المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القراءة بوصفها محاولة للقبض على النص



مصطفى معروفي
24/09/2005, 05:16 PM
كل نص يفترض وجود قارئ،ونحن عندما نكون أمام نص ما ،كان نصا شعريا أو أي نص آخر،نكون في مواجهة معه،مواجهة تتطلب منا أن نكون مسلحين بالأدوات اللازمة كي ننفذ إلى أعماقه،أوعلى الأقل نقاربه ونلامسه.ذلك أن النص يتخفى ولا يسلم نفسه بسهولة إلى القارئ،لذا فهذا الأخير بحاجة إلى قراءة ماكرة تجعله في مستوى النص،وفهم ما يريد أن يقوله.إن القارئ بدون هذه القراءة لا يجني من النص شيئا ذا قيمة.
لكن هذا النص الذي نغازله ونسعى إلى ترويضه يمكن أن نمسك بخيوطه أو على الأقل ببعض خيوطه انطلاقا من تأمله تأملا واعيا يراعي مجموعة من الإعتبارات منها الدوافع والعوامل الأساسية الثاوية وراء إنتاجه من لدن الكاتب.
لقد قلنا في مناسبات أخرى وسنظل نقول بأن اي قراءة ليس من حقها الإدعاء أنها قادرة على التمكن من النص واحتوائه،إذ مثل هذه القراءة،رغم أنها غير موجودة أساسا،تروم خنق النص وقتله،والنص بطبيعته لا يقبل مثل هذه القراءة.وأعتقد أن الكاتب نفسه لا يريد لنصه مثل هذه القراءة،والقارئ الفطن لايميل إليها ولا يحبذها.
إن الكاتب عندما يهم بكتابة نصه يكون مدفوعا بدافع ما ، نسميه رغبة أو هما أو قلقا أو إغراء أو نسميه لذة الكتابة.الكاتب عبارة عن مجموعة من العناصر التي تشكل بنيته الفكرية وخلفيته الثقافية،والنص هو بمثابة حامل أو وعاء لما يصدر عن الكاتب،افكار الكاتب هي النص المكتوب،أي أن الكاتب هو نصه.
الذات التي تنجز نصاعلى مستوى الكتابة متأثرة بالواقع ومؤثرة فيه،إنها بتعبير آخر إما متصالحة معه أو تخوض الصراع ضده،فهي تنطلق من إنجازها للنص من مبدإ الرفض أو القبول،من التغيير أو التكريس،والنص بطبيعة الحال يعكس هذا الواقع،يعكسه بطرق مختلفة وبدرجات متفاوتة في الدقة،والقراءة هي الأداة التي تجعلنا نتلمس ونتعرف هذه الطرق وهذه الدرجات.
القراءة تعني في ما تعنيه التتبع،ونحن عندما نقوم بفعل القراءة نقوم في الواقع بتتبع خطوات الكاتب كلمة كلمة وفكرة فكرة،والآن نطرح هذا السؤال:هل هناك قراءة واحدة للنص؟
لا شك أن هذا السؤال فيه شيئ من السذاجة ،ذلك أنه منذ البداية نحن نعرف أن النص الواحد يمكن أن تتعدد قراءته،ليس للنص الواحد قراءة واحدة.القراءة الواحدة والوحيدة هي تعسف على النص،ونفي لطبيعته التي تقبل القراءات المتعددة،
والقراءة قبل هذا وذاك محكومة بضوابط حتى لا تخرج عن مجالها الذي تتحرك فيه،فالقارئ الذي يتعامل بنيويا مع النص يتوصل إلى نتائج تخالف ما توصل إليه قارئ آخر لنفس النص تعامل معه تأثريا،فاختلاف القراءة يؤدي حتما إلى اختلاف في النتائج المتوصل إليها من النص الواحد.
نستخلص من هذا أن القراءة هي ا لتي توجد مضمون النص وتبرزه،ولا نعني بهذا أن الكاتب كتب نصه بلا مضمون،فحتى الدادائيون كانوا يعتبرون نصوصهم ذات مضمون،ونحن لا نطالب الكاتب بإبراز مضمون نصه، فهو قد قال ما أراد قوله وترك أمر النص لنا،نتوصل إلى مضمونه أو مضامينه بوسائلنا الخاصةو بالكيفية التي نرتضيها.
تعدد القراءة يجعل النص يتمظهر بأشكال مختلفة،شكلا ومضمونا،والتعدد إ ياه إغناء للنص وإثراء له ،ونحن نعتبر التعدد إثراء حتى ولو كانت بعض القراءات في حكم القيمة خاطئة،ويمكننا الآن أن نتحدث عن بعض القراءات.
القراءة الشارحة:
هذه القراءة تتناول النص من حيث هو كلمات مستقل بعضها عن بعض أولا، ثم من حيث هذه الكلمات ذات علاقة في ما بينها ،مكونة بذلك عبارة أو جملةثانيا.هذه القراءة تفترض أن النص يمكن الوصول إليه من خلال شرح كلماته لغة واصطلاحا،لأنها تراه عبارة عن كلمات فقط،كلمات مترابطة فيما بينها لإنجاز مضمون ما،وهذه القراءة وإن كانت ذات أهمية وخطرفهي تكتفي بالوقوف عند السطح،ولا تكلف نفسها عناء البحث والتنقيب عن خفايا النص،والكشف عن الإمكانيات التي يحبل بها.
القراءة التفسيرية:
