د.عمر خلوف
06/11/2008, 07:25 PM
التجديد الوزني عند الشاعر
عمر البهاء الأميري
على الرغم من أنني لم أسْتَوفِ مطالعة الأعمال الكاملة للشاعر عمر البهاء الأميري رحمه الله تعالى، ولكنني عطفاً على ما أمكنني الاطلاع عليه، وليس بالقليل، وجدت لديه ميلاً واضحاً إلى التجديد الوزني؛ والكتابةِ على ما يُخالف العروض الخليلي. يتجلّى ذلك على سبيل المثال في استخدامه مشطورات البحور التي لا يُشطّرها الخليل.
كقوله من مشطور البسيط (مع الله ص120):
أدعوكَ يا ربّ من روحي ووجداني
أدعوكَ من قلبِ آلامي وأشجاني
أدعوكَ منْ غورِ إسلامي وإيماني
أدعوكَ أدعوكَ يا ذا المَنِّ والشانِ
مستعجِلاً كشْفَ ضرٍّ مسَّ إخواني
وكقوله من مشطور الخفيف (مع الله ص97):
أيُّ سرٍّ يُوْدِيْ بدنيا حدودي
كلّما هِمْتُ في تَجَلّي سجودي
كيفَ تَذْرُوْ "سبحانَ ربي" قيودي
كيفَ تجتازُ بِيْ وراءَ السدودِ
كيفَ تسموْ بفطْرَتِيْ ووجودي
عن مَفاهيمِ كَوْنِيَ المعهودِ
وله مثلها في ديوان: (أذان القرآن، ص146):
يا إلهيْ .. علاّمَ جَهرِيْ وسرّي
يا شهيداً وِزْريْ.. وقرآنَ فجْري
يا سميعاً في خَفْقِ قلبِيَ ذِكْري
وبقلْبِ الهمومِ حَمْديْ وشُكْري
أنتَ قدَّرْتَ في غُيوبِكَ قَـدْري
وقَسَمْتَ الجَنَى.. وقسّمْتَ عُمْري
يا إلهي، فكنْ مُسَدِّدَ أمْــري
واكفِني الهمَّ، وامْحُ عُسْريْ بِيُسْرِ
وهو من قلائل الشعراء الذين استخدموا وزن الرمل مثمناً (مع الله، ص 7) :
يامَعانِيْ اللهِ في نفسيْ وروحيْ وضميري ** حلّقي بِيْ وارتقي فوقَ سماواتِ الأثيرِ
أشرقي وهّاجةً في غَورِ قلبِيْ ووجودي ** والْبَثي وَضّاءةً في ليلِ عمريْ وأنيري
وتجلِّي لِجبالِ الهَمِّ تجثوْ فوقَ صدري ** فلقد أرهَقَ صدريْ حَمْلُ هَمٍّ مستطيرِ
فإذا ما جُعِلَتْ دَكّاً أَعِينينيْ بعزمٍ ** أنا لا أرغبُ أنْ أُصعَقَ في ساحِ القديرِ
غايةُ القصْدِ ومَنْ أقصِدُهُ ربٌّ كبيرٌ ** جَذْبةٌ تُنْعِمُني بالقُرْبِ من ربٍّ كبيرِ
وهو من نوادر الشعراء الذين كتبوا على الوزن الرجزي: (مستفعلن مستفعلن فعْلن)، الذي لا يَرِدُ عادةً إلاّ عجُزاً للبحر السريع، وقد جاء به الأميري صدراً وعجزاً (قلبٌ ورب، ص99):
ذنبُكَ يا إنسانُ قدْ يُغْفَـرْ ** لا تُتْبعِ الخُسْرانَ بالأخسَرْ
ولا تقلْ: جَبْرٌ ، فما ذنبيْ؟ ** ومَحِّصِ الأمْرَ .. فمَنْ أجبَرْ؟
هيهاتَ أنْ يُلزِمَ بالسُّوأَى ** ناهٍ عنِ الفحشاءِ والمنكرْ!
