المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الــنــظــام الــعـربــي الــرســـمــي بــقــلــم ســـاخــر



تحسين
08/06/2008, 06:17 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

الــنــظــام الــعـربــي الــرســـمــي بــقــلــم ســـاخــر

تحسين يحيى حسن أبو عاصي

فلسطين

tahsseemm2010@hotmail.com (tahsseemm2010@hotmail.com)

***********************************
قمت برحلة إلى حديقة حيوانات صغيرة في قطاع غزة برفقة تلاميذي ، وبمجرد دخولنا الحديقة ، أدهش التلاميذ منظر قرد يضاجع أنثاه ، وقف التلاميذ يرقبون المشهد ومنهم الضاحك ، ومنهم المُعلق ، ومنهم المتأمل ، ومنهم الساخر ، ومنهم الساكت ، فتذكرت من جملة هذا المشهد حال الحكام العرب وعلاقتهم بأمريكا ، وعلاقة بعضهم في بعض ، وعلاقتهم بشعوبهم .

في حديقة الحيوانات ، يتآلف كل جنس مع جنسه فقط ، وكل لون مع لونه فقط ، وكل فصيل مع فصيله ، وكل تنظيم مع تنظيمه ، وكل قطيع مع قطيعه ، وكل فكر مع أفكاره ، وكل قلم مع أقلامه ، وكل حمار مع حميره ، وكل قرد مع قروده ، وكل وحش مع وحوشه ، وكل حيوان مع أليفه ، والحيوانات على دين ملوكهم ، وهكذا .....
رأيت الحمير وهم يقربون رؤوسهم بعضهم من بعض ، كأنهم يستجيبون لدعوة من البيت الأبيض ، فتذكرت حمير القمة العربية ، ورأيت منهم حمارا يهمس كثيرا في آذان محاوريه ، قتذكرت الحمار الذي افتتح الجلسة .

مرّ احد الموظفين في الحديقة من أمامي ، يجر عربة ممتلئة باللحوم التي سيقدمها الآن وجبة طعام للحيوانات ، فتذكرت أربعمائة ألف مشرد مصري ( وفق إحصائيات مراكز حقوق الإنسان ) ينامون على أرصفة مصر، وفوق الأسطح وفي المقابر ، وتذكرت مئات الألوف من الأسر الفلسطينية التي تسمع فقط باللحوم ، وتذكرت ملايين الجياع في العراق ، وتذكرت المشردين في الصومال ، وتذكرت جيوش المعدمين في السودان وإفريقيا ، وتذكرت سجناء الضمير والشرف في سجون النظام العربي الرسمي ، فلو كانوا في نظر قادتهم حيوانات لحظوا باهتمام بالغ ، مثل هذه الحيوانات المحظوظة في أسرها .

حمير حديقة الحيوانات لا يعانون الحصار، ولا يحتاجون إلى وقود ممنوع عنهم ، ولا يحتاجون للمشي على أقدامهم ، حيوانات تعيش في وطن والأرض لهم .

طار خيالي إلى جمعيات الرفق بالحمار وبالكلب وبالبغل وبالتيس في أوروبا وبوحيد القرن والخرتيت في إفريقيا ، وكيف أن الصيادين يصيدونه من أجل أن يحظوا بقرن الفحولة الجنسية ، مثل ذلك القرد مع أنثاه الذي أحسن استقبالنا ، في الوقت الذي لم يحسن النظام العربي استقبال الفلسطيني ولا العراقي ولا السوداني، إلا الغربي والإسرائلي .

كان كل من في الحديقة في واد ، وكنت في وادٍ آخر ، كل من ي الحديقة يرتع ويلهو ويلعب ويستمتع في واديه إلا أنا ، أغرق في وادٍ عميق من التفكير حيث تفتحت عليّ أبوابا كثيرة من الجروح والهموم والأحزان ، التي لا يشاطرني بها أحد من الحيوانات إلا القرود التي كانت تداعبني ، فكنت القي إليها قليلا من الموز الذي تحبه شأن حال الحكام العرب .

أمطرتني الأفكار بكثير من المعاني المتأثرة بالمكان والزمان ، وتذكرت الذئبة تدافع عن صغارها ووطنها حتى الموت ، والنملة تلدغ ، والدجاحة تنقر، والكلبة تعض وتنبح ، إلا النظام العربي الرسمي الذي يعيش لحظة النشوة في أوجها مع أمريكا ،ورضي أن يكون منصوبا بفتحة المفعول به ، شأنه بذلك شأن القرد الذي يضاجع أنثاه ، ولا يشعر بالحرج من الجمهور المتفرج حوله .

ثم إنني لم أر بينهم حيوانا أعمى ولا يتعامى ، فمن يقترب من حدود أي حيوان ، كان ينظر له بعينيه كأنه يتوعده ، ولم أر حيوانا بدل جلده أو هويته أو قوميته ، ولم أر ذكرا منها تحول إلى أنثى ، ولا أنثى تحولت إلى ذكر .

كنت واضعا يدي على خدي ، مستغرقا في تفكير عميق ، أيقظني منه نهيق حمار مزعج ، فتذكرت أصوات الإعلام العربي ، وأبواق المسخ ، ومن أمامي قفص مأسور فيه أسد ، ذهبت من مكاني ووقفت بجوار قفص الأسد ،ووجدت أن بيني وبينه ثلاثة حواجز حديدية ، أحببت أن أقدم له التحية لعله يفهمني كما فهمته ، لكنه كان على ما يبدو مخدّرا ، يغط أحيانا في النوم ، ويصحو أحيانا أخرى .

قلت في نفسي : ما أكثر القواسم المشتركة بين الحيوانات وبين الأنظمة العربية التي يترأسها قرد يجامع قردة ، وربما حمارة أو كلبة ، لأننا أصبحنا اليوم نشكو الرمد المزمن ، فنرى بعين واحدة ، وتذكرت كيف يكون الثعلب أمينا ، وكيف يكون الذئب راعيا ، والحمار قاضيا ، والنمر أستاذا معلما ، والدُّب قدوة عاقلا ،والبقر الوحشي راعيا ، والكل يعيش الواقعية السياسية والعقلانية العلمية والعولمة الحديثة .

وفجأة سمعت صوت طائر يغرد ، و لسان حاله يقول : لا ظلم اليوم ، هنا نحن ننعم بالعدالة أكثر منكم أيها العرب ، فمتى تثوروا على بؤسكم ؟ ومتى تنتقموا من جلاديكم ؟.
وصوت أخر يقول : لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي .
فهل تستقبلنا الأنظمة العربية بمثل ما استقبلتنا القرود المتعطشة لأكل الموز في حديقة الحيوانات؛ لعلنا نعيش لحظة : لا ظلم اليوم ؟ .


شكر الله سعيكم



زيارتكم وتعليقاتكم شرف كبير لي
www.tahsseen.jeeran.com (http://www.tahsseen.jeeran.com/)مدونتي : واحة الكتاب والأدباء المغمورين