المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عصفور على النافذة ( من مجموعتي )



مريم خليل الضاني
04/06/2008, 05:58 AM
كالعادة ، تتكرر التفاصيل اليومية لظهيرتي الباهتة : عدت من عملي و تناولت غدائي ثم استلقيت على سريري . تنزّ دماملي القديمة و تحاصرني رياح البكاء الثلجية .
قرأت ذات مرة أن طول زمن التعايش مع الحزن يورث تبلد الحس ، ولكنه بالنسبة لي أورث المزيد من الألم ! .
ذاك الحزن المعتّق المترسب في أعماقي كجنين ميت يابس ، من سيجتثه ؟ !
. الصمت روح تسكن أوصال شقتي الصغيرة .لا شيء سوى دقات الساعة وخرير الماء المتسرب من ماسورة المطبخ المشروخة .
أحدق في الفراغ ، أبحث عن النوم و أعبث بأوراق مبعثرة متدلية من درج الدولاب : رسالة من أمي ، و فاتورة كهربا ء ، وورقة طلاق ! .
جرس الهاتف يرن فتمزق نغمته الحادة السكون المطبق على البيت . رفعتُ سماعة الهاتف فجاءني صوت ابنة الجيران
: أمي تريدك يا خالة .
تركَت الصغيرة سماعة الهاتف وركضَت لتنادي أمها .
لم تتصل بي جارتي منذ فترة طويلة ! . لا بد أنها اشتاقت إليّ. سرت في جسمي دفقة من الفرح حين سمعت صخب أبنائها وهم يتعاركون ليمسكوا سماعة الهاتف ويتحدثون معي . بغتة صفعني صوتها المزمجر : ـ
ما هذا الإهمال ! .الماء المتسرب من مطبخك أغرق مطبخي . كم مرة أخبرتك بهذا ! .
: لم أعثر على سباك . غدا سأواصل البحث.
بلعتُ غصتي حين اكتشفتُ أنها وضعت السماعة دون أن تسمع ردي .
نهضتُ من السرير وطفقتُ أتسكع في الشقة . اتكأت على باب المطبخ أتأمل شرخ الماسورة الآخذ في الاتساع . اقتربت منها وانحنيت فوق بركة الماء الصغيرة التي تجمعت بجوار البالوعة ، فاكتشفت أن دموعي تتساقط تباعا فيها .
عدت إلى سريري.
بدأ النعاس يراودني . ما أجمل الهروب إلى النوم !.
تهدهدني دقات الساعة فأطفو في فراغ الحجرة وأستشرف شواطئ النوم الدافئة .

فتحت عينيّ بقوة حين تناهى إلى سمعي تغريدك قرب النافذة . تمتمتُ :
عصفور هنا ! .
نهضت متثاقلة لأفتح النافذة ،فرأيتك على سطح منزل قريب .

