المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مشاركات قسم القصة



طارق شفيق حقي
01/11/2008, 10:03 PM
مسابقة المربد الأدبية الثالثة
مشاركات قسم القصة

http://www.merbad.net/vb/attachment.php?attachmentid=534&stc=1&d=1225608143
ملاحظة هامة:
على كل مشارك قبل أن يضع مشاركته هنا, الإطلاع على إعلان المسابقة (http://www.merbad.net/vb/showthread.php?p=66049#post66049)
اضغط هنا للاطلاع (http://www.merbad.net/vb/showthread.php?p=66049#post66049)
يحذف كل رد لا علاقة له بمشاركات القصة

محمود عادل بادنجكي
04/11/2008, 06:33 AM
حكاية ظـلّ


سبقني ظلـّي خطوة.. عبثاً حاولت تجاوزه!! توقـّفت فتوقـّف!!
حككتُ رأسي.. بحثاً عن حلّ..فحاكاني.
التقطـتُ فكرة نورانيّة لا يرتسم ظلـّها.. ظلّ ظلـّي يتابعني.. بعينيّ نسرٍ في قحفه..
لا تعرفان غمضاً!!
أخرجتُ ما في جيبي من نقود.. رميتُها قُدّامه.. وفي لحظة انحنائه ليلتقطها..
ركضتُ مسرعاً نحو النور.. فخلـّفتُ ظلـّي ورائي..
قدمه تحتَ قدمي.. إلا أنّ رأسه استقرّ هناك.. حيثُ رميتُ السقط..
لتتباعد المسافة بيننا.. كلـّما اقتربتُ.. من السطوع!

____________

شــــاشــــة عــــرض


لم يُرِد لسرّه بوحاً..
بعد اكتشافه شاشة كبيرة لعرض أروع الأفلام..
تضمّ أجمل نجمات السينما.. و بنات الحارة

مستحوذاً فيها دور البطولة المطلقة.

وكي لا يُفضح خبر الشّاشة السّاحرة..
يطفىء الأنوار.. ويبدأ عرضه.. بعد منتصف الليل.. بأفلام خرساء..
على سقف غرفته!!!

_________________

أصــاب نفســه



عندما أطلق النار... على رأس عدوّه

أصاب نفسه دون أن يدري...

في صميم آدميته!!!


______________

قـــرص الجـــبـــن


فتح الثلاجة.. وجد قرص الجبن فد تآكل جُلـّـُه..
بعد انتهاء الأسبوع..
نزل إلى الشارع.. يلتحق بمظاهرة.. للمطالبة بإبقاء دعم الخبز..
بعد نفاد الجبن لديهم!!

_____________

طبــيـب نفســـــي



تضع عنده أثقال همومها..

افتراء حماتها، وجور زوجها..

نميمة الجارة، مرض وحيدها..

وسياط الفقر والحرمان.

تمسح دموعها بيدها النحيلة الشاحبة..

متراجعة القهقرى، مودّعة ومتمتمة بالفاتحة..

بعدما قبّلت شاهدة قبر الوليّ الصالح!

____________

الأستاذ طارق
شكراً لجهودكم الراقية.
مشاركتي للمسابقة بالقصّة الأولى.
تحيّاتي الطيبات

لحسن ملواني
05/11/2008, 10:24 AM
قصص قصيرة جدا
لحسن ملــــــــــواني

لحسن ملواني قاص من المغرب له كتابات في مختلف الانواع الأدبية " القصة والشعر والمسرح والمقالة..– من مؤلفاته منها : أجوبة مختصرة : مجموعة قصصية – وديوان شعري بعنوان "التفاتات " منشور بدار نشر المربد- عضو بنادي القصة بالمغرب.
----------------------------------------------
اللب والصورة

أَخْرجته صُورتُه مُزوَّرا ...أخَذته المُصَوِّرة مُزَوَّرا جدّا ...قرؤوه مزورا جدّا جدّا... لم يَأْبه بصورته ، لُبُّه يُغْنيه عن الصُّور ... الصُّورُ من العوائق والعوالق المُسيئة للصَّفاء...
تَغَدَّوْا بصورته...تَسامروا...تعجَّبوا ..بالغُوا...أضافوا ولم يَبْلُغوا...
دخل باب العطر قائما مُستقيما ...تَقَزَّمُوا... حَبَوا صاغرين نحو مزبلة بلا اسم ولا عنوان .

الكيس الشاكي
في كيسه الذي خرَّبته زُحْمة أوراق بعضها من عرق رجل أنَّ لحظة فمات..في كيسه سيرة أرملة لم تستطع سوى الانصراف بلون العجز...
في كيسه أيضا بعض دموع رجل شُرِّد حين أُقْفِل مَنزلُه بلا استئذان...
صاحب الكيس جاء اليوم كالذين جاؤوا ...أخرج كيسا منهكا استمال إليه عيني جالسة في زاوية السكون الموحش ،وحين سقط منه هرول كطائر فاحتمى بالمسكينة خوفا من بقية الأعمال الشاقة...
حمل الرجل المرأة لتفحصها بعيدا عن الأعين، مشروعه القادم جعل ما في صرتها من ممتلكات بطن كيسه الشاكي المريض.


رحــــــــــــــــــــــــيل أخير
أحب الصورة لكن إطارها شريط مغلق من نار....أحب صوتها لكن بداخلها صوت آخر يقتل الأصوات ...
أحب لونها وحين رأى لونها الآخر اندهش فأومأ لِصِحابه أن ارحلوا فالقرية بإطارها وألوانها الأخرى لم تعد موطنا لأقدام العشاق.
سمعوا صرخته فابتعدوا وعادوا حيث الشمس شمس واللون هو اللون وإن تغير الفصل والطقس.

إدراك
...قبَّل مزلاج الباب وزجاج النافذة...قبَّل مفتاح الغرفة...قبَّل الوجه والمنديل ...قبَّل شعرها ونحرها والهواء القريب منها ...
وحين دق جرس الانتهاء ...بصق في كل الاتجاهات...هاجر الباب ...كتم غمه ...وبعد الدراسات الدنيا والعليا ، عاد يسخر من البدايات حيث يدرك النهايات ...بخ ، بخ صار قائدا لهيكله.
تحديق
حدق وحدق وحدق ...وحدق أيضا...وجد نفسه في كل المرئيات...صار حكيما خلَّف خمسين إلا كتابا ينتظر أن يدون فيه معنى الموت ، لكنه مات قبل ذلك ليعرف معنى الموت.
تبريد
كلمة-صافعة...ملامح حارقة... موت أغنية ...هروب حمامتين في اتجاهين متبااااعدين...
ارتياد بركة الضد ... إصغاء لنجيمات تضاحك كبد الليل.. عودةالربيع صبوحا فائحا ...
تحت الخيمة تعود الأغنية راقصة بين حمامتين متقاربتين جدا جدا جدا

أحمد غانم عبد الجليل
05/11/2008, 03:15 PM
الخالة سعاد ..


شأن كل ليلة تقريبا, تتواصل ثرثراتهم, و يتعالى صخبهم الضاحك قريبا من شباك غرفتها, متناسين وجودها في الدار مع والدها العجوز, الذي يغط في نومه منذ العاشرة مساءً, يتركها بمفردها تتابع برامج التلفاز, و قد تقرأ إحدى الروايات العاطفية, التي تحرص على ادخار أثمانها, أو تقلب إحدى المجلات, بينما تستمع إلى قصائد نزار قباني المغناة بصوت كاظم الساهر, أحيانا تأتي ابنة أختها, أو ابنة أخيها, لتمضي معها ليلة أو ليلتين في تلك الدار الصامتة أغلب الوقت, ذات مرة همت إحداهما أن تخرج رأسها من الشباك لتصرخ في وجهه و وجه أصحابه الذين يقلقون نومهما, و لكنها منعتها من ذلك, و قالت بأنها سوف تشكوه إلى والدته, غير أنها لم تفعل ذلك أبدا, رغم زيارتها لها باستمرار .. غالبا ما كانت تراه هناك, يكاد لا يفعل شيئا سوى النوم حتى الظهيرة, أو الخروج للبحث عن عمل, بعد أن حصل على شهادته الجامعية, دون جدوى .. تلفت انتباهها عضلاته المفتولة, نبرة صوته المشحونة بجسارة الشباب, تلك التي باتت تستطيع تمييز حدتها جيدا عن أصوات البقية, توقظها من غفواتها المتقطعة, تملأ غرفتها ضجيجا مرهقا للأعصاب, بالكاد تفهم ما يقول, و لكنها تنتبه جبدا عندما يخفض صوته ليتحول إلى شيء من الهمس, تجلجل بعد ذلك الضحكات العالية, تذكرها بهمسات زملائها في العمل, و هم يرمون بنظرات خفية زميلتهم التي طالما أبهرتها بأنوثتها الطازجة و أناقتها الملفتة, ليطلقوا بعد ذلك ضحكاتهم المكتومة, حتى تنهرهم بنظرة صارمة تجبرهم على معاودة العمل بسرعة, متهيبين سطوتها و مكانتها لدى المدير العام الذي يعتبرها من أفضل موظفيه, و أكثرهم كفاءة على مدى ثمانية عشر عاما تقريبا, يتذكر دوما أنها حتى عندما استشهد أحد أقربائها في الحرب, قبل حلول موعد زفافهما بفترةٍ بسيطة, لم تأخذ إجازة أكثر من شهر واحد, فاجأت بعده الجميع بصلابة غريبة و نشاط غير عادي, ظنهما البعض وسيلتها للتغلب على مواجعها التي لم تعتد الكشف عنها أمام أحد, خاصة و إن ملامح وجهها السمراء, الشاحبة على الدوام, و حدقتي عينيها الضيقتين كانت تعينها على ارتداء قناع الغموض ذاك ..
باتت كل النظرات التي تحيطها, و كلمات المواساة التي تسمعها, بل و إحساسها أيضا, يوحون لها بأنها أرملة أمضت عمرا مع زوجها قبل وفاته, رغم أن يدا لم تلمس ذلك الجسد النحيل قط, سوى في بعض أحلامها المراهقة التي ما تزال تعلق في ذاكرتها لحد الآن, عيناه فقط كانتا تفتشان عن خباياه الضامرة بعض الشيء عبر الثياب الطويلة التي اعتادت أن ترتديها, يرمقها بابتسامةٍ مراوغة, تتخطى الأيام نحو ليلة لم تأتِ أبدا, فتعتري خديها حمرةٌ خفيفة, و تخفي عنه ضحكةً خجول من إيماءات الاشتياق التي تختلج قسمات وجهه و نظرات عينيه, تسرد حكاية حب جميلة, لم يشهدها قلباهما يوما ..
بعد رحيل رفاقة تبقى عيناه مسمرتين في نافذة غرفة جارته القديمة, الموصدة منذ زواجها, بانفعال و حسرة يحتدمان داخله أكثر أثناء زياراتها و وليدها الجميل إلى بيت أهلها الملاصق لدار الأرملة العذراء التي تسارع إلى حمل و احتضان ذلك الرضيع الضاحك ما أن تراه, تنهال عليه بالقبل, تلاعبه و تضحك لكركرته, تحنو عليه بلوعة حرمانها الطويل من ذلك الدفء الرقيق, و قد تلحظ أحيانا شرود نظرات الشابة الحسناء نحو الشباك المواجه لبيته و كأنها تتلصص على حياة فتاة أخرى ..
بين الحين و الآخر تسألها عيناه عن أخبار تلك الأم الفاتنة, عشقه الذي رافقه منذ صباه, تجيبه بابتسامةٍ مشفقة, تكاد تدفعها لاحتوائه بين أحضانها, كما كانت تفعل أثناء صباه عندما كان يلجأ إليها هربا من عقاب والديه, لدى قيامه بتصرف من تصرفاته الطائشة, و لكن أمام هذا الشاب الوسيم ماذا بوسعها أن تفعل, و شيءٌ في داخلها صار يستغرب مناداته لها بالخالة سعاد, بتلك النبرة الرجولية التي أمست تغشو غرفة نومها بشراسة أكثر من ذي قبل, خاصةً بعد استدعائه لإداء الخدمة العسكرية, قبيل بدء الحرب الأخيرة ..
منذ ذلك الوقت تخلى رفاقه عن الوقوف في الزقاق, متجنبين نوبة جديدة من صياحها الهادر في وجوههم ...

...........................................



ذبـول الـيـاسـمـيـن


تجلس إلى طاولةٍ منعزلة بعض الشيء قرب الشباك, ترقب حركة السيارات و المارة في الشارع, يأتي النادل بفنجان القهوة, طلبها المعتاد, على شفتيه تبرز ابتسامة أكبر من التي يهديها للزبائن عادةً, أرفقها بسؤالٍ مجامل عن أحوالها, تجيبه بكلماتٍ مقتضبة ناعمة, و هي تزيح خصلةً من شعرها تتدلى نحو عينين تلمعان بسوادٍ أخاذ, تسدل جفنيها بخفة كلما رشفت من فنجان القهوة الموضوع أمامها, ترفع ساقا فوق الأخرى من تحت الطاولة, تخبط قدمها الأرض برقةٍ متناهية مع إيقاع الموسيقى الهادئة برشاقة ريشة فنان يغترف من ألق السكون عمق لوحاته, تطل عليها وردة ياسمين يشوبها الذبول من زهريةٍ فخارية باهتة الألوان, لم تستبدل منذ أيام ما كان يحتويها بكفيه, كلما اعتراه توتر يثير عروق جبهته السمراء, كما لو لم يرفع عن كاهله بعد عبء تكتمه المفضوح أمامها منذ أول دخولهما الكلية, عيناه تقيسان المسافة بين أصابعه و أناملها الرشيقة, مسافة تحذره من تجاوزها عينان تتوجسان مفاجأتهما من قبل أحد زملائهما أو أيٍ من الأقارب أو الأصحاب, فيهجس تفلتهما من نظراته المترجية من الشهور و السنوات الإسراع, رغم دمدمة القصف التي ترج قلبيهما, تبتلع عذوبة ألحانهما المفضلة, تحيلها إلى صراخٍ ناعق في أذنيها كلما أتت بمفردها بعد ذلك, تتوسل منحة قدرية تتحيها إجازة سريعة يقتنصها من الجبهة, قد لا تمهله حتى فرصة تغيير ملابسه العسكرية المتربة, و لتترك يديها لأصابعه المتخشبة ما شاء, يداعبهما, يحتضنهما, يرسي في دفئهما أشواقه و مخاوفه و مواجعه, و في عينيه ترتسم مرارة تستلب عبق كلمات ظلت تتردد بين جنباتها المتشحة بالسواد, بينما كان شدو الأغنيات يشاركها النحيب الخفي عن العيون ..
الكافتريا تمور بزقزقات الفتيات الضاحكة, تباركهن بنظراتها الشاردة و انكسار ابتسامتها, دون أن تدري أي إصرارٍ صار يدفعها إلى المواظبة على المجيء إلى مغارة الذكريات, و كأنها تأتي لزيارته, تطالبه بالاستماع إلى صمتها, دون أن يولي بوجهه عنها, كشأنه دوما لدى احتدام مناقشاتهما, منزوعة الكلمات من ذاكرتها, كما كانت تفعل حتى بعد زواجها الذي رفضته أول الأمر, تسألها وجوها لا تعرفها عن ذلك الشاب الوسيم الذي طوته سنوات الكرى في ثناياها .. لم يكن يشبهه في شيء, قلَما غازلها بكلمات الحب التي اعتادتها من عاشقها المتواري تحت التراب, أو أهداها وردة عطرة الرائحة تشبكها في خصل شعرها الطويل, غير أنها أطمأنت إلى وجودها بجانبه, رغم كل خلافاتهما و عصف المحن التي كادت تدك بيتهما أكثر من مرة ..
انقطعت تقريبا عن المجيء منذ حملها الأول, رغم الحنين الصادح فيها كلما مرت من أمام ذلك الباب الزجاجي المزخرف, مستسلمةً بالكامل لدوامة حياة ألقتها من جديد على عتبة المكان الذي لم يشهد أي تغيير تقريبا, بعد عزم زوجها على الرحيل إلى دنيا جديدة, تضمن مستقبلهما و أولادهما, فعادت تستحلف الأيام الإسراع حينا, و تطلب من ساعاتها التباطؤ حينا أخر, يزعزع الرحيل قلبا تتضارب نبضاته بين أضلع امرأة تداري بياض ذوائب شعرها بالصبغة, و تمرد فتاة عشرينية تطالبها بالمكوث فترةً أطول, رغم كثرة ما يتوجب عليها إتمامه قبل السفر ..
تطلب فنجانا ثالثا من القهوة, على غير عادتها, فنجان وداعي, نكهتها حادة المرارة في حلقها و جوفها, ما تمنت وجوده إلى جانبها أكثر من هذه المرة, كصديق قبل أي شيء آخر, تحَمله آخر شكواها مترقرقة الدمع قبل مغادرتها الأخيرة, يجذبها شعره الأجعد فاحم السواد, شاربه المشذب دوما, الحزن الراسخ في عينيه في آخر لقاء جمعهما, يحمل إطلالة فراقهما الأبدي, أنفاسه التي يزفرها قويا كلما همت بالنهوض, ترفع يدها إشارة الوداع المؤقت لئلا يثير تأخرها شكوك أهلها, تكبلها رغبته الكامنة في ضمها إليه بلهفة تناثرت في كل شارعٍ مرت به من دونه ..
تدفع الحساب للنادل, مغدقةً عليه بالبقشيش, تنظر نحوه بحنوٍ كبير, أخذت تتهادى في مشيةٍ متكاسلة الخطوات في المكان قبل خروجها إلى ضجيج الشارع, تتجمد عن الحركة لدى رؤيتها ابنتها الكبرى, تجلس بعينين غائرتين, تلتمعان بذات السواد الأخاذ, إلى طاولة تتوسطها وردة ياسمين يطعنها الذبول, في ركنٍ آخر من الكافتريا, برفقة شاب وسيم, يمقع وجهه الابتئاس, يحتوي الزهرية الصغيرة بكفين متخشبتين, تعلوهما يدها, تنزع عن الوردة أوراقها المصفرة بتماهل يعد الأيام المتبقية على الرحيل ...

........................................



الـخـطـوط الـخـلـفـية


لا يستطيع المرور من أمام غرفتها دون إطلاق تنهيدة شاب غر قد تقلل من هيبةٍ فرضها على الجميع خلال السنوات الأخيرة بعد بروز إسمه, الذي أضيف إليه لقب شيخ, بين التجار الكبار القلائل في المنطقة, و تراكم الأموال في خزائنه, و تعدد النساء في بيته العامر, عتبة بابها أضحت بمثابة خط أحمر لا يُسمح لأحد بتجاوزه, كل ليلةٍ تمضي ترسخ وجودها النابض في مخيلته أكثر فأكثر, لا تمحوه أي فتاة أخرى في الدار, تحرص على إرضائه بشتى السبل, و ضمن ما يشاء من وقت لا تستطيع العجوز المتحايلة على عمرها الخمسيني بالحناء و بريق الألوان التي تداري بها بعض تجاعيد وجهها الحنطي محاسبته عليه كأيٍ من الزبائن الآخرين, كانت تأتيه منها ذات الإجابة دوما, رغم علمها بمدى نفوذه و تنوع علاقاته و شراكاته التي تغفل عنه العيون .. إنها محجوزة, تقولها بإصرار تصاحبه غمزة عين مستفزة تجبره على التراجع عن سؤاله الذي لا ينفك عن تكراره بعد حين في رجاء أن يشم عبق تلك الزهرة اليانعة من جديد, فتسكره ذات نشوة امتلاكها الأولى, كما لو لم يمس جسدها البض رجل قبله, تخترق خلجاته بنعومة تأوهاتها غير المصطنعة, تخالجها ضحكاتها المنغَمة, تشده إليها بوشائجٍ من حرير يستغرب وجودها في مثل هذا البيت العفن, القائم كوكرٍ للخفافيش على أطراف تلك البلدة المحاذية لجبهة بعيدة بعض الشيء عن خطوط الاشتباك مع العدو .. منذ بدء الحرب صار الجند يتوافدون عليه, و كذلك الضباط في بعض الأحيان, جوعى, عطشى يتعجلون الارتواء, غالبا ما يأتون برفقة جندي شاب شديد السمرة, فارع الطول, لا يدري أحد كيف يتدبر أمر خروجهم من المعسكر الذي لم يفارق مقر قيادته نحو الأرض الخلاء مرة واحدة, أو يحظى بإجازاته الكثيرة و مهام المراسلات التي يكلف بنقلها من و إلى العاصمة, فيبقى هناك أياما مسترخية, لا تدركه الحسرة على كل دقيقة من دقائقها الثمينة, غالبا ما يكون رائق الأعصاب, يميل إلى السخريه و المزاح, بلا أن يأمن أحد سرعة غضبه في وجه الجميع, بمن فيهم صاحبة الدار, خاصةً عندما تحاول مراوغته بشأن المبلغ الذي يتقاضاه لقاء كل فحل مصعوق بنار الحرب يسوقه إلى أحضان فتياتها المتزايدات ..
أشار إليها بالابتسام قبل دخولها الغرفة, مستفرسة كلبوةٍ جريحة, لا تعنيها سطوة المسؤول الغامض الأتي من العاصمة, رغم تلك الرهبة التي أثقلتها منذ يوم دخوله الدار, متسللا من الباب الخلفي, يرتدي عباءة باهظة الثمن فوق ثيابه المدنية, تكتم ضحكاتها لما يراودها خيال إبقائه النظارة السوداء على عينيه و الكوفية المبرقشة فوق رأسه, متلثما بطرفيها الواسعين, دونا عن بقية ملابسه التي يطلب منها نزعها عنه على مهل لتبدأ فقرة تدليك جسده غير المتناسق و المشعر بصورة غريبة قبل كل شيء ..
باغته ما يخفيه جسدها الغض من زئيرٍ وحشي في الحنايا, بعد ان بدأ ييتئس من قدرتها على نزع ما عاناه طيلة الأشهر الماضية عن ذاكرته, حتى وجد نفسه أخيرا يقضي فترة عقوبة, غير محددة المدة, في تلك الصحراء المقفرة, يرتدي البزة العسكرية, رغم جهله التام بشؤون الحرب, يعرف أيا من الرفاق حاك له تلك الدسيسة جيدا, دون أن يملك وسيلة للدفاع عن نفسه, ما دامت الرياح تجري في صالح غريمه ..
كانت الدموع غائصة في حدقتيها, انصب عليها شدوه ظنت أنها تبرأت منه منذ أن سلبها أحد أتباع العجوز الأشداء بكارتها, قبل إتمامها الرابعة عشرة, لما أخبرها كلب الحراسة الذي بات يمضي ساعات خلف بابها دون تململ, باستشهاد ذلك الشاب الوسيم, محبب الملامح, بعد عدة أيام من زيارته المشحونة للدار, كان يتلفت يمينا و شمالا من حوله بعينين ذاهلتين, خطاه تتصنع ثباتا تلاشى أول إغلاقه الباب عليهما, وجدتها فرصة لتتباهى بتمرسها أمامه, رغم ما أبداه من صلفٍ و ما استبد به من حنق أودعتهما فيه وحشية الصحراء, ارتعد فوقها سريعا, بآليةٍ آلمتها بعض الشيء, كما لو كان مكلفا بمهمةٍ عسكرية يود إنجازها بأسرع ما يمكن, جلس على حافة السرير موليا ظهره لعريها المستلقي على الفراش في استسلام متذمر, كان جسده يتصبب عرقا غزيرا, يرتجف بقوة كمن يتلوى من ألمٍ حاد, لا تعلم إن كانت تمتماته استغفارا أم لعنات غاضبة يصبها على ما لا تفقه, أرادت مسح ظهره بمنديلها الأبيض الحريري الذي تخبئه تحت وسادتها, انتفض بعيدا عنها بسرعةٍ توسلتها أن تكون استعدادا للانقضاض الثاني, المشبع هذه المرة .. ارتدى ثيابه العسكرية الملوثة بالدماء, ثم خرج مهرولا, لا يولي سأمها الحزين أدنى إلتفاتة, أغلق الباب بقوة تخبرها أنها لن تراه مرةً ثانية, و المنديل المضمخ بعرقه الذي يحمل غبار المعارك المتهاوية على حافات الموت يفترش صدرها الناعم, المرتجف في نفورٍ و غثيان من كل شيء ..
تهتز الأرض مع توالي القصف الشديد, على غير العادة, أكثر من اهتزاز السرير من تحتهما قبل قليل, ينتابها ذعر شديد من لحظة تهاوي الجدران المتصدعة العالية فوقهما, و إن أمست تتوقع ذلك في كل ليلةٍ تقريبا, ترمي برأسها على صدره متهدج الأنفاس, شديد الوطأة عليها, تنصت باستغراب لضربات قلبه المتسارعة, و كأن الخوف يعرف التسلل إلى أمثاله, تتعلق نظراتها المتوجسة بمسدسه الملقى فوق طاولة قريبة, لا تعلم بأن رصاصةً منه صبت بعض الحنق المتربص برفيقه اللدود في صدر جندي شاب, محبب الملامح, أصابته شبه لوثة بعد استشهاد صاحبه و ارتماء جثته فوقه, و كأنها ودت حمايته من سيل الرصاص المنهمر باتجاههم في لحظة انصهار رهيبة, امتنع عن إطلاق رصاصة واحدة من رشاشته أثناء المعركة, بدأ يهذي بكلامٍ غير مفهوم, دار حول نفسه عدة مرات حتى خر مرتعدا كالذبيحة على الأرض, أمره بالنهوض و مسك سلاحه الذي رماه بعيدا, فلم يجب و لم ينظر حتى نحوه, مسترسلا في هذيانٍ يثير الشفقة ...

................................................


الأستاذ العزيز طارق
أشكرك جزيل الشكر لإتاحة هذه الفرصة الجميلة أمام المواهب الأدبية و في أكثر من مجال ..
أختار يا سيدي القصة الأولى عسى أن تحظى بالإعجاب الكريم
مع خالص إعتزازي و تمنياتي للجميع بالموفقية

فاطمة الشريمي
06/11/2008, 05:51 PM
القصص التي سأشترك بها بإذن الله :-
1- هل هي أمي يا ترى ؟!
2- التلفاز و الوجه الآخر
3- حبال خلف كواليس الدراما

-----------------------------------------

هل هي أمي يا ترى ؟!...

إنّها الضّوءُ الوحيدُ في الغرفة .. إنها كوكب شتويّ قصيّ يملأ الزاوية .. وهناك صوت سورة يدوي من بين طيّات القرآن كالأجراس التي تجلل في السموات .. راح خلف سياج النور يبني محرابا من الإيمان .. عند القلب أو أقرب ..
هل هي أمي ؟!.. بشال أبيض و غير أبيض تجلس مولّية وجهها شطر القبلة الوحيدة في العالم .. القبلة التي لا تتغير لمثلها .. هل هي حقا ؟!..
يأكلني النعاس فتغور عيني في وجهيحيث فكرة ما في رأسي الكسول كأنها ذبابة تائهة .. كأني ألاحقها بلا جدوى .. سأقرر أن أنام أو أن أصلي أو أن أقرّر أحدهما .. كنت سأتأهب لمناداتها و سأرى مافي وجهها من قمر أريب و من نور .. هناك على حافة لساني سأنطلق بالنداء " أمي .. أمي " و لكن .. تظهر من خلفي .. شبه نائمة .. بثوب نوم مريح و قد احتشدت في جسدها آثار النوم و التقلّب على الفراش .. قائلة " مالذي أيقظك الآن ؟!.. و لماذا لم توقظيني للصلاة التي قامت منذ نصف ساعة ؟!.. " .. و لكن .. ما هذا ؟!.. ألستِ أنتِ أنتِ ؟!.. هناك كنتِ .. بشال أبيض و غير أبيض .. بوجه كفلقة القمر يضيء سماء الغرفة .. ألستِ أنتِ أنتِ .. في وجه القبلة .. ألستِ أنتِ التي كنتِ .. و هنا .. يا إلهي ؟!.. لقد اختفيتِ و كأنّ الأرض ابتلعتك من هناك و أخرجتك هنا .. و فجأة وُلِدْتِ من الأرض و نما جسدكِ واقفا كشجرة من الخيال الخصب ...
ما حصل باختصار شديد يا أمي .. هو أنّني استيقظت من النوم أتتبع آثار صوتك حتى وصلت إلى الغرفة و وجدت امرأة تصلي تتظاهر أنها أنتِ .. من الخلف رأيتها .. و لم تدر وجهها .. هي تتعبد و أنا أنظر إليها .. و لكن فجأة .. أتيتِ من خلفي فالتفتُّ إليك .. حينما تسربت روح شفيفة إلى جسدي .. هكذا ألوان الأشياء التي تتزجج على نفس الملامح .. و حينما عدت إليها إلى ذات المكان لم أجدها ... هذا يعني أنها !!..أعوذ بالله ..


