المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جولة روحيةمع قصيدة "رسالة إلى الحلاج



طارق شفيق حقي
31/08/2008, 11:44 PM
وصلت هذه الرسالة الكريمة للمربد:

أحمو محمد الأحمدي
شاعر وأديب مغربي
جولة روحية وجلسة أدبية على ضفاف قصيدة "رسالة إلى الحلاج لم تقرأ بعد"
أسرار قصيدة "رسالة إلى الحلاج لم تقرأ بعد" لصاحبها الشاعر الكبير الأديب الحبيب إسحق قومي
- توطئة:
إن أول ما يجب على الدارس لقصيدة إسحاق قومي "رسالة إلى الحلاج لم تقرأ بعد" هو الوقوف وقفة تأمل وتأن عند العنوان الذي يحتاجإلى أكثر من ذلك باعتباره المفتاح والباب الرئيسي للعبور إلى أعماق النص حيث روحُ الحلاج تَسْبَحُ وتُسَبح.. تَسبح في بحر من الدلالات الصوفية الرقيقة الكريمة.. وتُسبح بحمد خالقها وبارئها كما كانت تفعل في حياة جسدها من خلال قلب شاعرنا إسحق قومي الذي يفيض محبة وإجلالا لله عز وجل ولعامة خلقه تعالى.
هذا وقد اخترت هذه القصيدة لدراستها لسببين رئيسين هما:
الأول: الشوق إلى معرفة ما بداخلها باعتبارها رسالة إلى كبير المتصوفة المشهور الذي أعدم بعد أن صدر عنه كلام مبهم في ذات الإله يخول لمن سمعه أن يصنفه في قائمة الزنادقة الملحدين والله أعلم.
والثاني: التوق إلى إبراز ما تفيض به القصيدة من الصور الشعرية الروحية الرقيقةالممتزجة برقة قلب الشاعر وطهارته.
وثمة سبب ثالث لم أذكره مع السببين السالفين لعظمته ولوجوب تفرده وهو محبتي الكبيرة لشخصية الشاعر إسحق قومي الذي تعرفت عليه منخلال ما ينثره من جميل الإبداع على صفحات المنتديات الأدبية الكبرى عبر النت.
فإليه وإلى أفراد عائلته أهدي هذه الدراسة المتواضعة التي أتمنى أن تنال إعجابهم رغم عجزها عن الإلمام بكل ما تختزنه القصيدة من رائع الصور وبالغ الأدب وجميل الآيات الشعرية العطرة.
كلمات قبل الكَلِم ككل الدارسين والباحثين والنقاد في مجال الأدب، يجدر بي - ولابد- أن أذْكُر وأذَكرَ بأهم النقط الأساسية التي اتخذتها كمجال للدراسة والتحليل في القصيدة، ويمكن تلخيصها وملامستها من خلال بعدين أساسين هما:
** / البعد الجمالي الشعري
** / البعد الجمالي الروحي ولا يفوتني أن أشير إلى شيء مهم - بل هو في غاية الأهمية - وهو كوني لا أنظرإلى القصيدة التي نحن بصدد دراستها بعين العروضيين الخليليين ولا أزنها بميزانهموإن كانت خليلية الأصل والفصل والوصل بالرغم مما فيها من تجديد في البحر، فهي قصيدة أكثر أبياتها نظم على أساس تفاعيل بحرين أصليين من البحور الشعرية الخليلية وهما: الوافر والهزج، ولهذا البحر الناتج عن تفاعل بحر الوافر وبحر الهزج تسمية محدثة وهي: بحر المنبسط، وقد احتدم الصراع في عدد من المواقع الأدبية مؤخرا حول من كانوراء هذا البحر، أهو شاعرنا الكبير إسحق قومي؟ أم هو الدكتور أحمد فوزي؟ وكانالشاعر العراقي الكبير محسن كريم قد بحث في ذلك وقام بتحليل لقصيدتنا هذه فاستنتجأن الشاعر إسحق قومي قد وفق في نظم قصيدته على البحر المحدث المسمى المنبسط رغم صعوبة ذلك، إلا أنه أشار إلى كون الدكتور أحمد فوزي هو من مزج بين الوافر والهزج واشتق منهما بحرا أسماه المنبسط، وربما لم يعلم - فضيلة الأستاذ كريم محسن- أن الشاعر إسحق قومي كتب في هذا البحر ونظم فيه منذ زمن بعيد، إلا أنه لم يعلن عن ذلك في انتظار انتهائه من الدراسة التي يعدها حول ثلاثة بحور أحدثها قصد التجديد وليس التحريف في الموروث الخليلي - وله كامل الحرية في ذلك مادام يحترم آليات اللغة وضوابط الثقافة العربية الأصيلة - وهذه البحور هي: الكامل المحدث والوافر المحدث والمنبسط..