لعلك يا عصفور تعبت من التحليق فتوقفت هنيهة لترتاح . تكومتُ في فراشي أصغي إليك ، تارة يعلو تغريدك قويا فرحا ، وتارة يخفت متراخيا حزينا ، وتارة أخرى يتقطع كنشيج مكتوم . لعلك تبث همومك إلى عصفور آخر قريب منك أو غائب عنك ، إلا أن تغريدك لا يشبه قط تغريد العصافير الذي اعتدت أن أسمعه في طريق عودتي من العمل ! .
النعاس يثقل أجفاني. حاولت أن أظل مستيقظة لأصغي إليك ولكن النوم غلبني ، وحين استيقظت لم يكن ثمة تغريد .
وقفت على النافذة فرأيتك تقف على سطح بعيد ، تغرد فتدثر غلالة تغريدك الأزقة الباردة والأبواب القديمة المتآكلة . تقف هناك وحيدا ، تتقافز على الحبال بين مشابك الغسيل ، تنظر تارة إلى الأفق البعيد فتطيل النظر ، ثم تنظر إلى نافذتي و إلى الزقاق الضيق حيث يحاول صبي جاهدا اصطيادك بمطاطته . تلتقط بمنقارك فتات الخبز الناشف من شرفة ما ثم تحلق بعيدا في السماء ، تبتعد وتبتعد حتى تبدو نقطة دقيقة في صفحة زرقاء ، ثم تتلاشى لتعود مرة أخرى تتقافز على حبال الغسيل .
ابق هنا يا عصفور . اقترب مني أر يد أن أحدثك . نظرتَ إليّ من بعيد ثم سبحتَ في الفضاء فيبست الكلمات في حلقي. ها أنت تحط على نافذة قريبة مني ، حسنا ، إصغ إلي يا عصفور:
هل تعيش وحيدا ؟ !
وهل أدماك صقيع الغربة ؟ عندما ينساك الآخرون ؟ وعندما تدمن البكاء ، وحين تهبط كريشة في هاوية لا قرار لها ؟ .
هل يستوطنك الإحساس بأنك غصن مقطوع تدحرجه الرياح إلى أراض بعيدة موحشة ؟ .
هل تبحث عن شيء تحتمي به عندما تسحقك عواصف الخوف فلا تجد إلا الفراغ ؟ .
أنت لا تجيب ، بل تنظر إليّ بعينين دقيقتين مغمورتين بالحزن .
من أي سماء أتيت ؟ ، ولمَ آثرت التغريد هنا على نوافذ متربة لبنايات قديمة ، شرفاتها تحتضن أصص زهور ميتة ؟ .
ألا تحنّ إلى بلادك البعيدة؟ !.

حلقتَ بعيدا ثم حططتَ على مصباح مكسور في الزقاق .
مازلتَ بعيدا عن نافذتي ، وأنا تعبتُ من الوقوف .أسدلتُ ستارة النافذة فاحتد تغريدك واضطرب . لعلك تناديني ، ولكنك تتحاشى الاقتراب من نافذتي ! . خفَتَ صوتك بالتدريج ثم تلاشى .

ابتعدتُ عن النافذة و أويتُ إلى الصمت ودقات الساعة والخرير المتواصل . لحظات مضت وأنا أتقلب على الفراش . آه ، ليتك تعود يا عصفور ! .
ربما استوحشتَ في هذا المكان المنسي فقررت أن لا تعود ، أو لعل ذاك الصبي اصطادك!.
لا بأس ، لقد فقدتُ كثيرا من أحبتي ! وها أنا من جديد أفقد عصفورا ! .
تشاغلتُ عن رغبتي في البكاء بمراقبة عنكبوت يروح ويجيء عند باب الحجرة . غطيتُ رأسي بالوسادة فسمعت تغريدك .
لعلي أحلم ! . جلستُ و حدقتُ مليا بستارة نافذتي التي تضطرب بقوة . وثبتُ باتجاه النافذة وسحبتُ الستارة فوجدتك على حافة النافذة ! .
من سيصدقني عندما أؤكد لهم أن العصافير تبتسم ؟! .



من مجموعتي القصصية الأولى ( سرداب التاجوري ) التي صدرت قبل خمسة أشهر .

علاءالبعبولى
04/06/2008, 06:51 AM
ابق هنا يا عصفور . اقترب مني أر يد أن أحدثك . نظرتَ إليّ من بعيد ثم سبحتَ في الفضاء فيبست الكلمات في حلقي. ها أنت تحط على نافذة قريبة مني ، حسنا ، إصغ إلي يا عصفور:
هل تعيش وحيدا ؟ ! وهل أدماك صقيع الغربة ؟ عندما ينساك الآخرون ؟ وعندما تدمن البكاء ، وحين تهبط كريشة في هاوية لا قرار لها ؟ . هل يستوطنك الإحساس بأنك غصن مقطوع تدحرجه الرياح إلى أراض بعيدة موحشة ؟ . هل تبحث عن شيء تحتمي به عندما تسحقك عواصف الخوف فلا تجد إلا الفراغ ؟ .
أنت لا تجيب ، بل تنظر إليّ بعينين دقيقتين مغمورتين بالحزن . من أي سماء أتيت ؟ ، ولمَ آثرت التغريد هنا على نوافذ متربة لبنايات قديمة ، شرفاتها تحتضن أصص زهور ميتة ؟ . ألا تحنّ إلى بلادك البعيدة؟ !.