هذه القراءة تعتبر نفسها صورة للنص،إنها نص يعادل من حيث المضمون نصا آخر سابقا عليه،وتفترض هذه القراءة أن للنص مضمونا واحدا،وتزعم أنها وإن اختلفت أساليبها فإنها تؤدي إلى نتيجة واحدة هي المضمون الوحيد للنص.
تتجلى سلبية هذه القراءة في كونها تفتقر إلى القدرة على جعل النص يشع بألوانه وأطيافه المختلفة،ومده بما يتيح له الفرصة للكشف عما يحبل به من إمكانيات،ثم في هي في نهاية الأمرتجبره على الظهور بالمظهر الواحد،وكأن المظهر إياه هو المضمون الحقيقي ولا مضمون آخر سواه.
القراءة التأويلية:
تنظر هذه القراءة للنص كمضمون متعدد،وهي إذ تشتغل عليه تسعى لإعطائه إمكانية البحث عن نفسه.فالتأويل ينطلق من كون النص ذا مضامين،فيها الراجح وفيها المرجوح،ويتعامل ـ أي التأويل ـ مع النص بالترجيح لا بالجزم والحسم.ويستفاد من القراءة التأويلية بأنها قدرة النص على التحلي بصور ووجوه متعددة هي الصور والوجوه التي أنجزتها الذات القارئة،كما يستفاد من التأويل بأنه صرف النص عن معناه الظاهر إلى معنى آخر يقتضيه اللفظ ويقبله السياق.
حقيقة إن هذه القراءة تثير مجموعة من التساؤلات،أهمها لدي هو :ما هي مشروعية هذه القراءة؟
لا مشاحة في أن القراءة التأويلية تمنح النص قوة للتفجر،وتجعله حرا طليقا ،ومشروعيتها في نظري تتوقف على القارئ الذي أنجزها،وعلى النوايا والأدوات التي بواسطتها أول النص .ذلك أننا نفهم من القراءة التأويلية بأنها إخضاع النص لرؤية القارئ ،إن حضور الكاتب صاحب النص في هذه القراءة يبدو قليل الأهمية والشأن،فالقارئ يلون النص بالألوان التي يشتهيها وبالمنطق الذي يراه مقنعا.وخطورة هذه القراءة تكمن في كونها لا تعترف للنص بوضعية واحدة معينة هي مضمونه،مما يوحي بأن النص لا مضمون له،وإنما يخلقه القارئ خلقا،وهذه القراءة لا تزعم بأن الكاتب كتب نصا بدون مضمون ،بل ترى أن ما تذهب إليه هو ما أراده الكاتب ،اي أن ما توصلت إليه من النص هو المضمون الذي أراده الكاتب وكتب من أجله النص.
القراءة الأيديولوجية:
هذه القراءة قريبة الشبه من القراءة السالفة،بيد أنها تختلف عنها في أنها لا تفتح للنص آفاقه الممكنة ،فالذات المنجزة لفعل القراءة تجبر النص على أن يتماشى مع النسق الأيديولوجي الذي يلتزم به القارئ.ونحن إذا أمعنا النظر فيها لألفيناها قراءة تأويلية بالأساس،بيد أنها تلغي كل تأويل لا يوافق مسار القارئ الأيديولوجي.
إن القراءة الأيديولوجية وهي على هذه الحال لا تنفي عنها مشروعيتها ،فهي رغم كل ما يقال عنها تضيف للنص بعدا أو أبعادا ،إن لم نقل بأنها تكشف عن هذه الأبعاد،وخطورتها كامنة في كونها تخنق النص وتثبطه بالعراقيل الأيديولوجية فتحمله مالا يحتمل،بحيث أننا في القراءة الأيديولوجية لا نكاد نعثر على حقيقة النص ،ذلك أن مثل هذه الحقيقة تنعدم في القراءة الأيديولوجية،ثم إنها تزعم أن الحقيقة هي ما توصلت إليه.
تعتبر القراءة الأيديولوجية تعسفا على النص عندما لا تضع أمام عينيها إلا نسقيتها،ويكون القارئ المنجز لها مجبرا على الإتساق و الإنسجام مع التزامه ومذهبه الأيديولوجي.نقول هذا ولا بد أن نشير من أن هناك نصوصا تقبل مثل هذه القراءة لأنها وضعت انطلاقا من نظرة أيديولوجية.
وفي خاتمة هذا المقال نضع هذا السؤال :هل هناك قراءة ملائمة تقبلها جميع النصوص؟
إن أي جواب عن هذا السؤال لا شك سيكون متسرعا ،لأننا نفترض أن لكل نص قراءة معينة،ومن الجائز أن تتعددقراءته،
أي أن النص لا يفترض قراءة واحدة له دون غيرها،وبناء على هذا نقول بأن القراءة الواحدة هي بمثابة إمساك او محاولة إمساك بجزء من حقيقة النص.
عندما نقول قراءة فإن الذهن ينصرف توا إلى الأدوات التي يستعملها القارئ في التعامل مع النص،ومن الملاحظ أننا نجد قارئين اثنين يستعملان نفس الأدوات في قراءة نص واحد ومع ذلك يتوصلان - كل واحد وبمفــــــــــــرده - إلـى نتائج مختلفة ،بيد أن هذا الإختلاف في النتائج هو تعدد داخل الوحدة التي تفترضها القراءة إياها.
وأخيرا نقول:
إن النص يبقى أكبر من أية قراءة تحاول القبض عليه.

