المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العلم المبتور و الذنب المغفور



فيصل الملوحي
18/09/2008, 05:44 AM
العلم المبتور
و
الذنب المغفور






لن أنسى - ما دمت حياً - حادثة صغيرة جرت قبل خمسين سنة، تركت في نفسي أثراً لا يُمحى، وعلمتني درساً أستحضره كلما أدليت برأي.
قبل أربعين سنة انتصرت للعلم !! واعتقدت أني حافظت على الأمانة العلمية حين خذلت ابن عمي في حواره مع شلة أصدقائه الموظفين - على عادة الموظفين - قال ابن عمي: " تُحَرَّك كلمة ( ثمان ) بالكسر في قولنا: ( الدرجة ثمانٍ وأربعون )»، وقال الأصدقاء:" تُحَرَّك كلمة ( ثمان ) بالضم فنقول: ( الدرجة ثمانٌ وأربعون ) … " قلت: " القول ما قال الأصدقاء، وهي بالضم لأنها خبرٌ مرفوع !! " وصدق القوم حكمي، فأنا طالب أُذيع عني اجتهادي بعد أن أمضيت في التعليم المدرسي ثماني سنوات!!


كان ذلك في حدود علمي.. لكني عدلت عنه عندما تلقيت معلومة أخرى تتحدث عن حذف الياء في الاسم المنقوص النكرة غير المضاف في حالتي الرفع والجر، وعرفت جريرتي التي ارتكبتها بحق نفسي قبل غيري.
وتمضي الأيام، فأرى أن هذا الخطأ يرتكبه أناس آخرون، تلقّوا العلم، وحملوا الشهادات، ينتصرون للعلـــم، ويحافظون على الأمانة العلمية !! .
حين زار أحدهم مدرساً في صفه، سأل الطلاب عن معنى ( اللّباب ) في وصف العلم، فأجابوه كما تعلّموا من أستاذهم القاصر !! : العلم الخالص أو ( كلمات قريبة ردّدوها )، فقال: " لا، إنما الصحيح أن معنى ( اللباب ): العقل ! وتحضرني مادة ( لبب ) في المعجم، وكأن صاحبنا لم يقرأ سوى هذا المعنى، فرأى أن كل لفظ داخل في شبكة الاشتقاق يعني ( العقل )، ونسي أن معنى العقل هنا مجازي لا حقيقي !! .
وقال فاضل آخر: " لماذا تُعقِّدون العلم، لماذا تُفَرِّقون في النداء بين نكرة مقصودة، ونكرة غير مقصودة ؟ لا علة لذلك، وإني مضطر - وأمري لله - أن أُعلّم الطلاب تسمية المرفوع ( كذا ) نكرة مقصودة، وتسمية المنصوب ( كذا ) نكرة غير مقصودة ما الفرق في المعنى إذا قال الخطيب على المنبر: " يا مؤمنين " أو " يا مؤمنون " ؟!
هل تطلبون أيها السامعون الكرام أن أتحفكم بأمثلة أخرى ؟! أسألكم العذر، فإني أرى أن هذه الأمثلة كافية لتقرير حقيقة واقعة وهي: أن العلم المبتور يؤدي إلى أحكام باطلة. قد نقبل بذلك إذا كان النقاش دائراً بين غير المختصين، فهم يخطئون لجهلهم، ولا عيب في فعلتهم سوى أنهم يحكمون في أمور ليست من اختصاصهم.., وأن ذلك سيماء عصر النور الذي نحن من أبنائه!!
ولكن الأنكى أن يكون مثل هذا بين من أُطلق عليهم أهل الاختصاص وحُمِّلوا الشهادات، وتقول في نفسك: ألم تكن هذه المعلومة في دراساتهم، ألم يقرؤوها فيما قُرِّر عليهم من كتب ؟! لا بد من وقفة من النفس، ومراجعة لما يتلقاه الطلبة في مدارسهم وجامعاتهم، وطريقة الحصول على شهاداتهم.


سيقولون: إن الإنسان- وبخاصة إذا شاخ - حَنَّ إلى القديم، ولكن الحق أن يقال: كان التدريس قديما جافاً قاسيا لا يستعين بوسائل تعليمية متطورة أنعم بها علينا العصر الحديث، وكانت المعلومات التي تقرر على الطلبة- أحياناً - فوق مدركا تهم العقلية الموافقة لأعمارهم.. لكن الحصيلة صدق الشهادة في التعبيرعن مضمونها، وكان حاملها مرجعاً صادقاً أميناً في حدود هذه الشهادة.


وكان حريّا بنا أن نبحث عن المناهج التربوية الحديثة التي تسهّل تلقّيَ العلم، وأن نرحم الطلبة بالتلطّف في تعليمهم، وأن نرغّبهم في العلم، وأن نحبِّبهم به، وليس للرحمة مكان في تحميل الطالب شهادة فارغة المضمون.
وفي الختام أريد أن أذيّل البحث بالحديث عن عيب يصيب أهل العلم وهو التناحر في مسائل علمية مبتعدين عن أدب العلم. فقد يرمي بعضهم بعضاً بالجهل، حين يكون الأمر مختلفاً فيه أصلاً بين أهل العلم.. من حقّك أن تقول: هذا رأي صحيح بدليل كذا وكذا، وذاك رأي خاطئ بدليل كذا وكذا..ولكنه يبقى رأياً محترماً إلى أن نصل إلى يقين في خطئه.
كل ما نرجوه لهذا أن نلتزم بالأمانة العلمية الصادقة، وبمنهجية البحث العلمي.