في ثانية واحدة لم تعد هناك امرأة تصلّي في آخر الليل و تتهجّد نحو الصراط المستقيم ..و تنتظر على سطوح الخشوع غفران الرب يتدلى من على الشهب المارقة .. لم تعد هناك امرأة تتلو الدين كما يتلو الرضيع البكاء .. لم تعد هناك جنة في الزاوية القصيّة من الغرفة جنّة بعمر فوق الأربعين تنتظر أن يرفعها الله إلى الملكوت الأعلى و تسبّح على ظهر غمامة النور .. أنتِ هنا ... أمٌّ غاضبة الآن .. تعاتبني لأني لم أوقظها للصلاة .. و قد تكسّر الأذان منذ نصف ساعة و لم يجبه أحد ... حزين كأنه ينادي و ينطلق صوته من حنجرة المئذنة الظامئة و يرد ّعليه الصدى مغتربا وحيدا قائلا ( لا أحد في الجوار صلّ وحدك ) .. كل هذا القدر من المكبرات الصوتية التي توخز النوم فيتحول الألم إلى نسيان مقيت .. ذات حين سخط النوم كأنه أرخى سدوله معبرا عن رسالة معلنة .. كأنه صمت الديك أو رسالة كالحزن مريرة و قاسية.. حين يراقب الليل الشخير كيف يتعالى من بيت إلى بيت ..
ربما لم أعرف تماما كيف أهديك يقظة .. لأنك هكذا عهدتك .. جنة في زاوية الغرفة .. و أنت غاضبة الآن لأنكِ اختفيتِ و ظهرتِ بهذا القدر من النعاس و هذا الكم من الغضب .. و لكن .؟!.. من أنتِ .. هناك أنتِ .. كنت تتهجدين .. و تطفئين النور يا أمي .. و تطلقين النور من المصباح في جوفك المتديّن ..
"يا بنتي .. استعيذي بالله من الشيطان الرجيم .. هؤلاء صلّاح .. اقرئي المعوذات "..ولكن كنتُ سأناديك للتو و ظهرتِ !... كأن في قلبك مصباح سحري تظهرين فور التفكير بكِ .. و لكنكِ ... أمي .. في الزاوية .. كنت سأنظر و أرى الوجه .. هل هناك وجه ؟"
اكتسحت بالقشعريرة و الخوف كما تكتسح الأرض بالشتاء .. و نفر الهواء من حولي .. هربت إلى الغرفة .. و طيف الجنة المجهولة يحوم حولي كذبابة من ضوء في ذاك الظلام العتي ..
توضأت بنار العقاب حيث الماء يتلاشى .. و صليت كما لو كنت أقضي صلاتي في جهنم .. شيء تحتي عظيم .. و كأنه حريق في غابة من الذعر .. كله تحتي ..
" آه كدت أنسى أن أقول لك يا بنتي انظري لما فعلتِ بالأمس تعرفين السبب .. جان على هيئة امرأة تتعبد و أنت تحلمين واقفة كأن لا شيء لديك غير هذا الوقوف لتحلمي .. امممم و لكن صحيح لمَ لمْ توقظني تلك اليد الخفية اليوم ... بعد الأذان من كل يوم لا بد و أن تخلقها اللحظة و تظهر من الهواء في ومضة سريعة توقظني و تهرب .. تهرب ؟؟ .. أم تختبئ تحت الأرض .. تحتي ؟!.. هل تهرب ؟!......."
إن الصوت يلحقها إلى الغرفة كظل مطيع .. و بعد أن تركت الصدى يصطدم بالحيطان الداكنة و يهمهم خائفا مرتابا , لتكمل نومها بعد الصلاة كأنه الشيء الذي ليس ذات أهمية ..
و العياذ بالله .. و العياذ بالله ... جان ؟؟؟... في بيتنا جان ؟!.. و أتذكّر الآن يا أمي أنك تركتني بالأمس و معي شيطانين أحدهما في مسجل الأسطوانات و الآخر في التلفاز .. يتربصان دما حارّا في عقلي ليبخرانه .. كأن أباهما إبليس الرجيم قد أرسلهما ليعترضان طريق استقامتي ذات ليلة .. أخرجت من رأسي عقل كبير و وضعته إلى جانب مسجل قديم كان قد أهداه لي أبي و معه كاسيت عبد الباسط لسورة البقرة كاملة .. وهي تنتظر فيه .. تنتظر مع الغبار كالذي هرم يتحين على بوابة العالم فرصة الموت الأخيرة ..
يهتز المسجل .. صوت الطرب الذي يعلو في الهواء و يعلو معه جسدي .. يهتز على أوتار الإيقاع كلهيب شمعة قديمة مهترئة كانت تعيش في الدرك الأسفل من الغفلة .. يهتز و الطرب يضرب بكلماته مناطق جسدية لامرأة خليعة .. و لا أزال أرقص .. و أبحث في غيابي عن شيء شبيه .. عن سُمّ يأكله الغناء.... بقايا أنثوية لطفولة ثائرة .. ما بالي كأني لا أرى الله .. فوقي .. و فوق سحاب الشيطان الذي مسّني .. أنتشر في الغرفة و أعبث في الهواء بحركاتي كفراشة فقدت وعيها .. تحن إلى غمامة تتكئ عليها حيث تعلق في الهواء لتحركها أنفاس الوهدة التي أصابتها ...
حتى سقط الصوت في وجهي كسيرا حين انقطعت الكهرباء .. و رحلت الضوضاء مع الريح و سجادة الوقت التي انطوت كالعُمْر ... حينما أغلق الباب بقوة كاد ينكسر لها .. و الحقيقة أن لا أحد خلف الباب .. و لا أحد في الممرّ .. ولا أحد فوق الكرسي .. فمن أغلق الباب يا أمي ؟!..
كنتِ متأخرة جدا .. حينما تبادر صوتي إلى مسامات تؤدي إلى الأرض إلى مكان كجهنم و لكنه أبرد بقليل .. صوت سيخبرهم بفتاة نسيت الله لساعة من العمر ..
من هنا .. نعم قررت أمي و ليست أمي .. أن تتهجد الليل في زاوية .. و أن تكون الجنة .. و أن تسبح الله بكرة و عشيا .. و أن يدفعني حلم في أواخر الليل ..عبر البيت إلى غرفة قصيّة لأنظر إلى امرأة كنت خلفها تماما .. ولا تعبأ إلا للقبلة و لكن لم تكن تعلم بأنها ستضطرني للبحث عنها و سأحلم بكابوس لكي أرى وجهها الذي لم يكن موجودا آن ذاك ..
نعم يا أمي .. عليّ أن أرنو إلى الاعتراف الشديد .
إنني.. فكرت .. للحظة .. بأن قراءة القرآن لم تعد تستهويني .. و أن صوت عبد الباسط الذي يجلجل في أركان السموات و الأرض بسورة البقرة لم يعد يهمني .. قليل من الدمع يكفي لأقول أنني استمعت .. و خمس دقائق بعدها للانتهاء من قيد الوضوء .. و عشر دقائق بعدها للوصول إلى الاسطوانة المطلوبة .. و دقيقة واحدة للتأهب و يبدأ الغناء ليؤكد لي بأنني محوت القرآن من أذني .. و من صفحة ذلك اليوم الذي سقط من تقويم العبادة و القربة ..
عليّ الآن تماما يا أمي أن أتذكر قصة أخي و التي ظننا لوهلة أنه يهذي إثر أفلام الكرتون .. وهو يقول " كنت أستحم و أغني بصوت عال في الحمام .. و خرجت يد سوداء ضخمة من اللاشيء كأنها تسكن الهواء .. ذات أظافر طويلة و حادة.. كانت يد مغطاة بشعر خشن .. صفعتني و عادت من حيث خرجت و لم يعد لها من أثر " ..
أكان في حسباننا أن فوهة من جهنم تقيم تحت منازلنا .. و أن أبناء الشيطان ينسون النوم و يلعبون بنا .. لا أم لهم و لا أب يردعهم .. أحدهم كان يتراءى من تحت الباب .. و جعل أخي يدخل الأنفاس بيديه إلى رئته كيلا يغمى عليه.. و أحدهم كان يجمع أخوته فوق السطح و يضربون بالطبول آناء الخوف.. حيث يلبسون خيبة الظلام وهم يتسلقون أشجار أواخر الليل ..
أحدهم يا أمي أنتِ التي ظهرت من خلفي من العتمة الحالكة في العين .. كان يتقمصك و يجلس كجنة في زاوية قصيّة من الغرفة الأخيرة .. و يقترب من الله في مساحة قليلة من البصيرة .. أسمع نشيج السماوات .. و هناك من يتربص ساعة الفجر التي ستقضي عليه .. إذا ما أفقت و أزحت هذا الغبار الذي حلّ عليّ كوابل من سحابة موبوءة بالغناء و جراثيم المعصية ..
ما كان يجب أن تظهري يا أمي .. ليختفي الشيطان المريب و الجنة الكاذبة .. و تختفي معه كل هذه النوايا المحدقة ..
الآن فقط .. فلق الصباح تباريح العتمة و نامت أطياف الخوف و أطفأوا الفانوس و تركوا الساقوطة الكبيرة تتوقف على جدار الموت وحدها ..
حيث ركضت الصور إلى الماضي .. إلى البعيد .. و انتهى اليوم الذي كان كله ذاكرتي مصحوبة بأكتوبر آخر سيستيقظ حتى حين ..
\\\\







التلفاز و الوجه الآخر



1- زخم روتيني فاره


نهارٌ صاف غض يتربّع في عرش السّماء الكبرى .. السّماء الأمُّ التي تنعكس فيها عرصات أحلامنا .. كم من طائرة مرّت من هنا .. و كم من صافرة رحيل أعلنت غروب أسراب الحمام نحو التهجير السنويّ المحتوم .. و كأنها برقياتنا إلى العام الجديد ليحدد الفصول أكثر من هذا .. فيا ترى ... أين سيكون حسن المآب ؟؟
و تغفو " سارة " في وجدها قليلا بنصف عين يملؤها النعاس و عالم هاجع في سكونه كأنه الهدوء ما قبل الموت ..
سارة :- كل ما في الأمر أنني غاضبة .. و يستشيط الدم في قلبي و جدران معدتي .. و شياطيني و ملائكتي الصغيرة تظهر كثيراً ..لأنّ أختي استعملت قلمي دون أن تطلب الإذن مني !!... يا الله ... أين العالم من كل هذا .... شخص يستعمل قلم شخص آخر دون استئذان ؟؟؟؟؟؟؟ ما هذا الاقتراف العظيم و الكبيرة المُجتَرأة ؟..
عليّ الآن أن أكتب شكوى إلى الله .. ( ياربي ... أستغفرك و أتوب إليك من ذنوب العباد الذين يستعملون أقلام الغير )
الأم :- سارة ... سارة....
سارة :- نعم يا أمي .. هل من خطب آخر ؟؟؟؟
الأم :- اذهبي لغسل الأواني في المطبخ .
سارة :- .. لحظة .. قفي أيتها الساعة .. و أنتِ أيضا أيتها الحركة .. لأجهّز نفسي للصراخ ... الضغط ؟!.. نعم نعم مرفوع .. العينان ؟! .. نعم نعم جاحظتان .. الحاجبان .. نعم نعم مرفوعان ... الصوت .. " إحم إحم " ... موجود .....واحد ... اثنان ... ثلاثة ... " يا إلهي .. جريمة أخرى ... كبرى يا ربي .. كبرى ... يطلبون مني غسل الأواني ... رغما عني .. أين عزرائيل لأسلّمه روحي و أرتاح .. و أعيش بين الحور العين و أترك هذه البشرية الباغية "
و تطرق في لحظة تفكر .. ثم تتمتم بينها و بين نفسها " هل سأحصل هناك على شَعْرٍ أنعم من هذا .. و أنف أطول قليلا .. و جسم أنحل قليلا ... أو كثيرا ؟!!!"
على فكرة ... يقولون أن السعادة تباع في دور أزياء " باغي " ( باريس بلغة أخرى ) .. وو لكنـــ .......
الأخت :- سارة .. سارة ..
سارة :- نعم نعم ... يا الله من البشر الباغية ...


آآه ... رأسي .. " إنها النهاية " .. " الموت يا ستيفن " .. هذا أكيد ... و كأني ذلك الطفل المحموم بعد سباحة مضنية في وحل رغبة طفولية ثائرة لآخر عام منها ..
كم تبدو الحياة رتيبة .. معتوهة مثل شيخ كبير مصاب بالزهايمر يمشي في أروقة مدينة عصرية يبحث فيها عمّن يعرف قريته التي ضاعت من الخريطة ..
سأكتفي بمطالعة السماء فحجّة الموت للموتى حجة واهية .. و أنا الميتة التي لا تريد أن يدفنوها في قبر تحت التراب ... نعم ... نعم ... صحيح .. فكرة جيدة .. سأفكر أن أصنع تابوتا زجاجيا يشبه تابوت ( سنوايت ) ... لا لشيء و لكن " موضة "
تمسك رأسها و تهزه قليلا كمن يهز آلة معطلة .." يبدو أن التلفاز أثر على ذاكرتي "

2- حقيقة ..

مَلَك يحلق فوق رأسها مشدوها .. يعتريه صمت يتضاءل كلما اشتدت نار الغضب في قلبه .. يحرقه في صدره أنه مَلَك .. ولو استطاع أن يلعن التلفاز و الذي اخترعه لفعل ..
الشيطان :- Make your life easier.. و لن يجبرك أحد على أن تركضي في عمرك حتى تصلي إلى نهايته قبل الأوان .. رويدا .. رويدا .. استمتعي به كما هو ..
سارة :- يا سلام شيطاني يتحدث الانجليزية ؟!.... يا فرحتي .. يا لكَ من شيطان >>
الشيطان :- " لو سمحتِ " ... لا تنعتينني بالشيطان .. أنا لست أنا !!..
سارة :- نعم أنتم دوما هكذا أيها الشياطين ... تتبرؤون من أفعالكم حتى لو احترقتم في جهنم ...
الشيطان :- ألم تقولي في نصّكِ ( إلى اسمكَ ) ..
لن أصدق أنني كَبُرْتُ ..
وانظر ...كيف أنك لا زلت في طرف لسانك .. متدلياً ..
تقول بأنك ستضرب ظاهر يدي .. لأنني
أُكَبّرُ .. دون أن أعرف ساعة الصلاة
و أفكِّرُ ... في موعدٍ و أنا صامتة بين آيتين
و تقول ......." يا شاطرة "
لن تعدِّي الرَّكعات على أصابع يديك ..
قبل أن تنتقي شياطينك بحذر ...


و انتقي شياطينك بحذر ؟!.) أليست الكاف في ( شياطينك ) تعود عليك ؟!.. و أنكِ أنتِ التي لكِ شياطين ؟؟؟
سارة :- هذه بلاغة ألا تفهم في البلاغة ؟!
الشيطان :- أنا لا أفهم سوى في الإغواء ...
سارة :- وها أنت اعترفت ..." و لأغوينهم أجمعين "...
الشيطان :- استغفر الله العظيم ..
سارة :- بل صدق الله العظيم ...
الشيطان :- هيه أنت .. يا من تتصنع النورانية .. يحلق .. يحلق .. هكذا وهو يتورط في البياض كالأبله ..
الملاك :- " خلقتني من نار و خلقته من طين " .. " خلقتني من نار و خلقته من طين " .. " خلقتني من نار و خلقته من طين "
الشيطان :- نعم أيها المتحذلق .. ألا تعجبك النار ؟؟!!..
الملاك :- أنا لم أقل شيئا ..
الشيطان :- على الأقل ليس لدي انفصام شخصية مثل سارة ..
الملاك :- بل لديك انفصام ضمير ..
الشيطان :- هه هه هه هه ... أصلا ليس لديّ ضمير ..
الملاك :- أعوذ بالله من شرّك المستطير ...ألا تخلّص الناس منك و من وساوسك ؟! ..
الشيطان :- أنت مثلهم جميعا ... البشر مجتمع من المصابين بالبارانويا " يقتلوا القتيل و يمشوا في جنازته "
الملاك :- و من غيرك جعل الفتاة من الذين يتسمّرون أمام ( الـ بوذا ) – التلفاز – كمن يعبد صنما لآبائه الأوّلين .. كأن البوذيين اخترعوا طقوس العبادة لتكون " ريموت كنترول هذا الزمان " ..
الشيطان :- لا يشاهدون في التلفاز إلا أنفسهم و ما كانوا يفعلون .. ثم ما ذنبي أنا .. فلترقص الراقصة أمام كومة خربة من الرجال .. و ليغني المغني بين النساء ..و لتسقط كؤوس النبيذ من أيدي السكارى في آخر الليل .. و ليقتل القاتل طفلا .. و ليصورهما مخرج عاطل .. و ليرابط الحارس عند باب المقبرة حتى انتهاء الدعاية المملة .. ما ذنبي أنا ؟!..
سارة :- كفى .. كفى ... اتركاني و شأني ولو لمرّة واحدة ..
و تشرب وعيها و تكف عن الحديث كمن سخط عليه الصمت ..
2- أخبار الجهة المقابلة من التلفاز و ألف علامة تعجب !!!..
الآن الساعة الحادية عشرة صباحا .. و إن السماء – على حد علمي – صافية .. و إن الشمس مشرقة جدا .. و إن الذاكرة مسافرة من غير حقائب .. و سارة تلتهم السرير دون أن تصاب بتخمة النوم .. لابد أن أشير إلى أن السماء لن تكون صافية بعد دقائق و أن غمامة من بعيد ستأتي كالمستنجد بقصّة ..
سارة :- من أين أتيت ؟؟.. و كم يبدو عليك أنك مثقلة .. بشيء ما و لكن لا أعرفه !!!
الغمامة :- ألستِ سارة ؟
سارة :- بلى ..
الغمامة :- أنا من بلد الذين كتبوا قهرهم و لملموا وطنهم من التراب و هاجروا إلى الموت .. أنشدوا حكايتهم .... خافوا الرحيل فتوسدوا بعضهم و ناموا بسلام آمنين تحت الثرى .. أنا قصة ألف غربة و غربة .. أنا صدر أمّ تتذكّر ابنها ذات ليلة لتشرع بالحنين الأزلي .. أينك من كل هذا ؟!.
سارة :- من أين أنتِ ؟!... لا أفهم شيئاً مما تقولين ؟!... هل أنتِ شيطانٌ متمثل .. أم طيف حلم عابر ؟!... يبدو أنني أصبت بضربة شمس ..
الغمامة :- أنا قطرة دماء مبتلة و رطبة .. لا تنتهي .. إن جفت من أرض ستأخذها السماء إلى أرض أخرى كسحابة تنذر من نبأ عظيم .. أنا ما تبقى من الأخبار في كاميراتهم .. وما تبقى من الرصاص في أجسادهم .. و ما تبقى من القتل في مخططات أعدائهم .. أنا الشاشة الأخرى من التلفاز .. أولا تتابعين الأخبار ؟!!.
سارة :-لا أحبها ... فهي ليست ممتعة .. أففففف .. لقد أفرطت في متابعة ( The Mummy return اممم ... إنه فيلم جيد على كل حال .. لقد كان هناك من الموت ما يغطي مجرّة بأكملها .. و لكن البطل بــ .....
الغمامة :- " هيه " يا ربي .. كفى .. ما أتعسني !!.. أتعلمين ؟!... عليك أن تقتربي مني ..
سارة :- لم َ؟
الغمامة :- اقتربي و أمعني النظر و ستنكشف لك الحقيقة جليّة ..
سارة وهي تجرّ جسدها نحو الشرفة و خلفه طرف لحافٍ لفّت به جسدها الخامل الذي و كأنه بات عاجزا عن توليد الحرارة الكافية لجعلها مستيقظة ..
انقشع نور إلى حواف الغمامة .. و ظهرت صورة في المنتصف .. إنها صغيرة .. و لكنها تكبر كأنها سراب يقترب .. كانت الرائحة خانقة جدا .. و آثار دموع على صفيح زجاج .. هناك دم على شعر دمية مأهولة بالخوف و لا تزال رميم .. و رافعة تجر أكوام بيت و بقايا بشر .. صوت بكاء مدويّ يكسر صخب الليل المقيت .. و عباءة مكتومة تحبس بداخلها جثة امرأة شريدة في شيء كثير من عمرها .. مات بعضهم بنَفَسٍ وحيد .. و الآخرون أبَقُوا إلى الفَلَكِ المشحون ..
كانت الشقوق كثيرة في الجدران .. و على اليمين .. مشهد جديد ..
جندي يقهقه في سماء لم تعد سماء.. و أب فقد وقوفه بعد أن اجتاح الرصاص جسده كفيروس خبيث .. فسقط مثل دولة لا يعرف رعيتها بعدها من وطن آخر .. مثل شجرة تحمل في قلبها ظلها الوارف و لكن الطوفان أعتا و أمرّ ..
أصبحت سارة في جسد شبه محنط .. و أنفاس تصطدم بالأرض ثم ترتد ككرة مطاطية لم يكن ليهتز لها طرف حديث وهي ترى فراشة تحوم وتصبغ جناحاها بدم حار كشَوْبٍ من حميم و تهرب .. و حمام يصدح في أفواه الرصاص .. و كلب ينبح لا يعرف سيده.. ينبح حتى تتشقق السماء من الصدى و تتفتت الحيلة عن اليمين و عن الشمال كأنها نشارة الخشب .. بعض من ورق محترق .. و بعض من فتات رغيف .. و شيء من رماد يعمر الجو كرائحة لها لون الضباب ..
سارة ( تهرع إلى أمها ) :- أمي ... أمي ..
أمها :- نعم يا سارة ... يالك من مزعجة .. " خلاص " لم تعد أختك تريد القلم ..
سارة :- سكين ... أريد .. سكينا ..
أمها ( في غير اكتراث ) :- انتهيت من تقطيع السلطة ..
سارة :- سأقتل بها أمّة استعمارية .. حلّت على أرض أتاها رزقها رغدا .. حرّقت حقولها و سرقت براءة أطفالها و حبست طيورها و كفكفت ماء سمائها .. و غرّبت شمسها .. و لوّثت أوراق تاريخها و حضارتها ...
أمها تلطم على خدّها لطمة و على رأسها أخرى .. :- ابنتي جُنَّت
صوت ريح .. ارتطام القطرات بالأرض و بقلبٍ سليمٍ .. سكون .. شتات نظرة مذبوحة .. مطر غارق في ذاته .. صيف مبلل .. حياة غير ممكنة ... صراخ منتهي المدة .. تلتفت سارة .. تغوص الغمامة في البعيد ...البعيد ..
العزاء الوحيد ينطلق صوته من التلفاز :-
أعزائي المشاهدين أسعد الله أوقاتكم بكل خير " ..

\\



حبال خلف كواليس الدراما ..
يتجهون نحوه مثل دوّار الشمس وهو يملأ حيزا من الفراغ بجسده الذابل هناك , في صورة مائلة نحو غبش ينمو مكتملا .. كانوا يذكّرونني كثيرا بـميرينغر حينما كان يقول (وعيون منبوذة في بركة ماء .. تنتظر القمر ) أولئك الذين يتجمعون حوله .. نساء كبيرات يتفقدن ابتسامتهن الصباحية و يستنشقن ما تبقى من هواء , رغم أن الزنبيل ممتلئ بالفراولة الحمراء الناضجة كالأنوثة الحالمة و إن كانت متأخرة .. الأطفال الهاربون من المدارس .. سيارة الحارس ليست في وضعها الصحيح .. بائع بائس خلفه فتيات مما بعد النهار .. جميعهم سيرجمونه بنظراتهم المريبة من تحت بركة الماء .. و بعضهم سيعيره اهتماما و بعضهم لا ..
كان يتلوّن كثيرا .. و تتغير تقاسيم وجهه كثيرا ..
رجل طاعن حيث لم يبقَ من عمره إلا رائحة غبار يعمر أجواء بيت خاوٍ .. إنه يستعد لولادة أخرى .. ولادة تبزغ في الهزيع الأخير كصباح من الورد .. غير التي يعرفها .. ولادة لا يذكر الحياة فيها طيف تعيس بين زاويتين ممزوجتين في الحدّ الأدنى الذي يتكون بعده جدارين متشابهين كأنهما توأمين متعاكسين يقوّمان خلل الأركان ..
كنت أسمعهم وهم ينادونه " العم حمزة ".. رجل بتلك القبعة التي تغطي نصف صلعته غير منتبها لما تبقى من جزئها المكشوف .. و شعره الذي ابيَضّ كأن شتاءا من الأحداث الكثيرة في العمر قد حلّ في رأسه ..
ثوب أزرق .. رائحة نرجيلة سابقة.. مسبحة حمراء في يده .. و قرية صغيرة مظلمة في ذاكرته
نظر نظرة تملؤها السنين الطويلة .. لم نعرف وقتها كيف نحدّد من ملامحه عاطفة معينة .. كأنه يريد أن يعاني عمره الآفل وحيدا شاردا ..
"اعطني زمنا كاملا من التوتر يا أبي "
" وداعا .. لأننا سنكتب هذا الوداع على ورق الشجر .. هل سيظل على الغصن جديدا مخضرّا ؟!.. و لن يأخذه الموت عبر خريف مارق كالرحيل أو ما يشبهه تماما ؟ "
العم حمزة :- أجد نفسي محاطا بكابوس .. و دوامة كبيرة تبتلعني ولا أقوى على النهوض .. عالم من النسيان يطغى .. أبي يصعقني بالكهرباء حينما علم أنني طفل.. و يقشّر عن جلدي ملابس البرد فيقرصني الألم و أتلوى , و الوحدة تظهر و تختفي . تظهر و تختفي مثل الومض السريع .. بل وصل الأمر بحبسي في غرفة شديدة الظلمة شديدة الحرارة .. كان الهواء عامرا بأريج الأغبرة و روائح السيجار .. و لا ضوء هناك , و العنكبوت ..لا زال يمشي فوقي و يلفني بخيوط الخيبة الواهنة و كلما مشى إلى صدري ينفرج الظلام أمامه .. كما يبدو ..
صالح ( متعجبا ) :- معقول ؟!!
العم حمزة :- أبي كان كلما كره العالم و العولمة أكثر , نظر إلى أعلى فتجمع سحاب غضبه و هطل مطره على قلبي .. ينهمر الغضب .. كل الغضب .. ثم يرتاح .. و تغور عروقه في جسده و يعود كل شيء منه إلى طبيعته .. فيهدأ و يتركني أضمد جراح صوتي الباكي و الأشياء الحزينة حولي ..


صالح :- معقول ؟!.. أين كان والدك حينما راح جيل الآباء يعيش فيما يسمى بالتراث و يجمع العلف و يهش الحمير و تتحكم الطبيعة في سلوكه .. و جيل الأبناء في زخم النهضة .. يستعمل اللغة الركيكة و يتبادل الأدوار و يصدق أفلام الكرتون .... أكلّ همه أن يدس رأسه في المذياع في الفتات من الأخبار ليغضب كل هذا الغضب دون أن يعرف أن العالم قد جف منذ زمن .. و أغلب ظنه أن القطيع قد باغتته الذئاب الآن فقط حينما غط الراعي في غفوة كطرفة عين ؟!!


العم حمزة :- بعض الكتمان قد يكون جيدا الآن ..


يوجهان نظراتهما إلى السماء ..
العم حمزة :- لا إله إلا الله .. الملك لله .. سبحان العدل الذي لا يظلم ولا يُظْلَمُ . صحيح .. هل تعلم يا صالح أن في جسد أبي قطعة مني ؟؟!..
صالح :- معقول ؟!..
العم :- كانت الليلة داكنة .. و كان القلب مفتوح لله .. كان الموت قادم .. و كان أبي يحتضن الألم في جنبه الأيسر ..كانت أمي تبكي .. و إخوتي يسترقون السمع من سماء الحدث الآت .. كان البيت مقترا يحتاج إلى أب .. و كنت أشتاق كذلك لمن يضربني.. كان الصمت مُوْقَدٌ في التنور و منتشر بلا رائحة تُذْكَرُ .. و كان الليل قد سحق ذاته ليخرج منها .. أما أنا الآن بدون كلية يسرى .. و أما أبي الآن قد ولّى بكليتين سليمتين .. و أنا أعيش بكلية واحدة مسكينة و منهكة ... أمي فقدت ذاكرتها و ظلت في بقعة واحدة تصارع تذكّر أسمائنا لتندهنا بها.. و أخوتي تفرقوا في الدنيا كما يتفرق اللقاح .. حتى أنني لم أعد أتعرف إليهم ..
صالح :- معقول ؟!.. وحيد ؟!.. و كل هؤلاء يتحلقونك كهالة من بشر ؟!..
العم حمزة :- أحيانا ترمي في بركة رأسك برهة من التفكير .. لتكتشف أن الحياة قد تخلو بك حيث تنفض ما تبقى من البشر حولك ليرحلوا بموجة إلى الموت المتطامن .. و فجأة يعودون لك بموجة أخرى , كزائرين أو أقل ...
نكاد نحتك ببعضنا من فرط الزحام غير أننا لا نرانا .. كلنا بثياب متشابهات نتوجه إلى سلّم نحو اللا مكان , لا نعرف متى سينتهي أو إلى أين سيؤدي .. الغربة الوديعة في رؤوسنا , التي تنفخ في الناي تراتيل السحر و نحن نتبعها .. نتبعها كالسكارى .. و الفناجين الملأى المتروكة سدى .. نوافذ مفتوحة .. أشيائنا الطاهرة التي نحفظها في أشباح مزججة كقوارير النبيذ .. و صنابير تحسب القطرات المتساقطة منها على مضض .. و حليب يغلي كالوجع .. و الأطفال تركوا البكاء و راحوا ينظرون إلى هذا الفوج الذي ينسل من كل حدب و صوب .. غير مدركين أنهم ينظرون إلى أنفسهم بعد عقدين من الزمان
الناس الذين يعبرون الشوارع حيث يبدو أنهم يقصدون السماء .. و البعض منهم يرمي عصيّه إفكا فتتحرك كأنها حيّة تسعى .. و صوت يتردد من قلب قريب ( كيدُ ساحرٍ .. كيدُ ساحرٍ ) .. هذا و لا شيء يشدّ البشر غير السماء ..


فجأة .. تفجرت الأرض بالأطفال .. و راحو يندهون ( كمل .. كمل .. يا عم حمزة ) و يصفقون و يقفزون .. ارتسمت في وجهه ملامح الضحك و حرّك رأسه .. يمينا و يسارا .. و أخرج من جعبته دمى من أقمشة و قطن و علقها بحبال و أخذ يصنع مشهدا بتحريكها.. دمية تمثل أباه و دمية تمثله , و دمية تمثل نصف الوجع و نصفه الآخر غارق و مغمور في الوحل .. حينما طرده أبوه من المنزل و بات في العراء ليلة و نصف .. لماذا ؟؟ !... لأنه كان غاضبا من اقتحام اشبيلية ..


العم حمزة :- من الغريب أن يكون رحيما و قد أخرج رأسه من خلف الباب و قال لي حتى تُفْتَح اشبيلية و تتطهر .. عليك ألا تنام في العراء .. و أغلقه في وجهي ..


صالح يمشي مبتعدا مذهولا :- معقول ؟!.. " أراجوز ؟!!" ... " أراجوز يا جماعة " ؟!.. مُمَثّل ؟!!! ..






الساعة تدق دقائقها الأخيرة .. يخلو المكان خلال هذه الدقائق .. أرجاء الحارة التي تتوسطها المدرسة و كأنما خيمت عليها مقبرة .. الرياح موتاها .. و أنينها صفير فتحات النوافذ .. الحراك الوحيد يكمن في الدمى المرتمية في حضن الشارع المسلوب , حيث كان يغسله مطر رمادي قديم ..



---------------------










فاطمة الشريمي \ قاصة








أعمال غير مطبوعة :-





رواية ( اجتياحات ذاكرة )




مجموعة قصصية ( حبال خلف كواليس الدراما ) \ 12 قصة قصيرة





الهرب إلى المرايا – وجوه ينقرها الظمأ – شاعر على حافة شرنقة – العالم الأول بعد الطوفان – سعيد في ألفية الميلاد – التلفاز و الوجه الآخر – الحقيقة و الذين لا ينذرون – هل هي أمي يا ترى ؟! – صوت العصيان – جدتي – التلفاز و الوجه الآخر – خلف بوابة الجامعة ..


مجموعة قصصية لم تنضج بعد بعنوان ( أنبياء ) ...





أعمال قصصية متفرقة :-



أريد كلمة .. أريد آخرة


فجور على صفحة البرتقال


في أرض سليمان


قبيلة تدعى الأرض

امرأة تتأنّث
البائسة


الطيور المهاجرة

العصا التي تسعف العميان

محادثات عابرة ... و غيرها



ألف ود من صميم المحبة \ لكم .

