ، ليس فقط لإحساسه الذي لا يفارقه بالوحدة .. بل لرغبته الملحة في التوحد مع آله وذويه .. خاصة أنه لا يري سببا لهذه القطيعة ، ولا ما يدعو لكل هذه الفرقة والخلاف .
يتذكر طفولته التي عاشها معذبا .. هل غابت عنه ذكري والده لحظة ؟ كان شبه معاق ، يملك أرضا ككل الفلاحين في قريته ، باعها قيراطا وراء قيراط ليعيش ، فلم يكن قادرا علي الكسب ، باع جزءا منها في شبابه ليتزوج من أمه ، كان يرغب في أن يعيش حياته ككل البشر .. يحلم بمستقبل أفضل .. يتذكر أعمامه .. كانوا دائما في خلاف مع والده ، وشجار لا يكاد ينتهي ، ولأتفه الأسباب .. لم يتصور أن هناك أخوة يمكن أن يختلفوا إلي هذا الحد ، أو يصل العداء بينهم كما وصل بين أبيه وأعمامه .
لقد علمه أبوه مكارم الأخلاق ، غرس فيه الكثير من القيم ، التي يحس بها الآن قيدا يكبل حركته ، وتمنعه من أن يكون مثلهم .. وأنها كانت سببا في شقائه .. كان - رحمه الله - رجلا طيبا .. ينادونه الناس بالشيخ ، وأبدا لا تغيب عنه ذكري أمه .. الطيبة الصابرة .. بملامحها القروية المغرقة في البساطة ، عانت كثيرا مع والده سنوات الحصار ، خاصة بعد أن باع آخر سهم من أرضه .. كافحت .. تاجرت .. فعلت المستحيل لتنهض بأسرتها .. وتؤدي دورها في الحياة .. كانت تجأر بالشكوي - أحيانا - عندما تضيق بها السبل .. وكان الوالد يبكي عجزا .. وهو يحلق في سماء دنياه وحيدا .. كطائر جريح !
وتوفي الوالد في ساعة ما .. ويوم لا يكاد يذكر تفاصيله .. ما تزال كآبته ترتسم علي ملامحه .. حتي لحظات الكارثة لم تحرك مشاعر الأخوة الأعداء ، ولم تزدهم إلا بعدا .. كانوا يتنصلون من أي مسؤلية تجاهه حتي لو كانت أدبية معنوية لن تكلفهم شيئا .. كيتيم وقاصر لا يملك من حطام الحياة أي شئ .. ورغم ذلك قامت الأم بدورها .. وأدت رسالتها ما وسعها الجهد .. حتي أفضت إلي ربها .
كانت الحياة أقسي وأصعب من أن تواجهها الأم وحدها .. بضعفها وكينونتها .. لعل الأب استراح من حياة الشقاء ، لتبدأ رحلة الأم .. فتحملتها صابرة محتسبة وراضية .
يدهش لهذه القرابة .. الجيرة .. التي تبدو خالية من أية حقوق ولا تلتزم بأي واجبات .. وقد خلت القلوب من الرحمة ، لم يكن للحزن طعم محدد أو شكل مميز في الحياة ، تذوقته الأم وحدها - بل تجرعته - حتي النخاع .. عاني مثلا منتشرا بين العامة كان يرفضه من داخله قديما : ( الأقارب عقارب ) .. سأل عنه عمته ( نفيسة ) في إحدي زياراتها :
- هل تطير العقارب يا عمتي ؟
صحكت الأم بقوة لأول مرة .. وهي تقول :
- كانت تبقي مصيبة !
كانت العمة ( نفيسه ) سيدة فاضلة .. تزورهم خلسة متسللة ، حتي لا يراها أو يغضب منها باقي الأعمام .
ولم يدر ساعتها أن للعقارب ذلك الخطر الرهيب ، ولا البغض الكامن في النفوس .. ومن المؤكد أن خطرها سيتضاعف عشرات المرات ، وربما مئات أو آلاف عندما تطير .
وما زال يواصل خطواته وسط الزحام ، محلقا بسلطان خياله في سماء طفولته الذاخر بالأحداث .. المتفجر حزنا وألما .. لم يدركه بكل هذه التفاصيل إلا عندما شب عن الطوق ، وبدأ في فهم الأمور علي حقيقتها ، لم يحسه إلا بعد إحساسه الكبير باليتم .. بفقده للأم .. التي كانت تملأ عليه حياته .. وبرغم كل ما حدث ، كان علي استعداد للتسامح والصفح .. التجاوز عن كل إسائة .. تناسي كل الآلام والأحزان .. إصلاحا لذات البين .
وفي طريق العودة كان محبطا ، بعد أن بلغته أخبار فشل قمة أولاد العمومة .. أحس بكراهيته الشديدة لكل العقارب .. بكل أشكالها وألوانها .. وأقنعتها .. وزيفها .. شرها الغير مبرر .. وقرر في فورة غضبه وانفعاله قتالها ، والعمل بكل قوته علي منعها من الطيران ، بل وسلبها حياتها إن أمكن .. ثم اجتاحت المظاهرات الشعبية الغاضبة الشوارع في كل العواصم العمومية ، منددة بوحشية العدو ومطالبة بقتاله .. ورافضة ما توصلت إليه القمة من قرارات ، لا تتجاوز حد الشجب والإستنكار ، أحس بنفسه رغبة تجددت لرفض قراره الأخير .. وتبقي أحزان القلب كما هي .. هم الإنسان علي عاتقه .. ووجدها أيضا فرصة للإلتحام - من جانبه - بكل تلك ( الاقارب ) .. الثائرة .. المصممة علي القتال .. والمطالبة بالإنتصار .. !