حلقتَ بعيدا ثم حططتَ على مصباح مكسور في الزقاق .
مازلتَ بعيدا عن نافذتي ، وأنا تعبتُ من الوقوف .أسدلتُ ستارة النافذة فاحتد تغريدك واضطرب . لعلك تناديني ، ولكنك تتحاشى الاقتراب من نافذتي ! . خفَتَ صوتك بالتدريج ثم تلاشى .

ابتعدتُ عن النافذة و أويتُ إلى الصمت ودقات الساعة والخرير المتواصل . لحظات مضت وأنا أتقلب على الفراش . آه ، ليتك تعود يا عصفور ! .
******

ربما استوحشتَ في هذا المكان المنسي فقررت أن لا تعود ، أو لعل ذاك الصبي اصطادك!.
لا بأس ، لقد فقدتُ كثيرا من أحبتي ! وها أنا من جديد أفقد عصفورا ! .
تشاغلتُ عن رغبتي في البكاء بمراقبة عنكبوت يروح ويجيء عند باب الحجرة . غطيتُ رأسي بالوسادة فسمعت تغريدك .
لعلي أحلم ! . جلستُ و حدقتُ مليا بستارة نافذتي التي تضطرب بقوة . وثبتُ باتجاه النافذة وسحبتُ الستارة فوجدتك على حافة النافذة ! .
من سيصدقني عندما أؤكد لهم أن العصافير تبتسم ؟! .
***********
الأديبه الفاضله الأخت / مريم
نصدقكم فى ابتسام العصفور لتأكدنا من صدقكم برؤيتنا لدموعه آن سؤاله عن فلسفة ألمك
حلقى كعصفورك على الرياض الرحيبه والمروج الفسيحه والزهور النديه لعلك تبتسمين مثله
أبدعت فى التعبير عن الألم و تنقلت بين مرايا السرد بإجاده
مرحبا بكم ودعوات صادقه بالتوفيق
.....علاء

طارق شفيق حقي
04/06/2008, 12:25 PM
سلام الله عليك وأهلا بك أختي الكريمة في المربد
مبارك لك مجموعتك القصصية
قد قرأت استهلال القصة وعرفت منه أنك قاصة
كان استهلالاً فنياً دالاً
وكثيراً ما يغفل القصاص فن الاستهلال


...(: رسالة من أمي ، و فاتورة كهربا ء ، وورقة طلاق ! .)

أرحب بك مرة أخرى في المربد

مريم خليل الضاني
04/06/2008, 09:47 PM
الأديب الفاضل طارق شفيق :
يشرفني رأيك في القصة فلك مني جزيل الشكر والتقدير .

طارق شفيق حقي
06/06/2008, 11:45 AM
على فكرة في القصة التي ترجمها الأستاذ رزاق الجزائري وصغتها بتصرفالهدية لـ قسطنطين بايوستوفسكي, غيرت بعض الكلمات لتتكلم عن التفاصيل الصغيرة لكني وجدت فيها هدفاً وغاية:


ذاتها الأحاديث المكرورة تعود مع عودة الخريف كل عام ، ربما لم يخلقالله هذه الأحاديث إلا ليجمع أطراف العائلة ، ربما لينسينا عبور الغريب بسرعة ،فالشتاء عندنا طويل و قارس ، والربيع قصير نكاد لا نحس به ، أما الخريف فهو كعصفور نقر نقراً خفيفاً على زجاج النافذة ثم رحل.


وهذا هو استهلال قصتك


كالعادة ، تتكرر التفاصيل اليومية لظهيرتي الباهتة : عدت من عملي و تناولت غدائي ثم استلقيت على سريري . تنزّ دماملي القديمة و تحاصرني رياح البكاء الثلجية .

