المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نهاية مدير عام ....قصة بقلم بوفاتح سبقاق



بوفاتح سبقاق
04/07/2008, 08:14 PM
دخلت سهام الى مكتب المدير من أجل وضع البريد اليومي ، مراد لم يصل بعد
فقد عانى لمدة أسبوع كامل مع لجنة الرقابة المرسلة من العاصمة وترددت الكثير من الإشاعات في المبنى الإداري حول إمكانية تحويله الى جهة أخرى الحاشية التي كانت تحظى بإمتيازات تعيش حالة من القلق والتخوف حول مستقبلها الغامض، غير أن مراد ظل دوما ينفي هذه المزاعم وأخبر الجميع بأنه لن يرحل وسيبقى شوكة سامة في حلق أعدائه .
عادت سهام الى مكتبها وهي تفكر في مصيرها في حالة رحيل مراد ، هل ستبقى سكرتيرة المدير الجديد ؟ أخرجت مرآتها وأخدت تتأمل تقاسيم وجهها ، صالح لم يظهر منذ مدة طويلة ، قد يكون وجد وظيفة أو غادر المدينة من أجل البحث عن فرصة عمل ، إنها تتعرض الى ضغوط كثيرة وكل الأفق مسدودة ولم يعد ثمة أي أمل لتحقيق ما تصبو إليه ، أخوها سليم أضحى الشبح الدائم الذي يطاردها من مكان لآخر وأوضاع العمل هذه الأيام لا تبشر بخير.
دخل مكتبها شخص غريب يرتدي بدلة أنيقة ويحمل حقيبة مميزة ، يبدو أنه موفد جديد من الوزارة أو من مصالح الوالي ، وقفت مبتسمة محاولة تفادي إحراج الزائر المفاجئ..
- مرحبا هل من خدمة سيدي ؟
- شكرا ، أنا مديركم الجديد وصلت للتو من العاصمة ..
لم تتمالك سهام نفسها وإرتمت على مكتبها ، إنه فعلا يوم يحتوي على كثير من الأهوال والقادم مذهل .
- ألم يصلكم الفاكس المرسل من الوزارة أمس ؟
- تفضل سيدي ، إجلس ، مرحبا بك ، ربما وصل الفاكس ولم يسلم لي بعد..
فتح المدير الجديد حقيبته بكل ثقة وتصفح بعض محتوياتها وأخرج الوثيقة التي ستقلب موازين كل المصالح الإدارية.
- تفضلي قرار التعيين ، سجليه لديك و يجب توزيعه على كل المستخدمين.
- طبعا سيدي ، مرحبا بك مرة ثانية ..
- إجتماع طارئ مع كل رؤساء المصالح بعد ساعة ..
- حاضر ، تفضل من هنا سيدي..
دخل الرجل الأنيق الى مكتبه بخطوات ثابتة ، و سهام تسير وراءه بكل تثاقل وذهول ، وسؤال واحد يدور في ذهنها ..لماذا أخفى مراد نبأ مجيء المدير الجديد؟ فقد بدى عاديا جدا أمس وتصرف كمدير سيبقى طويلا ، ربما وصله الفاكس خارج أوقات العمل ولحد الساعة لم يعرف شيئا وهل تمت إقالته؟ أم سيحول الى جهة أخرى ؟
إتصلت سهام برؤساء المصالح و أخبرتهم بالقادم الجديد ، وماهي إلا دقائق حتى أضحى الخبر حديث كل المكاتب ، و بدأت وفود التهنئة تتهاطل على فخامته ، نفس الأشخاص الذين كانوا حلفاء مراد ، تحولوا في لمح البصر الى أوفياء جدد للحاكم الذي سيبدأ عهده اليوم .
وصل مراد كعادته متأخرا ولم يكن يدري بأنه سيحظى بإستقبال بارد عند مدخل المبنى الإداري ، جميع العيون تراقبه بكثير من الدهشة والإستغراب و الأصوات تنبعث من كل المكاتب، لم يفهم شيئا و وجد نفسه لأول مرة في وضع لا يحسد عليه وما إن وصل الى مكتب سهام حتى وقف أمامها صارخا ....
- ماهو سبب هذه الفوضى العارمة هنا ؟
- أبدا سيدي ، حسبتك تعرف الأمر ؟
- لا أعرف شيئا ، إطلبي من رئيس المستخدمين أن يحضر حالا ..
أراد مراد دخول المكتب بسرعة ولكن سهام أوقفته بكل لباقة..
- هناك شخص بالداخل سيدي ..
- هل وصل مفتش جديد من الوزارة ؟
- إنه المدير الجديد ، سيدي ... آسفة مراد...
- ولم الأسف . ..كنت أتوقع غدر الوزارة ، سنوات من العمل وفي الأخير يستغنون عني بكل سهولة.
جلس مراد بدون وعي و هو يواصل سرد إنجازاته وخدماته السابقة وسهام تستمع إليه بكل شفقة محاولة تخفيف حدة الصدمة عليه وبالرغم من ثقل الضربة النفسية إلا أنه بدى متماسكا ، قد تكون اللحظات الأولى التي تجعل المرء أحيانا يقف في ثبات في إنتظار السقوط الحر .
وفجأة خرج الزائر الجديد ، ليجد نفسه مباشرة بمواجهة المدير القديم ، كان منظرا مميزا تعجز عن نقله أي آلة تصوير وحتى الكلمات تفقد دلالتها في مثل هذه المواقف ، كل واحد يتأمل الآخر ويخيل للمرء بأن الأمر يتعلق بمبارزة تشبه تلك التي تقع في أفلام الغرب الأمريكي ولكن سرعان ما أنقذ مراد المشهد بتدخل مباشر.
- مرحبا بك في الجنوب... يوسف..
- أهلا مراد لم أراك منذ سنوات ..
- تفضل معي الى المكتب لنواصل حديثنا..
وقفت سهام في منتصف مكتبها.. تحاول إسترجاع أنفاسها ، لم تصدق ما يحدث أمامها ، مراد سيرحل الى الأبد وستفقد سندها الدائم الذي طالما وقف الى جانبها ، وكيف سيكون حالها مع المدير الجديد ؟ يبدو عليه الكثير من التكبر والتعالي ، فعلا الأيام القادمة ستكون مصيرية جدا .
وما هي إلا ثواني حتى خرج مراد بسرعة و أغلق الباب وراءه بقوة ، مشى بخطوات غير متوازنة و هو يلعن الوزارة والوزير يبدو أنه وصل الى منتهى الإنكسار النفسي .
- مراد حافظ على أعصابك ، صحتك أهم من كل المناصب ..
- لقد أقالوني يا سهام ، الأنذال سيدفعون الثمن غاليا ..
- ولكن مهما يكن ..فأنت إطار سامي وكان من المفروض أن يشعروك مسبقا بالأمر.
- لقد أرسلوا الفاكس في الليل... الجبناء ، سأريهم من أكون ..
- حتما ستجد من يسمعك في الوزارة ، لا تقلق مراد..
- الإرهابيون يستقبلون بالورود وأنا الذي أفنيت عمري هنا ، أتحول الى مجرد كبش فداء...
- ما دمت لم تفعل شيئا ، فلا تخف و أكيد أن الحقائق ستظهر قريبا ..
- الغريب أن هذا الصعلوك الذي جاء من العاصمة يطلب مني الإنسحاب بصمت لتفادي المتابعة القضائية.
- أنت لم تفعل شيئا يستوجب لجوء الوزارة الى محاكمتك...
- إنها مؤامرة كبرى يا سهام ، لجنة التحقيق التي جاءت مجرد تمويه ، هناك خفايا لا تعرفينها ...
- أتمنى أن توفق في كشف ألاعيبهم يا مراد..
- مع السلامة سهام ، رقم هاتفي النقال لديك ، إخبريني بكل جديد..
- طبعا ، سأتابع كل ما يحدث وأخبرك مع السلامة.