ابتسام الدمشاوى
09/11/2008, 09:01 PM
الأخ العزيز طارق
نشكركم على هذا الجهد الرائع
سوف اشترك بخمس قصص قصيرة جدا واترك لكم الاختيار
خالص تحياتى وشكرى


قتيــــل



حملت به ســـفاحا 00 وضعته على قارعــة الطريــق
وقالت له اذهب فتعلم كل المبادئ السـامية
لا تكذب 00لاتســـرق 0 لا تجع 0 لاتعــــرى .لا تعشق 0
تابعتـــه من بعيد 00 تعلــــم كل ما أمرته بــه
لم يكذب قط إلا عليها 0 لم يسرق إلا منها 0 جاع 00 وتعرى
00 وتعدى على كل ما ليس له بحق 0
أمسكت بالسوط 00وكلما ضربته ازداد قــوة
حتى لم تعد تقدر عليه 0
رمت بالسوط 00 وأدارت له ظهرهـــــا
وعاشـت مـن جديـد وتناست تلك القصة 0
حتى جاء إليهـــــا ممســـكا بذات الســوط وضربها حتى الموت 0
مات الاثنان هو من الخوف وهى من الغفلة .
0







غـــروب






انتهت لتوها من صنع التابوت 00 جمعـت زهرات البنفسـج

ونثرتها حول جثتها وقالت سيروا 00
ترفع رأسها بين الحين والآخر 00تتأمل وجوه من يحملون
التابوت 00 إنهم مبتسمون ومازالوا يسيرون بجد ملحــوظ
تشير إلى المشيعين إشارة تحية فيبادلونها نفس الاشـــاره ولكن ليس بنفس الدرجة من الحرارة 000 تجلس تحاول أن تحدثهم 00 تصيـح هـل تســـمعون
لا أحد يجيب 0.. تنزل من التابوت 00 تنادى من فوهــة القبر أبى. . أمى . . إخوتى 00 ولدى أنا قادمة00 هل تسمعون00 تأتيها الأصـوات متداخلة ولكن تسمعها بوضوح 00 تعالى نحن فى الانتظار..
هذا عالمك الرائـــع 00 اهبطى لا تترددى 00 لا تنتظرى
من يدفعك 00 تنظر وراءها
يأتيها صــوت أخيها الأكبر 00 تعالــى يا رابعــة لنبـدأ من جديد 00 تحمل زهرات البنفســــج وتنزل درج القـبر .
ولم تنس أن تنظر إلى المشيعين وتشير إليهم إشـارة الـوداع
تدخل وتغلق عليها باب القبر......وتغرب الشمس 0

سبـــاق


واضعاً سرجه بين فكيه. .يجرى مسرعا لا يلتفت حوله .. لا يستمع لاي نداء . . حاملا فوق ظهره صدأ الأيام . . . وفي قلبه آلام النفس غير المطمئنة .
يدخل جميع السباقات . . وقبل كل سباق يتقيأ ما يجوفه من مرارة ماضي لا ينسى أن يذكره كلما بدأ يوما جديدا .
يتخطى الحواجز . . يسبق كل من يبارونه . . لم يسأل نفسه متى ينتهى السباق . . وأين نقطة الهدف الأخير.
ذات يوم بدأ الجرى كعادته . . قطرات دافئة مالحة تساقطت من رأسه إلى عينيه فألهبتها ..
أغمض العينين لحظة . . لم ير الحاجز أمامه . . ارتطم به . . انثنت القدمان . . تباطأت دقات القلب .
دارت الأرض . . تمدد الجسد . . ارتطمت أحمال الظهر والقلب . . تناثرت . . .
وظلت يده تشير إلى الماضي .



انتظـــــار





خياران . . أمامه . . وهو يحاول أن يهرب بجواده الجامح .

لابد أن يغمض عينيه ويهمز جواده بسوطه وينطلق .

ظل واقفاً لسنوات ( ست ) مستسلما تماما . .

ينظر يمينه : مازال الطفل الكسيح تحت أقدام الجواد . .

يساره العجوز الشمطاء تشهر أظافرها في وجهه

ما يزال رافعاً يده بالسوط

قال لها : انتظريني . . سألحق بك حينما أنطلق بجوادى .

أخذت تعد الأيام . . الأسابيع . . الأشهر . . السنوات .

كل يوم تسقط الثمار . .

تجف الأوراق . .

تذبل . .

تنكمش .

أيقنت أن الوقت طويل . . تخرج كل صباح إلى أبواب المدينة حتى المساء . . إلى أن جاءها الجواد مطأطأ الرأس ثقيل القدمين . . يحمل فوقه جثة لم يبق منها إلا الأصابع الممسكة بالسوط وورقة كتب فيها:

لا تتعجلي

انتظري

إنى قادم .



( نــداء ) أو ( غـنـاء )





عصفور . . عائشة. . يغني بلا صوت . . أما هى . . عائشة . . فلا تكف عن الصراخ تستدعي الغائبين و تنادى الموتى .

أمي أبي ولدى

أخى أخى أخى . . نعم فهم ثلاثة

وهي موقنة أنهم يسمعونها . . ولا يجيبون

* * *

تصرخ في العصفور : - غنى . . ارفع صوتك فلقد كانوا

يحبون تغريد الطيور في الصباح .

يعشقون شروق الشمس .

ظل الأشجار و الأرض الخضراء .

لم يخافوا إلا من الغروب .

يفتح العصفور فه ليغنى . . يرتعش . . ينفض ريشه حتى يسقطه . . يطير فيتخبط جناحه في أسوار القفص.

تقول له : غني . . ارفع صوتك . . علهم يجيبون .

يحاول العصفور حتى يختنق

يشير بجناحه المكسور إلى الشمس.

تدرك عائشة . . لماذا لا يغنى العصفور ؟ ولماذا لا يجيبها الموتى ؟

تفتح القفص لا يخرج العصفور فلقد مات قبل أن تدرك هى ما أدركه الآخرون ممن تناديهم .

عائده محمد نادر
11/11/2008, 12:58 AM
)) جلس يستريح )) عائده محمد نادر
بوجوده غير المرئي .. جال..((ملك الموت )) بفضاء السوق المكتظ بالناس.. ينظر بشفقة إلى وجوه البشر المتعبة التي كان العرق يتصبب منها لشدةالقيظ, وحرارة الجو تزداد سخونة كلما ارتفعت شمس الظهيرة, لتتوسط السماء المتخمة بدخان التفجيرات, معلنة انتصاف نهار صيفي لاهب آخر.. أمعن النظر بوجه شاب وسيم لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره, يمسح بيده عرقا تفصد على جبينه وينظر إلى بطن زوجته المنتفخ بتساؤل يشوبه القلق, وهي تقلب ملابس صغيرة تشبه ملابس الدمى, وظل ابتسامة خفيفة تلوح على وجهها كلما وجدت قطعة تلائم وليدها المنتظر غير عابئة بالحر الشديد, ولا بنظرات زوجها القلقة.. خطف ملك الموت بنفسه من أمامهما ليطوف فوق رأس شابين يعملان بالتحميل, وهما يكومان الكثير من الرزم فوق كتفيهما وقد ابتلت ملابسهما بعرقهما.. يتسابقان بالوصول أولا للحصول على ((بقشيش ))يعينهما على قوت يومهما, وإطعام أفواه كثيرة جائعة تنتظرهما.. تركهما وطفق يحوم حول فضاء السوق مرة أخرى يتابع من علو أكوام البشر وهي تروح وتجيء وقد بدا له الكثير منهم, يحمل هموم وأعباء حياة سقيمة لا تطاق, تكاد تنطق ملامحهم بما يعانون من بؤس وشقاء,.. بينما بدا له البعض الآخر غير عابئ تبدو اللامبالاة على محياهم, وهنالك ثلة قليلة منهم بدت ملامحهم المترفة توحي له بأنهم سعداء بالرغم من تذمرهم من زحمة السوق, وحرارة الجو إلى حد الاختناق بلفحات الهواء الساخنة المشربة برائحة العرق والأنفاس..من بعيد لمح رجل زائغ النظرات دميم الوجه, عرفه على الفور يحمل بين طيات جنبه (( ميقات الموت )).. ولحظة الآذان فيه.. تحرك ملك الموت بسرعة خاطفة باتجاهه يطوف فوق رأسه مباشرة, والرجل يمشي مطرق الرأس مشية سكرا, وملك الموت يلازمه ملتصقا به لايفارقه.. مد الرجل يده بداخل جيبه وهو يسرع خطاه المترنحة, ينظر إلى وجوه الناس الذين أبدى البعض منهم علامات الاشمئزاز والتقزز عند رؤية وجهه الدميم, يرمقهم بنظرات الغضب والحقد ثم توقف فجأة.. توسط السوق.. وضغط على (( زر الموت )) بقوة .
دوى الانفجار سريعا قويا فتقطع جسده إلى أشلاء صغيرة, وتناثرت معه أجساد كثيرة متطايرةإلى الفضاء.. يتناثر الدم منها وكأنه انهمار مطري ثقيل.. وملك الموت يتلقف الأرواح بسرعة البرق و بلمح البصر, يرفعها إلى السماء عاليا فتطير أرواح كنسمات خفيفة.. وتبقى أرواح أخرى تصارع الموت من أجل الحياة.
مئات الأرواح التي قبضها اليوم, وشدة النيران والدخان الكثيف والأبنية المنهارة وحدوث هذا الانفجار الذي يحمل الرقم ثمانية منذ بدء النهار وحتى انتصافه, جعله يشعر بالتعب الشديد والإنهاك فترك بعض الأرواح تنازع.. وجلس على حافة الرصيف .. يستريح.. وهو يلهث.. تتفحص عيناه أعداد الجثث الكثيرة المتناثرة, بنظرةٍ مذهولةٍ .
تناهى لسمعه صوت بشري يئن أنينا خافتا يائسا.. التفت ناحية مصدر الأنين, فرأى جسد شاب مسجى على قارعة الطريق مقطع الأوصال تنزف كل أوردته, مع كل نبضة من نبضات قلبه.. ترقد بجانبه امرأة بلا رأس, مقطعة الأوصال وقد تدلى جنينها من بطنها التي انفلقت من شدة عصف الانفجار, فبدا الجنين وكأنه لعبة صغيرة ممزقة, تقبع إحدى يديه المقطوعتين على صدر أبيه, وكأنه يستجير فيه إبوته, ويستغيث حمايتها, تفترش أحشائه الصغيرة الرفيعة إسفلت الشارع .. وشرايينه الرقيقة تضخ الدماء على الأرض التي اغتسلت.. بدماء والديه ودمائه .
أدار ملك الموت رأسه إلى الناحية الأخرى مشيحا النظر عن ذلك الجسد المتمزق, يتحاشى رؤية وجهه وسماع أنينه .. فالتعب أخذ منه مأخذه.. ولم يعد يطق قبض روح أخرى.. طأطأ ملك الموت رأسه وصوت أنين الشاب يرن بأذنيه ويدوي برأسه, ووجهه المألوف يحوم حوله.. يأبى أن يفارقه.. وهو يتوسل بصوت خافت ملهوف أن يسرع بقبض روحه, ويخلصه من عذاب وألم لم يعد يحتملهما .استدار ملك الموت مرة أخرى ينظر إلى وجه الشاب فوجده يحدق.. بوجوده.. بعينين تملؤهما نظرة متوسلة.. تطلب الرحمة والخلاص.. يؤشر إلى السماء بإصبعه الوحيد المتبقي من يده.. يستغيث.. قائلا, بصوت واهن متهدج, لملك الموت يستعطفه:
- أستحلفك الله أن تعجل.
خشع قلب ملك الموت .
أحس بالشفقة والرحمة تملأ روحه.. فنهض بسرعة وقبض روح الشاب.. وهو يصرخ بلوعة وحرقة مستغيثا:

- رحماك إلهي .. ألا ينتهي الموت في هذا البلد أبدا.. ألا ينتهي .؟
--------------------------------------------------------------------------
(( ساعةالصفر 2003)) عائده محمد نادر

داعب الوسن جفنيها, وهي تنظر إلى عقارب الساعة معلنة الرابعة والنصف فجرا.. قفزت من فراشها وكأن عقارب الساعة لسعتها, أجالت نظرها بأرجاء منزلها الجميل وهي تتفقده, وقلبها يحدثها بأن القادم صعب وقاسي, تذكرت أنها لم تحتضن ولديها قبل أن تأوي إلى فراشها لفرط توفز أعصابهامن الآتي وتوترها.
قبل أن تبدأ تباشير الصباح دكت الصواريخ مناطق كثيرة من بغداد, وهي تتساقط عليها كحمم بركانية ملتهبة, بعد أن دوت صفارات الإنذار معلنة انتهاء السلم, وبدأ (( ساعة الصفر2003)) .
فتحت شباك غرفتها المطل على ضفاف دجلة المهموم, فلفحت وجهها الجميل المفعم بالحزن نسمات باردة, استنشقتها بعمق, وأصابعها الرقيقة تنقر على الزجاج المنهك من كثر الاهتزاز.. أبهرها منظرالنهر وهو ينساب.. يجري.. غير عابئ بما يجري.. فأحست بأمواجه المهتزة تهز مشاعرها ووجدانها.. وعاصمة الرشيد تعلن الحداد على نفسها, ومخالب الصواريخ تقطع أوصالها.. اهتز البيت مرارا وتكرارا مع كل صاروخ نزل على أرضها التي ربت عليها وهي صغيرة غضة بعد.. داهمتها أصوات ضحكاتها وأقرانها ممزقة ذاكرتها وبسذاجة وضعت يديها على أذنيها كي لا تسمع تساؤلها(( ربما ماتوا الآن..؟ )).. انقبض قلبها وهي ترى النيران تشتعل بمبان قريبة من بيتها.. فبكت.. أحرقت أجفانها جمرات الدمع المنهمر من مقلتيها مستحضرة الماضي ودفئه, وحلاوة الأيام حتى المؤلمة منها .
تذكرت حين طبع زوجها على جبينها ذات يوم مرح قبلة سريعة.. وهو يحثها كي تعجل وتنهي ارتداء ملابسها, ليأخذها والصغار بنزهة مسائية على ضفاف دجلة, أصر أن ينزل إلى جرف النهر ليبلل رجليه وضحكات الصغار تملأ المكان ضجيجا لذيذا, وعيناها ترقبانه بابتسامة هادئة وهو ينحدر إلى ضفة مياه دجلة الرقراقة, حين انزلقت قدمه فانقلب على ظهره, و ضحكاته المجلجلة فتحت شهية صغاره.. للفرح يضحكون معه.. غاص بالوحل فاستحال إلى كائن طيني يثير منظره الضحك والسخرية والتندر وبالكاد استطاع الخروج, بعد أن أصبحت الأرض الطينية زلقة جدا.. فجلس على الحشائش وهو يمسح يديه ووجهه.. أعجب منظره الصغار, فغمسوا أصابعهم الصغيرة الرقيقة بالطين, ممرغين أنفه به غارقين بضحك طفوليّ بريء .
أجفلت من ذكرياتها مع دوي انفجار صاروخ آخر..فاستغرقت بتخيل أنات المصابين المرتعبة ويدي طفليها المرتعشتين خوفا تمسكان بذيل ثوبها فاحتضنتهما, وهي تقول بصوت خائف متهدج :
- لا تجزعا ولداي.. دقائق معدودات وينتهي الأمر .. ثقا بيّ .
كان الخوف يأكلها فيما النيران تتلمظ بأكل المباني المحترقة.. وعيناها الواسعتان تفترشان الأرجاء لتسع طوق الأفق المحمر لتحتويه .
أرعبها منظر الحرائق وهي تلتهم بغداد, وصور النيران تنعكس على المياه وكأنها تخرج من عمق النهر لهيبا مستعرا.. زمجر صوت بداخلها يحثها على الخروج من البيت لتنجو بولديها, فهي لم تعد تقوى علىالبقاء بانتظار الموت. أحست ببرد شديد يسري بأصابع يديها.. وشباكها مازال مواربا يتلمس الدفء من نيران بغداد المستعرة واحتراقاتها.. نظرت إلى صغيريها وهما يجلسان بزاوية الغرفة ملتحفين بدثار سميك كما أوصتهما, ليحميا جسديهما من شظايا الزجاج الذي قد يتناثر بفعل القذائف التي بدأت بالتساقط منذ إعلان ساعة الصفر.. تذكرت أباهماالذي غادر ملتحقا بوحدته العسكرية منذ خمس وعشرين يوما.. ولم يعد حتى اللحظة.. غزاهاالحنين إليه.. لصدره وهي تدفن رأسها بين حناياه.. لهمساته وهي تلسع الأنثى الكامنة فيها والمتلهفة إليه.. ليديه حين تحتضناها .
بعينيها الذابلتين كانت تتابع انبلاج الصباح, متسمعة صوت سيارات الإسعاف يشق أذنيها بزعقه المخيف عازفا.. سيمفونيةالموت.. تلبسها الحزن وهي ترى الدخان المتصاعد من المباني الجميلة التي كانت تعمر فيها الحبيبة, فسرت بجسدها قشعريرة شديدة بينما تراخت عيناها المفعمتان بالخوف, وكأنها بكت الدهر كله, تمنت لو أن الباب يفتح الآن ويدخل زوجها منه لتحتضنه, و تبكي على صدره, فتستريح ولو قليلا .
عادت الصواريخ تدك المدللة دكا عنيفا.. ومع كل ارتجاج حائط كانت أوصالها ترتجف معلنة عن خوفها العارم.. فهرعت واندست بين ولديها وأغمضت عينيها.
أحست بدفء حميم اجتاح كيانها وبيد تحتضنها, وأنفاس اشتاقت روحها لملاقاتها وصوت حنون يهمس بأذنيها بكل حب مازال يأسرها .
- حبيبتي, لقد عدت فلا, تخافي .
شهقت بحرقة, وهي تكتشف وهمها بمجيئه الذي عاشته ملهوفة لتحتضنه, بكل لوعة ساعات الرعب المحرقة, التي بدأت مع بداية ساعة الصفر وحتى دوي انفجار.. آخر.. لم تسمعه.

-------------------------------------------------------------------------
(( محاولة اغتيال )) عائده محمد نادر



خرج من عيادته متأخراً لكثرة المراجعين, فهو الجراح الذي لم يهاجْر, ولم يرضخ لتهديدات المهددين له, مد يده نحو باب سيارته ليفتحها, مؤملا نفسه بالعودة إلى بيته وزوجته ووالديه,أحس بجسم صلب بارد يلمس مؤخرة رقبته, فشعر بقشعريرة تعتري جسده وخوف من نوع غريب يداهمه, أمرا يتوقع حدوثه, لكن ليس اليوم, ولا بهذه اللحظة.. تسمرت يداه, وتصلب جسده كقطعة خشب, واتسعت حدقتا عينيه على وسعيهما, تحجرت كل أفكاره, وتبلد ذهنه فلم يعد يفكر بشيء, وكأن الزمن قد توقف, وتوقف معه كل شيء, سوى من نبضات قلبه المتلاحقةِ, وأنفاسهِ التي يعلو ويهبط بها صدره بسرعة وشدة عالية.. أفاق من ذهوله على صوت صدر من خلف أذنه, نطق الكلمات بحقد متعمد, قائلا:
- قف ,لا تتحرك وإلا أرديتك حركة واحدة وسأضغط على الزناد, لأجعل من مخك نثارا .
تجمدت يده التي كان يهمُ فتح باب سيارته بها, وتسمر بمكانه, تساءل بصوت مستسلم لقدره, لكنه غير خانع أو متخاذل:
- نعم, لن أفعل, ولكن هل بإمكاني سحب يدي, فقط.
لكزه صاحب الصوت الحاقد, بالمسدس, وبتهكم واضح, قال له:
- هيا أفعل لكن دون أن تقوم بحركة واحدة أخرى, أنزل يدك فقط, لأراها.
سحب يده وأنزلها, وعيناه تحاولان استيعاب ما تريانه, وظل غشاوة رمادية تحيط فيهما.. رأى أربع رجال يحيطونه من كل جانب, مدججون بالأسلحة, ملثمون, يخفون ملامحهم, بأقنعة سوداء ,لا تظهر منهم سوى أعينهم, المليئة بالحقد والضغينة, وقسوة سمع الكثير عنها, من قصص الذين اختطفوا واغتيلوا قبله..رفرف قلبه بين جنبيه بهلعٍ, وهو يتذكر قصص العذاب التي قاساها الناجين بأعجوبة من زنازين الموت,وآثار (( التثقيب)) بأجسادهم بآلة ثقب الجدران, تشهد على حجم بشاعة, وحوش وذئاب بشرية, لا تعرف الرحمة إلى قلوبهم سبيلا.
تعثر لسانه بالكثير من آيات القرآن وهو يرددها, لفرط توتر أعصابه.. تخدر جسده.. شعر بجيوش من النمل تغزوا جسمه, وإن نهايته قد اقتربت, فغمره إحساس بأنه سيغمى عليه, وبالكاد أستطاع أن يقول بصوت حاول جاهدا أن يبدو هادئا متماسكا, وعيناه تتفرسان المكان حوله لعله يجد من يعينه أو ينقذه:
- هل بإمكاني أن أعرف ماذا تريدون ؟
بصوته الأجش رد قائدهم :

- صهْ , ولا حرْف , ولا كلمْه.
ثم ضربه بأخمص المسدس على أم رأسه ليفقده الوعي.. فسقط على الأرض بقوةٍ.. لم يفقد الوعي, لكن جسده لم يستطع الإتيان بحركة واحدة, ولم يستطع حتى التأوه.. تطوع اثنان من الملثمين بسحبه من كلتا يديه وتوجها بهِ إلى سيارة سوداء مظللة, بعد أن عصبوا عينيه برباطٍ أسودٍ.. أحدث حذائه على الإسفلتِ أثر خطوطٍ متعرجةٍ وهما يسحبانه..وكأنهما يسوقان ذبيحة إلى المذبح.. أوجعه بحرقة, احتكاك ركبتيه بإسفلت الشارع الخشن, لكنه فضل أن يبقى محتملا الألم على أن يبوح, ارتعب قلبه حين اقتربوا من السيارة.. بلحظات الرعب تلك, تذكر والدته وهي تنتظره بكل ذاك الخوف الذي يملأ عينيها ودموعها, كلما تأخر بالعودة ولو قليلا, من شوارع يسكنها الموت, ووحوش تلتهب رغبة للقتل والتعذيب بلذة الحقد والضغينة, تذكر زوجته الحبيبة وطفليه, وهما يلعبان بشاربيه لعبتهما المفضلة كلما أجلسهما على رجليه.. تذكر يدا أبيه وهما تمسكان بكتفه وهو يحثه أن يبقى شامخا يرفع أسم وطنه عاليابعلمه, يخدم أبناء بلده دون التفكير بغاية أخرى.. تذكر أرواح الناس البسطاءالذين أنقذهم, بمبضعه الفذ, وهو يقوم بواجبه كطبيب جراح ,وألسنتهم تلهج بالدعاء له أن يحفظه الله ويبعد عنه كل مكروه, ناجى الله بينه وبين نفسه.. ساعدني إلهي.. هناأحس بأن حواسه كلها عادت إليه وأن شيئا ما يحثه على النهوض, فنهض, واقفا على قدميه, ومشى.. فتح أحدهم باب السيارة, وحاول آخر دفعه أليها, بهذه اللحظة.. دوى صوت أطلاق ناري كثيف من حوله, جعله يخفض رأسه بحركة عفوية لا أراديه, دون أن يعرف من أطلق النار على من, أو لماذا ؟
صار الصخب شديدا حوله, وعم الشارع الهرج والمرج, والصرخات تملأ المكان رعبا.. انبطح على الأرض دون أن يعارضه أحد, وصوت الاطلاقات النارية تصدر من قربه وحوله, تدوي برأسه وتصم أذنيه.. سقط جسد أحدهم فوقه, فأحس بالهلع يعتريه, لكنه لم يبدي حراكا, غطت الدماء وجهه وجسده, وثقل الجسد الجاثم على ظهره, أثقل عليه أنفاسه, حتى لم يعد يطيق السكون.. فانتفض.. دفع الجثة بكل ماأوتي من قوة, ونهض واقفا.. توقف إطلاق النار بلحظة وقوفه.. أحس باقتراب أحدهم منه.. عاوده الخوف مجددا, انتزع العصابة من عينيه بعجلة, ليجد نفسه أمام رجل يحمل غدارة سوداء, وأربعة آخرين مدججين بالسلاح يحيطون فيه من كل جانب.. صعق لمرآهم, غزاهُ الشعور بالغبن, أحس بالغضب يكتسح كيانه, والحنق الشديد يملأ صدره.. مزق قميصه المغطى بالدم, يعرض صدره أمام الرجال يتحداهم.. ثم صرخ بصوت هادرٍ يعلن العصيان:
- هيا, اقتلوني.. ماذا تنتظرون ؟ لقد سئمت هذه اللعبة القذرة.
نظرالرجل إليه, وظل ابتسامة تعلو محياه الرزينة, وهو يقول له:
- المعذرة, دكتور, جئتك, ورفاقي منقذين, لسنا قتلة أو مجرمين, حمدا لله على سلامتك.


-------------------------------------------------------------------------------------------------------

عائده محمد نادر
شكرا لكل من ساهم ببناء هذا الصرح الكبير , ليكتب تأريخا يفتخر به الأحفاد , كأرث نتركه لأجيالنا القادمة من بعدنا.
-------------------------------------------------------------------------------------------------------

محمدذيب علي بكار
12/11/2008, 02:14 PM
1 الليل وسراب المدينة
مدينتي أصبحت دمى متحركة وأنا إحدى دماها ،الصمت المتجذر إستحال إلى إمرأة حبلة تنتظر الخلأص .أنا القاتل صرخت بأعلى صوتي نعم أيها السادة أنا الذي قتلته .طعنته في صدره وفي الجهة اليسرى تماما ،ونسيت أن الجسد يموت من أصغر الأعضاء . قولوا ما شئتم فأنا أول قاتل يعترف بجريمته .؟استحال البرغل والعدس والشاي إلى دائرة زمنية متواترة أنا أسيرها .وثمن جسد العاهرات تحول إلى أرصدة في البنوك وسيارات تسير في الشوارع .مدينتي تأخذ أبعادًا خرافية في ذاتي ثم تلفظني على أرصفتها وكذلك أنا .!إلى متىأيها المتواري خلف سياج العوز تظل دفينا ومشلول الإرادة .آه ياقريتي هذه المدينة عارية من كل الجوانب وهي تفضح عريي وتستر عري العاهرات .ماأجمل السفر في همهمة المنجل وهو يعانق سنابل الحنطة . ساحة القرية اصبحت مسرحا للعب الاولاد الذين تشققت جلابياتهم الى تحت الابط وانغرست ارجلهم الحافية في التراب والبنات يرسمن مستطيلات على الارض ويقفزن على قدم واحدة .هذه الهواجس استحالت الى طرق اسفلتية ومحلات تجارية ،هذا شارع الملوك وذاك شارع الامراء .؟آه من هذه المدينة لقد استخسرت على الاشقياء اسم شارع لهم ،جدران هذا السجن سوداء كأيامي وصراخ الجلادين تحول الى خوار وانا لجأت الى المطلق بصمت ورحت اترقب الخروج منه لقد افسدت على الجلاد متعة تعذيبي وشعرت باننا تبادلنا الادوار .كتب التاريخ في مكتبتي كلها بيضاء ماعدا بقعة صغيرة سوداء لكنها لاتستطيع ان تحيل اللون الابيض الى اسود. لقد كان طويلا جدا وعندما قتلته تحول الى قزم ثم تلاشى .الكتب تتحول الى اشخاص ثم الى مشاهد تظهر وتختفي سوق عكاظ صار سوق نخاسة وحرب البسوس اشتعلت ىمن جديد في رأسي بدأت أهذي او انا خارج الزمان والمكان .........؟!خالد ابن الوليد استل سيفه وبدا قتال المرتدين ........
اعادوني الى الزنزانة ثانية وشعرت باوجاع في كل مكان من جسدي أمي تدور حولي وتتمتم ببعض الادعية والآيات القرآنية .؟لوحة كبيرة كتب عليها ((ولكم في القصاص حياة )) تحتها تماما كان يجلس القاضي وأنا أقف أمامه .خاطبني قائلاً:لماذا قتلت الرجل ويتمت أطفاله .انا ماعدت انا وجحافل المفردات تحولت الى تأتأة متقطعة ودار بي المكان وكذا الزمان خالد يقف الى جانبي ثم يبتعد عني .أين أنت ياخالد؟ نحن بحاجة اليك لقد تحولت خيولنا الى بقال وسيوفنا للزينة فقط وسنبقى هكذا اذا لم تحركنا النخوة الى يوم البعث . إن يوم البعث قريب جداً .مطرقة القاضي أعادت خالد الى الكتاب وبقيت وحيداً.أنا لم أقتل أحداً ياسيدي .لقد قتلت حلمي وحلم أهلي بأن أصبح .....؟وحلمي ليس له زوجة وأطفال إلا إذا كانت زوجتي زوجة حلم .عاد القاضي الى داخلي ورحت أرقب خيولاً قادمة .

2 للجرح القادم بقية
شجرة التوت بقيت منتصبة في وسط الدار فقد شهدت أجمل ايام حياتي وقد كنا نجلس تحت ضلالها ساعات طويلة .وعندما تتسرب اشعة الشمس من خلال الاغصان ترسم لوحات زخرفية على الارض لاتلبث ان تختفي بعد ان تداعبها بعض النسمات الصوت قطع عليُ تلك التأملات وعندما تبين صاحب الصوت وإذا هو أسعد وهو على عجلة من أمره .إسمع ياجاسم البك يريدك على الفور .لكن زوجتي على وشك الولادة ولا أستطيع أن اتركها لوحدها .أعرف ذلك وقد أخبرته به لكنه يريدك .وزوجتي ماذا أفعل لها ؟ لاتقلق سأرسل زوجتي اليها .ذهب جاسم واسعد الى الآغا ...............
بينما بقيت فاطمة وحيدة تنتظر المصير المجهول وتستجدي الأصوات المتقطعة بين اللحظة والاخرى ..............
وصل جاسم الى الاغا وقبل ان يلقي عليه التحية صرخ الاغا في وجهه :لماذا تاخرت ؟ هل تحتاج ان ارسل لك كل من في القرية لتتنازل وتحضر .هيا اذهب الى القرية المجاورة واحضر البيطري لان الفرس ستضع مولودها الاول .لكن زوجتي على وشك الولادة ولااستطيع ان اتركها لوحدها ارسل غيري ياسيدي ارجوك .لم تفلح توسلات جاسم .حيث قال له الآغا: زوجتك تفهم ويمكنها ان تتحمل ايضاً اما الفرس فانها لاتفهم وغير مضطرة للتحمل .سار جاسم الى القرية المجاورة وهو يشتم الآغا والبغال والحمير والساعة التي جعلت الآغا يتحكم في مصير الناس .لكن اللقمة صعبة تكلف الانسان الكثير .
صراخ فاطمة يرتفع شيئا فشيئا وسعدة تجلس الى جانبها ولاتدري ماتفعل لانها عاقر ولم ترزق بالاولاد بعد .فلم تترك شيخا او صاحب مقام الا واستنجدت به والنذور التي انذرتها تقصم الظهر لكن الادعية والنذور لم تفلح في فعل شيء .إسمعي يافاطمة سوف احضر لك العجوز ام خضر التي ولدت كل ابناء القرية .؟
بينما يسير جاسم الى القرية المجاورة وهو في الطريق خطرت في باله فكرة لماذا لايعود ويخبر الآغا انه لم يجد البيطري .ولكن مايدريني انه لن يرسلني الى مكان اخر وهنا استبعد الفكرة نهائيا .لقد بقي عليه نصف المسافة .
العجوز ام خضر تقول: لماذا لم تحضروني منذ البداية .؟
حالتها صعبة ولااعرف ما افعل .صراخ فاطمة بدا يخف الى ان تحول الى انين متقطع .
وصل جاسم والبطري الى بيت الآغا بعد ان اسدى الليل ستاره .وبعد عدة حركات مصطنعة قال :ستلد عند الفجر اذا لم يخب ظني .قال جاسم :اسمح لي ان اطمأن على زوجتي ثم أعود .أجابه الآغا لن تذهب حتى تلد الفرس.
صراخ فاطمة بدا يخرج مصحوبا بآهات الألم والعجوز تدور حول نفسها وهي تقول :سيموت أحدهم لامحالة إما أن تموت الام أو الطفل (الله يسترنا من أن يموتا معاً)
الفرس تضع مهرها الذي يحاول الوقوف بعد عدة محاولات فاشلة انطلق جاسم الى بيته ليطمئن على زوجته . الشمس ترسل خيوطها الأولى والسكون يضيع بين صيحات الديكة.
وصل جاسم الى بيته . وجد سعدة تمسك الطفل بيدها والعجوز بجانبها خاطبته العجوز كيف تترك زوجتك هكذا وتذهب .جاسم أخبروني ماذا حدث .لقد رزقك الله طفل .وكيف حال امه الصمت هو الجواب الوحيد الذي تلقاه .تخترق العجوز الصمت حيث تقول لقد ضحت بحياتها من أجل طفلها . حمل الفأس بيده واتجه نحو الفرس وحين وصل وجدها ترضع مهرها في هذه اللحظة عاد الى صوابه حيث قال :الحساب يجب أن يكون مع صاحبكِ إتجه نحو الآغا وهو يصرخ أُُخرج ياآغا هناك حساب بيننا يجب أن نصفيه .وحين خرج الآغا أعلنت الطلقات أنها إستطاعت أن تصل إلى هدفها في الوقت المناسب .


