المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قلب صديقي !



عبد المنعم جبر عيسي
16/10/2008, 07:59 PM
وجدته يتصل بي ليلا ، علي غير عادته ، ويطلب مني أن أنتظره وأن لا أنام ، أحسسته سعيدا علي غير عادته .. انتظرته مشوقا لمعرفة ما ألم به ، وعندما حضر .. قال :
- هل تتصور أنني كنت مريضا بالقلب طوال السنوات الماضية ؟!
دهشت لسؤاله المفاجئ .. سألته :
- كنت ؟! كيف جدث هذا ؟!
- عندما كان عمري سبع سنوات ، مرضت لمدة شهرين ؛ بسبب ضربة شمس .. وقد شخص طبيب الوحدة الصحية مرضي بأنه ( حمي روماتيزمية ) وعالجني علي هذا الأساس .. وبعد أن تعافيت ، نصحني هذا الطبيب بأن أواظب علي الحقن بعقار البنسلين طويل المفعول بشكل نصف شهري .. ثم شهري حتي بلغت سن الثلاثين ..
ازدادت دهشتي لهذا الكلام العجيب الذي أسمعه من صديق عمري للمرة الأولي ، وقد باغتني بهذه المفاجأة .. أدهشني بقدرته علي كتمان سره هذا كل هذه السنوات ، وأنا الذي تصورت لفترة طويلة من العمر معرفتي بكل تفاصيل حياته ، تماما كما يعرف هو أدق تفاصيل حياتي .. وبرغم إحساسي بالغضب تجاهه ، إلا أن الفضول دفعني إلي سماع قصته للنهاية .. قال وكأنما أحس بغضبي منه :
- اجتهدت أن أخفي هذا الأمر عن كل الناس .. حتي أنت .. وكنت أخفي معه إحساسا بالنقص كان يقتلني .. أكره نظرات الشفقة في عيون من حولي ، قاومت احساسي بالمرض طوال حياتي .. حتي عندما اشتركت أنت في معسكرات الساحة الرياضية ، وبدأت في ممارسة هذه التدريبات العنيفة ، لم أكن لأتخلف عنك .. والعجيب أن قلبي الذي كنت أحسه مريضا لم يتأثر ، برغم ما نصحني به بعض الأطباء بضرورة الراحة وعدم بذل مجهود عنيف .. كثيرا ما كنت أحار في أمري هل أنا فعلا مريض بالقلب ؟ كل الشواهد تؤكد ذلك .. أقوال الأطباء .. احساسي بالمرض .. لكن رغبتي في إخفاء مرضي كانت تدفعني لعمل المعجزات .. أو إن شئت قل : ارتكاب الحماقات .. فعلت المستحيل لأدفع عن نفسي سبة الإصابة بهذا المرض ، فقط أمام الناس .. لكن بيني وبين نفسي كان الوضع يختلف ، احساسي بالمرض كان يعذبني .. يفتك بي .. يدمر قدرتي علي المقاومة .. وأشعر بقلبي يضطرب .. يخفق بضعف ويكاد يعلن توقفه عن العمل .. كنت أموت في كل لحظة .. حقن البنسلين تسبب لي آلاما لا تطاق ، تهز كياني مع بداية كل شهر ، عندما يحل موعد الحقن بها .. ثم توقفت عنها بعد وقت .
صمت صديقي قليلا ، وكأنه يسترجع ذكريات مؤلمة مرت بحياته ، ولم أشأ أن أوجه له شيئا من أسئلتي ، حتي أتيح له الفرصة كاملة ليقول كل ما عنده .. قال أخيرا :
- أصبت بعدد لا بأس به من الأمراض النفسية .. أهمها الإكتئاب .. وعولجت منه علي عدة مراحل ، وأيضا اجتهدت في إخفائه .. عنك وعن الآخرين .. وعشقت التدخين بعد أن حاصرتني الوحدة وأدمنته ، حتي ضربت الرقم القياسي في تدخين عدد السجائر .. كانت رغبتي في الموت تسبق رغبتي في الحياة ، أردت أن أموت بسرعة ، قبل أن يعرف أحد سري .. خاصة بعد أن نصحني أحد الأطباء بعدم الزواج ، طبعا بطريق غير مباشر ، وكان أثر ذلك علي نفسي مدمرا .
أحسست بأني أعيش كابوسا مخيفا ، أيعفل أن يكون هذا صديق عمري الذي أعرف ؟ الآن فقط أحس بأنه كان غريبا عني ، لم أكن أعرف عنه شيئا .. أعجب له وقد تحمل كل هذه الآلام وحده ، عاناها في صمت .. أردت التخفيف عنه ، لكن أي الكلمات تنفع ؟ ازداد صمتي رغبة مني في سماع قصته لنهايتها .. قال بعد فترة صمت وتفكير :