حياك الله

مريم خليل الضاني
06/06/2008, 12:54 PM
على فكرة في القصة التي ترجمها الأستاذ رزاق الجزائري وصغتها بتصرفالهدية لـ قسطنطين بايوستوفسكي, غيرت بعض الكلمات لتتكلم عن التفاصيل الصغيرة لكني وجدت فيها هدفاً وغاية:




وهذا هو استهلال قصتك


حياك الله

أشكرك جزيل الشكر أيها الأديب القدير على اهتمامك بقصتي و يسرني أن تعطيني رابط قصة الهدية حتى أتشرف بقراءتها كما يشرفني أن أهديك مجموعتي القصصية على عنوانك البريدي .
دمت بخير .

فارس الهيتي
07/06/2008, 03:56 AM
شكرا لكل هذا النزف
أبدعتِ
أراك بخير

يوسف أبوسالم
13/06/2008, 03:52 PM
الأخت مريم
مساء الأمل

في البداية أبارك لك صدور مجموعتك القصصية
وأتمنى أن تتلوها مجموعات أخرى

قرأت قصتك مرارا ...
وتيقنت أني أمام أديبة تتقن فن القص
ويتحدث قلمها بسلاسة
وبقدرة سردية عالية
وبداية أضم صوتي للأستاذ طارق في ملاحظته حولا الإستهلالل
وأقول
بحثت في القصة عن سبب تراكم هذا الحزن العميق
فوجدت التالي ..
إلي يا عصفور:
هل تعيش وحيدا ؟ !
وهل أدماك صقيع الغربة ؟ عندما ينساك الآخرون ؟ وعندما تدمن البكاء ، وحين تهبط كريشة في هاوية لا قرار لها ؟ .
هل يستوطنك الإحساس بأنك غصن مقطوع تدحرجه الرياح إلى أراض بعيدة موحشة ؟ .
هل تبحث عن شيء تحتمي به عندما تسحقك عواصف الخوف فلا تجد إلا الفراغ ؟ .
أنت لا تجيب ، بل تنظر إليّ بعينين دقيقتين مغمورتين بالحزن .
من أي سماء أتيت ؟ ، ولمَ آثرت التغريد هنا على نوافذ متربة لبنايات قديمة ، شرفاتها تحتضن أصص زهور ميتة ؟ .
ألا تحنّ إلى بلادك البعيدة؟ !.
الوحدة ...الفراغ ....نسيان الآخرين....التفاصيل اليومية التي عليها حلها منفردة...والحنين للوطن البعيد
ولعل سببا واحدا أو مفردة واحدة من هذه المفردات كافية جدا للإحساس بالوحدة
فماذا يكون الحال وقد تجمعت كل هذه الأسباب
لكني وقبل أن أنهي قراءة القصة كنت أخاف أن تتركنا في عتمة هذا الحزن العميق
حتى وجدت العصفور يعود للنافذة
ففرحت أن الأمل باق ..وأنه مهما استبد الظلام لا بد من شعلة أمل
وأن آخر الليل لابد أن يكون نهارا
الأديبة الأخت مريم
شكرا لك

مريم خليل الضاني
13/06/2008, 08:51 PM
شكرا لكل هذا النزف
أبدعتِ
أراك بخير
جزاك الله عني كل خير وحقق لك كل أمنياتك الأدبية .