3كلمات جافة في يوم ماطر
المروج الخضراء أعلنت رحيلها بعد أن ألقى أيلول مراسيه والشتاء على الابواب .وبقايا حبات الشعير أو بعض أعواد القش لاتسد الجوع الذي أستهلكني ولم أعد قادراً على السير
آه لو أني لم أحرن عند صاحبي لنمت الآن في إسطبل دافئ وكان عندي بيت ولو لفترة مؤقتة . فنحن الحمير نعمل أكثر مما نأكل .الاضواء المتراقصة من السيارات تخطف البصر وأنا مازلت أمشي وامشي ولاادري الى اين ياخذني هذا المسير ؟انني مخطأ حين هربت من صاحبي كنت على الاقل غير مشرد تطاردني الكلاب الشاردة صحيح أنه بدين ويأكل أكثر مني وأنه كان يعصب عيني ويجعلني أدور حول رحى الطاحون .لكنه في النهاية كان يقدم لي الطعام والمأوى .دعك من الماضي وفكر ماذا تفعل الآن ؟شاحنات كبيرة تصطف أمام مستودع كبير يضعون فيه القمح والشعير .الحارس يمنع السائقين من الدخول .وعن بعد أرى أحد السائقين يعطي الحارس بعض النقود وحين إقتربت منه سمعته يقول قمحك سيكون من النوع الاول دع الأمر لي ولكن يجب ان تدفع أكثر من ذلك .لان اللجنة المختصة تأخذ كل شيء ولا أضع شيء في جيبي .؟!
المدخل فارغ أمامك والمسألة لاتحتاج إلابعض الجرأة هيا تقدم ولكن إلى أي قسم أدخل ؟هل أذهب الى قسم العلف ؟ام أتجه إلى قسم المال ولكن نحن الحمير ماذا نفعل بالمال ؟ توجهت إلى قسم العلف وقفت أمام هرم من القمح .مزقت الكيس بفمي فاتدفع القمح وملأ الأرض .هيا كل الآن .سأقتل الجوع فيا قبل أن يقتلني .وأخزن للشتاء القادم .الحارس يمطر الحمار بعدة ضربات ويقول ولاتأكل إلا من النوع الأول .كلا أيها الحارس ؟الحارس" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ". هل أنت من الحمير أم من الجن ............ ؟
إنني حمار ولو كنت غير ذلك لم يكن بمقدورك أن تضربني فنحن معشر الحمير نضرب من أيام جدي الأول حيث توحمت جدتي رحمها الله على عرنوس ذرة فدخلت إلى حقل الذرة دون علم جدي وحين علم جدي ألقى نفسه في البئر .وظل هناك يئن حتى جاء صاحب البئر وألقى حجر كبير أسكته إلى الأبد ومن يومها ونحن نضرب حتى الآن إسمع أيها الحارس دعنا نتفق لماذا لاتدعني آكل قليلاً من هذا الشعير وحين يأتون غداًأخبرهم أني أكلت كيسين من القمح .وتكون أنت كسبت ثمن الكيسين .وأنا احتمل بعض الجلدات على ظهري .ومتى كانت الحمير أمثالك تفهم ؟لاتخطئ أيها الحارس أنا حمار وقد خلقت كذلك أما انت فإنك إنسان قد تحول الى حمار وحشي وبدأ يتلاعب بتعب الفلاحين .هذا قمح ثلاثة أرباعه شعير وقد قمت أنا بفحصه .ولكن بعد أن قبضت الثمن جعلته من النوع الأول وخنت من إئتمنك .أما أنا فلا أخون التبن والشعير .وعلى فكرة أنا حمار وإبن حمار لأنني أتيت إلى قسم العلف ولم أذهب إلى قسم المال على الأقل كنت حصلت على مبلغ وجمعت أقاربي الحمير حولي ،واشتريت صاحب لي أركبه عوضاً من أن يركبني فالمسألة بين الراكب والمركوب نسبية ؟! ثبت قوائمه الأمامية على الأرض أمطر الحارس بوابل من الرفسات حيث أغمي عليه وسلم جسده للريح باحثاً عن مروج خضر لم تدنسها يد الانسان بعد .!

محمد ذيب علي بكار
محمدذيب علي البكار تولد منبج 1974 له مجموعة قصصية قيد الطباعة بعنوان(( الليل وسراب المدينة))نشره له في جريدة المسيرة . الجماهير.وشارك اكثر من مرة في المسابقة المركزية لاتحاد شبيبة الثورة . فاز بالمركز الاول على محافظة حلب في القصة القصيرة عام 1998. والثاني على سورية عام 1999 يكتب القصة والخاطرة والمقالة الادبية والنص المسرحي

علي السقاف
12/11/2008, 07:27 PM
قصه من الواقع


ا حــــــــــــــــــلا م


ما اصغر العالم وما اقصر العمر وما احلى الايام الخوالي ببراءتها ببساطتها كل شيء
كان جميل كان صاحبنا احمد قاعدا في صالة بيته يتصفح الصحف والكتب كعادته
مع فنجانه الشاي ولم يفصله عن باب الشقه سوى حاجزبسيط يستر الداخل والخارج
فاذا بابنته تدخل عليه : اباه خالتي معها واحده صاحبتها اجت من عدن تحب تسلم عليك
وكان دائم التشاؤم بزيارة خالتهاالمفاجئه والغير مناسبه دوما(وهي خالة بنته من بعيد)

دخلت فجأه: السلام عليكم اقدم لك ظيفه يا احمد يمكن تعرفها وكانت الدهشه كبيره
ياسبحان الله ما اقصرالعمر انها احلام ببريق عينيها وجمال ابتسامتها لم تغيرها الاعوام
الخمسين التي مرت ومد يده مسلما عليها خجلا ولاعنا بنفسه خالة ابنته التي نكأ ت
الجرح القديم قائلا تفضلوا مشيرالابنته ان تاخذهم الى الداخل وخرج مهرولا لايدري
الى اين يتجه ولكن طبعا الى البحر الذي يشكي اليه همومه وتجيبه امواجه بنغمات
الزمان الغابر التي لم تغير لحنه

لقد كانا جيران في حي بسيط في عدن وكان زميلا دراسه وكان دائم الزياره لهم والجلوس
معها يمارسان القراءه او الرسم الطفولي لبعض الحيوانات ويمرحان ولكن الايام تمر
بسرعه رهيبه وكبرا وبدأت تلك العواطف تتحول الى علاقة حب راسخه بريئه لم ينتبه
احدا لهم وتحولت العابهم بالرسم الطفولي الى قراءة قصص وروايات الحب والغرام
وكان دوما ما يحضر لها المجلات التي تحوي تلك القصص او الكتيبات
وكانت امها تعطف عليه كثيرا ولكن زوجها كان عصبي وشرس ودائم الخناق
مع اسرته لاتفه الاسباب وكان احمد يتجنب الدخول اذا كان موجودا ويدخل في غيابه
ليسترق اللحضات السعيده بجلوسه مع من يحب وهم يشربان الشاي بوجود الام احيانا
وغالبا ما تشغل بعمل المنزل
ودارت الايام ومرت الايام وتدخل البلد في دوامة الكفاح ضد الاستعمار وتكبر الامور
ولم يكن احمد في البدايه مهتما ولكن عند خر والده صريع الحرب الاهليه واظطر
لترك الدراسه للعمل واكتشف امراخر وهو ان ابو حبيبته هو مع الجناح المتشد د
الذي اودى بحياة والده وبقدرة قادر استلم ذلك الجناح السلطه واستمرالبطش بالجناح
المهزوم ولاحظ ان جاره العزيز ينظر اليه بسخريه مرددا حاولت انصح والد ك اكثر
من مره ولكنه ركب راسه مع حفنه من الخونه- واحمد ساكتا- لا يرد عليه اولا لانه
والد حبيبته ثم لانه لم يكن يعرف حينها رغم بلوغه حقيقة مادار من صراع وبسرعه
رهيبه كل ماكان يعرفه ان والده يحب جمال عبدالناصر القائد العربي ويسمع دوما
اذاعة صوت العرب فاحتار طيب مالكل كان يسمع صوت العرب ويحب جمال عبدالناصر
وخطاباته ضد الاستعمار حينها ؟؟
واحس بان الفجوه كبرت بينه وبين من يحب وان والدها بنشوة النصر لا يمكن التفاهم
معه فالصبر هو خيردواء
ولكن تزداد تشنجات جارهم العزيز فيلجاء احمد الى خاله فلربما استطاع عمل شيء
خاصه وان بينهما شيء من الاحترام لتوافقهما المذهبي ولكن هيهات فالاحداث
كانت تتسارع فقد انشق ذ لك الجناح ولسؤحظ احمد ان خاله من الجناح المناوئ
لجاره العزيز
بعث احمد بامه لام حبيبته كي تفاتحها بخطبة ابنتها لابنها ولكن عادة لتخبره ان
الاب تشنج بسماعه الكلام واستنكر ان يمد يده لابن ذ لك الذي حاول ان يزيحه من
الهدف الوطني الخ ويكرر محذرا ومنذرا اذا لم يحترم ابنك احمد نفسه كجار اننا
قادر اظره فقط ساكت عليكم بحق المجوره
ويفاجئ احمد بالمضايقه في العمل – من غير مبرر- ثم يستجوب ويفصل من العمل
يتم تطهيره بتهمة احد المتظررين من اجراءات الثوره - وعرف احمد ان وراء
كل ذ لك هو جارهم العزيز- ولم يعد احمد يستطع رؤية حبيبته احلام
وكانت الصاعقه الكبرى عندما بلغه خطوبتها وتحديد زواجها بعد شهر لاحد الرفاق
وعرف من امه كيف تم غصبها على ذ لك وهي تبكي وابلغته امه خوفها على
حياته من هذا المتجبر بل وايضا من الزوج العريس لو سمع بشيء عنه فهو اشد
من جارهم قوة

اذا انسدت ابواب الفرج امام صاحبنا احمد ويئس فما كان منه الا ان يشد الرحال
للهرب من البلد والبحث عن الهروب الى شمال اليمن متفقا مع زميلين له في الدراسه
وتمكن من ذلك الهروب معهما ولكن اختلفت بهما السبل فاحد زملاءه بقي في
شمال الوطن والاخر يحاول الذهاب الى بلد اخر ونجح احمد من الهجره الى
دوله خليجيه حيث استقر وارسل لوالدته ثم عاد ت لتجد جارها استولى على البيت
وعادت عند ابنها حيث توفاها الله اما اخواته فقد تزوجن قبل هروبه فتزوج هو
واستقر وخلف ولكن لاتزال تلك الاحلام لم تفارقه فقد خسر دراسته وداره
وعمله فاذا بتلك الاحلام تزوره بعد سنوات طويله لتصافحه كيف حالك يا احمد؟
وهي تعرف كيف حاله واللي جرى له وجرى لكثير من ابناء وطنه من تلك
الثوره الحمراء التي اضافت شراسه لوالدها فوق شراسته وشجعت تلك الثوره
كثير من الحاقدين بتواصل انتقاماتهم والتشريد والقتل
ولكن لاعليك يا حمد تناديه امواج البحر بعد ان ا ستمعت لشكواه وانينه
فمثلك مثل الكثير الذين خسروا حياتهم واحلامهم بل انت احسن حالا لازلت
حيا ترزق وقد اغاضهم بقاءك على قيد الحياه كانوا يريدوا الموت للكل
ولا يبقى سواهم فالوطن وطنهم والثوره ثورتهم وهم المخلصين والوطنيين فقط
والبقيه خونه وعملاء


علي السقاف جده






مــــــــــــمـــــــــــــــنـــــــــــــو ع


قصة من الواق حدثت ايام الحكم الشمولي للحزب الاشتراكي اليمني لجنوب اليمن


الحمد الله يا حليمة استلمت رسالة مع واحد اجى من السفر من ابننا احمد واستلمت
قرشين حلوة الان هو يشتغل ومرتاح بداء الفرج بعد ما عانينا من الخوف من حرب
يناير لا تحصل وهو موجود بكرة باقدم طلب لبناء غرفة وحوش بيتنا ارضي ومعانا
مساحة كافية
- يا اخ ناصر ممنوع بناء أي حوش او غرفة حسب المخطط يبقى البيت كما هو
- ولكن يا اخي بجانبي مساحة كافية وبعيد من الطريق ولايتاثراحد
- ممنوع
- طيب لو حصلت بيت كبير وحبيت ابادلة واتحمل أي مصاريف لاننا اسرة كبيرة
وهناك احد الاخوة عندة بيت كبيرفي المنصورة ومستعد للتفاهم
- ممنوع
- طيب اصرفو لي بقعة ارض وانا باابنيها بالتدريج يعني خطوة خطوة
- ممنوع لانك عندك بيت باسمك والقانون لايسمح
- با عملها باسم ابني مغترب في الخليج
- ممنوع لان ابنك هرب هروب ولم يسافربطريقة شرعيه
- ليش وهو السفر مسموح من اساسة وانت قدك عارف ان السفرممنوع ممنوع
يا ابن الحلال حاول وشف المسؤل الله يحفظك
- يا والد لا تدخلنا في سين وجيم وتحقيق وقدك عارف القوانين لاتسبب لي مشاكل
- كيف نعمل يا حليمة الاتصال الى دول الخليج ممنوع الا بعد تسجيل ومراقبة
المكالمة وما نقدر نقول لابنك احمد التفاصيل بالتلفون ان كل شيء ممنوع ممنوع
- اسألي لوحد مسافر وبا نبعث معة رسالة شفوية لانهم في المطار يفتشوا الرسائل
ويقرأوها وفلوسة اللي يحولها با نحفظها لة لاننا ما اقدر اوديها البنك لانه حولها
مع مسافرين وليس عبر البنك وهذا ممنوع او بانشتري بة ذ هب بانسالة راية
- طيب يا ناصر ليش ما تخلية يبعث لك تاشيرة انت كبير في السن وبايسمحوا لك
بالسفر وبا تشوف ابنك الان لنا منة اكثر من 3 سنوات وانا وابني وبنتي الصغار
نقدر نصبر حتى تعود لانهم الان دراسة
- ياوالد ممنوع السفر الا للعلاج وبتقرير طبي مصدق اما للتمشية لا
- ابني مغترب وهو با يتحمل سفري وعلاجي هناك
- طيب جيب كفيل بانك ستعود في اقل من شهر والا با يتم حبسة ويكون عند ه سجل
تجاري او رسالة من عملة تلتزم بكفالتة
- با تكفلنا ياحاج صالح اروح اشوف ابني واعود خلال 20يوم فقط ولولك أي خدمة
من الخليج مستعد
- طيب وايش يظمن عودتك لا عاد تجلس عند ابنك اعطنا تنازل في بيتك لومارجعت
وايضا باجلس فية لما ترجع باسلمك بيتك وفي حالة عدم رجوعك ما عاد
با خرج منة وبا اخذة وزوجتك وابنها وبنتها الصغاريقدرويجلسوا عند ابن
اخوك وزوج بنتك لما تعود
- كيف تشوفي يا حرمة بما شرطة الحاج صالح ؟
- مافيش خيار غيرة يا ابو احمد وباتعود انشاء الله بنفس الفترة ولو انة بيت زوج
البنت بعيد في المنصورة باعتبر انه تغييرجو
- اهلا بالوالد الحبيب والله لك وحشة وفرحت واخيرا سمحوا لك الرفاق بالسفر
- والله يا ابني ماعاد طلعت الطائرة الا وقد طلعت روحي من المتابعة ومرضت
من المتابعه وغلقت الطائرة خلينا ارتاح وباحكي لك التفاصيل


وبعد يومين لم تتحسن صحة ابو احمد فقد اكتشف انه كان يعاني من الضغط والسكر
ولم يكن يفحص ولكن ما حصل لة من مضايقات في السفر وركوب الطائرة رفع
السكر والضغط وظهرت علية الاعراض فاخذة ابنة للفحص والعلاج ونصحة الطبيب
بالراحة وعدم الحركة – وماشاء الله المستشفيات الخاصة في دول الخليج تهتم بالجانب
التجاري اكثر من الجانب الانساني – وكلف علاجة وادخل المستشفى وازدادت حالتة
سوءا ومرت العشرون يوما بسرعة وانتهى الشهر الاول لسفرة وبدأت زوجتة تقلق
فالحاج صالح ابن اخوة ظابط كبير في الجيش والحزب وخطيب لابنتة فبداء بمتابعة
نقل عقد الانتفاع باسمة وجلس في البيت وتزوج بسرعه فالرفاق في الداخلية والدفاع
متفاهمين ويستطيعوا يجدو الحلول لكفالة الحاج صالح والنقل السريع لعقد انتفاع البيت
باسم الرائد عبدالجليل زوج ابنة الحاج صالح على ضؤ التنازل الذي وقعة ابو احمد
فما هو ممنوع فقط على الشعب اما للرفاق مسموح
واتصلت ام احمد بابنها تخبرة بما حصل وتتطمن على زوجها والذي لايزال يتعالج
وسيطول علاجة لاكثر من شهر وطلبت منة ان لا تخبر والده حتى لايؤثرعلى صحته
فكتم احمد عن ابية الخبر وبعد ان مرت الاشهر وتحسنت حالتة لتمكنة من العودة
عاد جوا الى مطار عدن ليتم استقبالة من امن الدولة لحجزة للتحقيق معه عن سبب
عدم عودتة وكان ذ لك بفضل الحاج صالح وصهرة الرائد ليقبع في السجن بحجة
التحقيق عام كامل وحاولت زوجتة واولادها زيارتة في السجن ولكن طبعا ممنوع الزيارة
ليخرج على نقالة المستشفى بعد ان اصيب بغيبوبة فصحته لم تستحمل السجن والتحقيق
وزارتة زوجتة واولادة بعد ان سمح لهم الى المستشفى ولكن ليودعوة
فقد توفى في اليوم التالي الى رحمة اللة



قصة من الواقع


علي السقاف جدة


شعراء نوابغ ولهم باع اخر

(الشيخ خالدبن سالم بن محفوظ)



شعراء نوابغ ولهم باع اخر

الشعر والادب هو اوكسجين الحياة والية نهرب من مشاكل الحياة ذاتها فكم من ملك او رئيس او
امير اوعملاق راسمالي - يهرب من همو م الحياة الى الشعر والادب - وكثيرين من كانو يضعو
قصائدا واشعارا رائعة ولكن يضعون اسما مستعارا -يمكن لمكانتة الاجتماعية لايحب ان يظهر
بصورة العاشق المتيم او المعذب في الحياة الخ
والقائمة طويلة منذ فجر التاريخ للادب الجاهلي والاسلامي الخ فهنا ك ديك الجن وتابط شرا
الخ وليس بعيدا الشاعر الامير عبداللة الفيصل غنالة عبدالحليم سمراء ياحلم الطفولة وغيرها
وكذا ام كلثوم من اجل عينيك عرفت الهوى بعدزمان كنت فية الخلي الخ
وامامنا الان شاعر سعودي اشتهر بعبقريتة الاقتصادية وقاد اكبر صرح اقتصادي في المملكة
ولكن لا احد يعرف ان هذا الاقتصادي الفذ لة احاسيس مرهفة وكلمات معبرة جدا جدا حتى غنى لة بعض الفنانين من ضمنهم ابوبكر سالم بالفقية ولا يتسع المجال هنا لاستعراض نبذةعن حياتة انة الناصر (وهو الشيخ خالدبن سالم بن محفوظ)
من اشعارة:شيبي متعب شبابي والقلب يرثي شبابه
هذا الذي ياصحابي لي ماحسبنا حسابه

ويحن للايام بقولة: ياريت الايام ترجع وتعود ذيك الليالي
والبدر يطلع ويلمع وحنا معه في العلالي
نور المحبه يلالي والود مفتوح بابه
ويبكي على تنكر المخلصين:
ابكي على الدنيا من اللي جرى فيني يامكثر جروحي من اغلى
محبيني
ياريتني ماعشت وشفت هذا اليوم اللوم على احبابي ماهو علي اللوم

وقد ابدع حين قال: لا طحت ياصاحبي مايرحموك الناس
راجع حساباتك ترى الغلطات مرجوعه عدى الزمن لي كان به كلمتك مسموعه
هذا جزاء كل من مشي بالحب بلا مقياس
لا طحت ياصاحبي مايرحموك الناس
وابدع ايضا حين قال: مافي احد مرتاح كل واحد معه همه على قده
حتى انا ياصاح هم القلب عندي قد بلغ حده
لكنني صابر وصبري في الهوى اقوى سلاح
مافي احد مرتاح
ومن قولة في الصراحة والضمير:ادري الصراحة متعبه تجرح أحاسيس الضمير
ومنه فينا تعجبـــــــــه بس هي تريّح في الأخير
قولها لي قولهــــــــــا تعرف زين مفعولهــــــا

لاعمال المشتركه بين الناصر والفنان ابوبكر سالم

1- شيبي متعب شبابي الحان وغناء ابوبكر سالم

2- قل الوفاء الحان وغناء ابوبكر سالم

3- دون ياقلم الحان وغناء ابوبكر سالم

4- مافي احد مرتاح الحان ابوبكر سالم وغناء عبدالله الرويشد

اذا من هذا الاستعراض الموجز لهذا العملاق السعودي هل خطر على بال احد من كتابنا
ان يسال من هو ذلك الشاعر السعودي الذي يكتب تحت اسم الناصر؟؟؟؟





علي السقاف جده

هبة الله محمد
14/11/2008, 09:03 PM
قصص للمشاركة في المسابقة:
أرجو المشاركة بالقصة الأولى:


الخيال البعيد

أرعبني ذلك الخيال البعيد،لم استطع أن أتبين ماهيته ،غير أن حركته الدءوبة و ظلال أطرافه أفزعتني وشلتني عن التفكير..لمَ يحدق بي هكذا؟..عيناه- أستطيع الآن أن استبينهما- كقاع جب عميق يرغب في ابتلاعي..انزلقت وسط زحام الشارع الشائك ، لكنه كان يعرف هدفه جيدا..يتجه إلىّ أنا بالذات..تبا.. ما الذي يريده مني؟..انسللت إلى أول حارة مظلمة قابلتها..تتسارع خطواتي مع دقات قلبي.. تبتلعني الحارات الثعبانية المتشابكة.. و.....و أخيرا وجدت نفسي في وسط شارع رئيسي أعرفه..التفت وراءي، لم أجده..تنفست الصعداء..لمحت مقهى قريبا فاتجهت إليه..ألقيت نفسي على أقرب مقعد ورحت ألهث في عنف..أغمضت عيني وأخذت نفسا عميقا، فتحتهما لأجد من يجلس أمامي، انتفضت:-"ما بك؟..كأنك رأيت عفريتا.." لم يكن من يجلس أمامي سوى صديق لي؛ كان يجلس على طاولة أخرى ولما لم ألحظ تحيته جاء ليشاركني مجلسي..عاود سؤاله:-"ما بك؟" رددت ببطء:-"لا شيء..أنا بخير..""لا تبدو بخير إطلاقا..ماذا حدث.." وشعرت بهواء بارد يصفعني ولأول مرة ألحظ الغيوم الرمادية التي غطت وجه السماء..ارتعش شيء ما بداخلي ووجدت نفسي أقول بكلمات مبعثرة:-"شخص.. ما.. يطاردني.." رد باستنكار:-"ما هذا الذي تقوله؟" أجبت بانفعال:-صدقني..لقد فررت منه بصعوبة عندما......."وانقطع صوتي المبحوح فجأة؛ لم أجد ما أكلم به عبارتي؛ "عندما...عندما ماذا؟"..لكن صديقي التقط طرف الخيط بهدوء قائلا: "ومن تعتقد أن يكون؟" أجبت بقلق:-"جل ما أخشاه أن يكون أحدا من أهلها.." فرد:-"أنس الأمر..إنها ستتزوج الأسبوع المقبل..لا أعتقد أن أحدا منهم قد يهتم بك الآن أو يذكرك أصلا..".شعرت بقليل من الهدوء يسري في عروقي، لكنه عاد ينسحب بسرعة..والتفت إليه قائلا:"لعله سليمان نجيب..نعم..لابد وأنه من طرفه..جاء يطالبني بنقوده.." أجاب هو بسرعة :-"لا تفكر في هذا أيضا..إن الرجل مسافر إلى الإسكندرية منذ أول أمس..كما أنه فقد الأمل تقريبا في أن تعيد إليه ماله.." وهذه المرة بدأت أشعر بالاسترخاء، ورفعت رأسي أتنسم الهواء المنعش المشبع برائحة المطر عندما.....لمحته هناك يتحدث إلى شخص ما مشيرا إلىّ.. قفزت من مقعدي وانطلقت..من خلفي كنت أسمع شظايا من كلمات صديقي:"انتظر..إلى..أين؟.." وكضوء البرق قفزت في أول سيارة أجرة قابلتني..سألني الرجل بصوته الروتيني المعتم:- "إلى أين؟.."ولم أكن أعرف إلى أين..لو كان لي أن أقول ما أريده لقلت له:"أجعلني أتيه في الزحام..أنزلني في أي مكان يبتلعني دون أن يسأل؛ من أكون ولا من أين أتيت"..لكنني لم أنطق بشيء سوى اسم شارع اعرفه بعيد عن هنا وجلست صامتا في مقعدي بينما الأفكار تصرخ داخل رأسي..ثمة شيء آخر كنت أخافه، ولم أجسر أن أخبر صديقي به؛ وعن ماذا أخبره؛ عن هذا الشيء الرهيب الذي فعلته..نعم كان من المستحيل أن أخبره أنني قتلت..لست واثقا حقيقة- حتى الآن-إن كنت فعلتها أم لا..لكن ذاك الفتي كان قد استفزني إلى درجة مفزعة..مميتة..أستطيع أن أتذكر ارتعاش أطرافي من الغضب كأنها تحثني أن أنهض لأبطش به..انطباق فكي كأنهما يرغبان في تمزيقه، وكان هو مستعدا للشجار..اصطدمت رأسه بالحائط ونزف الدم منها غزيرا..نافورة من السائل الأحمر أغرقت المشهد كله أمام عيني..لم يكن هناك أحد..هربت وتركته هناك..ولم أعرف أبدا ماذا حدث وظللت أتعذب بما حدث أو..بما لم يحدث..ألقتني السيارة في الشارع الذي قصدته..نزلت مزعزع الخطوات، مرهق الروح..شعرت أنني وحيد جدا، وضئيل جدا؛ منسي تماما في عالم واسع يضج بالبشر؛ بالحياة؛ بالحركة..ظللت أهيم على وجهي دقائق أو ربما ساعات؛ فقدت الوقت تماما حتى وجدت نفسي أخيرا قريبا من منزلي..سرت إليه على الفور فلقد أنهكني السير الطويل، والمطر، وتوتر الأعصاب عندما وجدت وجهه يبرز من المدخل المظلم..توقف كل شيء بالنسبة لي؛المكان، والزمان؛ وجوده ووجودي؛ قطرات المطر والغيوم والشارع المظلم وكل شيء.. كل شيء..
فتحت عيني شاعرا بصداع خفيف يتسلل بين جفني ويمزق حواسي..أين أنا؟..بل من أنا؟؛ أعتقد أن هذا هو السؤال الأول الذي سألته لنفسي وأنا أستعيد وعيي بوجودي ببطء..اتضحت معالم المكان تدريجيا، ووجدت نفسي في حجرة البواب -الذي يحرس البناية- وقد وضع بصلة ضخمة على أنفي أفزعتني رائحتها..وما إن رآني أفقت حتى قال:"سلامتك يا أستاذ.." قبل أن أحاول تحريك شفتي أصدمت عينأي بذلك الوجه في جانب الحجرة؛ وجه مطاردي الباهت..بدا أقل إفزاعا في ضوء الحجرة الأبيض الهادئ..تجمدت عينأي عليه ف....فابتسم وسمعت صوت البواب يخترق صمتي:"لقد جاء الحاج من البلد ليسلمك مبلغا من أبيك الحاج..بحث عنك ولما لم يجدك جاء ينتظرك هنا.."ورفع هو إلى عينيه قائلا:"لا تؤاخذني يا بني..كأنك كنت تهرب مني..لم أرد..شعرت كأنني تلقيت صفعة قوية..صفعة على روحي..انتزعتني من مكان وألقيتني بعيدا.. بعيدا جدا.. صفعة قاسية..أقسى ما عرفت في حياتي..ووجدت نفسي أبكي.. أبكي كما لم أفعل من قبل كأنني أغسل روحي من شيء ما لا أعرفه..لم نظرا إلىّ هكذا..ألم يكن من حقي أن أبكي؟

هبة الله محمد حسن



انس المطر

الغيوم تغطي وجه السماء وبرغم هذا ما زالت الحديقة تغص بالبشر؛ أطفال يلعبون، وبائعي حلوى، عشاق حمقى وأرامل؛ من كل صنف ولون..ما أكثر البشر في هذا المكان و..........هذا الفتى الصغير اللعين:
- "انتظر أيها ال.................................."
لكنه كان قد هرب؛ قذفني بحجر في كتفي وهرب؛ ساقاه الرفيعتان العفريتتان حملتاه بعيدا مع الريح..لمَ فعل هذا؟..تبا له..فقط لو رأيته ثانية..ولكن.......ماذا لو رأيته ثانية؟..لن أفعل له شيئا لأنني ببساطة لن أتذكره..
سيسقط المطر بعد قليل..أعرف هذا جيدا وأشعر به؛ رائحة الهواء تلك؛ البرودة المحببة الجميلة..سيسقط المطر..ما أسعدني!!..هاهو المطر يتساقط زخات زخات..الكل يهرب من أمامه؛ يسحبون مظلاتهم؛ يختبئون أسفل الشرفات البارزة، وفي مداخل البنايات..أحقا يخشونه إلى هذا الحد؟..لماذا وحدي أحب المطر؟..أقف وحيدا أستمع إلى دقاته المتناغمة مع نبض الكون..كم اعشق المطر!!..تهب الرياح الباردة فلا أهتم؛ تدفع قطرات المطر لتصفع وجهي بقوة فلا أشعر بألم؛ استمتع بمعاندة الريح ومصادقة المطر..يخلو الميدان، وأخلو أنا بالريح والمطر..روحي ترفرف كشراع منسي ذكرته بلا موعد هبات رياح..أشعر أنني قوي وجسور إذ جرؤت على مصادقة المطر الذي يخشاه الآخرون..لكن كما بدأ؛ يتوقف المطر، ويعود الناس للتقاطر على الميدان؛ ويعاودني الشعور بأنني تعيس ووحيد.. الجميع يتحرك إلى الأمام حتى ظلال البشر وأنا وحدي جامد في مكاني؛ في وسط الميدان..تمثال حجري بلا معنى لا يلتفت إلى ملامحه احد..كل يمضي في طريقه دون أن يفكر في التوقف لحظة أو إلقاء نظرة.. لو اختفيت في يوم فلن يشعر أحد بالفرق..لعلك تراني كل يوم في طريقك، لكنك لا تتذكر وجودي أبدا ؛ من منكم يتذكر لون البساط الذي يدهسه يوميا وهو يدلف إلى الشقة أو يخرج منها..لا أحد يذكره..ولا أحد يذكرني.. آه..ليت المطر يسقط من جديد فيخلو الميدان، واشعر أنني أمتلك العالم؛ أعاند الريح وأصادق المطر.
تمت بحمد الله
15 أكتوبر 2008
هبة الله محمد حسن.