عائده محمد نادر
11/11/2008, 10:29 PM
الكاتب الزميل
عبد المنعم جبر عيسى
قرأت قصتك حتى تخلل الألم كل حواسي.. أحسست بالوجع المكوم أكوما أكواما فشعرت بثقله.
هل تعرف أن الوجع العربي واحد وأننا نتوحد به كعنوان لنا.
القصة مليئة بالمشاعر الأنسانية المفعمة .. عشت لحظاتها لحظة لحظه.
أسجل أعجابي بها.

عبد المنعم جبر عيسي
12/11/2008, 05:40 PM
الكاتب الزميل
عبد المنعم جبر عيسى
قرأت قصتك حتى تخلل الألم كل حواسي.. أحسست بالوجع المكوم أكوما أكواما فشعرت بثقله.
هل تعرف أن الوجع العربي واحد وأننا نتوحد به كعنوان لنا.
القصة مليئة بالمشاعر الأنسانية المفعمة .. عشت لحظاتها لحظة لحظه.
أسجل أعجابي بها.
الأخت الكريمة والزميلة الفاضلة / عائدة محمد نادر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا ايضاً أسجل اعجابى بقراءتك الرائعة وقلمك الرشيق وأدبك الرفيع ...
تحياتى وتقديرى
أخوك

محمدذيب علي بكار
12/11/2008, 09:02 PM
الأديب القاص الأخ عبد المنعم جبر عيسي . رغم ما حل به بقي الامل المفتوح كنهاية القصة وهذا يدل على عمق الفكرة وطريقة المسارين احسنت في توظيفها على اكمل وجه انها قريبة من هموم اكاد ان أقول الجميع عدا الذين يجلسون في القصور . قصة رائعة سرد رائع وعناصر ثانوية خدمة فكرة القصة الاساسية دمت مبدعا اخوك محمد

يوسف أبوسالم
13/11/2008, 09:25 AM
أخي عبد المنعم
مساء الخيرات

الإشارة اللافتة من وجهة نظري في هذه القصة

هي ( التحول ) من علاقات الدم ( الأقارب)

إلى علاقات الفكر ( المتظاهرون ) وهم الأقارب الجدد

وهذا التحول هو الذي يجعلنا نسير نحو المؤسيية وننبذ العشائريات

ومفهوم القبيلة

هذه دعوة كبيرة وعميقة جدا ومطلوبة أشكرك عليها

تحياتي

عبد المنعم جبر عيسي
13/11/2008, 08:37 PM
الأديب القاص الأخ عبد المنعم جبر عيسي . رغم ما حل به بقي الامل المفتوح كنهاية القصة وهذا يدل على عمق الفكرة وطريقة المسارين احسنت في توظيفها على اكمل وجه انها قريبة من هموم اكاد ان أقول الجميع عدا الذين يجلسون في القصور . قصة رائعة سرد رائع وعناصر ثانوية خدمة فكرة القصة الاساسية دمت مبدعا اخوك محمد

الأخ الكريم والأديب المبدع / محمد ذيب على بكار
تستوقفنى دائما ردودك المميزة وقراءاتك المتعمقة لأعمالى وأعمال الزملاء ..
أشكرك جزيل الشكر على اطرائك على عملى الصغير
دمت مبدعا ومتميزا أيها الأخ الكريم
أخوك

عبد المنعم جبر عيسي
13/11/2008, 08:45 PM
أخي عبد المنعم

مساء الخيرات


الإشارة اللافتة من وجهة نظري في هذه القصة


هي ( التحول ) من علاقات الدم ( الأقارب)


إلى علاقات الفكر ( المتظاهرون ) وهم الأقارب الجدد


وهذا التحول هو الذي يجعلنا نسير نحو المؤسيية وننبذ العشائريات


ومفهوم القبيلة


هذه دعوة كبيرة وعميقة جدا ومطلوبة أشكرك عليها



تحياتي


الشاعر الكبير والأديب الجميل / يوسف أبو سالم
مساء الفل والياسمين
قراءتك الرائعة شهادة أعتز بها وأفخر ووسام يزين صدرى
شكرا جزيلا على كل شىء
تقديرى لشخصكم الكريم
تلميذكم