مريم خليل الضاني
13/06/2008, 08:56 PM
الأخت مريم


مساء الأمل


في البداية أبارك لك صدور مجموعتك القصصية
وأتمنى أن تتلوها مجموعات أخرى


قرأت قصتك مرارا ...
وتيقنت أني أمام أديبة تتقن فن القص
ويتحدث قلمها بسلاسة
وبقدرة سردية عالية
وبداية أضم صوتي للأستاذ طارق في ملاحظته حولا الإستهلالل
وأقول
بحثت في القصة عن سبب تراكم هذا الحزن العميق
فوجدت التالي ..
إلي يا عصفور:
هل تعيش وحيدا ؟ !
وهل أدماك صقيع الغربة ؟ عندما ينساك الآخرون ؟ وعندما تدمن البكاء ، وحين تهبط كريشة في هاوية لا قرار لها ؟ .
هل يستوطنك الإحساس بأنك غصن مقطوع تدحرجه الرياح إلى أراض بعيدة موحشة ؟ .
هل تبحث عن شيء تحتمي به عندما تسحقك عواصف الخوف فلا تجد إلا الفراغ ؟ .
أنت لا تجيب ، بل تنظر إليّ بعينين دقيقتين مغمورتين بالحزن .
من أي سماء أتيت ؟ ، ولمَ آثرت التغريد هنا على نوافذ متربة لبنايات قديمة ، شرفاتها تحتضن أصص زهور ميتة ؟ .
ألا تحنّ إلى بلادك البعيدة؟ !.
الوحدة ...الفراغ ....نسيان الآخرين....التفاصيل اليومية التي عليها حلها منفردة...والحنين للوطن البعيد
ولعل سببا واحدا أو مفردة واحدة من هذه المفردات كافية جدا للإحساس بالوحدة
فماذا يكون الحال وقد تجمعت كل هذه الأسباب
لكني وقبل أن أنهي قراءة القصة كنت أخاف أن تتركنا في عتمة هذا الحزن العميق
حتى وجدت العصفور يعود للنافذة
ففرحت أن الأمل باق ..وأنه مهما استبد الظلام لا بد من شعلة أمل
وأن آخر الليل لابد أن يكون نهارا
الأديبة الأخت مريم
شكرا لك





هو فعلا أخي الكريم مساء الأمل لأنه مساء غمرني فيه أهل المربد الكرماء بضيافتهم السخية وترحيبهم بقلمي المتواضع ولا أعرف كيف أكافئكم على كرمكم .
هو مساء للأمل ومساء للفرح بهذه الدوحة الغناء ( مربد الأدب والثقافة ) التي أشعر أني أحلق فيها مع عصفور القصة الذي أتاكم ليبدد أحزانه في وهج الفرح بمربدكم البهي .
جزاكم الله عني كل خير .

فيصل محمد الزوايدي
15/06/2008, 04:50 PM
أخت مريم . اعجبني نصك هذا كثيرا خاصة في وصفك المتميز
دمت متألقة
مودتي

مريم خليل الضاني
18/06/2008, 12:55 PM
أخت مريم . اعجبني نصك هذا كثيرا خاصة في وصفك المتميز
دمت متألقة
مودتي
وأنا أعجز عن شكرك أخي الكريم فيصل على اهتمامك الدائم بنصوصي .
تمنياتي لك بالتوفيق والسعادة .

عماد ابو رياض
18/06/2008, 03:25 PM
الاخت مريم .. جزاك الله خيرا على هذا التماسك الفني في وحدة الموضوع و قصه رائعه .. ولكن اسأل ماذا
فعلت مع جارتك ؟؟ وهل تم اصلاح انبوب الماء ...؟؟ زادك الله الهاما اختي العزيزه .

مريم خليل الضاني
18/06/2008, 04:03 PM
الاخت مريم .. جزاك الله خيرا على هذا التماسك الفني في وحدة الموضوع و قصه رائعه .. ولكن اسأل ماذا
فعلت مع جارتك ؟؟ وهل تم اصلاح انبوب الماء ...؟؟ زادك الله الهاما اختي العزيزه .

أخي الكريم هذه القصة ليست قصة من حياتي ! . نعم كتبتها بضمير المتكلم ولكنها ليست متعلقة بي شخصيا .
شكرا على مرورك .