الطفو على سطح العالم

السابعة مساءا..ونهار الصيف الطويل ما زال يماطل الليل في مفاوضات لانهائية؛ حياة أو موت..بقى القليل في حياة النهار وما زال أمامه هو الآخر بعض الوقت..دلف إلى المحطة بخطوات ثقيلة منهكة..وقف للحظات جامدا بينما حوله يتحرك الناس غادون ورائحون..دائما ما كان موقعه هكذا من العالم؛ الوقفة الحجرية ذاتها بينما العالم كله يموج بالحركة؛ بالحياة..لكن كل شيء سيتغير الليلة..سيطفو على سطح العالم..لفترة قصيرة ربما..لكنه سيستطيع خلالها استنشاق قليل من الهواء قبل أن يواصل موته في القاع..أيذهب الآن؟..ربما مازال لديه القليل من الوقت..لا يجب عليه أن يتعجل..لقد انتظر كل هذا الوقت أفلا يستطيع الآن انتظار القليل..اتجه إلى المقعد الساخن من حرارة الشمس وجلس..عبارات تدق في رأسه وتختلط..أحداث يومه كلها وأفكاره الحالية..أغنية هابطة سمعها في إحدى المواصلات تسطو على خلفية عقله وتهيمن عليها..شعر بالملل وتقلب يمينا ويسارا في مقعده..وضع ساقا على ساق ثم شعر بذلك الخدر يزحف على ساقه فأنزلها..ما كل هذا الملل؟..لماذا يجب عليه أن ينتظر ولماذا جاء مبكرا هكذا؟..ربما يأتي ثانية غدا بدلا من اليوم..ولكن لا..اليوم موعده..سيعرفه العالم وسيتحدث عنه الجميع..سيعرف أبوه ما الذي يستطيع أن يفعله هذا الأحمق الذي لا يثق في قدراته..اليوم سيرتفع إلى السماء ويشدو العالم كله بأغنيته..أخرج الورقة من جيبه وقرأها جيدا..وشعر بالدموع تتجمع في عينيه..هل يجب عليه أن يسلمها الآن..جاءت فتاة نحيلة تحمل مجموعة من الكتب الدراسية وجلست بجواره:- هل تنتظر قطار الإسماعيلية؟ ..قالتها الفتاة وهي تنظر إلى الورقة التي بيده في فضول لم تستطع أو لم ترد إخفاءه:- آه..نعم..
ابتسمت ابتسامة خفيفة وهي تشير بيدها إلى أحد القطارات المنتظرة:- ولكن هذا هو قطار الإسماعيلية..
- ومن قال أنني ذاهب إلى الإسماعيلية؟
- أنت قلت.
- أنا؟!!..عفوا يا آنسة يبدو أنك لم تسمعينني جيدا.
هزت الفتاة كتفيها بلا مبالاة ولم تقل شيئا..جل ما يمقته هو الأشخاص الفضوليين..تشعر بأعينهم سهام تكاد تخترقك، وأنك تحت الحصار دونما أي سبب..أي حركة منك أو كلمة تجعلهم يلتفتون على الفور..يا لها من فتاة سخيفة..لماذا لا ترحل الآن وتريحه..رسم على شفتيه ابتسامة وهو يلتفت إليها قائلا:-وأنت إلى أين ستذهبين؟
- الزقازيق..أشار بيده مسرعا إلى أحد القطارات:- ها هو قطار الزقازيق..لقد وصل المحطة لتوه.
-"شكرا لك"..قالتها الفتاة ثم نهضت مسرعة ساحبة حقيبتها..حمدا لله لقد تخلص منها..ليذهب بها القطار في داهية..ما دامت تصطنع أنها تعرف كل شيء.."هذا قطار الإسماعيلية"..قالها في سخرية مقلدا لهجتها..كان حري بها أن تعرف قطار المدينة التي ستذهب إليها..لماذا يتسلل الظلام بذلك البطء؟..يحتج إلى أستاره كي يستطيع أن ينفذ ما يريده بنجاح..تنقل ببصره بين الساعة والسماء ثم زفر في حرارة، هنا لمح الفتاة قادمة ثانية.. آه..تبا..ستوبخه الآن..عليه أن يرحل بسرعة ولكن الفتاة وصلت إليه قبل أن يتحرك وتوقفت أمامه قائلة:- لقد كدت توقعني في مشكلة..لم يكن ذاك قطار الزقازيق..
يا لذكائها..كأنه لا يعرف هذا..قال بابتسامة نصف متهكمة..رافعا حاجبيه:
- حقا!!..حمدا لله أنك عرفت في الوقت المناسب..
قالت وهي تلقي بنفسها على المقعد بجواره:-ليس الأمر جيدا كما تتصور..سيأتي القطار بعد ثلاث ساعات..سيكون عليّ الانتظار كل هذا الوقت.
من أين هبطت عليه هذه الفتاة؟..من السماء..مستحيل..لقد انشقت الأرض عنها بالتأكيد..إنها كابوس..بدا على الفتاة أنها ترغب في مواصلة الحديث..تراجعت إلى الخلف لتسند ظهرها إلى المقعد وهي تقول:-لم تخبرني إلى أين أنت ذاهب؟..
يا الهي.. لقد بدأ التحقيق المفصل..انتفض من مقعده كالملسوع قائلا:- لقد كنت أنتظر صديقا لي ولكن يبدو انه لن يجيء أبدا..
نظرت إليه الفتاة في دهشة وهو يبتعد..ربما غدا سيفعلها..ربما غدا سيترك خطابه الأخير لدى موظف الاستقبال..وغدا سيلقي بنفسه أمام قطار..وسيتحدث عنه الجميع..وستعرض الجرائد صوره، والفضائيات البرامج عنه..ويتحدثون عن أسباب انتحاره..وسيذاع خطابه الأخير كأنه خطاب الرئيس..غدا سيصبح مشهورا..ربما غدا..لو لم تظهر عقبة أخرى-مثل هذه الفتاة- تعرقل الطريق إلى أحلامه!!!
تمت بحمد الله
23 مايو 2008
السيرة الذاتية:
الاسم:هبة الله محمد حسن السيد.





الجوائز:-


1. جائزة مؤسسة فلسطين للثقافة عن مسابقة في كتابة القصّة القصيرة للشباب تحت الثلاثين من جميع أرجاء الوطن العربي عن قصّة بعنوان (بطل الحواجز) وقد تكونت لجنة التحكيم من الأساتذة:
د. نضال الصالح: دكتوراه في النقد الأدبي الحديث، ومدرّس النقد الأدبي الحديث في جامعة حلب.. سورية / حلب
د. يوسف حطيني: دكتوراه في الأدب العربي الحديث، أستاذ مدرّس في جامعة العين / الإمارات العربية المتحدة
م. عدنان كنفاني: أديب وقاص وروائي ـ سورية/ دمشق
وقد قالت اللجنة عن الشباب الفائزين :
"تبارك للمشاركين الشباب جهودهم الطيبة، وتشير باعتزاز إلى تلك الأقلام الواعدة التي ستضخّ دماءً جديدة في مسيرة الثقافة، وتبارك لهم حسّهم الوطني العالي، وتفهّمهم لقضايا الصراع القائم بين المشروع الوطني القومي العربي، وبين المشروع ألإحلالي الصهيوني، وقدرتهم على ملامسة معاناة الشعب الفلسطيني في شتى مجالات الحياة،"
2.الجائزة الأولى في مسابقة معرض الكتاب المستعمل 3 عن قصة "الخيال البعيد" والتي نظمها نادي الزهراء الأدبي.
3.جائزة مسابقة بص وطل للقصة القصيرة عن قصة (رجل للبيع) وقد قام باختيار القصص الفائزة:
(د.سيد البحرواي) أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة
4 .جائزة مسابقة المبدعون 2008 عن قصة (صانع اللوحات السرمدي) تحت رعاية موقع اكسبهم.
5.جائزة سند راشد لقصة الرعب القصيرة عن دار دايموند بوك للنشر والتوزيع بالكويت وقد قام بالتحكيم:
م.سند راشد
د.احمد خالد توفيق
د.تامر إبراهيم.

ريمه عبد الإله الخاني
19/11/2008, 08:19 AM
قشر الموز!!!




كلما مشت مسافات طويلة ,تذكرت ألم ساقها والذي كان سببه كسر من جراء قشرة موز....
تركت ثغرة في صحتها تظهر في البرد وعند التعب...
تنساها في اللحظات السعيدة ...لتؤلمها من جديد عندما تتناسى حرصها...
كان جمعا رائعا كما رأته الآن...سوف ينسيها كل جراحها وخيبتها القديمة والتي تركت ندبا على جدار نجاحات لم تكتمل..
مناسبات كتلك... تروي فضولها للثقافة تلك الجنيه القابعة في الذاكرة..لا تنام ولا تترك أحدا ينام...

همس لها:
لا تغرك الأناقة ولا الجمل المنمقة..فقط انتبهي لما وراءها وفهمك كفاية
-!!!حاضر وأشكرك على حرصك ,فانا حديثة عهد بأجواء كتلك...
-وتلك الراقصات...صنفوا خطأ كمثقفات....قد تجلد القلب وتجعدت جبهات النقاء...وغدون كالعلكة الممجوجة التي تلاشى منها السكر.
سوف ترين صراحتي وسهامي التي في الصميم...فكل من ترين يدعي الثقافة وهم متسلقون بجدارة...
وانا لهم بالمرصاد..
عادت وشكرت الله تعالى أنها وجدت من ينير لها الطريق...
.
عندما جاء الموعد التالي..
كان الجو جميلا..وتتناثر منه كالعادة مناقشات المفاهيم الحديثة..والتي تعشقها بجنون وتفتح شهيتها للبقاء والاستماع والاستمتاع...
.لم تجده...!.وبعد بحث طويل توخت ألا يملحها أحد وهي في لهفتها الواضحه,همس في أذنها آخر...
-انتبهي ممن نصحك ذاك اليوم...هو رئيس تلك العصابة الماكرة..سوف يكسب ثقتك وقلبك ,سوف يكسر ببراعته جدار حيائك وتصبحين عملة متداولة كتلك النساء....سوف أكون بالجوار لا تخافي.
إنهم أصحاب مذهب كل الموز وارم قشرها لغيرك...
نظرت إليه...نظرت في نفسها...
-يبدو أنني أخطأت العنوان
تركت الجمهور...
وهي تردد بصوتها المنكسر...
-قشر الموز...من جديد..

أم فراس 24/9-2008
*********************************
رِق ٌ جديد..


دخلت المنزل كانت محملة بالحاجيات الاقتصادية,وجهها يحكي الكثير...
-ليست مهمتي أن أجلب معظم أغراض المنزل وأنتم هنا!!!لا وأكثر من ذلك وصلت لهذا العمر ومازال هناك من يفكر بالمعاكسة!! أما ناس...
ظهر ابنها الأصغر صقر:
-أين الباقي؟تركوك أنت لتفتح الباب؟؟
-لأني معاق صح؟ أنا سيد الشباب.
-صدقت يا حبيبي لم أكن أقصد أنت بطل الحياة..
أخذ منها بعض الأغراض ودخل المطبخ.
-أنا الوحيد الذي أتحمل شتائم الجميع ,صرت مداس العائلة ...يا لخيبتي.
دخل بعدها زوجها مزمجرا:
- باتت الحياة ة لا تطاق, ,ألم أقل لكم مئة مرة أن الجيران متخلفون قذرون. نظفوا أمام الدار بأنفسكم,.الشغالة لا تكفي تدخل وزيره وتخرج أميره مدلله ..ونحن ندفع النقود مقابل عمل هزيل.
-أنت تعرف آفة ظهري ورغم ذلك لا أستطع الإهمال...ربما تخفيف جهد ومهمات.
-أين الأولاد؟؟
صقر:
-حول حواسبهم
يدخل الغرف ويسحب وصلات الكهرباء كالعادة.
يفيقون من أحلامهم, ولا يستطيعون أن ينبسوا ببنت شفه..
أحمد يهمس لامه:
-ماما أريد أن استعير سيارة أبي قولي له منذ زمن لم بعطني إياها فوجئت أن هناك مادة دراسية لم يحسبوها لي نجاحا,.ونقلوني للسنة الرابعة خطا !!! يا للسخرية قدمي لم تعد تحملاني..حينها....
-حسبنا الله ونعم الوكيل ,نريد أن نقطع أشواطا فنرجع للوراء؟, كيف تريدني أن اطلب منه وأنت لم تحدث نفسك مرة بصيانتها أو تنظيفها؟ ورغم ذلك سوف أحاول.
-يخليك لنا يا رب
الأب:
-أين العشاء؟ ما هذه الأغراض الكثيرة؟ ألم أقل لكم انتم تجلبون أكثر من حاجتكم؟ ونحن نموت قهرا لنصل للقمه بين كفيل ومدير ومنافسين قرفت الدنيا كلها
-يعني لو أتانا ضيوف نقول لهم تعالوا غدا ما عندنا ما نقدمه؟ لا أستطيع أحب الوفرة هكذا ربيت...
-لا تشعرون بنا أبدا, لاأمل..
-كيف نشعر وان ذهبنا للعمل اتهمتمونا بالإهمال واستعبدنا مئة مدير ومدير وان مكثنا في المنزل اتهمتمونا بالجهل والهامشية والكسل والسلبيه؟ !!
-نريد أن نتعشى ماما
قدمت لهم عشاء رائعا
غردوا وانغمسوا في لقمهم اللذيذة,خفت صوتهم وانفرجت أساريرهم.
صقر:

-توقفوا... كيف تأكلون وماما ليست معنا؟
-
أين ماما؟

أم فراس 18/9-2008


***************
قصه برائحة السجائر!!!




-يا شيخ مازلت انتظر فتواك بشأن استعصاء رزقي..أنت تعرف تماما, المأزق الذي أنا فيه..أكاد اجن من ظروفي السيئ والغلاء ذبحني يا شيخ.
حرت جدا في أمري هل أبيع الدخان لأعيش؟, فأنا أتوخى الحلال,كنت قد توقفت عن التدخين كما نصحتني وأقنعتني,لكن ضاقت بي السبل في دكاني الصغير هذا, وأنت تعرف كم كان عملي كبيرا واسعا ومردودة وفير, مع أخي فتنكر لي وأخرجني منه وركلني بعدما كنا شركاء على الحلو والمر..! لا أدري سر انقلابه المفاجئ! , كيف حصل؟ ولماذا؟ وماذا فعلت.؟.ربما راق له توسع العمل فأحب أن يستأثر به, ربما صدقت خرافات السحر والشعوذة من حماه المغرورة, ولكنني صنت الأمانة والله العظيم, ظُلمت ولا أحد أنصفني يا شيخ ,حتى عائلتي!
إنها تتسول نقوده ,خرست هي الأخرى!!
أرى أنني كالبطة السوداء, في تلك العائلة البشعة.. ما كنت أحسبها هكذا وربما لم أرها جيدا,تعبد صنمها وأنا اعبد الله..لا أستطيع مجاراتهم بهذا الشكل لا يمكن..
أرشدني يا شيخ...
***
هز رأسه موافقا على إنصافه,بوجهه المريح وعمامته الوقورة,بردائه الذي تتوق لشمه من رائحة المسك فيه, مشيرا له أن ضع الورقة تلك التي تحوي مشكلتك في الصندوق.
بعد حين امتلأ الصندوق حتى آخره,و لم يعد يستوعب المزيد...
خلطهم بقوة ثم فتحه والعيون تهمي إليه متعجبة, بفضولها لمعرفة هدف ما يفعل, ثم قال :
ليأخذ كل منكم أي ورقه, وليقراها بينه وبين نفسه....
عندها حملق كل منهم في زميله ثم في نفسه ثم نصيبه الذي في الصندوق...تجمدت عروقه ...
ولم يجد مناصا من التنفيذ لمعلم يحترمه ....

أعادوها . بعد قراءتها والذهول يغشاهم...
ابتلعوا لعابهم...
.واستمعوا لمحاضرة شيخهم!!! بصمت رهيب....

أم فراس 17-11-2008

مريم خليل الضاني
19/11/2008, 07:47 PM
سأشارك في مسابقة القصة بهذه القصص الثلاث :
1 مارد .
2 ـ صباح الدم .
3 ـ انتظار .

على الرغم من حيرتي الشديدة في اختيار إحدى هذه القصص للمسابقة لكنني سأختار قصة ( مارد ) وعلى بركة الله .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القصة الأولى :




(مــارد)

ماما ، متى ستأتي مها ؟ .
سألني وائل بلثغته الواضحة وهو يضع أذنه على بطني ويرهف السمع . دفعه أنس بكفيه الصغيرتين ووضع أذنه على نفس الموضع ثم سألني :
ماما ، مها تحبني ؟ .
ضممتهما إلى صدري وأجبتهما :
مها تحبكما. بعد أيام قليلة ستخرج من بطني بإذن الله ، وستكبر وتلعب معكما .
ركض الصغيران ليلعبا تحت ظل شجرة في حديقة البيت ، فيما أخذت أتحسس بطني البارزة أمامي في استدارة محببة .
كان سامي جالسا بمحاذاتي يحتسي قهوته ويراقب طفليه ، تتراقص على وجهه ابتسامات مشرقة ، ومن حين لآخر يتسابق الصغيران للوصول إلى ذراعيه المشرعتين ، وعندما يصلان إليه يحتضنهما و يتدحرج معهما على العشب فيتناغم ضحكهما و كلامهما مع قهقهته ولهاثه .
شرعتُ أتأمل وجه سامي الذي يشي بالألفة والحنو ، فتنبّه إليّ وهو ينفض التراب عن ثيابه ثم جلس إلى جانبي. ألصق فمه بأذني وهمس لي :
من أسعد مني يا حياة ؟! .
ضمّ أصابعي بين كفيه وقبّلها . هممت بأن أضع رأسي على صدره فانتصب بيني وبينه ذاك الجدار السميك .
ها أنت يا خالد تتراءى لي من جديد تحت تلك الشجرة ، وعيناك العسليتان المشبعتان بالانكسار لا تبرحان عينيّ . ضمني سامي إلى صدره وربت على شعري فاستسلمت لدفئه ، وسرعان ما ابتعدتُ عنه حين دنوتَ مني وانهالت عليّ سياط وجودك . سحبتُ أصابعي من بين كفَي سامي حين حاذيتني . بدأ الخوف يدب في عروقي . وجهك تزداد مساحته بالتدريج حتى يغطي السماء . يدمدم صوتك في أعماقي رعدا :
لطالما أقسمتِ لي يا حياة أنك لن تكوني لرجل آخر سواي .
ـ لا تلمني على أمر ليس بيدي يا خالد . أنت تعلم جيدا أنني أحب الأطفال بجنون .
ازدادت حدة الانكسار في عينيك حين خفضت رأسك قائلا:
لو كنتُ مكانك لما تخليت عن أحب إنسان إليّ .
ـ ربما ، ولكن ليس لأنك أشدّ وفاءً مني ، بل لأنك رجل لديك خيارات أخرى : إنّ بمقدورك أن تتزوج امرأة ثانية تحقق لك حلم الأبوة وفي الوقت ذاته تحتفظ بي ، أما أنا فليس لدي أي خيار آخر ، إمّا أنت وإمّا الإنجاب .
تناءيت عني وجلست على العشب متكئاً بظهرك على السور ، تراقب ولديّ وهما يلعبان . نهضتُ من مقعدي ومشيتُ صوبك بخطى بطيئة ، ثم جلستُ بمحاذاتك . تأملتني مليا ثم أشرت بسبابتك إلى وائل قائلا :
وائل يشبهك تماما .عيناه جميلتان واسعتان مثل عينيك ولكنهما فاحمتا السواد مثل عيني أبيه.
تناولتَ عودا من الأرض وشرعتَ ترسم به على التراب دوائر متداخلة ثم أردفتَ : ـ


سميتهما وائل وأنس ، اسمان من الأسماء التي كنت أنوي أن أسمي أبنائي بها ، لو أن الله رزقني بأبناء .
ـ أنت لا تكف عن تأنيبي ! .
ـ .............. .
ـ والله إني أدعو الله لك في كل صلاة أن يرزقك بالذرية .
ابتسمتَ ابتسامة مشوبة بالأسى وقلتَ :
أن يكون للمرء أبناء ، شيء يبعث على السعادة والرضى ، أليس كذلك ؟ .
ـ أتذكُر يا خالد كم كنت أتحرق شوقا إلى أن يكون لي طفل يناديني يا ماما ! ؟ ، وكم كنت أعشق رائحة أجساد الأطفال حديثي الولادة ومناغاتهم ، وأطرافهم الدقيقة وملابسهم القطنية الناعمة الملمس ؟ .
أتذكُر يوم أن باغتني وأنا ألقم ثديي فم ابنة أختك الوليدة خفية ؟ . كنتُ آنذاك أتخيل أنها ابنتي وأهدهدها لتنام .
أتدرك عمق حسرتي حين كنت أشتري الهدايا وأذهب لأبارك لصديقاتي اللاتي وضعن ؟ ، وحين كانت النسوة يطلقن عليّ رصاص أسئلتهن الذي لا يفتر : ألم تحملي بعد ؟ ! .
قذفتَ بالعود بعيدا وقلت وأنت تنفض يديك من التراب :
وها أنت يا حياة قد أصبحت أما وتحقق حلمك القديم ، وبيتك الآن يضج بنداءات ولديك : ماما .. ماما .. ماما ، فهل وجدت السعادة التي كنت تنشدينها ؟ .
ـ كنت سأجدها لو أنك كففت عن ملاحقتي .
ـ أنا لا ألاحقك !.
تنهدتَ واختلج صوتك قائلا : ـ
إن مشكلتي يا حياة هي أنك روحي .
نظرتَ إليّ بعينيك الدامعتين واستطردتَ : ـ
كيف يحيا المرء بلا روح؟ ! .
ـ ولكنك تعذبني .
ـ ألأنني مازلت أحبك ؟ ! ، أنت أيضا يا حياة لم تخب جذوة حبك لي منذ افترقنا . أتنكرين أنك مازلت ترتدين الفستان الأزرق الساتان الذي أحضرته لك من سوريا ، على الرغم من أن سامي لا يحب اللون الأزرق ؟ ! ، وتصريّن على اقتناء العطر الذي أهديته إليك ذات مساء حالم . وتلك الحقيبة التي تحتفظين فيها ببعض ملابسي ، ألا تلوذين بها في لحظات انهيارك كما تلوذ القوارب المنهكة بأرصفة الموانئ ؟ ! .
ـ خالد ، أتمنى أن أعيش يوما واحدا بدونك ، و أن أستيقظ في الصباح وأرتب سريري دون أن أشم رائحة جسمك في لحافي ووسادتي ،ودون أن استنشق أنفاسك التي يعج بها بيتي . أتمنى أن لا أرى ملابسك وأحذيتك ونظارتك وأشياءك متناثرة حولي .
في بعض الأوقات أهرب منك وأختبئ في حجرة أولادي ، وفي أحيان أخر أخلو بنفسي وأغلق الأبواب وأحتسي قهوتي ، فأراك في البخار المتصاعد منها ، أراك عند بوابة المحكمة يوم الخُلع . قلت لي آنذاك:
والله لن أسامحك ما حييت .

كانت شفتاك ترتجفان بشدة وانفلتت من عينيك دمعة كبيرة ، وأنت تحث
الخطى منصرفا نحو سيارتك .
في تلك اللحظة فقط يا خالد أدركتُ هول ما اقترفتُ . عارية كنت أقف تحت شلالات الذهول الثلجية . إلى متى سنظل على هذا الحال ؟ .

ـ أنا أيضا متعب بدونك .
ـ من الجنون أن نستسلم لهذه الحبال الروحية التي تربطنا . كلانا متزوج . قدرنا أن نفترق ، فلم يصرّ كل منا على أن يحيا حياتين في آن واحد ؟ .
ـ ............ .
ـ أتحب زوجتك ؟ .
ـ من الغباء أن يهب المرء قلبه لمن يغدر به عندما يتعارض الحب مع المصالح الشخصية .
ـ أي أنك لا تحبها .
ـ لا يهم . المهم أن أحيا بسلام . هي أيضا لا تنجب . لا أحد منا يهدد الآخر أو يطالبه بما لا يملك .
ـ ما الحل يا خالد؟ .
ـ ماذا تريدينني أن أفعل ؟ .
ـ ارحل .
ـ سأرحل عندما تجتثين جذوري من قلبك .
ـ هب أنني ضعيفة أمامك ، ألا ترأف بي وترحل ؟ .
ـ هل هو قرارك الأخير ؟ .
ـ ............
ـ ............
التفتُ إليك فلم أرك .
نهضتُ بمشقة وعدت إلى مقعدي بجانب سامي الذي استقبلني بنظرات قلقة حانية . ضمني إلى صدره قائلا :
تبدين شديدة الإعياء ! . هوني عليك ، بعد أيام قلائل ستضعين حملك بالسلامة .
التصقتُ به بقوة وتنفستُ بعمق فتفتحت في نفسي براعم الطمأنينة . همستُ له : ـ
سامي خبئني بين ضلوعك هناك بعيدا .... بعيدا عن هذا العالم .
ألصقتُ رأسي بصدره وأصغيتُ إلى نبضات قلبه ، لكن ثمة صوت مبهم يمتزج بالنبض ، صوت بعيد خفيض كأنه قادم من قاع بئر . الصوت يعلو بالتدريج ويستحيل نداءً ملحا ً.
رفعتُ رأسي فرأيتك جالساً على حافة السور ! .

بقلم : مريم خليل الضاني




ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
القصة الثانية :


(صــــــباح الدم )

أتأملك يا أبي من وراء فرجة باب حجرة نومي ، صبيحة ليلة عرسي . أتيتَ مبكرا كعادتك عندما تزور بناتك في مثل هذه المناسبة .
أتيتَ خائر القوى ، جاف الحلق ، زائغ النظرات . يلوح على وجهك ذلك الانكسار الحاد العميق الذي غدا جزءاً من ملامحك ، و تطوّق عنقك أغلال سوداء ثقيلة لا يراها أحد سواي . لم يعد هناك إنسان يهددك بعد أن تزوجت شقيقاتي كلهن غيري يا أبي ، أنا ابنتك التي لم يأتها نصيبها إلا عندما شارفت على الأربعين من العمر .
كانت شقيقاتي يصفن حالتك في صباحيّاتهن ، وكيف كان أزواجهن يعطونك ملاءة السرير البيضاء الملوثة بالدم وهم يهنئونك قائلين : ـ
بيّض الله وجهك يا عمي .
عندئذ تنفرج أساريرك ، وتسترد أنفاسك ، وتحسي حسيات من الماء البارد لتطفئ الحرائق المستعرة في جوفك . لطالما تمنيتُ وأنا أصغي إلى أحاديثهن أن لا أتزوج قط لكيلا أرى وجهك في ذلك الموقف العصيب ، ونمَت تلك الأمنية في نفسي بعد أن تزوجَت ابنة عمي اليتيمة؛ وجهها الشاحب المذعور ووجه الطبيب الذي فحصها مسماران مغروسان في قلبي . كان الطبيب يحاول سدى أن يمتص غضبك العارم وهويشرح لك عبارته :
إنها عذراء ولكنها من الحالات الشاذة التي لا تنزف .
وعندما هممنا بمغادرة العيادة ألقيت بعبارتك في وجهه:
هراء ! . الدم هو الدليل الوحيد على عفة الفتاة . الله لا يبتليني أنا أبو بنات . الله يستر عليها وعلينا .
حين سمعتُ عبارتك تلك هوى قلبي في جبّ لا قرار له وهاجت في نفسي عواصف التوجس:
ماذا لو كنتُ مثلها يا أبي ؟ ! .
أي أرض ستقلّني وأي سماء ستظلني ؟ .
أين المفر منك آنذاك ؟ .
ألوذ بسريري ، أتأمل الضوء الشحيح المنبعث من وراء الستائر الداكنة ، و الهواء يعبث بباب حجرتي . تبدو وأنت جالس في زاوية الصالة كالسجناء المحكوم عليهم بالإعدام في لحظاتهم الأخيرة ، حين يصغون إلى وقع أقدام جلاديهم وهي تدنو منهم.
كنت تختلس النظر إلى باب حجرتي ومن حين لآخر تنظر إلى الساعة مستبطئا مرور الوقت ، وتطلق زفرة كأنها نفس من أنفاس جهنم .
حدقتُ في عينيك المتقدتين وأبحرتُ في ذهنك الذي تتلاطم فيه أمواج الريبة والخوف :
لماذا تأخر زوجها في الخروج من الحجرة ؟ ! .
لا بد أن هناك خطبا ما ! .


