المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بعض الجهات



مروان الطيب بشيري
03/10/2008, 08:47 PM
بعض الجهات

" لا نهج ولا طريق، ولكن دروب
ضيقة دائما وأبدا - أندريه مالرو -

01
- الساحة الحمراء -
أو
( خبر في اجتماع عظماء من روسيا )

يلف الزمهرير قمة " سبارو" .. كانت كل الشواهق تتوضأ بالثلج .. وتتضام موسكو على بعضها درءا لصقيع لا يحتمل.. توجه " مكسيم غوركي " من شارع " أربات " قاصدا مقامه في " الكرملن" ككل غداة باردة.. ومن ثمة يمم نحو الساحة الحمراء حاملا على عاتقه كيسا مليئا بالكتب وهو يرفس في البياض.. وجد المكان خاليا ولم يعثر على مقعد للجلوس .. حل ربطة الكيس واستخرج كتبه تباعا وجعلها واحدا فوق واحد .. الطفولة - معترك الحياة - جامعاتي - الأم ، ثم " حياة كليم سامغين " .. الاعداء - المصطافون - في القاع - البرجوازيون الصغار .. الآن اكتمل المقعد فجلس .. يبزغ طيف " بوشكين " حاملا هو الآخر كيسا ولوح لمكسيم من بعيد .. مشى إليه ثم جلس قبالته بعد أن رصف كتبه - مسرحية درويس جودونوف .. فوقها - الغجر- الأمسية القائدة - الفارس النحاسي - دوبرفسكي .. سرعان ما تحركت الحياة في الساحة .. وظهر الجميع على أكتافهم أكياس الكتب .. تولستوي .. تشيخوف .. كورولينكو .. ديستوفسكي .. تراصوا فيما بينهم وتدثروا.

02
- سانتا كلارا -
أو
(نبأ رحلة رجلين رائدين إلى نيويورك)

كانت سفينة " سانتا كلارا " تبحر نحو أمريكا بقيادة القبطان " بيسون " وكان كريستوف كولومبس في القمرة متهلل الوجه .. شأنه شأن الرؤية الأولى للعالم الجديد .. ولاح لناظريه ميناء نيويورك مضاء .. طاغ على ما عداه .. ولوهلة، شبه انفتاحه على البحر بعاشقة مسجاة على الرمل تنتظر بحارا غائبا.. لم يكن " بنجامين فرانكلين " غارقا مثله في إعادة الاكتشاف حين رأى اليابسة عامرة بحياة هي غير الحياة .. شيء آخر ارتبط بحبل تأمله فيما وراء الدنيا الماثلة بين السفينة والمرافئ .. راودهما في عين الوقت والمكان شوق الرجعة .. ولكن تباين سر الإنتظار .. رست السفينة تحت أعين البحارة ونزل كولومبس يتبعه فرانكلين وسارا من دون وجهة حتى وجدا حديقة تعج بالبشر في شكل حلقات .. حلقة يتوسطها "إدغار آلان بو " وهو يقرأ على الناس قصيدة " الأعراف " .. سارا قليلا فوجدا حلقة " مارك توين " يقص على الناس " مغامرات توم سوير " .. مشى مليا فألفيا مجمع الناس حول " توم وولف " بجانب حلقة " دوروثي باركر " .. ولما رأيا إرنست همنغواي يرفع عقيرته بالقصص في حلقة كبيرة ، أسر فرانكلين لكولومبس أن هذا الرجل منذ أن كتب "وداعا للأسلحة" وهو ينتظر شروق الشمس.. ابتسم كولومبس وعاد أدراجه للسفينة دون أن يتفقد البرجين.