ابو مريم
18/06/2008, 09:08 PM
كالعادة ، تتكرر التفاصيل اليومية لظهيرتي الباهتة : عدت من عملي و تناولت غدائي ثم استلقيت على سريري . تنزّ دماملي القديمة و تحاصرني رياح البكاء الثلجية .
قرأت ذات مرة أن طول زمن التعايش مع الحزن يورث تبلد الحس ، ولكنه بالنسبة لي أورث المزيد من الألم ! .
ذاك الحزن المعتّق المترسب في أعماقي كجنين ميت يابس ، من سيجتثه ؟ !
. الصمت روح تسكن أوصال شقتي الصغيرة .لا شيء سوى دقات الساعة وخرير الماء المتسرب من ماسورة المطبخ المشروخة .
أحدق في الفراغ ، أبحث عن النوم و أعبث بأوراق مبعثرة متدلية من درج الدولاب : رسالة من أمي ، و فاتورة كهربا ء ، وورقة طلاق ! .
جرس الهاتف يرن فتمزق نغمته الحادة السكون المطبق على البيت . رفعتُ سماعة الهاتف فجاءني صوت ابنة الجيران
: أمي تريدك يا خالة .
تركَت الصغيرة سماعة الهاتف وركضَت لتنادي أمها .
لم تتصل بي جارتي منذ فترة طويلة ! . لا بد أنها اشتاقت إليّ. سرت في جسمي دفقة من الفرح حين سمعت صخب أبنائها وهم يتعاركون ليمسكوا سماعة الهاتف ويتحدثون معي . بغتة صفعني صوتها المزمجر : ـ
ما هذا الإهمال ! .الماء المتسرب من مطبخك أغرق مطبخي . كم مرة أخبرتك بهذا ! .
: لم أعثر على سباك . غدا سأواصل البحث.
بلعتُ غصتي حين اكتشفتُ أنها وضعت السماعة دون أن تسمع ردي .
نهضتُ من السرير وطفقتُ أتسكع في الشقة . اتكأت على باب المطبخ أتأمل شرخ الماسورة الآخذ في الاتساع . اقتربت منها وانحنيت فوق بركة الماء الصغيرة التي تجمعت بجوار البالوعة ، فاكتشفت أن دموعي تتساقط تباعا فيها .
عدت إلى سريري.
بدأ النعاس يراودني . ما أجمل الهروب إلى النوم !.
تهدهدني دقات الساعة فأطفو في فراغ الحجرة وأستشرف شواطئ النوم الدافئة .

فتحت عينيّ بقوة حين تناهى إلى سمعي تغريدك قرب النافذة . تمتمتُ :
عصفور هنا ! .
نهضت متثاقلة لأفتح النافذة ،فرأيتك على سطح منزل قريب .

لعلك يا عصفور تعبت من التحليق فتوقفت هنيهة لترتاح . تكومتُ في فراشي أصغي إليك ، تارة يعلو تغريدك قويا فرحا ، وتارة يخفت متراخيا حزينا ، وتارة أخرى يتقطع كنشيج مكتوم . لعلك تبث همومك إلى عصفور آخر قريب منك أو غائب عنك ، إلا أن تغريدك لا يشبه قط تغريد العصافير الذي اعتدت أن أسمعه في طريق عودتي من العمل ! .
النعاس يثقل أجفاني. حاولت أن أظل مستيقظة لأصغي إليك ولكن النوم غلبني ، وحين استيقظت لم يكن ثمة تغريد .
وقفت على النافذة فرأيتك تقف على سطح بعيد ، تغرد فتدثر غلالة تغريدك الأزقة الباردة والأبواب القديمة المتآكلة . تقف هناك وحيدا ، تتقافز على الحبال بين مشابك الغسيل ، تنظر تارة إلى الأفق البعيد فتطيل النظر ، ثم تنظر إلى نافذتي و إلى الزقاق الضيق حيث يحاول صبي جاهدا اصطيادك بمطاطته . تلتقط بمنقارك فتات الخبز الناشف من شرفة ما ثم تحلق بعيدا في السماء ، تبتعد وتبتعد حتى تبدو نقطة دقيقة في صفحة زرقاء ، ثم تتلاشى لتعود مرة أخرى تتقافز على حبال الغسيل .
ابق هنا يا عصفور . اقترب مني أر يد أن أحدثك . نظرتَ إليّ من بعيد ثم سبحتَ في الفضاء فيبست الكلمات في حلقي. ها أنت تحط على نافذة قريبة مني ، حسنا ، إصغ إلي يا عصفور:
هل تعيش وحيدا ؟ !
وهل أدماك صقيع الغربة ؟ عندما ينساك الآخرون ؟ وعندما تدمن البكاء ، وحين تهبط كريشة في هاوية لا قرار لها ؟ .
هل يستوطنك الإحساس بأنك غصن مقطوع تدحرجه الرياح إلى أراض بعيدة موحشة ؟ .
هل تبحث عن شيء تحتمي به عندما تسحقك عواصف الخوف فلا تجد إلا الفراغ ؟ .
أنت لا تجيب ، بل تنظر إليّ بعينين دقيقتين مغمورتين بالحزن .
من أي سماء أتيت ؟ ، ولمَ آثرت التغريد هنا على نوافذ متربة لبنايات قديمة ، شرفاتها تحتضن أصص زهور ميتة ؟ .
ألا تحنّ إلى بلادك البعيدة؟ !.

