المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : البائع الصغير



طارق شفيق حقي
07/10/2005, 12:18 PM
البائع الصغير


وسط المنطقة الراقية كان يضع بسطته يبيع أغراضه القليلة .. في البرد القارس ، في الحر ، في مختلف الأنواء الجوية .. يشعل ناراً.. يدخل يديه في جيبيه ..يراوح مكانه ..


ينام منهكاً من التعب وقد لف نفسه بسترة بالية وقد تقوقع على بعضه .. كنت أراقبه مع سكان حينا الراقي ونشتري منه شيئاً أو شيئين وهو دائم التبسم . قررنا مرة نحن سكان الحي بعد أن تناقشنا بأمره أن نقدم له النصح والإرشاد فهو بالتأكيد يفتقد أصول التربية الحديثة كما رأينا ، كنت أقول لهم : إني رأيته يشرب مرة سيكارة . جاري صاحب المعمل قال: كنت أراه يشتم ويسب ، جاري الفاحش الثراء وأردف وأنا رأيته يعاكس

فتاة ... واتفقنا أن نوجه له النصح فهو بعمر أولادنا . وبعد أن اجتمعنا في مكتبي وقد مثل أمامنا كان كل منا يسأله سؤالاً أو سؤالين ويتكلم طويلاً عن أحوال البيع والشراء وأن السب عيب والكفر حرام وتحدثنا عن الأخلاق والدين والحكمة وأشياء أخرى.


وبكثير من التكلف والتصنع حاولوا الاهتمام به متناقلين النصح بكثير من التأنق وهو واقف بجانب الباب يخفض رأسه .. ينظر نظرات خجلى .. يراقب أحياناً الأثاث في المكتب مبهوراً به ولوهلة شعر الصغير بحنانهم وبدفء هذه الغرفة إذ كان واقفاً
بجانب المدفأة الفارهة.....و هو غير المعتاد على هذه الأجواء فأغلب يومه يمضيه في العراء ... مد جاري يده إلى نقوده وقلب أوراقا كثيرة ثم انتزع ورقة مهترئة من فئة الخمسين ليرة ودسها في يده وقد تظاهر بكثير من الخشوع وبعد أن انتهوا فتح الصغير الباب يريد الخروج وهم يردفون بنصيحة عجلى أو إرشاد متكلف وقد غمرهم الرضا وحين أصبح نصف جسد الصغير خارج المكتب شعر بالفرق بين الجوين خرج وكان يتوقع أن يلسعه البرد بعد دفء الغرفة لكنه شعر فجأة بأن الجو الخارجي قد احتضنه فقال في سره إن الدفء هنا أكبر ، وظل هائماً على وجهه ناسياً بسطته وسط هذا الجو القارس .. في آخر الليل عاد إلى بيته كانت أمه تنتظره على باب البيت حزينة حزناً غير اعتيادي وقد تذكرت زوجها المتوفى ترفع صوتها تسكت صغارها الجائعين وقالت له حين أصبح أمامها : ما بالك يا ولدي ترتجف وضمته إلى صدرها وهو ما زال يردد : دفء ربي أكبر ... دفء ربي اكبر كان يشعر بالدفء بالرغم من أن جسده قد تثلج وكأن هالة أحيطت به وهو يمشي لا جسده الخارجي إنما بروحه.... وأصابته ليلتها حمى شديدة


وظل يردد طيلة الليل دفء ربي أكبر دفء ربي أكبر وأمه محتارة ماذا تفعل بشأنه
في الصباح عرفنا نحن سكان الحي الراقي أمر البائع الصغير فذهبنا إلى بيته كانت أمه تبكي دخلنا إليه كان قد فارق الحياة وقد ترك بسمة على شفتيه الصغيرتين ورنت صدى كلماته في المكان : دفء ربي أكبر بعد أن أنهينا مراسم الدفن عدنا إلى مكتبي لنتناقش بأمره فشاهدنا على باب المكتب ورقة الخمسين ليرة المهترئة.
حلب 15/12/2002

منى
09/10/2005, 12:21 AM
أتعرف طارق

قد بكيت لهذه القصة

حقا في الدنيا اناس فقراء القلب

ذلك الطفل الصغير رحمه الله

سلمت أبدأ

احمد الهادي
24/11/2005, 01:56 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بصراحه قصتك جميله اخي طارق وشعرت بشيء من الكبرياء لروح هذا الطفل الصغير ولان في عالمنا هتاك اناس كثر يعيشون بمثل هذا الطفل الكبير بكبريائه برفض النقود من الجار غير المبالي بأنسانيت هذا الطفل اما وفاته فكانت صدمه لي لان مثل هذا الصغير الكبير لا ينبغي ان يموت واعتقد بانه مات من الموقف
وشكرا عزيزي طارق