03
- بلاد الأفراح -
أو
(تقرير غامض عن زيارة درويش لاجتماع الشعراء في خيمة سر من رأى)

وقالوا سيصل الزائر غدا.. ولهو حدث خليق ببث الفرح في نفوس الأصحاب.. فقد تناقلوا خبر الزيارة وتسامروا حتى مطلع الفجر.. لم يعقدوا مجالس التدوين وتفرق النساخ .. انفضت مجالس الشعر لما غادر الشعراء المربد وعكاظ ومجلس الرشيد وسارا مثنى وثلاث ورباع حتى وصلوا إلى خيمة عربية كبيرة من خيم مدينة سر من رأى .. تذاكروا قصائدهم من جديد ريثما يحل الضيف.. " قفا نبك" تلاها امرئ القيس .. تلاه طرفة برائعته " لخولة أطلال .."..ثم تناوبوا أدوار القصيدة.. بكوا لأمل دنقل في " لا تصالح " ..صالوا مع البياتي .. جالوا مع نزار قباني .. وأحمد شوقي ..حتى جاءت لحظة محملة ببحور الشعر والتمر وماء لغة ممشوقة الحرف .. ريانة المعنى.. تضافر فيها الإلهام حتى فاض من حناجر الشعراء توهجا بضاد أضاءت له الأبجدية كلها .. فانتشوا لزينة الحرف الخالص نشوة لم تنقطع بهم إلا بوقوف الزائر عند مدخل الخيمة.. التفتوا إليه وهللوا .. راحوا ينحرون قصيدة جماعية على شرفه ثم سألوه بلسان عربي واحد أن يا درويش كيف تركت الشعر من بعدك ؟..
لكن محمود أمسك سكين الشعر من داخل الخيمة وغرزه في صدره ..ثم قال بألم :
- لا زال الناس يبحثون عن المتنبي..

عبد المنعم جبر عيسي
04/10/2008, 09:34 AM
نص جميل اسناذ مروان يؤكد موهبتك الفذة وقدرتك على تقديم أدب راقى يسمو بجمال الكلمة وقوة التعبير .
بالتوفيق دائما

احمد ال رشراش
04/10/2008, 09:39 AM
الاستاذ ...... مروان الطيب بشري

تحية عطرة

وكل عام وانت بالف خير

قصة متكاملة من الالف الى الياء

رائع ما خطه قلمك

سلمت اناملك سيدي

تقبل مني احترامي وتقديري

دمت اخا غاليا

اخوك
احمد ال رشراش

يوسف أبوسالم
04/10/2008, 10:28 AM
أخي مروان
مساء الإبداع

نصوص راقية ومكثفة وعميقة
وتحمل في طياتها ..قدرا ممتازا من الثقافة والإطلاع..كما ونوعا
ولعل العبق الثقافي في هذه اللقطات أضاف لها بعدا جديدا
لكن في اللقطة الأخيرة
لست مع وجهة نظرك أن محمود درويش كان يعاني عقدة
عدم الإنتشار أو أنه يعاني من تفوق بعض القدماء عليه
بالطبع أفهم وجهة نظرك بأن شعرائنا المحدثون
لم يستطيعوا الوصول إلى عبقرية كثير من الشعراء القدامى
ولكن لكل زمان كما يقال دولة ورجال
ولعل هذه الحالة موجودة ليس على مستوى الشعر فقط
فالرواد دائما لهم بريقهم وأصالتهم واستمراريتهم
فمن يقارن الآن بنجيب محفوظ أو يوسف إدريس
ومن يقارن في الغرب بأنطون تشيكوف وجوركي وديستوفسكي
شكرا لك على هذه الومضات العميقة
وتحياتي

مروان الطيب بشيري
04/10/2008, 04:15 PM
أخي المبدع عبد المؤمن جبر عيسى .. قراءة مقتدرة في تحليلها .. تنطوي على عمق ودراية بماوراء النصوص .. أحيي فيك عين الناقد الأريب .. مودتي

مروان الطيب بشيري
04/10/2008, 05:53 PM
الفاضل أحمد ال رشراش .. بارك الله مرورك .. وجييت على ثناء الاخ الصادق الذي كلته لأخيك .. محبتي

مروان الطيب بشيري
04/10/2008, 05:58 PM
الأستاذ يوسف أبو سالم .. بالعكس يا أخي .. أنا عبرت عن حسرت درويش في تتبع الناس للتقليد والسير على أثره .. وهو الذي قدم شعرا حداثيا ..يجمل بالناس تتبعه لا التشبث بالقديم .. وأرى في درويش شعرا لو كان المتنبي حيا لما وسع إلا ان يكتب على شاكلته ..لأن لغة العصر تصنع شعرها ..
أخي بارك الله فيك ودمت أخا مبدعا .. مودتي