طارق شفيق حقي
24/09/2005, 06:37 PM
[align=center:1518f5eb15] السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلا بالأستاذ مصطفى معروفي تكرار بعض الأحرف ذكرني بالشاعر معروف الرصافي

المربد يرحب بك أجمل ترحيب
مقالة مميزة

حددت فيها أنواع القراءات لكن هناك ربما أكثر من ذلك مثلا القراءة النقدية

التي تحتاج لأدوات نقدية يطول الكلام حولها

لك مني جميل التحايا[/align:1518f5eb15]

مصطفى معروفي
24/09/2005, 07:47 PM
أخي الكريم طارق شفيق حقي:
أشكرك جزيل الشكر على التوقف عند مقالي المتواضع وتجشمك عناء قراءته والرد عليه.
معك حق أخي طارق في أن هناك قراءات عديدة أخرى للنص غير تلك التي أشرت إليها في مقالي ،وأنا كنت متفطنا لهذا الواقع ،ولعلك إذا رجعت للمقال ستجدني أقول فيه بالحرف الواحد:"....ويمكننا الآن أن نتحدث عن بعض القراءات"،فأنا في مقالي أتحدث عن بعض القراءات لا القراءات كلها.
أشكرك أخي طارق على الترحيب الجميل بي الذي ينم عن نبلك وسمو أخلاقك ،ولقبك الجميل يحيل على الكاتب والأديب المصري الكبير يحيى حقي صاحب الرواية الرائعة و الذائعة الصيت:"قنديل أم هاشم".
دامت لك الأفراح والمسرات.
أخوك:مصطفى معروفي

عشتار
26/09/2005, 01:56 PM
[align=center:1ba0018a81] السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الأستاذ مصطفى معروفي
مقالة جميلة تستحق النقاش والحوار

أعتقد أن علينا بداية أن نميز بين مفهومي القارئ والناقد
فمجرد القراءة الانطباعية قد يقوم بها أي إنسان مهما اختلفت درجة ثقافته.. أما ما تناولته في مقالتك فأظنك تقصد بالقراءة والقارئ هو النقد والناقد
حيث أنك تكلمت عن إبراز مضمون النص وهذه المهمة لا يقوم بها إلا ناقد جيد


والنص هو بمثابة حامل أو وعاء لما يصدر عن الكاتب،افكار الكاتب هي النص المكتوب،


أي أن الكاتب هو نصه.

هنا أنت تجعل من النص والكاتب شيء واحد.. لكن أعتقد أننا نستطيع في بعض القراءات الفصل بينهما تماماً..
فكي نثبت أن الكاتب والنص شيء واحد علينا نتعرف عليه جيداً ونعرف كل شيء عن عصره وحياته والظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة في فترة حياته، أما إن لم يتوفر لنا ذلك فكل ما لدينا هو النص ولا نستطيع بمجرد قراءة النص اعتباره هو والكاتب شيء واحد.. بمعنى النص لا يكفي لمعرفة الكاتب والكاتب كذلك لا يكفي لمعرفة النص..


لدي سؤال آخر لو سمحت لي.. وهي عن تسمياتك لأنواع القراءات التي ذكرتها.. هل هي تسميات شخصية وبماذا اعتمدت عليها
مثلاً القراءة الشارحة قد فهمت انهم يعتمدون على الكلمات والتعابير لاستخراج المضمون بمعنى يعتمدون على الشكل أي أنها تعتمد على النظرية الشكلانية

أما القراءة التفسيرية فلم أفهم بالضبط ما هي الأدوات التي يعتمدون عليها في الوصول إلى النتيجة الواحدة والمطلقة (من وجهة نظرهم) هل هي قراءة انطباعية مثلاً تقوم على شرح النص وتفسيره اعتماداً على رؤيتهم له؟؟؟


أما عن سؤالك حول أفضل قراءة فأعتقد أنه يمكننا الجمع بين كل تلك القراءات.. أي نأخذ بعين الاعتبار الكاتب والنص ورؤية القارئ الشخصية لهذا النص وبهذا قد نصل إلى قراءة مقبولة إلى حد ما وبعيدة عن خنق النص.. لأن القراءة الجيدة قد تفتح أمام النص أفق جديدة قد يكون الكاتب نفسه غير منتبه لوجودها أو لم يعنيها عندما كتب هذا النص..