بالعدْلِ بالإحسانِ أمّــارٌ ** بالبرِّ بالأمثَلِ بالأطـهـرْ
فثُبْ، وتُبْ، ولُذْ برحمانٍ ** منْ كلّ ذنْبٍ عَفوُهُ أكـبرْ
ومثلها في ديوان (مع الله، ص8 ) مقفّاة الصدور، مقفّاةَ الأعجاز:
الليلُ في ظُلْمتِهِ داجَـى ** والفجْرُ في إشراقِهِ أفصَــحْ
فكانَ للألبابِ مِعْراجـا ** أسرَى بها نحوَ السّنا الأوضَحْ
أشرَقَ في الأبصارِ مِنْهاجا ** فالنفسُ منْ إيمانِها تنضَــحْ
والقلبُ في خَفْقَتِهِ ناجَى ** والصّدْرُ في أنفاسِهِ سبّــحْ
ومن أغرب (وأبدع) ما وجدته للأميري رحمه الله قصيدة فريدة في بابها، فريدة في معانيها، لم يُتَحْ لي سواها في قديم أو جديد، على كثرة اطّلاعي على مثل هذه المستجدات الوزنية، ذلك أنها تجري على وزن أراهُ مُشَقَّقاً من الضرب الثاني لبحر المنسرح، بزيادة سبب تام إلى عروضه وضربه هكذا:
مستفعلن مفعولاتُ مفعولاتن ** مستفعلن مفعولاتُ مفعولاتن
وذلك بتطبيق هذه الزيادة على (الصدر) و(العجز) معاً.
يقول فيها (مع الله ص83):
حَواسُ جسميْ إلى التُّرابِ تُنْمَى ** وأفْـقُ رُوحِيْ مِنَ السَّـماءِ أسْـمَى
مَلَلْتُ كَوْناً حُدودُهُ لِيْ حَبْـسٌ ** كأنّني عنْ وراءِ كَوْنِــيْ أعْمَــى
في النومِ روحي إلى السماءِ تسري ** وحينَ أصحو في الأرضِ أُلْفِيْ الجسْما
يكادُ حَدْسيْ يَحُلُّ هذا المُعْـمَى ** لكـنّ عقـليْ يضيقُ عنـهُ فَهْـما
يا ربِّ هَبْ ليْ هدايةً تُنجيـني ** أحطْـتَ ربي بكلِّ شـيءٍ علْــما
لكنه لم يستطع السيطرةَ التامة على هذا الوزن، فاختلطت لديه عدة إيقاعات متقاربة، ندّ عنها سمعه، والتي يصعب على الأذن أن تشعر بالفروق الدقيقة بينها، إلاّ لمتمرس.
فبغض النظر عن الزحافات الجائزة لِـ(مستفعلن) و(مفعولاتُ)، الحشويتين، فقد جاءت ثلاثة شطور؛ (هي: الأول والثاني والخامس) على العَروض والضرب: (مَفْعُلاتن= فاعلاتن) أي بحذف الواو من (مفعولاتن)، فتداخل الوزن مع مقصر البسيط: (مستفعلن فاعلن متَفْعِلاتنْ)، ومنه قول ابن الفرَس الغرناطي:
يا مَنْ أُغالِبُهُ والشوقُ أغلَبْ
وأرتجي وصْلَهُ، والنجْمُ أقرَبْ
سدَدْتَ بابَ الرَّضا عن كلِّ مَطْلَبْ
وكانت كلمة (المُعْمَى) في صدر البيت الرابع قد ضُبِطَتْ بفتح العين وتشديد الميم (الْمُعَمّى)، مما جعلَ (عروضَه) على (مستفعلاتن)! ولذلك آثرتُ ضبطَها بسكون العين، وفتح الميم دون تشديد، لتنسجمَ مع وزننا المقترَح (مفعولاتن).
كما ضُبِطتْ الياء من قوله: (حدودُهُ لي حَبْسٌ) وقوله: (عن وراء كوني أعمى) في البيت الثاني بالفتح، فانتقل وزن العروض والضرب إلى (مفْتَعَلاتن)، وقد ضبطتُهما بالإسكان، لينسجم وزن البيت مع وزن القصيدة المقترح.
وكنت في بحثي المخطوط عن (بحر المنسرح)، قد كشفتُ عن عدد من القصائد على الضرب (مفعولانْ) أرجو أن ترى النور قريباً.