- بالأمس أحسست بآلام رهيبة تفتك بصدري ، كانت تشتد كثيرا مع أي حركة انحناء ، أضطررت معها للصلاة جالسا ، ولم أستطع معها النوم .. كانت ليلة أمس طويلة وكئيبة ومؤلمة ، تعجلت معها شروق الشمس .. حتي أشرقت أخيرا وخرجت معها بحثا عن علاج .. كانت آلامي ما تزال تفتك بي .. حتي صورها لي خيالي أعراض جلطة أو بوادر ذبحة ، لم تكن أبدا تنبئ بأي خير ..
ثم ابتسم أخيرا وهو يقول :
- ساقتني قدماي إلي إحدي المستشفيات الشهيرة في منطقتنا ، ووجدت لافتة كبيرة علي بابها تعلن عن وجود الإستشاري الدولي المتخصص في أمراض القلب ؛ الدكتور " شنج " بالمستشفي لفترة محدودة ، وكان اليوم هو اليوم الأخير في هذه الفترة ، وسألت المسؤلين إن كان بإمكان هذا الطبيب أن يراني ، فأخبروني بإمكانية ذلك ولكن بعد ست ساعات ، هي اجمالي الحجوزات التي سبقتني .. وانتظرتها برغم آلامي التي لا تطاق ، حتي حل دوري فدخلت عليه .
ثم ضحك صديقي بكل قوة للمرة الأولي .. وهو يقول :
- كانت مفاجأة .. فقد كان الدكتور " شنج " صينيا .. ضئيل الحجم .. نحيلا .. كطبيعة معظم الصينيين .. برفقته طبيبة مصرية جميلة اسمها " جاكلين " تولت سؤالي عن حالتي الصحية وتاريخها ، وتولت أيضا الترجمة للدكتور " شنج " الذي اهتم بأدق التفاصيل وسأل عن أشياء لا أذكر أن طبيبا آخر سأل عنها .. ثم قام بالكشف علي قلبي بواسطة السماعة ، بشكل بدا دقيقا جدا لم يسبق لي أن رأيته ، وتناوبت دكتورة " جاكلين " معه سماع دقات قلبي ، وتبادلا حديثا بلغة أجنبية أقلقني .. شرح لها دكتور " شنج " خلاله بعض الأمور الطبيبة ، ثم طلبت مني دكتورة " جاكلين " عمل رسم قلب والعودة بسرعة ، فسألتها قلقا عن الحالة ، فأجابتني مبتسمة ألا أقلق .
وواصل صديقي هذه المرة ؛ دون أن يبتسم أو يضحك .. وكأنه يشعر بما ينتابني من فضول ، لسماع نهاية قصة مرضه :
- وسرعان ما عدت برسم القلب الكهربائي .. ودخلت عليهما والقلق والخوف يغمران كل خلية في جسدي .. كان قلبي ينتفض رعبا .. قدمت الرسم للدكتور " شنج " فتصفحه مبتسما ، وراح يتحدث للدكتورة " جاكلين " ويشير إلي أشياء فيه .. عندئذ لم أتمالك نفسي من سؤال الدكتورة عن الحالة ؟ ففاجأتني بقولها : [ لا توجد حالة ! ] ، فاستفسرت منها فقالت : [ القلب سليم .. وأنت لم تصب بأي حمي روماتيزمية ! ] وكانت دهشتي بهذا الكلام عظيمة .. لكن فرحتي كانت أعظم .. !
سألته في دهشة :
- وماذا عن الآلام الرهيبة التي كنت تعاني منها ؟!
أجابني في سرور :
- كان التهابا في احدي عضلات الصدر من أثر ( لطشة ) برد !
وصمت صديقي وفي عينيه فرحة لم أرها فيه من قبل ، وصمت أنا أيضا .. وفي مخيلتي عشرات الأسئلة تبحث عن أجوبة ، كان أحدها عن هذه الدولة العظيمة : ( الصين ) وما تقدمه للبشرية من خدمات ، وبعضها يدور عن حال الطب في بلادنا ، وبعضها عن حالة صديقي الطبية ، التي تم تشخيصها بشكل خاطئ ، وعاني من علاجهاعلي مدار سنوات طويلة بناء علي هذا التشخيص ، وآثار ذلك علي صحته وحياته القادمة .. وبعضها عن صديقي الإنسان ، الذي عاني وقاسي الآلام وجده لسنوات طويلة جمعتني خلالها به الصداقة ، دون أن أعرف !
أظن أننا بحاجة إلي متخصص ؛ ليشرح لنا بعض الأمور ؟