أخيراً أعتذر على الإطالة
وأشكرك أستاذ مصطفى معروفي على هذه المقالة الممتعة فعلاً

شكراً لك وأهلاً بك في المربد

تحياتي..[/align:1ba0018a81]

مصطفى معروفي
26/09/2005, 08:34 PM
اختي الكريمة عشتار :
توقفك عند مقالي المتواضع وردك المركز والمتزن هو وسام فخر أعتز به،فأنا منذ اللحظة الأولى كنت أتمنى أن يفتح مقالي هذا نقاشا جادا ومسؤولا حول هذه القضية الأساسية التي هي جوهر علاقتنا بالنص .وقد طرحت أختي الفاضلة بعض القضايا والتساؤلات المهمة في ردك أرجو أن أوفق في الإجابة عنها.
أرى أن إبراز مضمون النص ليس حكرا على الناقد وحده ،وإلا فهل القارئ إذا لم يكن ناقدا غير معني بإبراز المضمون؟،فالناقد في نهاية المطاف ليس إلا قارئا مع إضافة بعض نقط الامتياز إليه ،وأنا في مقالي أقصد بالقارئ كل شخص يدخل في علاقة محاورة مع النص ،فأنا مثلا قد أكون قارئا متسلحا بأدوات القراءة الجيدة ولست ناقدا،إذ أن امتلاك أدوات القراءة متاح لكل من يرغب في امتلاكها أكان ناقدا أم غير ناقد.
تقولين أختي الكريمة بالحرف الواحد:"هنا أنت تجعل من النص والكاتب شيء واحد.. لكن أعتقد أننا نستطيع في بعض القراءات الفصل بينهما تماماً.. "لا حظي عبارة "في بعض القراءات " والواقع هو أننا لا يمكن بتاتا أن نفصل بين الكاتب وما كتبه أو يكتبه ،فلو فعلنا لكان تفسير ذلك هو أن الكاتب كاذب أو متمحل أو بعبارة أوضح هو كاتب يكتب ما لا يعتقده ويراه.فأنت مثلا تعرفين عن الجاحظ من خلال" البيان والتبيين"و"البخلاء" وتعرفين فكتور هوغو من خلال روايته :"البؤساء" ربما أفضل مما تعرفينه عنهما من أي مصدر آخر يهتم بحياتهما.فالذي يهمني من الكاتب هو ماقاله في نصه ، أي أنني أجد الكاتب في نصه ،وهذا هو معنى قولي :"...الكاتب هو نصه".
تسميات القراءات من عندي،والقراءة الشارحة لا علاقة لها بالنظرية الشكلانية كما هي معروفة لدى الشكلانيين الروس ،والتي سادت في الفترة الستالينية لأسباب لا داعي لذكرها هنا ،فالقراءة الشارحة معروفة ومتداولة حسب علمي المتواضع منذ وجد النص أو منذ وجد الكلام إن صح التعبير.أما الشكلانية فقد ظهرت بجهازها المفاهيمي في فترة التسلط الستاليني كرد فعل على الهيمنة التي كانت تمارسهاالدولة على كل شئ ومن ذلك الأدب .
القراءة التفسيرية شئ والقراءة الانطباعية شئ آخر ،ولعل الفارق بينهما يتجلى أساسا في معالجة النص بترو وتأن وبعودة إلى مرجعيات مذهبية أو فكرية تضيء النص الشيء الذي لا تتعامل به القراءة الانطباعية.فالقراءة التفسيرية لها أسسها ومنهجها الخاص بها،ولا تعتمد على الرؤية الذاتية للقارئ للنص.بينما القراءة الانطباعية يطبعها التسرع وتفتقر في غالب الأحيان إلى التثبت والتأكد.
بالنسبة للنقطة الأخيرة في ردك ،فتبني كل القراءات لنصل إلى قراءة مقبولة ربما هي فكرة قديمة نسبيا ،وأستحضر اللحظة هنا كتاب سيد قطب "ّالنقد الأدبي"،فقد تطرق فيه إلى ما سماه ب:"المنهج التكاملي"الذي يجمع بين عدة مناهج في قراءة النص.ويبدو أن النص سيظل مشاكسا أمام كل قراءة تروم القبض عليه أو احتواءه ،وربما هنا يكمن سحره وثراؤه.
وفي الأخير أنا متفق معك حين تقولين:"....لأن القراءة الجيدة قد تفتح أمام النص أفق جديدة قد يكون الكاتب نفسه غير منتبه لوجودها أو لم يعنيها عندما كتب هذا النص".
أختي الكريمة أسعدني ردك الواعي ،فالكاتب يسعد حين يجد قارئا لنصه على هذا المستوى من التفطن والملاحظة.
ممتن لك بالقراءة وبالرد الجميل.
دامت لك الأفراح والمسرات.
أخوك:مصطفى