وقصدي في ذكر ما ذكرته هو أن يعلم القارئ أنني لا أبحث من خلال هذه الدراسة في بحر القصيدة وتفاعيلها، وهل هي موزونة أم لا؟ وهل يعتبر هذا الخروج عن المعهود في صياغة القصيدة خروجا منكرا؟..
ولكنني أنظر إلى القصيدة على أنها قصيدة روحية بديعة من شاعر كبير معروف مملوءة بالصور الشعرية الفريدة تستحق الدراسةوالتحليل، هذا وإني على علم تام بأن القصيدة لم توف بعد حقها، وإني - رغم ما بذلته من جهد - لعاجز كل العجز عن إدراك كنهها البعيد العميق وخصوصا من خلال البعديناللذين اتخذتهما كخلاصة للنقط المتخذة في القصيدة للدراسة والتحليل، وما ولن أبرئنفسي، وهذا جهد مقل، إن كان خيرا فخيرا، وإن كان غير ذلك فاللهَ نسأل العفو والرحمةوالحمد لله رب العالمين.
***
إركب معنا..
- أولا
*/ البعد الجمالي الشعري:
إن ما تزخر به هذه القصيدة من آيات الجمال الشعري ومن صوره الدقيقةالعميقة، لغةً وتصويرا وفكرا، وتركيبا، وإبداعا.. لشيء كثير، نكاد نُجْمِل ذلك فيحديث الشاعر أثناء القصيدة عن عالمين مختلفين، عالم الغيب وعالم الشهادة، عالم الروح وعالم المادة، رابطا بينهما بطريقة أدبية عجيبة، يظن القارئ لها/ للقصيدة/ لأول مرة حين يجد معجم العاطفة والذوق منثورة كلماتُهبين ثنايا القصيدة وحين يقف على: العشق، الهوى، الخمر، الجمال، الشذى، الكأس، الوجد، السهر، العشاق،الأحلام، الحب، مواويل، الصبابة، الروض، النسائم، الصب، الشوادي، الأغاني،عشتار..... أنها/أي القصيدة / تحكي عن قصة حب وغرام بين رجل وامرأة.. ولا يمكث إلاقليلا لِيدركَ أن الشاعر يعيش في عالم الروح بذوقيه الروحي والمادي حين يسافر عبر: الوحي، الروح، (الحلاج)، التصوف، الهدوء، بقايا الروح، بنات الروح، الصمت، معبد،الروح الولهى، الله/ الوهاب، المعاني، الشهداء، حب الواحد، الغفران، جلجامش...
من هنا.. ندرك مدى براعة الشاعر في صناعة الصور الشعرية من خلال جماليات العالمين - الروحي والمادي -.. كما ندرك كذلك مدى تمكن الشاعر من آليات الإبداعوالتخييل وفن التعبير وفن توظيف الجمال بشتى ألوانه وأشكاله.