لأول مرة يخرج مراد مهزوما من المديرية ، سيبقى هذا اليوم محفورا في ذاكرته الى الأبد ، من رجل مهم في المدينة الى مجرد شخص مطرود من منصبه من طرف الوزارة ، سيكون حديث المقاهي والصالونات وسيتحول خبر إقالته الى نكتة تتقاذفها الإدرات المحلية ، سيلتقي أعداءه اليوم في أماكن عديدة ليحتفلوا بسقوط الهرم الذي قضى عليه نهر النيل الصناعي الذي أنجزته الوزارة.

يوسف أبوسالم
05/07/2008, 11:11 PM
أخي بو فاتح

قصة واقعية
تحدث كل يوم
وفي مختلف مؤسسات ومديريات الوطن العربي
وبنفس الطريقة
ففي غياب المؤسيية...وغياب سيطرة الأنظمة والقوانين على الجميع
وفي ظل الفساد المستشري والعشائرية والشللية
ماذا نتوقع غير هذا ..
صورت القصة ...الترقب لدى الموظفين
والإنتهازية لدى من يعرفون دائما من أين تؤكل الكتف
وكذلك صورت القهر الذي يعيشه الموظفون في وطننا
وانعدام الأمن الوظيفي
لكن أخي
شعرت بأمرين
الأول ..استخدام ألفاظ الوالي والحاكم ..لا أدري هل ما زلنا نستعملها إلى الآن
والثاني
أن القصة مباشرة جدا ..وكأنها تقرير رسمي موثق
لو أن كثيرا من وقائعها جاءت من خلال الإيحاء والرمز
لكانت أكثر بلاغة في ظني
حتى السرد ..وإن كان مطاوعا لك حسب ما تريد
لكنني شعرت بجفافه نوعا ما
هذا رأي شخصي طبعا أو قل أنه انطباع
تحياتي

بوفاتح سبقاق
06/07/2008, 08:56 AM
تحياتي
ربما يمكن إعتبار القصة ضمن الواقعية القذرة حسب المدرسة الأمريكية
كلمة الوالي مازالت مستعملة عندنا في الجزائر ، البلد مقسم الى ولايات كل ولاية عليها والي
الولاية ما يعادل المحافظة في المشرق

يوسف أبوسالم
06/07/2008, 10:53 AM
تحياتي
ربما يمكن إعتبار القصة ضمن الواقعية القذرة حسب المدرسة الأمريكية
كلمة الوالي مازالت مستعملة عندنا في الجزائر ، البلد مقسم الى ولايات كل ولاية عليها والي
الولاية ما يعادل المحافظة في المشرق


أخي بوفاتح
كل الشكر لك
على التوضيح
دمت مبدعا تحياتي