صلاح الحسن
07/01/2006, 09:27 AM
القراءة بوصفها محاولة للقبض على النص
بداية أشكر الأخ مصطفى المعروفي على هذا المقال الذي , ودون أي مجاملة , لم يصدر إلا عن عارف بالنقد ومتذوق للأدب , وبالإضافة إلى هذا وذاك , فإن هذا المقال يتسم بالموضوعية والمنهجية , ومن هذه المقدمة التي لاتفي الكاتب ما يستحقه أنطلق في مداخلتي من الناقد عبد الملك مرتاض الذي يرى أن مواجهة النص بمنهج واحد لن تبلغ بنا منتهى معانيه , وهذه نقطة نتفق عليها , ليس هذا فحسب , وقد قال الأخ المعروفي إن قراءة النص بنيوياً تختلف عن قراءته تأثرياً , بل إن القراءة البنيوية للنص تختلف بين ناقد بنيوي وناقد بنيوي آخر .
وقد تجاوز نعيم اليافي القراءتين : الشارحة , و الإسقاطية ( وهي الأيديولوجية ) , إلى القراءة التحليلية , التي جعل لها خطوات وهذه الخطوات هي : الإدراك ؛ وهو معرفة المضمون المباشر , والأولي في النص , فالتفكيك , فالتحليل , ويليه التركيب , فالفهم واستيعاب التصوّر , ثم التفسير (الذي يقترب من الـتأويل ولا يعني الشرح إطلاقاً ) عن طريق ربط النص بنصوص الكاتب الأخرى , وبالتقاليد الأدبية , وبالعصر , والبيئة , وأخيراً : إعادة إنتاج النص وفق رؤيا الناقد , واستيعابه , وقد يعطي دلالة غير التي عناها المؤلف نفسه . وقد تتفق هذه الرؤية مع مقولة القارئ المنتج للنص , ويصبح النص ( نص القارئ )
أما التأويلية : فهي تستفيد من التفسير ولكنها تقول بتعدد المضامين فهي تستفيد منه ولكنها تتجاوزه , كما تربط النص بالواقع ولكن النص فيها هو عبارة عن صورة فضفاضة ومجازية للواقع , وتهتم القراءة التأويلية بأصغر العناصر في المبنى والمعنى وتنطلق في الدخول إلى النص من خلال عتبات النص , مثل عنوان النص , وهذا النص هو نص مفتوح يمكنك الدخول عليه من العتبة التي تريد , كذلك هو نص يتمتع بتعددية النهايات , ولذلك هو قابل دائما لإعادة القراءة .
لاأريد من خلال هذه المقدمات سوى أن أوافقك الأخ الرأي في ما يتعلق بتعددية القراءة , وشح القراءات الأيديولوجية أحيانا حين تسقط على النص ما ليس فيه , وليتها تتوقف عند ذلك بل هي تنفي ما لا يتفق معها , ولذلك : هي قراءة اختزالية تسطح النص , وتنفي عنه صفته بأنه نموذج مركب , يتكون في ذات مبدعة , تعيش في ظرف اجتماعي , وتاريخي معين , ويكتنف على بنية معرفية كامنة فيه , فقد يربط ناقد بين نص يمجد جسد المحبوبة , مع مقولة الاستخلاف التي يقول بها الدين الحنيف ..
وفي الختام أقول : لا يمكننا التعسف في قراءة النص فيحمل كل منا طريقة واحدة ويدعي أنه قادر على قراءة جميع النصوص على هذه الطريقة , فالنص هو الذي يغري القارئ بقراءة ما وقد يرغمه هنا أختم بسؤال لمن يهمه الأمر : هل يستطيع ناقد أن يقرأ قصيدة معروف الرصافي _ والحديث يذكر بالحديث _ التي يقول في مطلعها :
ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا
حتى نطاول في بنيانها زحلا
إلخ
أقول : هل يستطيع ناقد أن يقرأ هذه القصيدة قراءة تأويلية ..................
أشكركم

صلاح الحسن
07/02/2006, 10:13 AM
ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا
حتى نطاول في بنيانها زحلا
إلخ
أقول : هل يستطيع ناقد أن يقرأ هذه القصيدة قراءة تأويلية ..................

أبو شامة المغربي
12/04/2006, 12:42 PM
" ... ذلك أن النص يتخفى ولا يسلم نفسه بسهولة إلى القارئ، لذا فهذا الأخير بحاجة إلى قراءة ماكرة تجعله في مستوى النص، وفهم ما يريد أن يقوله.إن القارئ بدون هذه القراءة لا يجني من النص شيئا ذا قيمة..."