وفي ذكر ماذكرناه، لم نكن قد خرجنا عن إطارنا المحدد " البعد الجمالي الشعري " في قصيدة " رسالة إلى الحلاج... " إذ من المؤكد أن الجمال كل الجمال مكَوَّن من مكوِّنينأسايين هما: الروح والمادة.. ولا جمال بغيرهما، لذلك فصلنا في ذكرهما وذكرنا مايشير إلى كل واحد من هما من جميل الكلمات الشعرية ورائع الألفاظ الرقيقة لنصل فيالأخير إلى ما كنا نود الوصول إليه من أن القصيدة مفعمة بالجمال.. مفعمة بالروعة.. مفعمة بالسحر والجلال الشعري..
إننا ونحن نرى الشاعر يخاطب المجهول:
ممالكصمتكِ أقفرت نواديهاوأزهر غيثك سرا بما فيهانحس وكأننا في عالم الأحلاموالرؤى التي لا يعرف معناها ولا يستطيع تأويل ما تحمل من الرموز وما يراد بها منمقاصد تأويلا صحيحا إلا صاحبها، وأما النقد كيفما كان هذا النقد وأيا كان فهيهاتهيهات أن يدرك مراد الشاعر الروحي وأن يصل إلى أعماق رؤاه وإشراقاته.
وحيننسمعه يقول:
لأنتِ من جمال الكون أنجمهوقد فاح الشذى بالكأس صافيهانكادنجزم بأن الشاعر بين شيئين لا ثالث لهما، بين: المرأة المحبوبة والكأس المختومةبشذى الصهباء الحالمة.
إلى هنا.. نصل إلى نهاية البعد الأول، مع العلم بأننا لورحنا نعد الصور الشعرية في القصيدة، ونتتبع خطاها وآثارها، لما استطعنا الخروجمنها، ولا كَفَتْنَا هذه الصفحات، ولكن يكفي ما أشرنا إليه من أن الجمال الشعري فيالقصيدة مبني على أساسين: جمال الروح وجمال المادة، وما ذكرناه كذلك من قيم كلمنهما، وخير الكلام ما قل ودل، وموعدنا وموعدكم في بُعدنا الثاني الذي أسميناه:
- ثانيا
*/ البعد الجمالي الروحي:
إن كل من قرأ هذه القصيدة أو حاولدراستها أو تحليلها سوف يدرك وسوف تصل به دراسته وتحليله إلى حقيقة: غالبية الروحفي القصيدة على المادة، وغالبية عالم الغيب على عالم الشهادة، وما تكرارُ كلمة / الروح - في القصيدة أكثر من خمس مرات وما إلى إليها من وحْي وعشق وتصوف ومعبد... إلا آية على ذلك وشاهد ثابت على أن الروح هي الغالبة في النص، وإن كان هذا يعبر عنشيء فإنما هو يعبر عن رقة روح الشاعر وطهارتها وصفائها وشفافيتها وعلو كعبها.
وقد أشرنا في خواتم البعد الأول إلى أن الشاعر إسحق قومي لم يُبِنْ عن قصده ولمنفهم من أبياته الأولى إلا أنه يخاطب مجهولا، سواء كان هذا المجهول عاقلا مدركاللخطاب / رجلا / امرأة / عالم الغيب.... أم غير عاقل / الطبيعة،... وشيئا فشيئاندرك مراد الشاعر ومخاطَبَهُ.. ولكن الشك لا يزال يساورنا بين الفينة والأخرى،ويردنا اليقين إلى شطه كلما أبحر بنا الشك نحو المجهول..