طارق شفيق حقي
24/11/2005, 04:08 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بصراحه قصتك جميله اخي طارق وشعرت بشيء من الكبرياء لروح هذا الطفل الصغير ولان في عالمنا هتاك اناس كثر يعيشون بمثل هذا الطفل الكبير بكبريائه برفض النقود من الجار غير المبالي بأنسانيت هذا الطفل اما وفاته فكانت صدمه لي لان مثل هذا الصغير الكبير لا ينبغي ان يموت واعتقد بانه مات من الموقف
وشكرا عزيزي طارق
[align=center:98a07e6f23]
سلام الله عليك

العزيز احمد لم نرحب بعد بك في المربد

قد شغلنا فقط عنك أمور الصيانة

ربما تختفي بعض الردود الأخيرة والمواضيع أثناء الصيانة

رغك ذلك سنعود بهدها للترحيب بك
وأهلا بك جميلاً مشاركاً في المربد
لك تحياتي[/align:98a07e6f23]

خالد القيسي
07/01/2006, 06:49 PM
أخي طارق : نص جميل كجمال شمعة تخترق الظلام

تحياتي

طارق شفيق حقي
07/01/2006, 11:47 PM
أخي طارق : نص جميل كجمال شمعة تخترق الظلام

تحياتي


هو من النصوص المتواضعة

سارفع لك قصة الغريب

تحياتي لك

محمود الحسن
11/01/2006, 08:35 PM
أنا أعجبني كبرياء الطفل و أيضا اللغة و المفردات الأدبية الجميلة التي انتقاها الكاتب

د.ألق الماضي
11/01/2006, 09:41 PM
لا يملك الفقير إلا كبرياؤه وكرامته إزاء أولئك المتعالين الذين يقفون خلف زجاج شديد اللمعان يحدقون بمن يمر حولهم ويحجزون أنفسهم بالزجاج الذي يقيهم من ذلك المجتمع الواطئ الذي يزكم أنوفهم ;)

أحمد ديب
13/01/2006, 12:12 PM
[b]الله يا طارق
هكذا أنت كما عرفتك منذ زمن بعيد
بديعة هي الأفكار التي تسوقها على مضمار قلمك
أتمنى لك التوفيق
أخوك
أحمد عبد الحميد ديب

المودني عبدالسلام
25/01/2006, 10:33 AM
قطعة بحمولة جمالية كبيرة..
تعجبني قوة الضعفاء
مودتي
عبدالسلام المودني

طارق شفيق حقي
27/01/2006, 11:39 AM
قطعة بحمولة جمالية كبيرة..
تعجبني قوة الضعفاء
مودتي
عبدالسلام المودني

أهلا بك صديقي شكرا لك

قوة الضعف قوتنا

لماذا تركت الحصان وحيدا
28/01/2006, 11:06 AM
الاخ العزيز طارق
قرات قصتك للمرة الأولى على استعجال لانني اتي الى مقهى الانترنت لوقت قصير احاول ان انجز خلاله اكبر قدر من المتابعة خاصة في مجال تخصصي ولكن مالفت انتباهي التعليقات التي كتبت والتي اشعرتني بان هناك شيئا جميلا داخل هذه القصة فقمت بحملها معي على ال(فلاش ديسك)الى البيت حيث جمعت كل حواسي(وهي ستة طبعا) لاقرا القصة
بعد قراءتي للقصة اضم دموعي الى دموع كل من بكى تأثرا بهذه القصة لانني بكيت فعلا(دعك من الرجولة الان) فلقد اجدت يا اخ طارق بعزفك الجميل على وتر العاطفة الانسانية الذي يقبع داخل روحي (ولن اقول قلبي فالقلب في الطب مجرد مضخة عضلية) وهذا الوتر هو نقطة ضعفي
لن اتكلم لا عن الاسلوب ولا عن جمال النص لان الفكرة وروح الكاتب طغت على كل هذا وجعلتني انسى ان هناك نصا واسلوبا(مع احترامي لحضورهما الجميل طبعا)
ربما سلبت الحياة او الاقدار من هذا الصغير اشياء كثيرة لكنها اعطته كرامة هي كل حياته ولذلك فنزيف كرامته هو الذي اودى بحياته وليس الحمى

بوركت يداك يا طارق
وفقك الله للافضل