************


بسم الله الرحمن الرحيم

سلام الله عليك أخي الكريم مصطفى ورحمته تعالى وبركاته
أحييك وأرحب بك في المربد الزاهر .. ثم إني أشكرك جزيل الشكر على ما أسهمت به من تفكير وتحليل في شأن قراءة النص الأدبي وتلقيه ...
ولقد استوقفتني مسألتان أتيت على ذكرهما في مقالك .. الأولى: تخفي النص، والثانية: القراءة الماكرة ..فمن ياترى ينزع إلى التخفي حقا .. أهو النص الأدبي أم صاحبه الذي يجتهد كثيرا في التخفي داخل ما يبدعه من نصوص بدلا من تجليه الصريح فيها؟؟
ثم هل القارئ أو المتلقي في حاجة إلى قراءة ماكرة أم أنه على الأصح في حاجة إلى قراءة إبداعية حوارية لتلقي جميع ما ينطوي عليه النص الأدبي من خطاب ومن إشارات؟؟

أخوك أبو شامة المغربي


د. أبو شامة المغربي

kalimates@maktoob.com (kalimates@maktoob.com)

مصطفى معروفي
15/09/2006, 07:14 PM
القراءة بوصفها محاولة للقبض على النص
بداية أشكر الأخ مصطفى المعروفي على هذا المقال الذي , ودون أي مجاملة , لم يصدر إلا عن عارف بالنقد ومتذوق للأدب , وبالإضافة إلى هذا وذاك , فإن هذا المقال يتسم بالموضوعية والمنهجية , ومن هذه المقدمة التي لاتفي الكاتب ما يستحقه أنطلق في مداخلتي من الناقد عبد الملك مرتاض الذي يرى أن مواجهة النص بمنهج واحد لن تبلغ بنا منتهى معانيه , وهذه نقطة نتفق عليها , ليس هذا فحسب , وقد قال الأخ المعروفي إن قراءة النص بنيوياً تختلف عن قراءته تأثرياً , بل إن القراءة البنيوية للنص تختلف بين ناقد بنيوي وناقد بنيوي آخر .
وقد تجاوز نعيم اليافي القراءتين : الشارحة , و الإسقاطية ( وهي الأيديولوجية ) , إلى القراءة التحليلية , التي جعل لها خطوات وهذه الخطوات هي : الإدراك ؛ وهو معرفة المضمون المباشر , والأولي في النص , فالتفكيك , فالتحليل , ويليه التركيب , فالفهم واستيعاب التصوّر , ثم التفسير (الذي يقترب من الـتأويل ولا يعني الشرح إطلاقاً ) عن طريق ربط النص بنصوص الكاتب الأخرى , وبالتقاليد الأدبية , وبالعصر , والبيئة , وأخيراً : إعادة إنتاج النص وفق رؤيا الناقد , واستيعابه , وقد يعطي دلالة غير التي عناها المؤلف نفسه . وقد تتفق هذه الرؤية مع مقولة القارئ المنتج للنص , ويصبح النص ( نص القارئ )
أما التأويلية : فهي تستفيد من التفسير ولكنها تقول بتعدد المضامين فهي تستفيد منه ولكنها تتجاوزه , كما تربط النص بالواقع ولكن النص فيها هو عبارة عن صورة فضفاضة ومجازية للواقع , وتهتم القراءة التأويلية بأصغر العناصر في المبنى والمعنى وتنطلق في الدخول إلى النص من خلال عتبات النص , مثل عنوان النص , وهذا النص هو نص مفتوح يمكنك الدخول عليه من العتبة التي تريد , كذلك هو نص يتمتع بتعددية النهايات , ولذلك هو قابل دائما لإعادة القراءة .
لاأريد من خلال هذه المقدمات سوى أن أوافقك الأخ الرأي في ما يتعلق بتعددية القراءة , وشح القراءات الأيديولوجية أحيانا حين تسقط على النص ما ليس فيه , وليتها تتوقف عند ذلك بل هي تنفي ما لا يتفق معها , ولذلك : هي قراءة اختزالية تسطح النص , وتنفي عنه صفته بأنه نموذج مركب , يتكون في ذات مبدعة , تعيش في ظرف اجتماعي , وتاريخي معين , ويكتنف على بنية معرفية كامنة فيه , فقد يربط ناقد بين نص يمجد جسد المحبوبة , مع مقولة الاستخلاف التي يقول بها الدين الحنيف ..
وفي الختام أقول : لا يمكننا التعسف في قراءة النص فيحمل كل منا طريقة واحدة ويدعي أنه قادر على قراءة جميع النصوص على هذه الطريقة , فالنص هو الذي يغري القارئ بقراءة ما وقد يرغمه هنا أختم بسؤال لمن يهمه الأمر : هل يستطيع ناقد أن يقرأ قصيدة معروف الرصافي _ والحديث يذكر بالحديث _ التي يقول في مطلعها :
ابنوا المدارس واستقصوا بها الأملا
حتى نطاول في بنيانها زحلا
إلخ
أقول : هل يستطيع ناقد أن يقرأ هذه القصيدة قراءة تأويلية ..................
أشكركم
------------------------------------------------
أخي الفاضل صلاح الحسن:
أرجو بداية أن تغفر لي تأخري في الرد على ردك القيم ،الذي أضاف إلى مقالي المتواضع جوانب مهمة بخصوص القراءة ، وأرى أننا نتفق في أن القراءة ،وكيف ما كانت قوتها وقدرتها لا تستطيع أن تدعي الإمساك بالنص ،وهذا الواقع يمكن أن يفسر من ناحتين :
الناحية الأولى:أن النص هو ذو آفاق شاسعة،والقراءة بمحدودية الأدوات المتاحة لها لا تقدر على الإحاطة بهذه الآفاق.
الناحية الثانية:أن اللغة في تركيبها الكلامي/الأدبي تكون حمالة أوجه،وهذه الصفة تجعل من النص الأدبي نصا زئبقيا،قد يقبض على بعضه من وجه ،ولا يقبض على بعضه الآخر.
بالنسبة لسؤالك الأخير ،فأنا أرى أي قصيدة يتوفر فيها الشعر إلا وهي قابلة للقراءة التأويلية،وعندما أقول الشعر فإن القصد هو توفر العناصر التي تكون القصيدة بها شعرا ، ومن ضمنهاعنصر الخيال.
تسلم أخي صلاح.
أخوك:مصطفى