ولا نزال هكذا بين شكويقين، حتى نسمع الشاعر من جديد وهو يشدو:
جبلتُ الروح من وجد ومن سهروصرعتبيوت الشعر أقفيهافيبدو الذي ماخلناه يبدو.. إنها الروح، هي العاشقة، هيالحالمة، هي المبدعة، هي المحلقة في سماء الغيب، تحيى ولا موتَ، وتحلم ولا نومَوتغني ولا صمتَ وتبني ولا هدمَ و:
تهيء في مدارات الهوى وطناوتسكنني إذا جئتمنافيهاويعلن شاعرنا عن ما يجمعه بروحه وما يربطه بها، فحينا يسقيها بخمر/عبادةالفجر:
أنا بحارها في عشقها دمثخمورٌ من بقايا الفجر أسقيهاوأحياناأخرى تسقيه وترويه اعترافا بالجميل:
سقتني العشق من كأس مدلهةورحت ذلكالحلاج أرويهاوبالكلمات الصادقة، يؤكد الشاعر أبدية الروح وعلوَّ منزلتها إنوجدت من يرعاها ويزكيها، فيقول على لسان الروح:
أنا في الكون والكون بيابتدأإذا غبت فمن يعشب بواديهاويا ما أحيلى كلمات الصدق، كلمات الصفاء، حينتوقَّعُ بلسان صادق وبقلم باسق، إنها الحقيقة، إنها الصراحة، تلك التي نبحث عنهامنذ بداية إبحارنا إلى الآن، منذ أن نادى المنادي أن اركب معنا...
تأتي الآن فيأغنية يعزفها الشاعر إسحق قومى على وتر الطهارة والصدق:
تصوفت وصلصالي ينازعنيوأبدي العشق في جلِّ معانيايا إسحق، ما أروعك وأنت تشدو بتراتيل الحلاج، ماأجملك وأنت تروح وتغدو في عالم الأشعار ببردة الحلاج، ما أصدقك وأنت تحطم خرافةالنفس أمام عرش الروح كما كان الحلاج يفعل:
خرافة نفسي في نفسي أحطمهاوأبدعوحيها.. أسقي فيافيهاويأتي الصَلْبُ، فيُصْلَبُ الحلاج، ويَصْلِبُ الشاعرالحبَّ في عينيْ روحه، ويكون الشاعر آخرَ من يُصْلَبُ على يدَيْ الشوقوالحنين:
صلبتُ الحب في عيني أغنيتيورحت دمعة تهجرمآقيها
..........................
صلبني الشوق في فجر صبابتهاعلى أعوادناقوس بواديهاوحنت روحي الولهى لمقدمهامتى يا أيها الوهاب تعطيهاويرحلالحلاج، وتأتيه رسائل التعزية من كل أقطار الدنيا، قَرَأَتْهَا روحُه واحدةًواحدةً، غيرَ هذهِ الرسالةِ " رسالة إلى الحلاج لم تقرأ بعد " التي أودعها الشاعرإسحق قومى أسرار روحه وطهارتها، ووقَّعها بريشة الحب وصفائه، وترك إمضاءه علىالظرف:
بحب الواحد الفادي أرتلهاعسى أن يغفر الرحمن عاصيهاهي عشتار فينفسي تصالحنيوجلجامشْ إذا بالعشب يغريهاهي الشهداء للحق إذاانتقلواوأرجعوا شمعة الروح لباريهاهي الآيات في الأجيال قد حفرتمتى يافجر تشرقْ في دياجيها؟!!
وها نحن قد أتينا على نهاية هذه الدراسة الموجزة، التينسأل اللهَ أن يجعلها فاتحة خير وبركة على إسحق وعائلته وعليَّ وعلى كل الذينسيستنشقون عبيرها ويستلهمون نسيمها ويستعذبون حروفها. ولم يبق إذن إلا أن نقوللشاعرنا الكبير، صديقنا الحبيب، وأستاذنا الأديب، إسحق قومي بملء أفواهنا:
لافضفوك يا إسحق، ولا لقيت من يجفوك، ودمت للأشعار مبدعا، وفي سماء الإبداع بهيا،والسلام عليكم ورحمة الله.

توقيع:
ماكنتأحْسِب أني ناقدٌ لبقٌ ** إلا بُعيْد انتهائي من دراساتيهي اللآلئ في كتْبيأرصِّعُهَا ** إجازةً، إن أبى قومي مجازاتيأحمو محمد الأحمديشاعر وأديبمغربي
mohamed-ahamou@hotmail.fr

صلاح الحسن
09/12/2008, 01:11 PM
شكرا لك اخي طارق وشكراً لأحمو الأحمدي الشاعر الجميل وحبذا لو دعوته إلى المربد