المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علم المناسبة



طارق شفيق حقي
06/06/2008, 06:15 PM
علم المناسبة


القرآن الكريم معجزة ربانية تدعوك للدهشة كلما وقفت عن بعض مفاصلها وتلمست بعض أسرارها, لا يكفي أن نقف ونسلم بقدسية القرآن الكريم بل يجب أن نضيف لهذه القدسية معرفة راسخة وعلماً ثابتاً بإعجاز القرآن فهو كلام الله الجميل , ولن نعرف الجمال ما لم نبحث ونتلمس تفاصيله , الجميل في القرآن أننا كلما عرفنا تفصيلاً صغيراً كلما دهشنا بروعة صنعته حتى نكاد نسلم ضمنياً أن هذا كلام الله لا يصنع مثله بشر.

- علم المناسبة: هناك علوم كثيرة أغفلناها في عصرنا وانصرفنا لشرح القرآن ولم نتلمس هذه الأساليب وهذه الصياغات في بيئة مدهشة ومنظومة عضوية يكاد أوله يشير لآخره , ويؤثر كل حرف بما يليه .

واعلم أن المناسبة علم شريف تحزر به العقول ويعرف به قدر القائل فيما يقول والمناسبة في اللغة المقاربة وفلان يناسب فلانا أي يقرب منه ويشاكله ومنه النسيب الذي هو القريب المتصل كالأخوين وابن العم ونحوه وإن كانا متناسبين بمعنى رابط بينهما وهو القرابة.

وقيل المناسبة أمر معقول إذا عرض على العقول تلقته بالقبول وكذلك المناسبة في فواتح الآي وخواتمها ومرجعها
وهذا الارتباط يكون لعلة ومشاكلة وضعها الله, وتفصح بعض السور وتعاقبها عن هذا العلم الجميل , وفائدة هذا العلم ارتباط عرى الكلام ببعضه , فيكون منظومة متماسكة مدهشة في صياغتها وترتيبها.
وهذا العلم ليس مقصوراً على القرآن فيمكننا بذلك نقله لشتى ميادين الأدب والنقد والفكر الإنساني, وتراني نستفيد منه في صايغة الخطب والرسائل والكتب والمجموعات الأدبية, نحن إذ نحتك بالقرآن فإننا نتعلم منه وننقل هذا النظام لأرواحنا.

وقد قل اعتناء المفسرين بهذا النوع لدقته وممن أكثر منه الإمام فخر الدين الرازي وقال في تفسيره أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط وقال بعض الأئمة من محاسن الكلام أن يرتبط بعضه ببعض لئلا يكون منقطعا.

وقال الشيخ أبو الحسن الشهراباني أول من أظهر ببغداد علم المناسبة ولم نكن سمعناه من غيره هو الشيخ الإمام أبو بكر النيسابوري وكان غزير العلم في الشريعة والأدب وكان يقول على الكرسي إذا قرئ عليه الآية لم جعلت هذه الآية إلى جنب هذه؟وما الحكمة في جعل هذه السورة إلى جنب هذه السورة؟وكان يزري على علماء بغداد لعدم علمهم بالمناسبة .

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام المناسبة علم حسن ولكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر.

وإذا اعتبرت افتتاح كل سوره وجدته فى غاية المناسبة لما ختم به السورة قبلها ثم هو يخفى تارة ويظهر أخرى كافتتاح سورة الأنعام بالحمد فإنه مناسب لختام سورة المائدة من فصل القضاء كما قال سبحانه {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}
وكافتتاح سورة فاطر بـ {الحمد} أيضا فإنه مناسب لختام ما قبلها من قوله {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ} وكما قال تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وكافتتاح سورة الحديد بالتسبيح فإنه مناسب لختام سورة الواقعة من الأمر به وكافتتاح البقرة بقوله {آلم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} إشارة إلى {الصِّرَاطَ} في قوله {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} كأنهم لما سألوا الهداية إلى الصراط المستقيم قيل لهم ذلك الصراط الذي سألتم الهداية إليه هو الكتاب
وهذا معنى حسن يظهر فيه ارتباط سورة البقرة بالفاتحة وهو يرد سؤال الزمخشري في ذلك
وتأمل ارتباط سورة {لإِيلافِ قُرَيْشٍ} بسورة الفيل حتى قال الأخفش: اتصالها بها من باب قوله {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً}




المرجع: كتاب البرهان في علوم القرآن للزركشي

عماد ابو رياض
06/06/2008, 06:34 PM
جزاك الله خير الجزاء استاذنا الفاضل .. كثيرا ماترد هذه الاسئله ..
وهذا العلم .. لاصحاب العقول النيره والقلوب الملهمه.. فجزاك وجزاهم
الله خيرا لتنويرنا بدرر القران واعجازه .

طارق شفيق حقي
06/06/2008, 10:52 PM
ومن لطائف سورة الكوثر أنها كالمقابلة للتي قبلها لأن السابقة قد وصف الله فيها المنافق بأمور أربعة البخل وترك الصلاة والرياء فيها ومنع الزكاة فذكر هنا في مقابلة البخل {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} أي الكثير وفى مقابلة ترك الصلاة {فَصَلِّ} أي دم عليها وفى مقابلة الرياء {لِرَبِّكَ} أي لرضاه لا للناس وفى مقابلة منع الماعون {وَانْحَرْ} وأراد به التصدق بلحم الأضاحي فاعتبر هذه المناسبة العجيبة

لنتأمل سورة الكوثر


إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ 1 فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ 2 إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ

3


ولنتأمل سورة الماعون التي جاءت قبل سورة الكوثر


الماعون


أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ 1 فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ 2 وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ 3 فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ 4 الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ 5 الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ 6 وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ

7

بالله عليكم بعد تأمل هذه المقابلة بين السورتين

أليست المناسبة بينهما مدهشة وبديعة
صنعة الله ومن أحسن من الله صنعة

د.ألق الماضي
08/06/2008, 07:38 PM
موضوع شائق...
أتابعك أخي طارق...
جزيت الجنة...