حلقتَ بعيدا ثم حططتَ على مصباح مكسور في الزقاق .
مازلتَ بعيدا عن نافذتي ، وأنا تعبتُ من الوقوف .أسدلتُ ستارة النافذة فاحتد تغريدك واضطرب . لعلك تناديني ، ولكنك تتحاشى الاقتراب من نافذتي ! . خفَتَ صوتك بالتدريج ثم تلاشى .

ابتعدتُ عن النافذة و أويتُ إلى الصمت ودقات الساعة والخرير المتواصل . لحظات مضت وأنا أتقلب على الفراش . آه ، ليتك تعود يا عصفور ! .
ربما استوحشتَ في هذا المكان المنسي فقررت أن لا تعود ، أو لعل ذاك الصبي اصطادك!.
لا بأس ، لقد فقدتُ كثيرا من أحبتي ! وها أنا من جديد أفقد عصفورا ! .
تشاغلتُ عن رغبتي في البكاء بمراقبة عنكبوت يروح ويجيء عند باب الحجرة . غطيتُ رأسي بالوسادة فسمعت تغريدك .
لعلي أحلم ! . جلستُ و حدقتُ مليا بستارة نافذتي التي تضطرب بقوة . وثبتُ باتجاه النافذة وسحبتُ الستارة فوجدتك على حافة النافذة ! .
من سيصدقني عندما أؤكد لهم أن العصافير تبتسم ؟! .



من مجموعتي القصصية الأولى ( سرداب التاجوري ) التي صدرت قبل خمسة أشهر .

أهلا بالقاصة وبالأديبة مريم خليل الضاني ،سعداء بإطلالتك البهية وبزخم قصصك المميزة والتي بدأتها بعصفور على النافذة ،وأبرزت من خلالها على قدرة عالية
في الكتابة وتمكن مشهود حمل معه لونا جميلا يعبق بالحياة ويتغنى بجمالها ،حسن لا يراه إلا الكاتب ويسعى جاهدا لإيصاله ،عبرت عنه بسؤالك...
من سيصدقني عندما أؤكد لهم أن العصافير تبتسم ؟؟
ننتظر المزيد من معينك الذي لاينضب ودمت نحلة..
أبومريم..

مريم خليل الضاني
18/06/2008, 10:43 PM
ممتنة لك كثيرا أيها المبدع الكريم أبو مريم على مرورك الطيب وسأنشر جميع قصص مجموعتي هنا بإذن الله وآمل أن تنال استحسانكم .

عابر سبيل
04/08/2008, 01:24 PM
رائع جدا
لا أظن من قرأ بتمعن مستحظرا الجمال و رونقه سيجامل في ثناء أو تحليل أو نقد لمثل ما كتب أعلاه .

جميل جدا ما كتب يراعك
أدام الله لك هذا النجاح و إلى الأمام تحياتي العاطرة عابر سبيل

مريم خليل الضاني
04/08/2008, 03:25 PM
رائع جدا
لا أظن من قرأ بتمعن مستحظرا الجمال و رونقه سيجامل في ثناء أو تحليل أو نقد لمثل ما كتب أعلاه .

جميل جدا ما كتب يراعك
أدام الله لك هذا النجاح و إلى الأمام تحياتي العاطرة عابر سبيل
سررت لمرورك العاطر ويسرني أكثر أن أهديك نسخة من مجموعتي فآمل منك إعطائي عنوان صندوق بريدك لأرسل لك نسختك من المجموعة .