لا .. لا ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . ابنتي فتاة شريفة ، أعرفها . ابنتي الكبرى العاقلة ، أنا ربيتها فأحسنتُ تربيتها ، وأخواتها اللاتي تزوجن قبلها لسن أفضل منها خلقاً وتديناً ، ولكن من يدري لعل شيئا ما قد حدث لها عندما كانت طفلة ! .
ما أشد تلهفك على رؤية وجه زوجي يا أبتِ !.
أجزم أن ضغطك الآن قد حاذى حدوده القصوى . كل شيء فيك يحترق في أتون الانتظار ، تتراءى لك هاوية المهانة التي تتأرجح على شفيرها . يكاد الدم ينبجس من مسامك ، يتفصد العرق من جبينك غزيرا ، تتحد قطراته وتجري في أخاديد وجهك ثم تنزلق باتجاه ذقنك . غدا وجهك قطعة رمادية باهتة بلون شعرك وأنت ترشف رشفة من العصير ، أخالها تسيل في حلقك كحمم البراكين .
أغمضتُ عينيّ وهربتُ إلى الزقاق القديم ، أركض فيه طفلة صغيرة تطير ورائي جديلتي وكشاكش فستاني الواسع ،.أدسّ جسدي النحيل بين أجساد الصبية وهم يلعبون ، ثم يهرب أحدنا فننطلق على أثره كأسراب الطيور. كانوا يختبئون فوق الأسطح الترابية وكنت أختبئ في صندقتي المهجورة التي لا تعرف مكانها يا أبي .
مازال قطار الزمن متوقف عند باب حجرتي ، وأنت منهمك في تجفيف عرقك المتصبب ، بينما يرتدي زوجي ثيابه بتؤدة و يبحث في سلّة الملابس المتسخة عن ملاءة السرير . عندما خرج إليك سحبتُ اللحاف على جسدي المتعرق المرتعش و دفنت رأسي تحت الوسادة .استسلمت لرحى اللحظة الحاسمة تسحقني فأتطاير في الهواء كالغبار .
تفتحت كل جراحي القديمة ، يتدفق منها الدم حارا لزجا غزيرا ، أشم رائحته التي تبعث الخدر في أوصالي وتصيبني بالدوار . بقع الدم تتناسل حولي وتلطخ الجدران والأثاث والسماء البادية من الفرجة الصغيرة للنافذة. تصطخب في أغواري رؤى متداخلة وتطل عليّ برؤوسها كالعناكب : يوم أن بلغتُ وأصبحتُ امرأة ، بيتنا الذي يعج بالتفاصيل الأنثوية ، صراخ أمي وهي تضع في المستشفى ، و وجهك المُسوَد وأنت واقف هناك ، تمتطي صهوة الأماني وما تلبث أن تهوي على صخرة الكلمة التي تتفوه بها الممرضة :
بنت ! .
وضعتُ إصبعيّ في أذنيّ لكيلا أسمع صوتك ، ولكن قهقهتك دوت في حجرات البيت كطلقات مدافع العيد .هائجاً كنتَ ، تصيح تارة وتهذي تارة ، ثم تردد بصوت متحشرج :
الحمد لله .. الحمد لله . ألف مبروك ... ألف مبروك.
ناديتني فلم أقو على الرد ولا على الوقوف على قدميّ ، فاقتحمتَ حجرتي مادا ً ذراعيك لتحتضنني .
كان وجهك مشرقا مبتهجا كشمس الصباح حين قبّلتَ رأسي ووضعتَ في يدي نقودا ، وأنت تردد بصوت خنقته العبرة :
بيّض الله وجهك يا ابنتي كما بيّضتِ وجهي .

تحاملتُ على نفسي ووقفت على النافذة أراقبك وأنت تتجه صوب سيارتك بخطى رشيقة . لم تكن تتكئ على عكازك ، بل كنت تلّوح به في الهواء وأنت ترقص وتدور حول نفسك. كان ظهرك منتصبا على غير عادته ، ورأسك شامخ كالجبال حين ركبتَ سيارتك وانطلقتَ بها تسابق الرياح .


بقلم : مريم خليل الضاني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
القصة الثالثة :

(انتظـــار)
يجثمون على صدري كالجبال ، يحيطون بي كالأسلاك الشائكة ، أرى وجوههم قبيحة كوجوه الذباب .
يجلسون على أرائك الحجرة ذات الجدران الرمادية . يحتسون عصير الليمون البارد ويثرثرون حول حرارة الصيف ، والمقهى الذي انتقل إلى شارع آخر ، والمسلسل العربي ذي النهاية المفتوحة .
أمي تتذمر من كرش أبي الكبيرة وأبي يلح على أمي أن تقص شعرها مثل قََصة شعر مطربته المفضلة . احتدم النقاش بينهما وسرعان ما صمتا وشرعا يتابعان الحلقة الأولى من المسلسل الجديد .
جهاز التكييف المقيت مازال يضخ في الحجرة أمواجا متلاحقة من الهواء البارد الذي ينخر عظامي.
أرى وجه أمي من بين فخذيّ المقوستين الناتئتي العظم ، ترمقني بنظرة سريعة وهي تنهض قائلة:
سأحضر لحافاً .
بدأ مغص حاد يعتصر بطني تلاه خروج براز سائل حار مني .
كم أكره رائحة برازي ونظراتهم التي يرشقونني بها حين يشمون رائحته المنتنة! .
تبا لهذه البرودة ! ، المغص يشتد وجسدي يرتجف .
أطلقتُ صوتي الذي يشبه خوار البقر فالتفتوا إليّ ثم عادوا إلى مشاهدة المسلسل .
دخلت أمي الحجرة تحمل لحافاً دثّرت به أخي الصغير النائم بجانبها .
. أطلقتُ صيحات أخرى حين شممت رائحة البراز التي بدأت تنتشر في البيت ، عندئذ
صوّب أبي نحوي عينيه الطافحتين بالاشمئزاز ، ثم أغلق أنفه بإصبعيه وهو يومئ برأسه إلى أمي . قالت أمي وهي تنزلق في أريكتها وتستلقي على ظهرها باسترخاء : ـ
أنا متعبة الآن . بعد قليل سأنظفه .
حدّقتُ في اللوحة المعلّقة على الجدار منذ سنين : طريق ترابي طويل يلوح في نهايته مرج مشمس . تظلل جانبي الطريق أشجار كثيفة داكنة الاخضرار .
كثيرا ما كنت أشرد بذهني وأختبئ بين تلك الأشجار ، أو أركض في الطريق ولكن قدميّ تكلان دون أن أصل إلى نهايته . تأملتُ في زجاج اللوحة انعكاس صورة جسدي الذي اشتد نحولا واصفرارا في الأشهر الأخيرة .
أختي التي تجلس بجوار النافذة تطلي أظافرها بطلاء أحمر، وتمط شفتيها بامتعاض قائلة : ـ يا خسارة ! ، لن نسافر إلى ماليزيا هذا الصيف .
أثارت عبارتها حنقهم ، فتبادلوا عبارات مقتضبة ثم طفقوا يتحسرون على طبيعة ماليزيا الخلابة وأسواقها الرخيصة . بغتة صمتوا جميعا ونظروا إليّ بأعين زجاجية معتمة ، فاختبأت بين أشجار الطريق. أغمضت عينيّ وأصغيتُ إلى وجيب قلبي ولهاثي وعندما
فتحتهما رأيت فضاء الحجرة مغبرا أصفرا تتساقط فيه ذكريات كأوراق الشجر الميتة: وجه أبي وهو يضاحكني ، و رائحة صدره حين كنت أنام في فراشه عندما تسافر أمي
،والحكاية التي اعتادت أمي أن ترويها لي قبل النوم : حكاية الولد المعاق الذي شُفي عندما أصبح شابا .
آه ... البرودة تشتد !
لو أنهم يغلقون جهاز التكييف برهة ! .
شرع أبي يقلّب أوراق التقويم ثم تكلّم بصوت شديد الخفوت : ـ الصبر جميل . ربما نتمكن من السفر بعد شهر .
أطرق أبي قليلا ثم أردف وهو ينظر إلى السماء من فرجة النافذة ، و يشير بسبابته إلى أعلى : ـ
إذا تحققَ ما توقّعه الطبيب .
استيقظ أخي من نومه ثم نظر إليّ بخبث وابتسامة صفراء تلوح على فمه . لابد أنه اشتاق إلى هوايته المحببة إليه التي اعتاد أن يمارسها في غفلة من والديّ : غرسَ أظافره بقوة في قدمي بينما يراقبه والداي صامتين ، وعندما ضج البيت بصياحي نهراه بفتور .
انتهت الحلقة الأولى من المسلسل فنهضوا وهم يتثاءبون ويتمطون .
حين حملتني أمي لتأخذني إلى الحمام حدقتُ مليّا في اللوحة المعلقة على الجدار ، لكنني لم أر فيها إلا انعكاس صورة التقويم القابع على الطاولة المقابلة للوحة .

بقلم : مريم خليل الضاني

مصطفى حيدر.
20/11/2008, 07:43 PM
صاحبة الحروف الملكية الاربعة


كانت هي نائمةُ بين فراديس الالهة تُشبع رغباتِها بخيانتِها لعشيقيها ڤلكان مع مارس رب
الحروب
تلك هي ڤينوس ..........



ايا ربة الجمالِ .... من حملَ اسفاركِ وحط بها على رحالي
ايتها الحالمة
عودي ادراجكِ واسرعي الخطى, واحملي رسالتي لكلِ من عاثَ بكِ
لن تسقط اوراق عمري في خريفِ حبٍ اخر
حاولت
جاهدت
توسلت
ثم رحلت



أطفأتُ كل الاضواء, اوصدتُ كل الابواب
مساحات تملؤها الفراغات ........ الصدى في كلِ مكان عم اجزائي........ ضجيجُ يخرجُ من السكوت والرفضُ ينطقُ من جثثِ الامواتِ بداخلي
ايها القلبُ استجمع قواكَ, لا تطلق له العنان ودع الفينيق في رمادهِ غافيا
محاولاتُ يائسة
لن ينفع الندم
كان قلبي قد خفق
وزاد من حدة النبض
وانتشر الدم في عروقي كأنتشار الدعوةِ الاولى



فقد اجتاحت حروفها الملكية الاربعة كل ما املكُ في مملكتي
عيناها العسليتان وشعرها البني المسترسلُ الى اكتافها, بحار اللؤلؤ المرسومة بين شفتيها ولونها الجامع لمشارقِ الارضِ ومغاربها



ايها القلبُ استميحُكَ عذرا فأني................ عدتُ الى عصورِ ما قبل صحوتي
فنبيذُ الجاهليةِ مازالَ يسري في عروقي
وتأوهات هندٍ على فراش البغي مازالت ترنو في مسامعي
ماعدتُ احملُ تعقلي ........ عدتُ الى طيشي
حاولَ جاهدا منعي
اما جنيتَ من اسفاركَ مع العشقِ درسا ؟
اما تعلمت كيف تقوى امامَ حُبٍ ؟
فجدرانَ مكةَ مازالت ملطخةُ بفجورِها
كيف تهواها ؟
ولكن كيف ارفضُ حبا طرق بابي ؟
لم اطق به ذرعا...... اشتقت الى طيشي
كم وددتٌ تقبيلها .... وهمزها وشدها وجذبها
رغم تحريمها في اياتِ قرآني



حملتُ نفسي
نظمتُ شعرا كتبتُ نثرا
ارسلتُ صوتا خافتا يهمسُ في مسامعها
ايتها المبشرة
الحاملةُ لآثامِ الاولينَ والاخرين
ابشري ...........
فقوافي الحبُ عندي لاتنتهي
لكِ عمري
فضعي الفواصلَ بين سنينه حيثُ تشائين
وحركي كلماته كما تشائين



كانت هي حين وصلتها رسالتي قد صفحَ عنها ڤلكان



لم تنفع معي كلُ نصائح مينرڤا ربة الحكمة, كلُ ما ارادته مني هو اظهار نفسها امامه لتنال رضاه



تدفعني نحو الحماقةِ اشياءُ كثيرة, فتارة الانتقام واخرى الانتحار واشدها السكوت
نفحات من الجاهلية تضرب على اوتاري.......
لكن دون جدوى



فأرقصي وهللي بنصركِ على ارضي المدمرة, واتركي الدمع لعين امي



ارقصي وهللي وعودي ارشفي الخمر من رِضاب الالهة
ولتنتشي منكِ الالهة





اما انا
فكما انا
عدتُ حيثُ انا



الرمق الاخير


في وسط الزحام وسط تراكمات مزعجة من الالام والجراح في ظل عصف فكري ما انفك يبحث ويبحث في تفاصيل الممرات ويقلب في اورقة النوادي.


كانت هي واقفة امام المرآه تداعب حسنها بأطرفها الناعمة وتمرر المرود السحري على رمشها الحاد الذي يقف في استعداد تام وكأنه يعلم ان لديه موعد مع ضحاياه.


لم اكن اعرفه, لم يكن يعرفني, لم نكن نعرفها, لم نكن نعرفه.....
اجتاحت كياني وكيانه في وقت واحد ولربما في وقتين مختلفين. كل منا عزف على الته من كان يعشق العود عزف على عوده ومن كان يعشق الناي طرب بنايه
شعرت بأنها مملكتي وبأنها ضمن احداثياتي الخاصة وبأني الطوق الذي كانت تنتظره لتضعه على خصلات شعرها الممتده الى اكتافها الرائعه
اما هو فمثلي تماما فقد استباحت نظراتها قلبه ايضا واحس بأنه حصنها العتيد وراح يبحث في سوق النفائس عن الصلاة الفريدة التي يصليها في حدائقها المعلقة لفك اسوارها المنيعه
ليلة اسطوريه حمل كل منا جراح سنينه الطوال ليلقي بها في طريق اللاعوده, لم انم تلك الليلة قضيتها وانا اخرج اخر زفير حزن وانتظر ذلك الصباح
اما هو فمسكين هو كان على موعد حسب جدول اعماله اليومي على وجبة افطار فرنسي مع صاحبة الحروف الملكية الثلاثه
وكان الصباح ....................
شعور فوضوي تراكمات مزعجة حالة استنفار مبهمه الكل في ترقب لما سيحدث
فكان الصباح......... وكان هو ................ وكانت هي
اما انا وصديقي الذي التقت المنا لتصب في بحر واحد ....................... لم نفهم شيئا


لحظات حتى اطلقت اليد اليمنى صرختها المدوية وهي تحمل الخاتم وتلوح في الافق كنعي غراب بسقوط غرناطه وبمقتل اشعار البردوني على نهر دجله وانتحار الاوذيسه على مشارف عينيها
وكأن الاقدار كلها قد اجتمعت في هذا اليوم
فكنتي اول واخر كأس خمر اضاف الى جسدي نشوة حزن اخرى واكوام ذنب
وكنتِ اخر ماتبقى من شهقات الحب......... قضى بها نحبي.


حبيبتي




يا لوحتي ألمجنونة * * * يا عبرتي ألمدفونة * * * يا معزوفتي ألحزينة




حبيبتي.................. يا معركتي ألخاسرة



غدا سأرحل....سأجمع شتات هزيمتي وأحمل فاجعتي على كاهلي وأرحل عن أراضيكم



لا تتبعي أثري لن أعد الجيوش وأهزم ثانية فما تركته خلفي كان نهايتي ألأخيرة






حبيبتي....... يا جوهرتي المفقودة



قضيت دهرا وانأ ابحث في الأرحام عن مستودع لي , اذكر لقائنا الأول بكل ما يحمله من دهشة واستغرب ، لم اعرف حينها كيف أرد جميل القدر



اذكر جيدا فستانك الأبيض واذكر أيضا ضحكتك بكل تفاصيلها اذكر تعابير وجهك العفوية وتصرفاتك المغرورة واذكر أيضا لقائنا الثاني والثالث والرابع اذكرها جيدا مثلما اذكر نهايتي





حبيبتي...... يا دميتي الجميلة



ها هي نظراتنا تحتضر ، لن نتلاعب بعقارب الساعة ها هي أيامنا زهقت قبل إن تنطق الشهادة



لن تريني غدا ولن اعرف لك طريقا أو عنوانا وستكون لك عائلتك الجميلة وستكون لي عائلتي وستظل همساتنا نبض قلبنا ومصدر عطائنا



سأموت وتموتين وستصبح حكايتنا كوطن لا يعرف النهاية



إن كان يومك قبلي فسأجعل مثواك مزارا وان ارتعدت عظامك البالية فلا تعجبي فقد نثرت عمري قصيدة فوق رماد قبرك



وان مت قبلك فلا تفزي من نومك واعلمي إن الأيام قد طوت صفحتي واسمعي وصيتي



مسيرتي صفحة بيضاء بصمت في أخيرها ومضمونها سطرته يديك





وحيث إني لا اشك لحظة واحدة.... إن مماتنا سيكون في لحظة واحدة ..... تزفنا إلى السماء يد واحدة





حبيبتي....... ياقوتتي الثمينة



إن شاءت الأقدار إن تسلبنا عرسنا الشرعي في هذه الدنيا فسأنتظرك في الحياة الثانية هناك في العالم الخالي من الشياطين وسأبحث عنك في أزقة الجنان وسأجدك ....... نعم سأجدك وهناك يا حبيبتي لن تكوني لغيري



فعدي أيامك وامرحي بها ولا تقلقي ........................ فبيننا لقاء ثاني

ابومحمدالسوداني
22/11/2008, 07:51 AM
الأستاذ الفاضل د.شفيق
تحية وسلام ..
كانت لهذه المبادرة الطيبة صدا في نفسي ومهرجانا لكل هواة الأدب وعشاق الثقافة .
أشترك في قصة ( تداعيات حصار ) الموجودة في الموقع مع الحب والأعتزاز
ابو محمد
ابو محمد السوداني
العراق
له مجموعة قصصية بعنوان ( كرة الصوف ) / 2005 / عن رابطة البديل الثقافي وله الكثير من القصص التي نشرت في الصحف المحلية.
----------

تداعيات حصار

من أجل حور عينيه طردت ألوساوس التي كانت تحوم فوق رأسي وكتبت بأقلام متنوعة أنغاما على أوتار اللوعة ورسمت حواجز بفرشاة الهموم لحجب ألعيون المتطفلة التي تتابعني كلما مررت وكأنها دبابيس تغرس في جسدي 0
وبكل جرأة حطمت ألصخرة ألماسية على عتبة بيتي وخرجت لأرى ثلمة الشمس ألمستحية لعلي أتمتع بدفء بقايا أشعتها 00 سرت في طرقات ألشبهة على حافات مائلة كدت أن أنزلق منها لولا هبات الصدفة التي انتشلتني من أدران السقوط في هاويتها المريرة 00 وفي كل مرة أعود أليه وحقيبتي فارغة فأجده لا يزال ينظر إلى الباب الذي ودعته عنده فأحنو عليه وأضع رأسي بين ركبتيه ألجاثيتين في عربة احتوته من جراء شظية طائشة أرسلها أليه هواة الدمار 00 أحس بأنامله تداعب خصلات شعري وبقايا دموع تتساقط بصمت , ثم أفيق فأرى حور عينيه ، فأذوب في بحر الحزن وأتمرغ برمال الأسى 0
أسقطت كل شيء من مفردات بيتي ما كان ثمين ونادر إبتداءا من مجوهراتي الغالية و انتهاء بعفش البيت المحبب ولم يبق لي سوى الفراغ والهم وجسدي الممشوق الذي كان وبالا علي في أزمتي الخانقة وهاتفي ألنقال الذي أهداه لي في عيد ميلادي عندما كان شعلة أستضئ به 0
كل ذلك بسبب ما يسمونه – الحصار – الذي صدره لنا القابعون خلف أكوام ألخراف ألمفلطحة و الحمام المحشي0000
تجولت كثيرا وبحثت كثيرا وجربت أنواعا من الحرف المتواضعة التي لا تناسبني00 شاهدت ألأجسام المسندة والشخوص المتحذلقة والكل يقدم لي أوراقه ألصفراء ألمخادعة 0
قصدت أسواق الثقافة ومكاتب الدعاية وعشرات ألمؤسسات وشركات النشر علني أحظى بومضة نور أو أهتدي إلى ظل خفيف احتمي به , أخيرا فشلت وقصدت أصحاب ألجيوب ألمنتفخة الذين يهمسون لي بضمير ألغائب بالفردوس عن لحظة لقاء0
وفي أول تجربة لي بدأت أخلع عفتي مستسلمة لمخالب الجوع التي تمزق أحشائي وألقيتها في أدران ألحضيض من اجل فتاة ألطعام ألرخيص الذي يملأ قمامة ألمدينة والذي توارى عنا بحجب ظلامية لا يمكن الاهتداء إليه إلا بالتضحية بالنادر 00 وفي أللحظات ألأخيرة أدركني رنين ألهاتف ألنقال 00 كان على ألطرف ألآخر مدير دار ألنشر : يستحثني بالقدوم لتوقيع العقود على نشر مجموعاتي ألقصصية ألتي كتبتها بألوان مختلفة 0
عمدت إلى أخفاء الأزرار في بيوتها الآمنة خوفا عليها من الأنامل المتلهفة التي تغريها رياح المجون الفاسدة وتدغدغ أفكارها الغريزية نحو مكامن الحمام ، وأعدت ترتيب هيأتي وهرعت إلى بيتي مسرعة00كان في وسط البيت ينتظر وعيناه معلقتان في فضائه يعرف عودتي 0وقفت أمامه أنظر إلى حور عينيه 000
أبتسم لي 000
ابتسمت له بعد أن أدركت نفسي ، قبل فوات ألأوان0





زارني طائف في الليل ملتحف عباءة ، يرتجز شعرا وتعاويذ وآيات قصار ، هد لي مضجعي وأرقني قدومه 00
قلت من ذا الطارق من غير موعد ؟
قال : هل نكرتني ؟
قلت : بلا 00 أختلط الأمر عليا 00
قال : لا تتعب حالك ، فأنا توأم روحك ، وأنا اللغز الذي خبأته في اللاشعور 0
قلت : ما تبغي ؟ لقد أفزعتني 0
قال : أحببت أن تشهد ( تتويجي نبيا ) 0
قلت : أي نبي ؟!
قال : نبي للموتى !!
راح مني الروع وارتحت هنيهة
قلت : أين الحفل ، في أي مكان ؟
قال : في المغرب ، في الوادي المقدس ، في وادي السلام ، في الغري
قلت : هيا00
لفني في عباءته البيضاء وارتقى فوق السحاب00 سار حثيثا
لم أكد أسمع سوى خرير الشهب ، وشجيج الريح ، وحـــــفيف
السحب 00 ثم في لمح البصر قد تهاوى ووصل 00 فوق قبر مرتفع، ظل فوق القبر شاخص وأنا خلفه جالس 00 ساد في الموضع صمت وسكون غير لغط وصفير ونعيب البوم 0
بعد حين نهض الموتى من الأجداث حفاة فرحين 00 أحاطوا به من كل جانب، وضعوا الحناء وأشعلوا الشموع وأعواد البخور ، نثروا ماء الورود 0
كان فيهم واحد من عهد عاد أو ثمود ، أكل الدهر عليه وشرب 00 سار نحوه يتهادى 00 حاملا طوق من ألآس وورد الياسمين 00 أنحنى بين يديه ، قرأ الحمد والإخلاص والمعوذتين ثم باركه حضوره ، وألبسه تاج النبوة ! ، صفق الموتى بحب وحماس 00 هتفوا فيه هتافا لا يقاس 00 أشار لهم بالجلوس ، جلسوا فوق الرمال خطب فيهم خطبة عصماء ، كلها ترهيب وتخويف وترغيب ومواعظ وحكم 00 حتى انتهى حمد الله وجلس 00 وقف الشيخ أمامه في خشوع واحترام ، بايعه ومضى ، ثم قام الآخرون بايعوه بالولاء والحبور واختفوا بين القبور 0ثم عاد الصمت في كل مكان وارتأى لي الفرق في الشفق يلوح وأفقت على صوت المنادي ( الله أكبر ) ، لم أرى شيء مما سلف سوى عطر يفوح ، وشمعة تتوقد ، وكأس لا
ينضب 0
--------------
ولد00 ولد00 ولد , وصفق مع كل كلمة , ثم قال :
دمدم000 دام
دمدم 00 دام 00 ويضرب مؤخرته بكلتا يديه ويقول :
دمدم , دمدم , دمدم 00 دام
وجه الجليل العلام
وجه الكريم المنان
ولد00 ولد 00 ولد 0
في ضحى يوم ربيع ضاحك وبين بساتين النخيل الباسقة وأشجار الزينة الفارهة وأعشاب الحشائش النظرة 00 رقد أحد أولياء الله في مبنى من الطين لطخت جدرانه بالحناء , تعلوه قبة خضراء , فرشت أرضه بألحصران والبسط الصوفية , تفوح رائحة البخور في أجوائه , يتجمع الناس حوله للتبرك ونيل (المراد ) , يطوفون حوله ويصلون ويستريحون في فنائه , وفي محيطه الخارجي يجلسون هنا وهناك للاستجمام والراحة والأطفال بين ألأشجار يلعبون ويمرحون 0
ضرب على الطبل 00
تجمعوا حوله 0
ضرب ثانية 00 سكت الجميع 00
صفق وصفقوا معه 00 هزّ بدنه وتلوى كالأفعى المذعورة وهو واقف 00 كسا جسمه بكل لون من رأسه حتى أخمص قدميه 00 على رأسه طربوش مخطط بألوان لامعة وعلى وجهه لطخات من ألوان غامقة , ونثر قميصه ببقع زاهية وخيط ثوبه القصير من عدة طبقات شفافة كل طبقة بلون مغاير , توسط ساقيه خيط يتدلى غرزت فيه( بكرات الخياطة)
ينفخ أوداجه ويزفر أنفاسه ثم يخرج لسانه ويصك أسنانه 00 يقفز في الهواء عاليا ويعود إلى ألأرض على ركبتيه ويهز كتفيه بعنف وينهض تدريجيا و هـو لا يزال يهتز على إيقاع (الصلاجغ ) التي ثبتت على أنامله , ثم يضرب ألأرض برجليه بقوة ويركض – ركضه الفرس الجامح – 00 يدور دورة وأخرى ثم يقف وينظر إليهم ويختار إحداهن 00 يتقدم نحوها ويضغط على خيط البكر فينتصب كعضو الذكر 00 يفرون من حوله وهم يصرخون 00 يرخي الخيط فيعود (البكر) يتدلى بين ساقيه 00 يتجمعون حوله من جديد 00 يصفق وهم يصفقون يلاعب ( ألصلاجغ ) ويضرب على
الطبل الذي شدّ في وسطه ويقول :
ولد00ولد00ولد 0
وهكذا يعيد المشهد عدة مرات وهم يصفقون ويضحكون 0
نصحه الكثيرون بالتوسل إلى صاحب القبة الخضراء فإن مراده موثوق وشارته لا تخطئ , إلا أنه لم يكترث بأفكارهم وعقائدهم 00 أثنا عشر عاما مضت على زواجه ولم ينجب 00 عرض نفسه وزوجه على كثير من حكماء المدينة والعاصمة , ثم سافر معها خارج البلاد للفحص والعلاج إلا أنه فشل بكل محاولاته وعاد خائبا 00 أخيرا اضطر إلى إن يقصد ضريح الولي صاحب القبة الخضراء ويتضرع إليه وينذر له إذ ما استجاب طلبه سيرقص في حضرته ويؤنس زواره 0

نهي رجب محمد
22/11/2008, 08:09 PM
سأشارك بثلاث قصص:
1-شرفة الدار
2-حصاني المكسور
3-الخادمة

وأختار القصة الأولي للمشاركة.


(أولاً) شرفة الدار
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

ابتسامته تضيء شرفة الدار، نكاته الطريفة تملأ أجواء الجلسة بروح مرحة، يتوسط الحديث كنورس قائد، تنجذب إليه نجمات السماء فتسهر تطارحنه النقاش.كان قريبا في الشبه من والدي، ولكن حداثة سنه ومشاركته لنا السمر الليلي والمذاكرة والطقوس البيتية الصغيرة جعلته بمثابة أخ كبير.

أذكره طويل القامة مثل شجرة سرو سامقة، أرى صورته الآن مثل ظل أخضر في جدول ماء. يجلس القرفصاء يرتب باحتراس أكواز الذرة الخضراء فوق اللهب، ثم يقوم ليلوح بمروحة الريش، وبين فرقعة الشي وصوت غنائه العذب تتهلل في أيدينا لكنة التصفيق.

اعتاد لبس الجلباب الأزرق ذي الأكمام الواسعة في الدار، وأحب أكل الجبن (القريش) والجرجير والفول الأخضر والفطير الساخن صباحًا. وعندما يسافر عائدا للعاصمة مساء يهفهف على جسده القميص الأبيض المخطط والبنطال الأنيق.

لكل مقام مقال عنده حتى اللغة لها وجهان:
وجه صعيدي يتحدثه عندما يكون بصحبتنا في الدار.
ووجه قاهري ينطقه بين أصدقائه في الجامعة.
أعجبني طموحه وفرحت بحصوله على عمل مرموق في العاصمة، وزواجه بجامعية جميلة، سمعت أخبارا قلائل عن إنجابه صغارا تمنيت أن أراهم.

طواه الزمن في صفحاته بعيدا عن ذاكرتي وانغمست في يومياتي بين أبنائي ومن حين لآخر أسأل عنه فيردون: هو بخير (وليس من رأى كمن سمع). والآن عندما علمت أنه مريض وربما موشك على الرحيل (لا يوجد من يقول الحقيقة لحبيب غائب) لم أدرك ماذا أفعل غير أن أنظر من شرفة الدار وأعد نجمات السماء وأظن أن إحداهن نجمتي التي تنتظرني أن أصعد إليها وأمسك بها مثلما كان يحكي لي وأنا صغيرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
7/6/2008
نهى رجب محمد
(ريشة المطر)

************************************************** *****

(ثانيًا) حصاني المكسور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كانت منيتي الوحيدة أن أصير جنديا في صفوف المشاة، فارسا ممشوق القد، تتيه علي كتفي نجوم البطولات وتزين صدري أرفع الأوسمة.

أسكرني الحلم للثمالة فتماديت فيه حتى جاء يوم خرجت فيه بصحبة والدي للتسوق، حين اقتربت من زجاج المعروضات شعرت بأنفاسه دافئة تلفح وجهي، عرف والدي أنني أريد الحصان فاشتراه لي، حملته بين ذراعيّ كانتصار جديد.

عدت، خصّصت له فراشا ووقتا محدّدا أداعبه فيه، تعلّقت به كثيرا، انغرست في الحلم للثمالة:
جلست على ظهره وأمسكت لجامه كقائد محنّك وبدأت في الجري ثم القفز ببراعة فارس مجيد، كانت حركتي سريعة وقفزاتي وثّابة وناجحة، وكان التصفيق يصل إلي أذنيّ مدويًّا.

عندما هممت بعبور آخر الحواجز الثلاثية انكفأ الحصان وانهارت الأعمدة تباعا وانسحقت على الأرض، وارتطم وجهي بعشب الساحة الطري، قاومت رغبتي في البقاء على الأرض ساكنا لحين استجماع قوتي، ورفعت رأسي، تلفتّ على الحصان... كان رابضا علي أرضية الممر متكوّرا على نفسه ولهجة الدهشة متعلّقة في عيون الجماهير الواقفة.

قال الطبيب ـ بعد أن انتهى من تفقد ركبته اليمنى المصابة ـ: هذا آخر عهده؛ بالسباق ابحث له عن مهمة أخرى.

رفض حصاني الأبيض حمل السماد إلى حقل الذرة، وسكَب الأكياس الزرقاء علي الأرض، وعندما رُبط بعربة الفاكهة تمادى في التململ من الحبال حتى مالت العربة بالسائق وانسكبت أقفاص البرتقال والليمون في ماء الجدول المجاور.