مصطفى معروفي
15/09/2006, 07:42 PM
" ... ذلك أن النص يتخفى ولا يسلم نفسه بسهولة إلى القارئ، لذا فهذا الأخير بحاجة إلى قراءة ماكرة تجعله في مستوى النص، وفهم ما يريد أن يقوله.إن القارئ بدون هذه القراءة لا يجني من النص شيئا ذا قيمة..."

************


بسم الله الرحمن الرحيم

سلام الله عليك أخي الكريم مصطفى ورحمته تعالى وبركاته
أحييك وأرحب بك في المربد الزاهر .. ثم إني أشكرك جزيل الشكر على ما أسهمت به من تفكير وتحليل في شأن قراءة النص الأدبي وتلقيه ...
ولقد استوقفتني مسألتان أتيت على ذكرهما في مقالك .. الأولى: تخفي النص، والثانية: القراءة الماكرة ..فمن ياترى ينزع إلى التخفي حقا .. أهو النص الأدبي أم صاحبه الذي يجتهد كثيرا في التخفي داخل ما يبدعه من نصوص بدلا من تجليه الصريح فيها؟؟
ثم هل القارئ أو المتلقي في حاجة إلى قراءة ماكرة أم أنه على الأصح في حاجة إلى قراءة إبداعية حوارية لتلقي جميع ما ينطوي عليه النص الأدبي من خطاب ومن إشارات؟؟

أخوك أبو شامة المغربي


د. أبو شامة المغربي

kalimates@maktoob.com (kalimates@maktoob.com)
---------------------------
أخي العزيز أبو شامة المغربي:
أولا أشكرك على الترحيب الأخوي الصادق ، وأشكرك ثانيا على الرد الكريم ،وسأحاول قدر ما استطيع الإجابك عن تساؤلاتك الوجيهة:
[فمن ياترى ينزع إلى التخفي حقا .. أهو النص الأدبي أم صاحبه الذي يجتهد كثيرا في التخفي داخل ما يبدعه من نصوص بدلا من تجليه الصريح فيها؟؟]
أرى أن التخفي يكون للنص كما يكون للكاتب، ولكل سببه.
الكاتب قديتخفى لأسباب موضوعية قاهرة/كالخوف من الملاحقة أو المتابعة القضائية أو..أو..أو.. ،فيكتب بأسلوب تبدو فيه الرقابة الذاتية جلية واضحة للعيان ،وقد يعمد إلى إلباس النص لباس الغموض لدواع أدبية بحتة،كما رأينا ذلك عند مصطفى صادق الرافعي على سبيل المثال لا الحصر.
ثم إن التأويل لا يتعلق فقط بالنصوص الغامضة أو التي تحفل بالصور البلاغية ،فالقرآن الكريم ،وهو كتاب مبين ،لعب التأويل دورا أساسيا في كثير من آياته البينات،مما يدل على أن النص-أي نص -وإن كان يبدو لنا واضحا جليا فهو يخفي تحته جوانب في حاجة إلى إضاءة من التأويل.
[ثم هل القارئ أو المتلقي في حاجة إلى قراءة ماكرة أم أنه على الأصح في حاجة إلى قراءة إبداعية حوارية لتلقي جميع ما ينطوي عليه النص الأدبي من خطاب ومن إشارات؟؟]
القراءة الماكرة هي القراءة التي لها من الدهاء والقوة ما تستطيع بهما أن تتحايل على النص حتى تمسك بخيوطه أو بالبعض منها،لأن لها الأدوات التي يتطلبها النص للاشتغال عليه،أماالقراءة الإبداعية في نظري فهي قد تضيف إلى النص ما ليس منه ، وليست بالضرورة قادرة على تحليله وتوضيحه،وكذلك القراءة الحوارية،وحتى لو جمعناهما معا في تعاملنا مع النص،فإنهما ليستا ضامنتين لنا القبض عليه إحاطة وعلما،فتبقى القراءة الماكرة هي المخولة لإنجاز ذلك.
أخي أبو شامة المغربي:
تسلم إن شاء الله.
أخوك:مصطفى

أبو شامة المغربي
15/09/2006, 10:05 PM
... فالقرآن الكريم، وهو كتاب مبين، لعب التأويل دورا أساسيا في كثير من آياته البينات، مما يدل على أن النص-أي نص- وإن كان يبدو لنا واضحا جليا فهو يخفي تحته جوانب في حاجة إلى إضاءة من التأويل.

http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/053.gif

... أما القراءة الإبداعية في نظري فهي قد تضيف إلى النص ما ليس منه، وليست بالضرورة قادرة على تحليله وتوضيحه، وكذلك القراءة الحوارية، وحتى لو جمعناهما معا في تعاملنا مع النص، فإنهما ليستا ضامنتين لنا القبض عليه إحاطة وعلما...

