المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف فقد اليسار المصرى جماهيره؟



سمير الأمير
20/07/2008, 05:31 PM
كيف فقد اليسار المصرى جماهيره؟
بقلم/ سمير الأمير
منذ أن قرر المرحوم أنور السادات اجتثاث اليسار من الحياة السياسية مستخدما جهازه الإعلامى فى وصمه بالعمالة للسوفييت ومطلقا العنان للجماعات الإسلامية التى أشرف الرئيس المؤمن بنفسه على تشكيلها فى الجامعة لكى تحاصر اليساريين بتهمة الإلحاد، منذ ذلك الحين سقط اليسار فى دائرة رد الفعل و سيطرت عليه الرغبة فى التأكيد على انتمائه لثقافة المجتمع مما أدى فى النهاية لتماهى اليسار الرسمى " حزب التجمع" مع النظام السياسى لدرجة أصبحت واضحة لكل ذى عينين وظهر ذلك جليا بعد اغتيال الرئيس أنور السادات، إذ راح مثقفوه يبشرون بمؤسسة الرئاسة التى اعتبروها القاطرة التى ستجر باقى مؤسسات المجتمع نحو التغيير الديموقراطى وستكبح إلإنفلات الناجم عن سياسة الانفتاح الاقتصادى، وصدر فى حينها التقرير السياسى لحزب التجمع الذى احتوى على هذا المعنى ومن ثم تخلى اليسار الرسمى عمليا عن فكرة الجبهة الوطنية الديموقراطية التى كادت أن تتشكل بالفعل قبل رحيل الرئيس السادات، وكانت تلك الرؤية نذيرا بابتعاد كثير من المثقفين عن حزب التجمع الذى شكل وجوده فيما سبق فرصة تاريخية لتحالف علنى لقوى اليسار المصرى، تلك الفرصة التى تم إهدارها فى الممارسة عبر ممارسة تحجيم وإقصاء التيار الناصرى والقومى، ولكى نكون أكثر إنصافا لابد من القول أن هؤلاء الذين اتهموا حزب التجمع بالتخلى عن مبادئه لم يشكلوا أى تكتل يسارى حقيقى كبديل لمواجهة أطروحات التجمع التى بدا أنها فى الواقع العملى تعمل على دعم النظام فى مواجهة النفوذ الجماهيرى المتصاعد لجماعة الإخوان المسلمين، ولكن هؤلاء المنشقين استبدلوا الحزب بالمقاهى وساهموا هم أيضا فى تشويه صورة اليسار بشكل عام وبدلا من البحث عن بدائل حقيقية انصبت معظم مناقشاتهم على الانتقاد الشخصى الذى لم يتجاوز حدود الثرثرة وفى نهاية المطاف انطوى معظمهم أيضا تحت جناح وزارة الثقافة( المجلس الأعلى للثقافة) المصرية لينافسوا هؤلاء الذين كانوا ينتقدونهم،
من المؤكد أن تلك الممارسات انعكست سلباً على نفوذ اليسار فى الشارع المصرى وكان انخفاض توزيع صحيفة الأهالى الناطقة بلسان حزب التجمع مؤشرا هاما فى هذا الصدد، لأن تلك الصحيفة كانت تتمتع بمصداقية كبيرة لدى جماهير القراء بما فيهم غير المنتمين لليسار،
وقد فشل اليسار أيضاً فى تأسيس قاعدة التغيير على المستوى الداخلى، إذ ظلت قيادته فى معظمها تنتمى لشريحة عمرية جاوزت سن الستين وأصبح واضحاً أن الشباب الطامح لتولى مواقع قيادية ليس له مكان فى الهيكل القيادى لليسار المصرى وأصبح واضحا أيضاً أن من يريد البقاء عليه أن يقبل بدوره الذى لا يتجاوز دور السكرتارية للرموز التى تسيطر على المواقع القيادية وعليه أيضا أن يتبنى التحليلات والمواقف السياسية لتلك الرموز ومن ثم فقدت تلك الكوادر الشابة التى كانت فاعلة زمام المبادرة فى المواقع الجماهيرية التى ينتمون إليها وأصبح فعلهم مرتبطاً ارتباطا مكتبيا بتوجيهات القيادة التى كان لها حسابات أخرى فظهر اليسار الذى ارتبط تاريخه النضالى بامتلاك المبادرة متخلفا عن حركة الجماهير، وكان الأمر إيذانا بظهور تكوينات أخرى ذات مصداقية عالية لدى الناس مثل حركة كفاية،
إضافة إلى ما سبق يمكن القول أن سقوط الاتحاد السوفيتى ساهم أيضا بدرجة ما فى تراجع دور اليسار الذى كان مستظلاً بالسوفييت ولا سيما هؤلاء الذين اعتادوا على العيش فى رعاية النظم الاشتراكية ويبدوا لى أحيانا أن علاقة اليسار الرسمى بالنظام يمكن النظر إليها كعلاقة تعويضية فى هذا الإطار،