فككتُ الحبال واشتريت له صابونا معطّرا، وجلست أنظّفه وأدلّله وأغني له، وعندما غفا في دهاليز النوم حملته بين ذراعيّ خلسة ووضعته في صندوقه الكرتوني المفضّض، كان ذيله ناعما وكنت فوقه في كامل أناقتي، تتيه فوق كتفي نجوم البطولات وتزين صدرري أرفع الأوسمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
10/5/2008
نهى رجب محمد
(ريشة المطر)


************************************************** *****

(ثالثًا) الخـادمـة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

ماذا ينقصني لتصبح هي سيّدة الدار وأتحوّل أنا إلى تنظيف الأرضيّات؟ أراقبها طيلة الوقت: تستيقظ في العاشرة، تغيب في الحمام وقتًا طويلًا، لا أعرف ماذا تفعل، لكنني أشمّ رائحة العطر الفاخر، أتسمّع رغوة الصابون الكثيفة، ثم يأتي دوري لأقوم بمهامّ النظافة.

تجلس على الأريكة، أحضِّر لها الفطور، أناولها كأس العصير كأنها تنتظر مني أن أطعمها في فمها، ثم تطلب مني أن أذهب لغسل الأواني.
وجهها ناصع البياض، كلامها معي قليل لكنها لا تمنع عني شيئًا، اشترت لي ثوبًا في العيد الماضي وأعطتني زجاجة عطر.

لا أعرف لماذا أنشغل بمتابعتها؟ لا أقصد التلصّص عليها. كل يوم ترتدي ثوبًا مغايرًا، لا يمرّ أسبوع إلاَّ رافقتها إلى صالون التجميل، تعود عروسًا، شعرها الأسود الهفهاف في قصّته الجديدة يجعلها أشبه بالأميرات، وتخطو على السجّادة الوثيرة بدلال فألمح نقش الحنّاء على كعب رجلها الناعم. تمنّيت لو سألتُها مرة واحدة هل جرّبتْ يومًا أن تغسل طبقًا متّسخًا؟ أو هل اضطرت أحيانًا إلى تنظيف الحمام؟!

أنا لا أحقد عليها، أتقاضي راتبًا محترمًا من هذا المنزل الفخم، أحظى بمنزلة مميزة بين أفراده: تستأمنني سيدة الدار على ابنتها الرضيعة ولكنها تصرّ كثيرًا على إطعامها بنفسها، تترك لي مهامّ التنظيف والنزهة.

لست ضجرة بكل هذه المسئوليات؛ فهو عملي الذي أتقاضى عليه الأجر، وفي آخر النهار أنزوي في غرفتي الصغيرة لأنام. ميعاد نومي واستيقاظي محدّد، وطعامي فوق طاولة المطبخ، لا أطمح أن أشارك الأسرة الطعام، الحقّ أنهم يعاملونني بلطف.

ثلاثة أطفال في المدرسة، نظيفون لكنهم مشاغبون، أتعب في إرضائهم وأملُّ من دلالهم الزائد (ماذا أفعل حتى تبقى الدار هادئة وينهي سيدي كتابته على الحاسوب، غرفة المكتب قريبة وصوت الأطفال عالٍ؟).

الحلول المقترحة من سيدتي كثيرة: اذهبي إلى غرفة الألعاب (نُمضِّي ساعات طوال في الرسم وبناء البيوت الصغيرة بالمكعبات)، في بعض الأحيان تسمح لي سيدتي باصطحابهم إلى الشارع الجانبي الهادئ للعب فوق مربع الخضرة في الميدان الفسيح.

الحياة على هذا النحو مُرهقة، فكّرت في أن أترك المنزل لكنني لا أجد مبررًا للمغادرة، أحتاج هذا الراتب وزوجي لا يمانع في هذا العمل، ماذا أصنع؟ سيدتي تنادي عليَّ!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
10/2/2006م
نهى رجب محمد
(ريشة المطر)

*****************************************
كلنا على شجرة السرو نتعلم من نهر الكلمات.
نهى رجب محمد

رشا السمكري
24/11/2008, 01:09 PM
قصّة الطائر المجروح

في يوم من الأيام، عندما كنت صغيرة تعوّدت اللعب مع صديقاتي في حديقة منزلي. وفجأةً، عندما كنت أركض معهم، سمعت صوت عميق يئن، يأتي من تحت الشجرة، حيث رأيتُ طائراً مجروحاً ملقىَ على الأرض. مباشرةَ قلت في نفسي: أنَّه من الضروري مساعدة ذلك الطائر، ثمَّ أخذته بعيداً لأعتني به وأضمّد جناحه المجروح.
وبسرعة أحضرتُ له بعض الحبوب والقليل من الماء.
بعد فترة ليست بطويلة عدتُ لأراه واطمئن عليه، حقاً رأيته مستغرقاً في النوم.
وبعد أيام، في الصباح الباكر، ولحسن الحظ كان يطير ويزغرد ويملأ السماء تهليلاً وتغريداً فرحاً ومرحاً هو وأصدقاؤه.
نعم كنت سعيدة جداً بهذا المنظر الرائع الجمال، وقد تمنيت لهم السعادة الدائمة. وأخيراً من خلال قصة ذلك الطائر ضرورة الحرية له ولكافة الطيور الجميلة.

كاتبة القصة: رشا منذر السمكري
rasha1983_s@yahoo.com (rasha1983_s@yahoo.com)





حنين

في يوم من الأيام، وبينما كنَّا نلهو ونلعب ونمرح في أرجاء الحديقة أنا و صديقاتي، سمعت صوت طفلة صغيرة تصرخ وتبكي، ركضتُ مسرعة وراء الصوت فوجدتُ طفلة صغيرة لا تتجاوز الأشهر من عمرها، موضوعة في مهدها، رائعة الجمال كبياض الثلج، سوداء الشعر، ذات عينان سوداوان مكحلتان وكبيرتان، فأخذتها إلى منزل عمتي الكبيرة في السن والتي لم ترزق بطفلٍ حتى الآن، ففرحت بها كثيراً وقلت لها: أن تعتني بها وتطعمها وتعاملها منذ هذه اللحظة كابنة وطفلة لها. وأثناء وضعها في السرير كان في جيبها ورقة وكان مكتوب عليها فقط عبارة (( هذه الطفلة أمانة في أعناقكم)) حتى أنَّه لم يُذكر أي شيء عنها وعن اسمها ونسبها. وبعد أيام ذهبت عمتي وقامت بتسجيلها باسم لونا وأنسبتها لكنية زوجها.
يوماً بعد يوم بدأت هذه الطفلة الصغيرة تكبر والسعادة والفرحة تملآن أجواء المنزل فرحاً ومرحاً بها. وحين دخولها المدرسة بدأت وعمتي في مساعدتها في دراستها، وقد كنت مدرسة في ذات المدرسة، فكان همَّنا الوحيد هو رسم الابتسامة والسعادة على وجه هذه الطفلة، فكانت أيضاً الفرحة تملأ وجوه أصدقاؤها والتعاون والإخاء والمودة والمحبة تكبر بينهم يوماً بعد يوم. و كان من بين أصدقائها فتاة بدأت أولاً بالتقرب من صديقات حنين المقربين والمتعاونين معها لتتعرَّف عليهم عن كثب، فكانت الطفلة حنين من المتفوقات في صفها فبدأت صديقتها لونا تزورها في منزلها بشكل مستمر وقد كانت صديقة كسولة جداً لها حيث كان هدفها الوحيد هو التقرّب منها لمعرفة طرقها في دراستها واتباع أسلوبها المماثل لها أيضاً في كل شيء، وبدأت تراقبها بكل خطواتها وتصرّفاتها ومحادثة صديقتها المقرَّبة لها لمعرفة كل شيء عنها بالتفصيل واستدراجها حول الأحاديث التي تدور بينهما، ولعفوية حنين كانت تبوح عن كل ما بداخلها إلى لونا وقد كانت تجلس لونا بجانبها في كل حصة درسية إلى حين بدء الامتحانات ولونا التي بجوارها بدأت تلهيها بالحديث معها بصوتٍ خافت و حنين المسكينة كانت تجيبها على بعض أسئلتها، والوقت يمرّ بسرعة دون أن تشعر حنين بذلك وصديقتها مستمرة بالكتابة. فعجباً لأمر حنين أريدها فقط أن تهتم بالكتابة وملء ورقة امتحانها دون اللهو مع صديقتها لونا، ومضت على هذا المنوال لحين انتهاء الامتحان بأكمله. وبعد فترة فوجئت حنين بنتائج الامتحان وتدني علاماتها وأنَّ صديقتها الكسولة قد تفوقت عليها.
أقبلت حنين تخبرني بنتائج الامتحان وتقول لي: أتذكرين صديقتي التي كانت تأتي وتطالع معي، فأجبتها: نعم، وما بها؟ فقالت لي: لقد نجحت بعلامات أعلى منّي. فقلت لها: أروي لي بالتفصيل ما الذي حدث معك بالامتحان يا حنين. ولماذا علاماتك متدنية بهذا الشكل؟ فقالت لي: إنًّني أثناء الامتحان كانت أساعد صديقتي بحل الأسئلة، ونسيت نفسي وأنَّ الوقت قد مرَّ ولم أستطع اجتياز الامتحان كما يجب.
ومنذ ذلك اليوم نصحتها بالا تصغي لها وإن أرادت أي شيء منك قولي لها: أن تسأل معلمتها وإنَّك لست المسؤولة عنها ويتوجب عليك الاهتمام بدراستك أكثر.
وفعلاً قد أصغت إلى هذه النصيحة لكي تبقى متفوقة كما عهدتها من قبل، بشرط ألا ترافقها. فعجباً لذكاء صديقتها هذه رغم أنَّها كسولة. رغم كل ذلك لم تتوانى هذه الصديقة عن جلب المشاكل والمتاعب لحنين. حيث بدأت تلهيها عن دراستها كثيراً وحتى عن أصدقائها. ولله الحمد فقد كانت حنين تخبرني بكل شيء وأنا بدوري أقوم بنصحها بشكل مستمر ريثما عادت حنين التي أعرفها، لانا المتفوقة في دروسها وفي صفٌّها أثناء حلها لأسئلة الامتحانات دون مضيعة وقتها في أشياء غير مجدية ومفيدة لها، وحرصها الدائم على انتقاء واختيار الأصدقاء الطيبين الصدوقين والمتفوقين والإبتعاد عن الأصدقاء السوء والكسولين والمسببين مضيعة للوقت وأذىً لبعضهم البعض.
وبقيت على هذا المنوال إلى أن وصلت إلى أعلى المراتب وإختيارها لمهنة المحاماة لمحبتها بما يسمى بتحقيق مبدأ العدالة والإنسانية ونصرة المظلوم بحق وصدق وأمانة وإخلاص.
ورغم ذلك كلّه أشعر بها دائمة التفكير والشرود وأنَّه يوجد شيء ما يشعره بنقص ما بداخلها لا تريد الإفصاح عنه أبداً، فلعلّ مشاغلها كثرت، وقد حاولتُ سؤالها مراراً وتكراراً عما يشغل تفكيرها، ولكن بدون أي إجابة من قبلها، إلى أن جاء يوم من الأيام وجلست تحادثني وعمتي، ونحن نشرب القهوة سويةً وهي تقول لي: إنّني الآن وفي متناول يدي قضية تشغل بالي كثيراً قد استلمتها من قبل سيدة تشغل بالها كثيراً، وتريد استشارتي فيها، وهذه السيدة وزوجها قد قاما بوضع طفلتهما منذ صغرها بالقرب من حديقة، ولم تترك بحوزة هذه الطفلة سوى ورقة صغيرة مكتوب عليها عبارة هذه الطفلة أمانة في أعناقكم، وذلك نظراً لظروف الزوجين والخلافات القائمة بينهما، حسب قول هذه السيدة. وسرعان ما عمتي رجفت واندلق فنجان القهوة من يدها، وهي تقول لحنين: بسرعة بسرعة هيا بنا إلى هذه السيدة، وفعلاً تم الاتصال بها لتحديد موعد لمقابلتها مع عمّتي في مكتب حنين. فاستغربت حنين من كل هذا وتقول لعمتي: لمَ تريدين مقابلتها؟ فقط أقوم باستشارتكم في هذه القضية لأنني ولأول مرة استلم مثل هذه قضية، فكيف لي أن أساعدها في إيجاد هذه الطفلة التي ضاعت منهم منذ الصغر. فأجابت عمتي: أرجوكِ يا حنين دعيني أراها وأحادثها وسأروي لكِ كل شيء بالتفصيل ولكن فيما بعد. فعلاً اجتمعت عمتي والسيدة، وعندما سمعت عمتي قصة هذه السيدة، أجابتها: إنَّ حنين هي الطفلة نفسها التي تبحثين عنها، وهي الآن التي تستلم قضيتك في البحث عن هذه الطفلة وفعلاً هي أمانة في أعناقنا منذ وضعها في الحديقة.
وفجأةً حين سمعت بذلك دخلت مسرعة إليهم والدموع والبكاء تنهمر على وجوههم. حقاً كان ذلك الموقف صعب جداً لحنين وهي واقفة مندهشة ومستغربة عمَّا يدور حولها وهي تبكي وتلومهم على فعلتهم هذه وعدم افصاحهم بحقيقتها. وحينها لم تتمالك حنين أعصابها أثناء ذلك الموقف، فماذا ستفعل؟ هل تترك العائلة التي عاشت وترعرعت معها أم تذهب لتلك السيدة التي هي أمها والتي تركتها بلا عناية واهتمام بها منذ صغرها، لمجرد إثبات هويتها عن طريق ورقة صغيرة ما تزال بحوزة هذه العائلة. ولكنها سرعان ما حكَّمت عقلها وعادت لرشدها وصوابها، وقد كان جوابها: إنَّ الأم ليست التي ولدت وأنجبت فقط، بل الأم التي ربت وتعبت وسهرت على راحة أطفالها.
ومنذ ذلك الوقت، قررت حنين ألا تترك هذه العائلة مع تواصلها وبقاءها المستمر مع السيدة أمها أيضاً. ولم تلومها نظراً لظروفها الصعبة التي قد مرَّت بها، والأهم من ذلك كلّه أنَّه بالتأكيد لم تشعر بالنقص الذي كان ينتابها كثيراً من ذي قبل، ولنجاحها وتفوقها أيضاً في عملها هو معرفة حقيقة نفسها ما يحفّزها ويساعدها على معرفة وحل قضايا ومشاكل الآخرين.
أرجوا أن تنال قصتي البسيطة هذه إعجابكم.

كاتبة القصة: رشا السمكري
rasha1983_s@yahoo.com



السلام عليكم ورحمة الله وبركاتهيسرّني أن أشارك بمسابقة المربد الأدبية لقسم القصص، وأقدّم لكم ثلاثة قصص على التوالي: ---------- قصّة الطائر المجروح ---------- في يوم من الأيام، عندما كنت صغيرة تعوّدت اللعب مع صديقاتي في حديقة منزلي. وفجأةً، عندما كنت أركض معهم، سمعت صوت عميق يئن، يأتي من تحت الشجرة، حيث رأيتُ طائراً مجروحاً ملقىَ على الأرض. مباشرةَ قلت في نفسي: أنَّه من الضروري مساعدة ذلك الطائر، ثمَّ أخذته بعيداً لأعتني به وأضمّد جناحه المجروح.وبسرعة أحضرتُ له بعض الحبوب والقليل من الماء.بعد فترة ليست بطويلة عدتُ لأراه واطمئن عليه، حقاً رأيته مستغرقاً في النوم.وبعد أيام، في الصباح الباكر، ولحسن الحظ كان يطير ويزغرد ويملأ السماء تهليلاً وتغريداً فرحاً ومرحاً هو وأصدقاؤه.نعم كنت سعيدة جداً بهذا المنظر الرائع الجمال، وقد تمنيت لهم السعادة الدائمة. وأخيراً من خلال قصة ذلك الطائر ضرورة الحرية له ولكافة الطيور الجميلة. ---------- قصّة القط الغيور----------في يوم من الأيام عندما كنت في زيارة عند جدَّتي، وقع نظري على قطة جميلة، بيضاء وسوداء اللون في حديقة المنزل، فقمت وذهبت إلى هذه القطة ووجدت الحزن يملأ عينيها، حيث كانت وحيدة لا أحد يعتني بها أو يطعمها. فأشفقت عليها وذهبت مسرعة لشراء بعض الحليب لإطعام هذه القطة المسكينة. ومباشرةً بعد انتهائها من تناول طعامها قمت بمداعبتها واللعب معها والركض وراءها، ومن محبتي الشديدة لها قد سميتها القطَّة ((سي سي)) و بينما هي جالسة تتأمل ما يدور حولها. فجأةً ظهر قطّ من بعيد يحدّق بها، وكان رمادي اللون، عيناه كبيرتان، مشتعلتان غيظاً،. بدا وكأنه يرغب بالشجار معها، ولكنه عندما دنا منها شيئاً فشيئاً وجدته يحدِّق بطعامها أيضاً فأيقنت في هذه اللحظة أنَّه جائع جداً. فقمت بجلب بعض الطعام له. وفعلاً بعد انتهائه هو أيضاً من تناول طعامه أخذ يلعب معها يرتمي إلى الأرض يميناً ويساراً فقد فرحت لرؤيتهما يلعبان فرحاً كثيراً لرؤية ذلك وظننت أنَّهم أصبحوا صديقين فالفرحة حقاً ملأت قلبي وقد أطلقت عليه اسم القط ((لوتشي))، وبعد فترة نظرت إليهما فلاحظت أنَّ القط لوتشي قد عاود النظر إلى طعامها، فهرع منقضاً على طعامها وركلها بعيدا ًعنه وبدأ شجاراً عنيفاً دار بينهما وكل منهما ينقض ويهجم على الآخر والحقد يملأ عينا هذا القط الشرير فعجبت من أمره، فما به؟ وماذا يريد؟ ولماذا يفعل ذلك كلّه؟ علماً أنَّه تناول طعامه وبدأ اللعب معها، فبدأت حينها أفسَر حركاتهما هذه. إذ تبين لي أنَّ القط لوتشي يريدني أن ألاعبه وأكثر من إطعامه وأبعدُ هذه القطة عنه وعن الحديقة التي تقيم فيها. لكي يسرح ويمرح كما يشاء. فكأنَّه يريد أن يقتلها ويحلّ محلها في كل شيء. فغيرته منها ملأت قلبه فماذا أفعل بهما؟ فقد أحببت هذه القطة الصغيرة ((سي سي)) وشفقت عليها كثيراً فيجب على هذا القط الماكر المخادع أن يبتعد عنها. ولكن كيف لي أن أساعدها في فعل ذلك؟ وخاصةً أنني أراها وكأنها تطلب المساعدة، ففجاةً تبدَّل هذا القط وأصبح يلعب معها كأنَّ شيئاً لم يحصل وعادت الفرحة لمقلتي هذه القطة. فتركتهما وذهبت للنوم أفكّر في تصرفات هذا القط الغريب. فما عالم القطط هذا؟وفي اليوم التالي عندما استيقظت من النوم أردت أن أتناول الفطور في الحديقة. فرأيت القطط هرعة نحوي مسرعة فوضعت بعض الطعام لكليهما فنظرت إليهما ووجدت القط يلتهم بشدة الطعام كلّه ولم يبقى شيء لهذه القطة فعاد الشجار بينهما من جديد، وبقي على هذا المنوال لعدة ساعات، كلما أضع بعض الطعام يلتهمه لوحده دون أن يترك أي شيء منه. يا إلهي على هذا القط فبدأت بالتفكير بطريقة ما لإبعاده نهائياً عنها بأي وسيلة ممكنة، أعيدها كما كانت قطتي الصغيرة التي ألاعبها واعتني بها كل يوم. ولحسن حظي دنا من الحديقة قطتان كبيرتان، القطة الأولى تشبه تماماً القط لوتشي، بينما القطة الثانية تشبه كثيراً القطة سي سي، مباشرةً تراود في ذهني وأيقنت بأنَّ كلا القطتين والدة للآخر، ولكنني انتظرت قليلاً لأرى ماذا ستفعلان هذه القطط الكبيرة، رأيتهما تحدّقان بعمق شديد بالهررة الصغيرة فاقتربت القطة الكبيرة شبيهة القط لوتشي بأخذه بعيداً عن البقية، وجلبت القليل من الماء للقطة سي سي ووالدتها، فارتشقا القليل منه وذهبتا بعيداً عن الحديقة حزينتين.وبقيت وحيدة من دون وجود أي قطة في الحديقة. وبعد فترة ليست بطويلة وجدت القطة سي سي قد عادت تلعب وتمرح في الحديقة كما كانت عليه في بداية الأمر. والحركة والنشاط ملأ جو الحديقة بأكملها، والفرحة ملأت قلبي أيضاً.فالمغزى من هذه القصة أنًّ غيرة القط لوتشي أشدّ عنفاً وغيرةً وكرهاً لهذه القطة الصغيرة ليس محبةً بها، ولكنَّه يريد أن يقضي عليها ويحل مكانها، فغيرته أعمته ولم ينل أي شيء مما كان يفكر ويخطط له حيال هذه القطة، فكم حزنت حزناً شديداً عليها إذ أنها لا تستحق أن يحدث كل هذا بها فقط لمجرد غيرته الشديدة منها.فيا أصدقائي وصديقاتي الصغار: فعلأ أنَّ عالم الحيوان وخاصةً "عالم القطط" هذا من خلال هذه الحادثة التي شاهدتها والتي رغبت جداً بنقلها إليكم بطريقة مبسطة أنّه عالم أيضاً مليء بالشجار والعنف وأيضاً مليء بالألفة والتعاطف التي تكنّه هذه القطة اللطيفة لهذا القط الغيور رغم كلّ محاولاته التي باءت بالفشل لسبب وحيد هو طيبة هذه القطة في هذه القصة، ولذكائها بالرجوع إلى الحديقة التي كانت تعيش فيها.وأخيراً السؤال الذي يطرح نفسه هل في يوم من الأيام ستتبدل هذه القطة الطيبة إلى قطة سيئة.ستترك حرية وإبداء الرأي للقارئ.أرجو أن تنال هذه القصة إعجابكم. ---------- قصة حنين----------في يوم من الأيام، وبينما كنَّا نلهو ونلعب ونمرح في أرجاء الحديقة أنا و صديقاتي، سمعت صوت طفلة صغيرة تصرخ وتبكي، ركضتُ مسرعة وراء الصوت فوجدتُ طفلة صغيرة لا تتجاوز الأشهر من عمرها، موضوعة في مهدها، رائعة الجمال كبياض الثلج، سوداء الشعر، ذات عينان سوداوان مكحلتان وكبيرتان، فأخذتها إلى منزل عمتي الكبيرة في السن والتي لم ترزق بطفلٍ حتى الآن، ففرحت بها كثيراً وقلت لها: أن تعتني بها وتطعمها وتعاملها منذ هذه اللحظة كابنة وطفلة لها. وأثناء وضعها في السرير كان في جيبها ورقة وكان مكتوب عليها فقط عبارة (( هذه الطفلة أمانة في أعناقكم)) حتى أنَّه لم يُذكر أي شيء عنها وعن اسمها ونسبها. وبعد أيام ذهبت عمتي وقامت بتسجيلها باسم لونا وأنسبتها لكنية زوجها.يوماً بعد يوم بدأت هذه الطفلة الصغيرة تكبر والسعادة والفرحة تملآن أجواء المنزل فرحاً ومرحاً بها. وحين دخولها المدرسة بدأت وعمتي في مساعدتها في دراستها، وقد كنت مدرسة في ذات المدرسة، فكان همَّنا الوحيد هو رسم الابتسامة والسعادة على وجه هذه الطفلة، فكانت أيضاً الفرحة تملأ وجوه أصدقاؤها والتعاون والإخاء والمودة والمحبة تكبر بينهم يوماً بعد يوم. و كان من بين أصدقائها فتاة بدأت أولاً بالتقرب من صديقات حنين المقربين والمتعاونين معها لتتعرَّف عليهم عن كثب، فكانت الطفلة حنين من المتفوقات في صفها فبدأت صديقتها لونا تزورها في منزلها بشكل مستمر وقد كانت صديقة كسولة جداً لها حيث كان هدفها الوحيد هو التقرّب منها لمعرفة طرقها في دراستها واتباع أسلوبها المماثل لها أيضاً في كل شيء، وبدأت تراقبها بكل خطواتها وتصرّفاتها ومحادثة صديقتها المقرَّبة لها لمعرفة كل شيء عنها بالتفصيل واستدراجها حول الأحاديث التي تدور بينهما، ولعفوية حنين كانت تبوح عن كل ما بداخلها إلى لونا وقد كانت تجلس لونا بجانبها في كل حصة درسية إلى حين بدء الامتحانات ولونا التي بجوارها بدأت تلهيها بالحديث معها بصوتٍ خافت و حنين المسكينة كانت تجيبها على بعض أسئلتها، والوقت يمرّ بسرعة دون أن تشعر حنين بذلك وصديقتها مستمرة بالكتابة. فعجباً لأمر حنين أريدها فقط أن تهتم بالكتابة وملء ورقة امتحانها دون اللهو مع صديقتها لونا، ومضت على هذا المنوال لحين انتهاء الامتحان بأكمله. وبعد فترة فوجئت حنين بنتائج الامتحان وتدني علاماتها وأنَّ صديقتها الكسولة قد تفوقت عليها.أقبلت حنين تخبرني بنتائج الامتحان وتقول لي: أتذكرين صديقتي التي كانت تأتي وتطالع معي، فأجبتها: نعم، وما بها؟ فقالت لي: لقد نجحت بعلامات أعلى منّي. فقلت لها: أروي لي بالتفصيل ما الذي حدث معك بالامتحان يا حنين. ولماذا علاماتك متدنية بهذا الشكل؟ فقالت لي: إنًّني أثناء الامتحان كانت أساعد صديقتي بحل الأسئلة، ونسيت نفسي وأنَّ الوقت قد مرَّ ولم أستطع اجتياز الامتحان كما يجب.ومنذ ذلك اليوم نصحتها بالا تصغي لها وإن أرادت أي شيء منك قولي لها: أن تسأل معلمتها وإنَّك لست المسؤولة عنها ويتوجب عليك الاهتمام بدراستك أكثر. وفعلاً قد أصغت إلى هذه النصيحة لكي تبقى متفوقة كما عهدتها من قبل، بشرط ألا ترافقها. فعجباً لذكاء صديقتها هذه رغم أنَّها كسولة. رغم كل ذلك لم تتوانى هذه الصديقة عن جلب المشاكل والمتاعب لحنين. حيث بدأت تلهيها عن دراستها كثيراً وحتى عن أصدقائها. ولله الحمد فقد كانت حنين تخبرني بكل شيء وأنا بدوري أقوم بنصحها بشكل مستمر ريثما عادت حنين التي أعرفها، لانا المتفوقة في دروسها وفي صفٌّها أثناء حلها لأسئلة الامتحانات دون مضيعة وقتها في أشياء غير مجدية ومفيدة لها، وحرصها الدائم على انتقاء واختيار الأصدقاء الطيبين الصدوقين والمتفوقين والإبتعاد عن الأصدقاء السوء والكسولين والمسببين مضيعة للوقت وأذىً لبعضهم البعض.وبقيت على هذا المنوال إلى أن وصلت إلى أعلى المراتب وإختيارها لمهنة المحاماة لمحبتها بما يسمى بتحقيق مبدأ العدالة والإنسانية ونصرة المظلوم بحق وصدق وأمانة وإخلاص.ورغم ذلك كلّه أشعر بها دائمة التفكير والشرود وأنَّه يوجد شيء ما يشعره بنقص ما بداخلها لا تريد الإفصاح عنه أبداً، فلعلّ مشاغلها كثرت، وقد حاولتُ سؤالها مراراً وتكراراً عما يشغل تفكيرها، ولكن بدون أي إجابة من قبلها، إلى أن جاء يوم من الأيام وجلست تحادثني وعمتي، ونحن نشرب القهوة سويةً وهي تقول لي: إنّني الآن وفي متناول يدي قضية تشغل بالي كثيراً قد استلمتها من قبل سيدة تشغل بالها كثيراً، وتريد استشارتي فيها، وهذه السيدة وزوجها قد قاما بوضع طفلتهما منذ صغرها بالقرب من حديقة، ولم تترك بحوزة هذه الطفلة سوى ورقة صغيرة مكتوب عليها عبارة هذه الطفلة أمانة في أعناقكم، وذلك نظراً لظروف الزوجين والخلافات القائمة بينهما، حسب قول هذه السيدة. وسرعان ما عمتي رجفت واندلق فنجان القهوة من يدها، وهي تقول لحنين: بسرعة بسرعة هيا بنا إلى هذه السيدة، وفعلاً تم الاتصال بها لتحديد موعد لمقابلتها مع عمّتي في مكتب حنين. فاستغربت حنين من كل هذا وتقول لعمتي: لمَ تريدين مقابلتها؟ فقط أقوم باستشارتكم في هذه القضية لأنني ولأول مرة استلم مثل هذه قضية، فكيف لي أن أساعدها في إيجاد هذه الطفلة التي ضاعت منهم منذ الصغر. فأجابت عمتي: أرجوكِ يا حنين دعيني أراها وأحادثها وسأروي لكِ كل شيء بالتفصيل ولكن فيما بعد. فعلاً اجتمعت عمتي والسيدة، وعندما سمعت عمتي قصة هذه السيدة، أجابتها: إنَّ حنين هي الطفلة نفسها التي تبحثين عنها، وهي الآن التي تستلم قضيتك في البحث عن هذه الطفلة وفعلاً هي أمانة في أعناقنا منذ وضعها في الحديقة.وفجأةً حين سمعت بذلك دخلت مسرعة إليهم والدموع والبكاء تنهمر على وجوههم. حقاً كان ذلك الموقف صعب جداً لحنين وهي واقفة مندهشة ومستغربة عمَّا يدور حولها وهي تبكي وتلومهم على فعلتهم هذه وعدم افصاحهم بحقيقتها. وحينها لم تتمالك حنين أعصابها أثناء ذلك الموقف، فماذا ستفعل؟ هل تترك العائلة التي عاشت وترعرعت معها أم تذهب لتلك السيدة التي هي أمها والتي تركتها بلا عناية واهتمام بها منذ صغرها، لمجرد إثبات هويتها عن طريق ورقة صغيرة ما تزال بحوزة هذه العائلة. ولكنها سرعان ما حكَّمت عقلها وعادت لرشدها وصوابها، وقد كان جوابها: إنَّ الأم ليست التي ولدت وأنجبت فقط، بل الأم التي ربت وتعبت وسهرت على راحة أطفالها.ومنذ ذلك الوقت، قررت حنين ألا تترك هذه العائلة مع تواصلها وبقاءها المستمر مع السيدة أمها أيضاً. ولم تلومها نظراً لظروفها الصعبة التي قد مرَّت بها، والأهم من ذلك كلّه أنَّه بالتأكيد لم تشعر بالنقص الذي كان ينتابها كثيراً من ذي قبل، ولنجاحها وتفوقها أيضاً في عملها هو معرفة حقيقة نفسها ما يحفّزها ويساعدها على معرفة وحل قضايا ومشاكل الآخرين.أرجوا أن تنال قصتي البسيطة هذه إعجابكم. الكاتبة: رشا السمكريمواليد: دمشق 18-04-1983عنوان الإيميل: rasha1983_s@yahoo.com (rasha1983_s@yahoo.com)*************************** *********

عبدالله الطليان
26/11/2008, 01:49 PM
الدرس الأخير
ضوء الشمس يتسلل ببطء يعلن قدوم النهار وانحسار الظلام لتبدأ معركة البحث عن الرزق وهو متدثر في فراشه غارق في نوم عميق فاقد الإحساس بما حوله، شخيره يتردد في الغرفة بلا انقطاع معزوفة على وتيرة واحدة لا تتغير لا يستمتع بها سوى من ولج إلى تلك الغرفة المظلمة التي تفتقر إلى النظام والترتيب فخزانة الملابس ذات الأبواب الخمسة كان اثنان منها مشرعين تصدران صريرا عند إغلاقهما وفي إحدى الزوايا طاولة مسندة إلى الجدار هجم عليها الغبار فأود بريقها ولمعانها يعلوها مرآة ذات برواز خشبي أصابها شرخ في طرفها فغدت كحال الأرض التي أصابها الجدب، كانت تلك الطاولة تحوي أدواته فهذه صبغة شعر وزجاجتان من العطر إحداهما فارغة والأخرى لا يوجد بها إلا القليل بالقرب منهما نظارته ومشط بلاستيكي مكسور من منتصفه..
جاءت دقات الساعة التي كانت بجانب سريره لتخبره بقرب حلول موعد العمل استيقظ ورفع الغطاء عن وجهه وفتح عينيه ثم أغمضهما وعركهما بعدها نهض بتثاقل وكاد أن يترنح، فالنوم مازال يسيطر عليه والكسل غامر جسده قاوم قليلا وجمع قواه ونهض بسرعة انطلق إلى عمله لكن هذه المرة لم يغلب عليه الحماس والجد بل كان مترددا خطواته بطيئة لا تعرف الجدية في السير زاد عليها عمره الذي زحف نحو الكبر حادا من طاقته التي بدأت في النضوب يدلف إلى المدرسة ويحدث نفسه لقد جاء التقاعد انه اليوم الأخير سوف يغادر المدرسة من غير رجعة يجول ببصره وترسم الذكريات سنوات العمر التي أمضاها فيها ليخرجه من حالته صوت التلميذ الذي أشار إليه من عند باب الفصل يا أستاذ.. يا أستاذ انك عندنا فنحن في انتظارك ادخل إلى الفصل وراح يتفحص وجوه طلبته في صمت كانت نظراته تحمل الوداع سعل وكح وامسك الطباشير ورفعها بالقرب من عينه فقال في نفسه لن أمسكك ولن أكون في حاجة إليك بعد اليوم لقد قضيت معك عمري وأنا كل يوم أداعبك بين أناملي خط درسه على السبورة وشرع في شرحه حتى قرع جرس الحصة معلنا نهايتها.