د.عمر خلوف-الرياض
عمر البهاء الأميري
على الرغم من أنني لم أسْتَوفِ مطالعة الأعمال الكاملة للشاعر عمر البهاء الأميري رحمه الله تعالى، ولكنني عطفاً على ما أمكنني الاطلاع عليه، وليس بالقليل، وجدت لديه ميلاً واضحاً إلى التجديد الوزني؛ والكتابةِ على ما يُخالف العروض الخليلي. يتجلّى ذلك على سبيل المثال في استخدامه مشطورات البحور التي لا يُشطّرها الخليل.
كقوله من مشطور البسيط (مع الله ص120):
أدعوكَ يا ربّ من روحي ووجداني
أدعوكَ من قلبِ آلامي وأشجاني
أدعوكَ منْ غورِ إسلامي وإيماني
أدعوكَ أدعوكَ يا ذا المَنِّ والشانِ
مستعجِلاً كشْفَ ضرٍّ مسَّ إخواني
وكقوله من مشطور الخفيف (مع الله ص97):
أيُّ سرٍّ يُوْدِيْ بدنيا حدودي
كلّما هِمْتُ في تَجَلّي سجودي
كيفَ تَذْرُوْ "سبحانَ ربي" قيودي
كيفَ تجتازُ بِيْ وراءَ السدودِ
كيفَ تسموْ بفطْرَتِيْ ووجودي
عن مَفاهيمِ كَوْنِيَ المعهودِ
وله مثلها في ديوان: (أذان القرآن، ص146):
يا إلهيْ .. علاّمَ جَهرِيْ وسرّي
يا شهيداً وِزْريْ.. وقرآنَ فجْري
يا سميعاً في خَفْقِ قلبِيَ ذِكْري
وبقلْبِ الهمومِ حَمْديْ وشُكْري
أنتَ قدَّرْتَ في غُيوبِكَ قَـدْري
وقَسَمْتَ الجَنَى.. وقسّمْتَ عُمْري
يا إلهي، فكنْ مُسَدِّدَ أمْــري
واكفِني الهمَّ، وامْحُ عُسْريْ بِيُسْرِ
وهو من قلائل الشعراء الذين استخدموا وزن الرمل مثمناً (مع الله، ص 7) :
يامَعانِيْ اللهِ في نفسيْ وروحيْ وضميري ** حلّقي بِيْ وارتقي فوقَ سماواتِ الأثيرِ
أشرقي وهّاجةً في غَورِ قلبِيْ ووجودي ** والْبَثي وَضّاءةً في ليلِ عمريْ وأنيري
وتجلِّي لِجبالِ الهَمِّ تجثوْ فوقَ صدري ** فلقد أرهَقَ صدريْ حَمْلُ هَمٍّ مستطيرِ
فإذا ما جُعِلَتْ دَكّاً أَعِينينيْ بعزمٍ ** أنا لا أرغبُ أنْ أُصعَقَ في ساحِ القديرِ
غايةُ القصْدِ ومَنْ أقصِدُهُ ربٌّ كبيرٌ ** جَذْبةٌ تُنْعِمُني بالقُرْبِ من ربٍّ كبيرِ
وهو من نوادر الشعراء الذين كتبوا على الوزن الرجزي: (مستفعلن مستفعلن فعْلن)، الذي لا يَرِدُ عادةً إلاّ عجُزاً للبحر السريع، وقد جاء به الأميري صدراً وعجزاً (قلبٌ ورب، ص99):
ذنبُكَ يا إنسانُ قدْ يُغْفَـرْ ** لا تُتْبعِ الخُسْرانَ بالأخسَرْ
ولا تقلْ: جَبْرٌ ، فما ذنبيْ؟ ** ومَحِّصِ الأمْرَ .. فمَنْ أجبَرْ؟
هيهاتَ أنْ يُلزِمَ بالسُّوأَى ** ناهٍ عنِ الفحشاءِ والمنكرْ!