طارق شفيق حقي
16/10/2008, 09:46 PM
لا حول ولا قوة إلا بالله

رغم أن القصة انتهت بابتسامة لكنها تحمل ألم وأي ألم عميق فيها

تحمل كل أنواع المرارة والحزن بداخلها

أحفاد ابن سينا يتتقلبهم الظنون والأوهام

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


أرى أننا نتحمل الجزء الكبير لما يحدث لنا

فيجب أن لا نسلم أمورنا بهذه السهولة إلا بعد التبصر والسؤال وتقاطع المعلومات


بعيداً عن ذلك

وما أعرفه أن القلب لا يؤلم وربما يظن البعض أن تشنجاً داخلياً كما حدث لبطل القصة هو مرض في القلب
وندخل في دوامة الوساوس
فبنية عقولنا قابلة للاعتقاد بهذه الأمراض النفسية

لك تحياتي أخي الكريم

د.ألق الماضي
17/10/2008, 01:30 AM
للأسف هذا ما يحدث لدى أكثر الدول العربية...
وما أكثر ضحايا التشخيص الخاطئ...!
أخي عبدالمنعم...
لا تحرمنا جمال قلمك...
وفكرك...

عبد المنعم جبر عيسي
17/10/2008, 09:29 AM
لا حول ولا قوة إلا بالله

رغم أن القصة انتهت بابتسامة لكنها تحمل ألم وأي ألم عميق فيها

تحمل كل أنواع المرارة والحزن بداخلها

أحفاد ابن سينا يتتقلبهم الظنون والأوهام

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم


أرى أننا نتحمل الجزء الكبير لما يحدث لنا

فيجب أن لا نسلم أمورنا بهذه السهولة إلا بعد التبصر والسؤال وتقاطع المعلومات


بعيداً عن ذلك

وما أعرفه أن القلب لا يؤلم وربما يظن البعض أن تشنجاً داخلياً كما حدث لبطل القصة هو مرض في القلب
وندخل في دوامة الوساوس
فبنية عقولنا قابلة للاعتقاد بهذه الأمراض النفسية

لك تحياتي أخي الكريم

بالفعل .. أتفق معكم تماما في أننا يجب أن لا نسلم برأي أول طبيب .. وأن نستوضح جيدا عن حالاتنا الصحية .. ونستطلع آراء أكثر من طبيب ثقة لنقف علي الحقيقة مجردة .. حتي لا تتكرر مثل هذه المآسي ..
كما أرجو أن يلتفت المسؤلون في بلداننا العربية إلي ما يقدم من خدمات صحية ؛ خاصة لمحدودي الدخل من المرضي الفقراء ، وأن تجد منهم الرعاية اللازمة .. وأن تواجه أخطاء الأطباء بشئ من الصرامة والشدة .
شكرا جزيلا استاذ طارق .

عبد المنعم جبر عيسي
17/10/2008, 09:31 AM
للأسف هذا ما يحدث لدى أكثر الدول العربية...
وما أكثر ضحايا التشخيص الخاطئ...!
أخي عبدالمنعم...
لا تحرمنا جمال قلمك...
وفكرك...

بإذن الله دكتورة ألق ..
شكرا جزيلا .

عماد ابو رياض
03/11/2008, 09:56 AM
الحمدلله على سلامة صديقك المخلص الذي تحمل
ماعاناه ولم يكدر غيره ، وحسبنا الله ونعم الوكيل على مايجري في بلادنا حيث اصبح همهم الربح
وتناس الأطباء مهنتهم الأنسانية ..!!
( لو نرجع الى طب البدو ) ونعذر غيرهم ...
تحياتي لك اخي العزيز عبدالمنعم
مع خالص تقديري .

عبد المنعم جبر عيسي
03/11/2008, 05:25 PM
الحمدلله على سلامة صديقك المخلص الذي تحمل
ماعاناه ولم يكدر غيره ، وحسبنا الله ونعم الوكيل على مايجري في بلادنا حيث اصبح همهم الربح
وتناس الأطباء مهنتهم الأنسانية ..!!
( لو نرجع الى طب البدو ) ونعذر غيرهم ...
تحياتي لك اخي العزيز عبدالمنعم
مع خالص تقديري .


سلمك الله من كل سوء وشر استاذ عماد ..
من المؤكد أنها مأساة بكل المقاييس وتحتاج منا وقفة مراجعة .
لكن موقف الصديق محير جدا .. قدرة عجيبة علي الكتمان حتي بعد كل هذه السنوات .. وحتي مع صديق العمر !
أسعدني مرورك أخي الكريم .