هل يمكن القول أن سمة عدم التجانس بين اليساريين ساهمت أيضاً فى انحسار نفوذه فى ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة إذ بينما يشكل الانتماء لجماعة الإخوان حلا لمشكلات العمل والسكن والزواج يبدو عدم التجانس واضحا فى اليسار نتيجة لاختلاف المصائر الاقتصادية للمنتمين لهذا التيار ومن ثم حل الإخوان المسلمين محل اليسار فى التعاملات المباشرة مع قضايا الجماهير فأسسوا المستشفيات والجمعيات الخيرية والمدارس وأصبح لديهم عدد هائل من المؤيدين المرتبطين اقتصاديا بهم، ومع هذا الزخم الجماهيرى للإخوان الذى كان من المفترض أن ينتمى طبيعيا وطبقيا لليسار أصيب بعض المثقفين بالإسلاموفوبيا وتأكد لديهم خيار الدفاع عن الدولة المدنية حتى فى صورتها الفاسدة التى مهما بلغ فسادها تظل أفضل فى رأيهم من الحكومة الدينية التى ستعود بالمجتمع إلى القرون الوسطى وشهدنا بعد ذلك تورط بعض اليساريين فى مظاهر الفساد التى كانت عرضة لإدانتهم من قبل، مثل تزوير الانتخابات فى بعض الدوائر أو القبول بالمشاركة الهزيلة فى اللعبة الانتخابية التى تكرس لسيطرة حزب الحكومة،

ومع تعرض الأمة العربية للغزو الفعلى من قبل الولايات المتحدة وحلفائها وتزايد حركة الرفض الجماهيرى العربى لهذا الغزو بدا أن اليسار سيستعيد دوره فى قيادة الحركة الجماهيرية وأصدر حزب التجمع عدة بيانات مهمة لاقت استحسان الناس فى مصر والوطن العربى ولكننا فوجئنا بعد سقوط بغداد وتولى الحكومة العراقية القادمة على ظهور الدبابات الأمريكية، فوجئنا بنشر جريدة الأهالى لمقالات تمجد التجربة الديموقراطية فى العراق وعندما اعترض البعض ومنهم كاتب هذه السطور والمناضل العمالى عطية الصيرفى كان رد السيد الأمين العام أن الحزب ليس لديه موقف محدد من الحكومة العراقية، وفى تقديرى أنه كان ينبغى إدانة هذا الموقف والتراجع عنه إستعادة لدور حزب التجمع الذى كان فى قلب النضال العربى ضد المشاريع الأمريكية فى المنطقة بدءا من كامب ديفيد،
وفى الخاتمة، أرى أن عودة حزب التجمع إلى سابق عهده كحزب كبير وجماهيرى يمثل قطاعا كبيرا فى اليسار المصرى مرهونة بالرجوع إلى قراءة عنوانه وهو "حزب التجمع الوطنى التقدمى الوحدوى" فالتجمع" تعنى تحالف فصائل متنوعة من اليسار المصرى دون ممارسة التحجيم والإقصاء، و"الوطنى" تعنى عودة الحزب لقيادة نضالً مستميت ضد سياسة الخصخصة وضد التبعية التى تقوض الصناعة الوطنية وتشرد عمال مصر، و"التقدمى" تعنى التراجع عن إضفاء شرعية على اللعبة السياسية التى تكرس لاستمرار حزب الحكومة فى السلطة مما يؤدى إلى تخلف الواقع السياسى ويهدد بانتشار الإحباط نتيجة لانسداد سبل التغيير الديموقراطى، و"الوحدوى" تعنى التأكيد على عروبة النضال ضد المشاريع الأمريكية والصهيونية وعم القبول بمشاريع التسوية التى تكرس للتفوق الاسرائيلى على حساب مصر والأمن القومى للوطن العربى بأكمله.