د.ألق الماضي
18/09/2008, 05:55 AM
ذررت الملح على الجرح أيها الكريم...
مقال صادق...
وتشخيص للداء...
ووصف للدواء...
لا تحرمنا دررك...

د.ألق الماضي
18/09/2008, 05:56 AM
تستحق التقييم أيها الفاضل...

طارق شفيق حقي
18/09/2008, 11:34 PM
ما أحوجنا إلا هذا النصح
أكبر فيك هذا السمو
وأرفع كلماتك لقلبي

احمد ال رشراش
19/09/2008, 09:43 AM
الاستاذ ......... فيصل الملوحي

انت رائع

فيصل الملوحي
06/07/2009, 10:17 AM
أنصار الحقّ والألق و الحمد
يواكبون أدبي
فما أسعدني من مخلوق!

أحمد العسكري
29/07/2009, 07:11 PM
لله درك
أستاذ ملوحي
والله انها لعبرة

فيصل الملوحي
30/07/2009, 06:36 AM
شكراً من القلب

للأخ المشرف أحمد العسكري

فيصل الملوحي
09/01/2010, 02:20 AM
شكراً لكم ، إخوتي جميعا

نرجو الله أن نكون من خدم العلم المخلَصين له.

فيصل الملوحي
09/01/2010, 02:23 AM
شكراً لكم ، إخوتي جميعا

نرجو الله أن نكون من خدم العلم المخلَصين له.

فيصل الملوحي
10/02/2010, 06:22 AM
شكراً لكم من القلب


حبذا العلم وأهله.

فيصل الملوحي
12/03/2010, 04:01 AM
أحسّ كلّ فترة من الزمن أنّنا بحاجة إلى من يذكّر


بأن العلم لا يقوم بغير الإخلاص له.





وتحيّتي لكم أهلَ العلم، المخلصين له.

طارق شفيق حقي
12/03/2010, 07:20 PM
جميل هذا الشعور النبيل السامي

عبد الله نفاخ
18/03/2010, 09:10 AM
جزاك الله كل خير يا أستاذنا الكريم ونفعك ونفع بك

فيصل الملوحي
20/03/2010, 02:35 AM
حييتما أخويّ الكريمين:

- طارق شفيق حقّي،

- وعبد الله النفّاخ.

فيصل الملوحي
20/03/2013, 06:55 AM
"المرء لا يسعه أن يعرف إلا ما أهله الله لمعرفته

عماد ابو رياض
17/05/2013, 08:42 PM
جزاك الله خيرا ايها الكريم فيصل قلت الحق ... لك تحياتي وامنياتي ..

طارق شفيق حقي
26/05/2013, 10:41 AM
"المرء لا يسعه أن يعرف إلا ما أهله الله لمعرفته


تحياتي لك أستاذ فيصل الملوحي
الله يؤهل من أراد أن يتأهل ومن أبى فقد أبى

إنما التأهيل بحاجة لبذل شىء ما لتفهم شيئاً جديداً

ماجدة2
28/05/2013, 12:57 PM
الله يؤهل من أراد أن يتأهل ومن أبى فقد أبى

إنما التأهيل بحاجة لبذل شىء ما لتفهم شيئاً جديداً

لماذا هناك إنسان يريد ان يتأهل و إنسان لا يريد ، ما هو سبب الفرق بين الشخصين ؟ ما هو السبب وراء وجود إرادة أو إنعدامها ؟

فيصل الملوحي
01/08/2013, 09:35 AM
الأخت الفاضلة ماجدة2



تحية لهذه البادرة،

لكنّك تسألين سؤالا إجاباته في مجلدات الدهر،


واختلف فيه بين من أعطى الإنسان حريّة التصرّف ولو ظنّ أنّه يعاند الذات الإلهيّة،


وبين من شلّ إرادة الإنسان فلا يتحرك إلا عن إكراه!!


وبينهما مذاهب وآراء.


ولكننا نلتزم بما التزم به صحابة رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بألا يتجادلوا في هذا الموضوع،


وأن يقفوا عند التزام الإنسان بأن يعمل بكل ما يستطيع، ثمّ يفوّض أمره لله،


يعمل لرزقه بكل طاقته وهو مؤمن بأن الله هو الرزاق.


ألا ترَيْن أنّ هذا يريح المؤمن؟

عماد ابو رياض
12/12/2013, 06:46 PM
جزاك الله خيرا أستاذ فيصل .. .. معلومات تفيد الجميع ..

فيصل الملوحي
20/05/2014, 03:43 AM
جزاك الله خيرا أخي المشرف الأستاذ عماد أبو رياض.. .


نعم ! هي معلومات تفيد الجميع .




إنّما أذكّر بما قاله الأخ الأكرم المذير العام طارق شفيق حقّي:


إنّما نحن بحاجة إلى تأهيل لأخلاق العلم التي رضعناها مع أول حرف تعلّمناه.