************************************************** ***************

تمثال الوالي
احتدم النقاش وتعالت الأصوات .. أقول لك انه يشير بيده الى الشمال حيث موطن رأسه .. بل انه يرفع يده في تحدى للريح التي عادة ما تهب من الشمال .. انك لا تعرف الحقيقة .. لقد كنت منذ الطفولة وأنا أمر من تحته في صحبة أبي وعادة ما يذكر الوالي و مأثرة العظيمة .. بالنسبة لي فأنني لم أشاهده إلا مرتين فقط مرة لوحدي ومرة أخرى بصحبة أخي الأكبر الذي كان يدرس في الخارج حيث توقف عنده وراح يمعن النظر في الشكل ثم نظر إلي وقال لي لقد تأكل هذا التمثال وتشوهه .. فقلت له ان عوامل الطبيعة هي التي صنعت به ذلك فأنت تعرف ان الجو حار هنا , فسألني إلا يوجد له عناية واهتمام .. بلى بل لا يمر سنه الا ويكون له ترميم وصيانة من قبل إدارة المدينة التي تجمع الضرائب من المحلات ألقريبه منه والتي تبلغ الملايين .. وهل يدفع الجميع ؟... طبعا يا أخي وبلا استثناء فالتمثال لمن ! انه للوالي أطال عمره
على فكره , هل مازال في كامل صحته ؟ اقترب مني سوف أخبرك .. منذ ثلاث سنوات وهو مثل تمثاله الذي تشاهده إمامك الآن لم يعد يتحدث .. او يتحرك انه على الفراش .. كيف عرفت هذا سر .. لقد زرناه مره في وفد وكان جالسا على كرسي فقدمنا له التحية .. فأشار من بعيد بيده بحركة تشبه صورة طبق الأصل من تمثاله .. ولا فلا ادري هل كان يحيينا ام يطلب منا المغادرة .. بقي الأمر لغز محير .

************************************************** ***************

رحلة الى بغداد

ركب على عجل في شوقاً إلى دار الرشيد
التي غاب عنها طويلاً ,
وهو خارج من المطار ساق الهواء إليه رائحة البارود والنار
وفي الطريق الى وسط المدينة شاهد لوحة إعلانية كبيرة كتب عليها
علاء الدين يفضل ( الهمبرجر, والهوت دوق )
وعندما انعطف الى طريقا آخر
يفأ جاء بلوحة إعلانية أخرى مكتوب عليها
سيبويه يشرب الكوكاكولا ,
ترجل من السيارة وسار بخطوات بطيئة يشوبها الحذر
احترس أنت في منطقة عسكرية خطرة نرجوا الانتباه
أسرع بالخطى لكي يبتعد عن المكان لكن كان
على موعد مع نقطة التفتيش
بطاقتك , ارجوا ان تعطيها الجندي الذي يقف هناك
لكنه لن يستطيع قراءتها , اذهب إليه
ادخل البطاقة في جهازه الصغير , ثم انصرف
وشعور الخوف بدا يطوقه ,
ساقته قدماه الى ساحة أبو جعفر المنصور فوقع بصره
على تلك للوحة الكبيرة التي انتصبت في وسط الساحة
كتب عليها بخط عريض تعالى
الى رياضة القوة الى رياضة الغرب الأمريكي
اقفل عائداً وهو يردد وداعاً بغداد وداعاً ....
فقد ضاع أمنك واستبيحت شوارعك وفقدت معالمك
وطمست هويتك ولم يتبقى منك سوى اسمك .

************************************************** ***************

وتقبلوا احترامي وتقديري على مجهودكم

عبد المنعم جبر عيسي
27/11/2008, 05:21 PM
الجدران
محكمة .. !
كلمة واحدة ، هتف بها حاجب المحكمة ، يقف الحضور ، يعلو الصمت كل الوجوه ، وكأن علي رؤسهم الطير ، يدخل رئيس المحكمة ، ومن خلفه باقي أعضاء هيئتها الموقرة ، يجلسون في أماكنهم ، فيجلس جميع من في القاعة ، يبدأ القاضي نظر القضايا التي يعج بها ( الرول ) .
إنه في يوم .... / .... / 2003 م المبارك ، وبمقر محكمة ( كوم حمادة ) الجزئية ، برئاسة السيد المستشار / ..... وعضوية كل من السيد المستشار / ...... والسيد المستشار / ....... وسكرتارية السيد / ....... للنظر في القضايا الوارد ذكرها بجدول الجلسة .
وكان يجلس وسط الحضور ، يضايقه الزحام ، يقتله همس المحامين .. الذين لم يعد يثق فيهم ، حتي ضاق ذرعا بصوت انفاسهم .. روائح تبغهم .. يسمع أحاديثهم عن قسوة قاضي ( الأثنين ) وشدته ، لاحظ ارتباك البعض منهم أمامه .. تشفي فيهم .. وأحس بالشماتة تملأ نفسه تجاههم ، حمد الله أنه لم يوكل واحدا منهم للدفاع عنه ، كان يشعر بأن لديه القدرة علي الدفاع عن نفسه ، وتوضيح وحهة نظره .
تأمل ملامح القاضي ، كانت تنم عن قسوة وشراسة ، تساءل بينه وبين نفسه :
- هل سيتمكن فعلا من ذلك ؛ أم أنه .. و..
ثم بتر خواطره ، دق قلبه بقوة وعنف ، وقد أحس أن اللحظة قد اقتربت ، وأن الحاجب سوف يهتف باسمه فورا .. أحس أن قدميه ستخزلانه .. دهش من نفسه : لم لم يهرب هذه المرة كعادته ؟
تذكر والدته الحبيبة ، تذكر أنه خرج صباحا دون أن يخبرها بحقيقة وجهته .. ربما خوفا علي مشاعرها ؛ أوثقة في قدرته علي اقناع عدالة المحكمة بسلامة موقفه ، وبراءة ساحته .. للمرة الثانية تساءل بينه وبين نفسه :
- هل أحسن بتصرفه هذا ، أم أخطأ ؟ أم كان من الأفضل له أن يصارحها لكي تكون علي بينة من الأمر ؟ كان يشعر أنها نقطة ضعفه الوحيدة ، وتمني لو انتهي من هذا الكابوس قبل أن تعرف به !
تذكرها .. وهي تودعه صباحا ، كانت تنظر إليه بخوف ، لعلها كانت تشعر بمعاناته ، وأنها تراه للمرة الأخيرة .. أتراها أحست بما يدور داخله ؟ هل كانت تحس بخوفه وإحساسه بالضياع ؟
يشعر بخوف هائل يغمر كيانه ، وكانت الحياة - علي اتساعها - ضيقة مظلمة أمام ناظريه ، يحس بانقباض قلبه يحيل حياته إلي جحيم .. يحس بنفسه تتكسر علي جدران المحكمة الرخامية ؛ وهو يسمع صوت الحاجب يشق صمت القاعة هاتفا بإسمه ، يقف .. يتحرك مترنحا بإتجاه المنصة ، يوقفه شرطي غليظ الجثة والملامح :
- أنت ......؟
يومئ برأسه أن نعم ، يجره الشرطي نحو المنصة ، يشير إلي القاضي هاتفا :
- المتهم يا سيدي !
* * *
ربما غاب عن الوجود لحظتها ، ارتسم الماضي أمامه بكل أحزانه ، تداخلت أمام عينيه كل الحقائق .. اختلفت معالم الأشياء .. تدافعت في مخيلته المعاني .. تمني لو لم تلده أمه ، يشعر أنه أشد الناس شقاء في هذا الوجود .. أيمكن أن يكون بريئا ؟ أم أنه مدان من قمة رأسه وحتي أخمص قدميه ؟ يكاد يشعر بابتسامات المحامين وشماتتهم ، تؤلمه سخرياتهم .. يري القاضي في شكل جلاد يقتص منه ، يعاقبه علي جريمة لم يقترفها ..
لكن ..
هل وجد بنفسه القدرة علي التحدث للقاضي ؟ هل قال شيئا ؟ هل دافع عن نفسه ؟ أم خانته شجاعته وفصاحته ، فانهار وخارت قوته ؟
ربما لم يلحظ تلك النظرات التي شيعته ، تلك الآهة المكبوتة في العيون ، وقد اقتادوه بغلظة إلي قفص الإتهام ، ليجد نفسه أخيرا بين المشبوهين ومعتادي الإجرام ، يتأكد أن للحياة وجه آخر قبيحا ، يشعر بالحزن يتغلغل داخله ، يسري تحت جلده .. يبحث عن بقايا نفسه .. ذاته .. رغبته السابقة في المقاومة ، يرغب في الصراخ .. بل .. يرغب في البكاء .. يحس بمرارة الهزيمة تملأ حلقه .. تدمر بقاياه ..
* * *
أيعقل كل هذا ؟!
أم أنه يعيش حلما كئيبا وكابوسا رهيبا ، يتمني الخلاص منه ؟ يتأمل وجوها تحيط به ، تغمره بنظراتها التي يراها بشعة .. يعجب لضحكاتهم .. سخرياتهم من كل شئ .. أراد أن يصرخ فيهم .. أراد أن يقول شيئا .. خانته شجاعته للمرة الألف .. لم يدر من أين جاءه كل هذا الجبن ؟
يسترجع ذكريات الماضي ، يستعرض كل ما مر به ، يحاول تذكر شئ معين كان يشعر أنه بحاجة لتذكره ، هل فقد ذاكرته أيضا ؟ أم فقد احساسه بوجوده ؟ أم رغبته في ال .... ؟ يتوقف فجأة .. وقد مزق صوت الضحكات هدوء نفسه ، سمعهم يقولون :
- ألا يقول شيئا ؟ ألا يتحدث ...؟
يذوب داخل نفسه ، يشتد التصاقه بها والتفافه حولها .. يدرك أنه لم يكن حاسما في يوم ما ، كان يهرب من كل الناس .. في كل اللحظات .. بل في أشد اللحظات حاجة للمواجهة ..
هل كان يوما هو .. نفسه .. أم أن كل ما حوله يجبره علي حماقاته ؟ هل عاش ما مر من عمره ، أم أنه سرق منه ؟ أرغم علي أن يكون غير ذاته .. والضحكات ماتزال تملأ رأسه .. تضغط أحاسيسه .. تحتل أركانه . . كان يتمني أن يحسم أمرا .. أو يقرر شأنا ..
كان يرغب في أن يعلو صوته بقاعة المحكمة .. ليقول إنه برئ .. وأنه أجبر علي التواجد في هذا المكان .. لكنه لم يستطع .. لعلها طبيعته .. أو عادته ..
أخيرا قرر أمرا ..
وما تزال الضحكات تجلجل في المكان .. لتحيل حياته إلي سجن رهيب داخل سجنه ..
يقرر أن يهرب من جديد .. !
يتأمل جدرانا خرسانية تحيط به ..
يقرر أن يحطمها .. !
يتذكر كلمات كانت أمه تقولها له .. كانت تصف رأسه فيها بالصلابة .. والعناد .. يتأمل تلك الوجوه التي تحيط به .. لم يشعر في هذه اللحظات ، أن ضحكاتهم قد توقفت تماما .. وأن عيون أصحابها معلقة به الآن ..
بإنتظار خطوته التالية..!
س ت ا ر
لا يختلف الرواة فى أن أمه زارته ظهر اليوم التالى ، بسجن مركز ( كوم حمادة ) ، حيث لاحدود لامتهان الانسان ... وابتسمت له ، لتخفف عنه وترفع من روحه المعنوية .. ثم بدا بعد ذلك أنها كانت أشد حاجة لمن يسرى عنها ويخفف ، ويرفع من روحها المعنوية ... فقد عادت الى بيتها مساء نفس اليوم ، وماتت .. مخلفة فى قلبه جرحا قد لا يندمل !
-------

أفراح القمة .. !
يوم جديد .. أشرقت شمسه في قوة وعنفوان ، لتجدد أملا عانقه طيلة سنوات حياته ، طالما حلم به وعاش له .. وانتظر اللحظة التي يتحقق فيها ، لتكون بدايته الحقيقية ، ومنطلقه إلي دنيا الراحة والأمان ، ويبدو أنه آن لحلمه الكبير أن يتحقق .
فقد عاني كثيرا لكي يقنع عائلته الكبيرة بضرورة الجلوس لمناقشة تسوية الخلافات فيما بينهم ، وبحث سبل لم شمل العائلة ، في منعطف جديد وخطير يتطلب التوحد .. بعد طول خلاف وشقاق وقطيعة .. أي هدف نبيل يسعي الآن لتحقيقه ؟ تنامي إلي أذنيه صوت التلفاز في صالة البيت ، وهو يذيع أخبارا عن لقاء القمة ، الذي تتزين له سماء القاهرة ، بين القادة والزعماء العرب ، لمناقشة التطورات الجارية في المنطقة ، واعتداءات العدو الإسرائيلي المتواصلة ؛ في أكثر من صعيد علي أرضنا العربية المحتلة ، وسبل احتواء الخلافات العربية العربية .. استبشر خيرا بهذا الخبر الذي يدعو للتفاؤل ، في صباح جميل يعيشه .. وحلم كبير يسكن جوارحه .
وخرج متعجلا في طريقه لهذا اللقاء ، كان يبدو غريبا وسط زحام الشارع ، يمضي بخطواته المتثاقلة المترنحة ، وكأنه يحمل فوق كتفيه أحزان العالم أجمع ، في طريقه للقاء أمضي العمر في انتظاره ، ليس فقط لإحساسه الذي لا يفارقه بالوحدة .. بل لرغبته الملحة في التوحد مع آله وذويه .. خاصة أنه لا يري سببا لهذه القطيعة ، ولا ما يدعو لكل هذه الفرقة والخلاف .
يتذكر طفولته التي عاشها معذبا .. هل غابت عنه ذكري والده لحظة ؟ كان شبه معاق ، يملك أرضا ككل الفلاحين في قريته ، باعها قيراطا وراء قيراط ليعيش ، فلم يكن قادرا علي الكسب ، باع جزءا منها في شبابه ليتزوج من أمه ، كان يرغب في أن يعيش حياته ككل البشر .. يحلم بمستقبل أفضل .. يتذكر أعمامه .. كانوا دائما في خلاف مع والده ، وشجار لا يكاد ينتهي ، ولأتفه الأسباب .. لم يتصور أن هناك أخوة يمكن أن يختلفوا إلي هذا الحد ، أو يصل العداء بينهم كما وصل بين أبيه وأعمامه .
لقد علمه أبوه مكارم الأخلاق ، غرس فيه الكثير من القيم ، التي يحس بها الآن قيدا يكبل حركته ، وتمنعه من أن يكون مثلهم .. وأنها كانت سببا في شقائه .. كان - رحمه الله - رجلا طيبا .. ينادونه الناس بالشيخ ، وأبدا لا تغيب عنه ذكري أمه .. الطيبة الصابرة .. بملامحها القروية المغرقة في البساطة ، عانت كثيرا مع والده سنوات الحصار ، خاصة بعد أن باع آخر سهم من أرضه .. كافحت .. تاجرت .. فعلت المستحيل لتنهض بأسرتها .. وتؤدي دورها في الحياة .. كانت تجأر بالشكوي - أحيانا - عندما تضيق بها السبل .. وكان الوالد يبكي عجزا .. وهو يحلق في سماء دنياه وحيدا .. كطائر جريح !
وتوفي الوالد في ساعة ما .. ويوم لا يكاد يذكر تفاصيله .. ما تزال كآبته ترتسم علي ملامحه .. حتي لحظات الكارثة لم تحرك مشاعر الأخوة الأعداء ، ولم تزدهم إلا بعدا .. كانوا يتنصلون من أي مسؤلية تجاهه حتي لو كانت أدبية معنوية لن تكلفهم شيئا .. كيتيم وقاصر لا يملك من حطام الحياة أي شئ .. ورغم ذلك قامت الأم بدورها .. وأدت رسالتها ما وسعها الجهد .. حتي أفضت إلي ربها .
كانت الحياة أقسي وأصعب من أن تواجهها الأم وحدها .. بضعفها وكينونتها .. لعل الأب استراح من حياة الشقاء ، لتبدأ رحلة الأم .. فتحملتها صابرة محتسبة وراضية .
يدهش لهذه القرابة .. الجيرة .. التي تبدو خالية من أية حقوق ولا تلتزم بأية واجبات .. وقد خلت القلوب من الرحمة ، لم يكن للحزن طعم محدد أو شكل مميز في الحياة ، تذوقته الأم وحدها - بل تجرعته - حتي النخاع .. عاني مثلا منتشرا بين العامة ، يرفضه من داخله : ( الأقارب عقارب ) .. سأل عنه عمته ( نفيسة ) في إحدي زياراتها :
- هل تطير العقارب يا عمتي ؟
صحكت الأم بقوة لأول مرة .. وهي تقول :
- كانت تبقي مصيبة !
كانت العمة ( نفيسه ) سيدة فاضلة .. تزورهم خلسة متسللة ، حتي لا يراها أو يغضب منها باقي الأعمام .
ولم يدر ساعتها أن للعقارب ذلك الخطر الرهيب ، ولا البغض الكامن في النفوس .. ومن المؤكد أن خطرها سيتضاعف عشرات المرات ، وربما مئات أو آلاف عندما تطير .
وما زال يواصل خطواته وسط الزحام ، محلقا بسلطان خياله في سماء طفولته الزاخر بالأحداث .. المتفجر حزنا وألما .. لم يدركه بكل هذه التفاصيل إلا عندما شب عن الطوق ، وبدأ في فهم الأمور علي حقيقتها ، لم يحسه إلا بعد إحساسه الكبير باليتم .. بفقده للأم .. التي كانت تملأ عليه حياته .. وبرغم كل ما حدث ، كان علي استعداد واضح للتسامح والصفح .. التجاوز عن كل إسائة .. تناسي كل الآلام .. إصلاحا لذات البين .
وفي طريق العودة كان محبطا ، بعد أن بلغته أخبار فشل قمة أولاد العمومة .. أحس بكراهيته الشديدة لكل العقارب .. بكل أشكالها وألوانها .. وأقنعتها .. وزيفها .. شرها الغير مبرر .. وقرر في فورة غضبه وانفعاله قتالها ، والعمل بكل قوته علي منعها من الطيران ، بل وسلبها حياتها إن أمكن .. ثم اجتاحت المظاهرات الشعبية الغاضبة الشوارع في كل العواصم العمومية ، منددة بوحشية العدو ومطالبة بقتاله .. ورافضة ما توصلت إليه القمة من قرارات ، لا تتجاوز حد الشجب والإستنكار ، أحس بنفسه رغبة تجددت لرفض قراره الأخير .. وتبقي أحزان القلب كما هي .. هم الإنسان علي عاتقه .. ووجدها أيضا فرصة للإلتحام - من جانبه - بكل تلك ( الأقارب ) .. الثائرة .. المصممة علي القتال .. والمطالبة بالإنتصار .. !



( حكايا مبتورة - مرشحة للمسابقة )
" أعود في المساء ؛ مفعما بالحكايا .. أعانق ملامح تشقي ، زرعت بداخلي الأمل ، أحبها .. "
{ غلاف }
تلك هي قريتي ، تقبع ها هنا في أحضان النيل ؛ الذي يحيطها من جهتي الشرق والشمال ، ويتجاوز الرياح البحيري حدها الغربي ، ليعزف الماء في حياة الجميع أنشودة من الجمال .. يتكرر رتم الحياة فيها بشكل يومي لا نمله أبدا .. فها هي السماء تظلنا بصفائها وزرقتها الخلابة ، وتلك الأرض تقلنا ولا تبخل علينا من خيراتها ، وما زالت الشمس تسطع كل صباح ؛ لتذكرنا بمن وهبنا الحياة ، وأسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة ، والناس كما هم منذ آلاف السنين ، يعملون بكل جد واجتهاد ، ويعودون في المساء ، حيث تمتد بهم جلسات السمر إلي وقت متأخر ، حتي حكايا السمر هي هي لم تتغير ، قد تعانق الخرافة بعض أحداثها ، لكننا نصدقها أحيانا ، وقد تؤثر في وجداننا وحياتنا ، والشوارع ما تزال تعج بالحركة ؛ تنبض بالحياة .
{ سقطة }
الحياة في ظل الحقول الخضراء الممتدة ؛ لها مذاق مختلف .. حيث الطبيعة الريفية البديعة ، والهواء العذب النقي ، والوجوه البسيطة ذات الملامح السمراء ، التي صبغتها الشمس بلون الكد والعمل ؛ يبدأ بعد صلاة فجر كل يوم وينتهي عند المغيب .
وكنت قد بدأت في التنقل بين الحقول ، لاستكشاف المكان .. أحسست بجمالها الفريد ، أسرتني الأشجار بلونها الأخضر .. بجمال فروعها وتشابكها الأخاذ .. أسكرني هواؤها العذب ونسيمها العليل .. سحرني جمال الطيور الملونة والفراشات ..
مزقت هدوء المكان أصوات شجار وتعارك .. دهشت لها .. بينما جاء صوت عمي ( عبد البر ) ضاحكا :
- إنه الشجار اليومي المعتاد .. والصداع الدائم .. !
ورأيت ابتسامات الجميع ونحن نعدو وسط الحقول بإتجاه مصدر الصوت .. ورأيت شابين يتشاجران ، عرفت أنهما ( نبيل سيد أحمد ) و ( رمضان المتولي ) .. وكان ( نبيل ) صخما طويلا ، بينما ( رمضان ) علي العكس تماما من هذا ، كانا متشابكين .. تعثر ( رمضان ) وسقط أرضا ، وسط صرخات غريمه :
- أنت ميت .. ميت .. سوف أقتلك .. !
لكن المفاجأة حدثت أسرع من البرق ، فقد نجح ( رمضان ) في الإفلات من قبضة غريمه ، وانقلب الأمر رأسا علي عقب ، حيث نجح في اعتلائه وبدأ يسدد له اللكمات ، التي بدت وكأنها لا تؤثر في عدوه اللدود ضخم الجثة .. كانت مفاجأة مذهلة ومفارقة مضحكة .. وانتهي الشجار وسط ضحكات الفلاحين ، في روتين يتكرر كل يوم .
{ تعارف }
كان ( أحمد ) ابن عمي قد قرر أن يصطحبني معه إلي الحقل ، لكي يعلمني أصول الفلاحة والعمل بالفأس ، ويدربني علي فنون الزراعة وأساليب الري .. حتي أتمكن في مستقبل أيامي من العمل كفلاح ابن فلاح ابن فلاحين ، ( ولم أدر ساعتها إن كنت سأفلح في هذا العمل ، فلم يكن لفشلي في هذا العالم نظير ) .
بداخل عشة من القش ربط ( أحمد ) البهائم .. وقدم لها بعضا من حزم الحطب الجافة لتأكل .. كانت الحقول خالية وقتها من الزراعات الخضراء ، بعد أن انتهي موسم الحصاد ، وبدأ الفلاحون استعداداتهم لموسم جديد من الزراعة .
افترش ( أحمد ) حصيرا قديما مرتقا أمام العشة ، ثم جلس وأخرج خبزا وقطعا من الجبن من لفافة كانت معه .. وجلسنا نأكل .. ثم أمرني بجمع بعض أعواد الشجر الجافة وجلس ليعمل الشاي .. وسرعان ما تجمع عدد من الجيران حول النار ، انتظارا لشرب الشاي وتبادل أطراف الحديث .. في طقس يومي يتكرر كل صباح .
وكان ( أحمد ) ابن عمي مرحا ، جذاب الحديث وكنت أحبه .. وسرعان ما تعرفت علي بعض جيرانه في الحقل ، عمي ( عبد البر ) صاحب الساقية الوحيدة ، لم يكن يملك غيرها وكان يؤجرها لمن يريد ري أرضه ، مع جاموسة تديرها .. والعم ( السطوحي ) .. والعم ( حسنين مدبولي ) ، وكانا من أصحاب الأراضي .. وغيرهم تعرفت عليهم تباعا ..
{ ف ش ل }
وسرعان ما انتهت دقائق الفطور وشرب الشاي بسرعة لم أعتدها ، وكنت مستمتعا بما أري وأسمع ؛ من وجوه أحببتها وحكايا تجذبني ، ونوادر لا مثيل لجمالها ، ليبدأ العمل الشاق ، تحت لهيب الشمس الحارقة .. وبدأت معه بالإحساس بفشلي يطاردني ، ( وكان هذا الإحساس قد بدأ - حقيقة - في أول زياراتي للحقل ، كنت أيامها طفلا صغيرا .. عندما خرج ( أحمد ) بصحبة مواشيه صباحا ، وحاول أن يركبني علي حمارته ، لم أتمكن من حفظ توازني عليها ، وسقطت من الناحية الأخري .. غضب مني ( أحمد ) وكشر في وجهي ، وأمرني بركوب الحمارة وحدي .. واضطررت تحت وطأة الخوف منه أن أحاول .. وكان فشلي ذريعا .. فركب ( أحمد ) الحمارة في قفزة واحدة ، ثم مد يده وأركبني خلفه ، وهو يضحك من خيبتي ) .
أذكر أيضا أن حياتي السابقة لم تكن حافلة بالأحداث ، حتي أنني عشت محنتي وحيدا .. ووجدتني أعود مضطرا إلي هنا ، تساؤل كبير بدا لي في العيون ؛ عن سر هذا الرجوع ، لم أكن لأجرؤ علي الإجابة عليه ، لطالما أحزنني أن تمضي حياتي علي وتيرة واحدة ، أعيشها مترنحا بين ذكريات الصبا ؛ وأحزان المشيب .. أنا من جعل منها حكايا ألم لا تكتمل .. لم أتعلم أن أقف بعد كل سقطة ، حتي صباح يومي الأخير ..
ثم سمعت الصوت مدويا ، لأفيق من خواطري مرغما :
- العم ( السطوحي ) سقط في ساقية ( عبد البر ) .. !
كانت الكلمات مروعة ، تعني بكل بساطة أن حياة الرجل في خطر ..
{ المفاجأة }
وأسرعت بكل قوتي بإتجاه الصرخة ، وعندما وصلت إلي هناك كان الجميع قد سبقوني : ( أحمد ) .. عم ( حسنين ) .. والعم ( عبد البر ) .. الذي كان خائفا جزعا .. لا يدري ماذا يفعل أو كيف يتصرف ..؟ بدا منهارا ، وقد أمسك بخطام الجاموسة بكل قوته لمنعها من أي حركة .. وكان العم ( السطوحي ) يرقد علي الأرض مستسلما للمصير ، وقد علقت ثيابه بين تروس الساقية ، وبدا لي للوهلة الأولي أن ثمة دورة أخري للجاموسة قد تودي بحياته ، وتدفع برأس المسكين بين التروس الحديدية الكبيرة للساقية ، لتحطمه بكل سهولة .. وبدا الأمر أيضا محزنا .. حيث كانت الجاموسة في موقف صعب لا تحسد عليه ، ترمق صاحبها بتوسل .. فلم يكن هناك من سبيل إلا فك ارتباطها بالساقية ، وهو ما يودي بحياتها أيضا ويدفع بها إلي بئر الساقية ..
{ عبد البر }
وبدا للجميع لحظتها أنه ليس هناك من سبيل لإنقاذ العم ( السطوحي ) إلا بالتضحية بالجاموسة أو الساقية !
وارتسمت المحنة بكل أبعادها علي ملامح ( عبد البر ) ، عندما أحس بالخطر الذي يتهدد أسرته‎ ‎‏ بكاملها .. وبدا وكأنه يستعد للنزال .. فثار وانتفخت أوداجه غضبا .. ( أذكر أنه لم يكن بحياتي الكثير من الخيارات ، ولطالما أحسست برغبة كبيرة في الثورة .. القتال .. لكن نفسي كانت دائما تهرب مني .. تعاندني ، كنت أفتقد دائما روح ( عبد البر ) وقدرته القتالية ،
‏(‏ للقصة بقية )

لم أنس لحظة أنني تركت ساحة نزالي بالقاهرة ، بعد أن عشت مثل هذه المحنة ، وعدت إلي قريتي لا ألوي علي شئ ، لكم تمنيت أن أكون يوما ( عبد البر ) .. وليس صاحبته ... ) .. وجاء صوته معبرا عن شدة حنقه :
- من قال أنه ليس هناك من خيار ثالث ؟!
ثم أفلت الخطام ، ودفع بيده بين ثيابه ، أخرج مديته الحادة .. وسط ذهول وصمت الجميع !