PDA

View Full Version : ذكاء القص وتجليات الزمن فى قصة المأمورية لسمير الفيل



جمال سعد محمد
02/10/2005, 09:34 AM
يمثل الزمن عنصرا من العناصر الاساسية التى يقوم عليها فن القص واذا كان الادب يعتبر فنا زمنيا - اذا صنفنا الفنون الى زمانية ومكانية - فان القص هو اكثر الانواع التصاقا بالزمن
وفى قصة المأمورية للكاتب سمير الفيل اركز على عنصر الزمن لعدة اسباب منها
اولا لان الزمن محورى وعليه تترتب عناصر التشويق والايقاع والاستمرار ثم انه يحدد فى نفس الوقت دوافع اخرى محركة مثل السببية والتتابع واختيار الاحداث
( جلس جرجس افندى ... ..... يضع يده المدقوقة بصليب اخضر صغير ..... لم يلاحظ المرأة مقطوعة اليد التى رمت على ركبتيه آية الكرسى ...... ... وضع الدفتر الصغير فى جيبه وجهز نصف جنيه.............. )
ثانيا لان الزمن يحدد طبيعة القصة ويشكلها بل ان شكل القصة يرتبط ارتباطا وثيقا بمعالجة عنصر الزمن .....
( لا يعرف كيف لمح يد إيفون التي تزينها أسورة من عيار 21 مدموغة تهتز مترجرجة من تحت الإبط ، وهي تؤكد له أن الحال ميسور ، وعليه أن يحفظ مركزه ويركب مع الموظفين المحترمين )
ثالثا فى هذ القصة ليس للزمن وجود مستقل نستطيع ان نستخرجه من النص مثل الشخصية او الاشياء التىتشغل المكان او مظاهر الطبيعة فالزمن يتخلل القصة كلها ولا نستطيع ان ندرسه دراسة تجزيئية فهو الهيكل الذى تشيد فوقه القصة
ومن هنا تأتى اهميته عنصرا بنائيا حيث انه يؤثر فى العناصر الاخرى
الزمن هنا هو القصة وهى تتشكل وهو الايقاع
ولما كان لابد من نقطة انطلاق تبدأ منها القصة فان سمير الفيل اختار نقطة البداية (جلس جرجس أفندي بجوار نافذة القطار الذي مرق بين الحقول كسحلية فضية) وهو لا ينسى أصله وفصله ، ومجيئه من قلب الصعيد الحرون إلى نداوة الأسكندرية القشدة في ملمسها الطري ، وحلاوة شاطئها الممتد بلا حدود
وهى بداية تحدد حاضر جرجس افندى وتضع بقية الاحداث على خط الزمن من ماض ومستقبل وبعدها يستطرد النص فى اتجاه واحد فى الكتابة ولا شك ان هذا الاهتمام بالحاضر -- حاضر جرجس افندى جاء نتيجة لاهتمام القاص بحياة الشخصية النفسية اكثر من حياتها الخارجية التى رسمها سمير الفيل بذكاء يخدع غير المتأمل فيظنها بساطة ووضوح فتزامن الماضى والحاضر والمستقبل فى النص ومن هنا تأتى تقنية ترتيب عناصر الزمن الثلاثة ( ماض وحاضر ومستقبل ) فيما يسمى بتتابع الوحدات الزمنية فى صيغة ( قصة ) تخضع لايقاع
ويظهر هنا مهارة الكاتب واتقانه لحرفته فى ترتيب سرد الاحداث واولوية ذكرها الذى هو جزء رئيس من تشكيل القصة تشكيلا فنيا
واهم ما يثير جل الاهتمام فى هذه القصة افتتاحيتها وهذه الحركة الزمنية بين الماضى والحاضر فالقصة تبدأ وسط الاشياء ( جلس جرجس افندى ) ويأتى القطع فى لحظة من حياة جرجس الذى (أقنعته إيفون أن يذهب إلى سوق المنيرة حالما ينتهي من مأموريته ، ففيها الكوسة مجرودة ، ومحفورة القلب ، وحبات الباذنجان الرومي نفس الشيء ) قطع واجب ليبدأ القارى ء من هذه اللحظة لايعلم شيئا عما حدث ولا شيئا عما سيحدث وهنا تكمن براعة سمير الفيل فى بساطته الزاخمة بعبقرية الابداع فيبدأ يعطى بعض المعلومات التى تفسر سير القص واهمية الافتتاحية التى تركز على عرض الماضى لكنها لا تنفرد بذلك حيث ان الكاتب احتاج الى الاسترجاع ليقدم لنا ملامح الشخصية على انه يمكننا ان نلاحظ كلما تقدم النص تزايدت مساحة الحاضر وتناقص الماضى واسترجاعه
كما نلاحظ عناصر التكرار تظهر فى مستويات بناء القصة ن ابسطها الى اكثرها تعقيدا مثل الافعال التى تدل على العادة والتكرار ويبقى ان نؤكد على الذاكرة هنا واهميتها فى استرجاع الماضى وربط الماضى بحياة الشخصية النفسية وعرضها من خلال منظور الشخصية - جرجس - لا من منظور الكاتب وقد اضفى هذا البناء حيوية على النص لربطه بحياة جرجس اليومية وتأكيدا للاحساس بالحضور والديمومة

جمال سعد محمد
01/01/2010, 10:06 PM
للرفع
السلام عليكم وكل عام وانتم بالف الف خير