مصطفى معروفي

http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/053.gif

أخي

مصطفى معروفي

سلام من العزيز القدير عليك ورحمته تعالى وبركاته

لك مني جزيل الشكر والتقدير على جميل المتابعة

ثم إني أسأل عما إذا كان القرآن الكريم حقا في حاجة إلى تأويل، أم أن قارئ كتاب الله تعالى، خاصة في هذا الزمان، لم يتمكن التمكن الواجب والمطلوب من اللسان العربي المبين، ومن ثم نراه يحاول عبثا مواراة عجزه وقصوره عن فهم ما جاء في الذكر الحكيم بزعم وادعاء حاجته إلى التأويل، فخطاب الله عز وجل واضح جلي وليس مرموزا

؟

أما عن القراءة الإبداعية الحوارية، فأرى أن من ينهجها في قراءته وتلقيه لمختلف النصوص، سواء منها الأدبية أم النقدية، يستطيع بها في آن واحد تحليل أي نص أدبي أو خطاب نقدي وتوضيحه، ثم بإمكانه أن يضيف إلى النص المقروء ما هو منه، بدليل أن صاحب النص، وإن بذل الجهد الجهيد في عمله الأدبي ليحيط بما أراد تبليغه إلى القارئ المتلقي، فإنه لن يتمكن من بلوغ هذه الغاية، فهو في حاجة إلى قراءات إبداعية حوارية، يثير من خلالها القراء المتلقون ولو بعض ما بقي يضطرب في أعماقه، أما أن يضيف القارئ إلى النص ما ليس منه، فهذا ليس من القراءة الإبداعية الحوارية في شيء.

حياك الله

أخوك أبو شامة المغربي

http://home.att.net/~scorh3/Flower04a4.gif

http://www.asmilies.com/smiliespic/FAWASEL/053.gif

د. أبو شامة المغربي

kalimates@maktoob.com

مصطفى معروفي
16/09/2006, 07:20 PM
أخي الكريم أبو شامة المغربي:
أشكرك على المتابعة وعلى إثراء النقاش في هذه المسألة المهمة ،وعي مسألة القراءة ،كما أشكرك على لمساتك الفنية التي زينت بها ردي عليك.وأقول وبالله التوفيق:
تقول:[ثم إني أسأل عما إذا كان القرآن الكريم حقا في حاجة إلى تأويل، أم أن قارئ كتاب الله تعالى، خاصة في هذا الزمان، لم يتمكن التمكن الواجب والمطلوب من اللسان العربي المبين، ومن ثم نراه يحاول عبثا مواراة عجزه وقصوره عن فهم ما جاء في الذكر الحكيم بزعم وادعاء حاجته إلى التأويل، فخطاب الله عز وجل واضح جلي وليس مرموزا]
أعتقد أن القرآن الكريم ،وهو كتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من يديه ولا من خلفه،واضح جلي ،لكن فهمنا نحن له هو الذي يقع فيه الإشكال، فأنت ترى أن ثلة من العلماء فسروه وأولوه،وكل منهم ذهب مذهبا فيه، وجاء في تفسيره بما لم يجئه الآخر،وإذا فالقرآن الكريم وهوواضح جلي لا يعني أننا نفهمه فهما واحدا ووحيدا ،وأن الآية الكريمة منه لها معنى واحد فقط ،فانظر مثلا إلى قوله تعالى:[يد الله فوق أيديهم]وانظر إلى قوله تعالى:[للذين أحسنوا الحسنى وزيادة]وأيضا:[واخفض لهما جناح الذل من الرحمة]لتر أن القارئ العادي في حاجة إلى من يفسر أو يؤول له كلام الله هذا.وإلا سيقع -لا سمح الله- في مطبات خطيرة .
ثم إن التأويل مشروع بالنسبة للقرآن الكريم،لقوله الرسول صلى الله عليه وسلم في دعائه لا بن عباس:[اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل]،وأنت تعرف كيف أن ابن عباس فسر أو أول سورة [النصر]بحضور الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ةفيما يخص القراءة الإبداعية الحوارية فأرى أن النص هو في حاجة إلى قراءة متسلحة بالأدوات التي تسمح لها باستكناه النص والتغلغل إلى أعماقه ،أما القراءة الإبداعية أو الحوارية فهي مجرد محاولة لخلق نص مواز للنص الأصلي،قد يتداخل معه أو يلامسه أو يغازله من بعيد،ولعلك توافقني الرأي أن قراءة من هذا النوع لا يعول عليها في البحث العلمي والأكاديمي،لكنها تبقى قراءة عاشقة لها قيمتها .
أخي الكريم أبو شامة المغربي:
حياك الله.