بالعدْلِ بالإحسانِ أمّــارٌ ** بالبرِّ بالأمثَلِ بالأطـهـرْ
فثُبْ، وتُبْ، ولُذْ برحمانٍ ** منْ كلّ ذنْبٍ عَفوُهُ أكـبرْ
ومثلها في ديوان (مع الله، ص8 ) مقفّاة الصدور، مقفّاةَ الأعجاز:
الليلُ في ظُلْمتِهِ داجَـى ** والفجْرُ في إشراقِهِ أفصَــحْ
فكانَ للألبابِ مِعْراجـا ** أسرَى بها نحوَ السّنا الأوضَحْ
أشرَقَ في الأبصارِ مِنْهاجا ** فالنفسُ منْ إيمانِها تنضَــحْ
والقلبُ في خَفْقَتِهِ ناجَى ** والصّدْرُ في أنفاسِهِ سبّــحْ
ومن أغرب (وأبدع) ما وجدته للأميري رحمه الله قصيدة فريدة في بابها، فريدة في معانيها، لم يُتَحْ لي سواها في قديم أو جديد، على كثرة اطّلاعي على مثل هذه المستجدات الوزنية، ذلك أنها تجري على وزن أراهُ مُشَقَّقاً من الضرب الثاني لبحر المنسرح، بزيادة سبب تام إلى عروضه وضربه هكذا:
مستفعلن مفعولاتُ مفعولاتن ** مستفعلن مفعولاتُ مفعولاتن
وذلك بتطبيق هذه الزيادة على (الصدر) و(العجز) معاً.
يقول فيها (مع الله ص83):
حَواسُ جسميْ إلى التُّرابِ تُنْمَى ** وأفْـقُ رُوحِيْ مِنَ السَّـماءِ أسْـمَى
مَلَلْتُ كَوْناً حُدودُهُ لِيْ حَبْـسٌ ** كأنّني عنْ وراءِ كَوْنِــيْ أعْمَــى
في النومِ روحي إلى السماءِ تسري ** وحينَ أصحو في الأرضِ أُلْفِيْ الجسْما
يكادُ حَدْسيْ يَحُلُّ هذا المُعْـمَى ** لكـنّ عقـليْ يضيقُ عنـهُ فَهْـما
يا ربِّ هَبْ ليْ هدايةً تُنجيـني ** أحطْـتَ ربي بكلِّ شـيءٍ علْــما
لكنه لم يستطع السيطرةَ التامة على هذا الوزن، فاختلطت لديه عدة إيقاعات متقاربة، ندّ عنها سمعه، والتي يصعب على الأذن أن تشعر بالفروق الدقيقة بينها، إلاّ لمتمرس.
فبغض النظر عن الزحافات الجائزة لِـ(مستفعلن) و(مفعولاتُ)، الحشويتين، فقد جاءت ثلاثة شطور؛ (هي: الأول والثاني والخامس) على العَروض والضرب: (مَفْعُلاتن= فاعلاتن) أي بحذف الواو من (مفعولاتن)، فتداخل الوزن مع مقصر البسيط: (مستفعلن فاعلن متَفْعِلاتنْ)، ومنه قول ابن الفرَس الغرناطي:
يا مَنْ أُغالِبُهُ والشوقُ أغلَبْ
وأرتجي وصْلَهُ، والنجْمُ أقرَبْ
سدَدْتَ بابَ الرَّضا عن كلِّ مَطْلَبْ
وكانت كلمة (المُعْمَى) في صدر البيت الرابع قد ضُبِطَتْ بفتح العين وتشديد الميم (الْمُعَمّى)، مما جعلَ (عروضَه) على (مستفعلاتن)! ولذلك آثرتُ ضبطَها بسكون العين، وفتح الميم دون تشديد، لتنسجمَ مع وزننا المقترَح (مفعولاتن).
كما ضُبِطتْ الياء من قوله: (حدودُهُ لي حَبْسٌ) وقوله: (عن وراء كوني أعمى) في البيت الثاني بالفتح، فانتقل وزن العروض والضرب إلى (مفْتَعَلاتن)، وقد ضبطتُهما بالإسكان، لينسجم وزن البيت مع وزن القصيدة المقترح.
وكنت في بحثي المخطوط عن (بحر المنسرح)، قد كشفتُ عن عدد من القصائد على الضرب (مفعولانْ) أرجو أن ترى النور قريباً.
د.عمر خلوف-الرياض