المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الفقيه و الشيطان



محمد القصبي
30/04/2008, 10:32 PM
لفقيه و الشيطان...


--------------------------------------------------------------------------------

في احدى الايام الشتوية قررت السيدة نضال فتح خمارة بحي شعبي متجانس في نمط الحياة العامة التي يوحدها دافع اغتصاب الاخر كحق مشروع استئثارا ..هو الحي الاجتماعي المغمور بأ شباح الجريمة التي تتحرك اناء الليل و اطراف النهارمما يجعل الزمن قطعة واحدة تغوص داخل ضيق المكان المشوه صورة في ادق تفاصيلها لجغرافية موبوءة بصراع ..شجار..فوضى ...وصعلكة ..نماذج تصول و تجول باساليب تفريغاتها الشاذة بين العنف و الصياح بالفاظ سوقية آلف سكان الحي سماعها على مدار الساعة ..ما اغرب حقا هذه الاشباح المتمردة التي تتاجر في مسوخ القيم الدنيئة داخل رحم الفقر اذ تطلق لعنات في الازقة و الدروب و فوق السطوح و في كل السراديب و الاوكار المتخفية بين شرايين الفتحات التي ترمي الىمسلك يفضي الى طريق يمسك باخر.. التواءات لمسارات لم يعرف الاحصاء قط طريقا اليها .. اين الانسان بفطرته التي تجعل منه فكرا يتامل منحنيات العلائق تجاذبا و تفاعلا سيما وسط جغرافية المكان الآسن مستنقعه شرا و ثبورا ..طيعا هي الجغرافية مبصمة بنفوذ الهامش ضلالة و متاهة في تضاعيف الحياة الماجنة مما ساعد نضال من خلال مواءمة الظروف ان تظل وفية لامنيتها فآثرت موقعا حساسا يفي لهذا الغرض ..انه دكان يقابل مسجدا لا يؤمه الا نفر قليل من المصلين...مشروع اقتصادي مربح لا محالة سيما ان مؤسسات التربية و التعليم لا تشرع ابواب مخرجاتها الا الى هذا الفضاء القعيد عن صناعة الوعي بالتحرر ..باموال مبيضة لا يهم مصدرها تجارة المخدرات او مما جنته من ارباح طائلة ايام احترافها بيع الجسد الذي صار متهدلا تعلو وجهه تجاعيد تختفي ببقعها السوداء في تلاوين المساحيق و الاصباغ .. فضلا ان اختراقات الشيب لشعرها الذي كان يضاهي فيما مضى لون الليل حلكة لم يردعها على الالتزام بالفضيلة منهجا بديلا في الحياة... الان وقد بخس ثمنها في سوق الدعارة ارادت بالقطع تغيير المهنة التي ما فتئت تأخذ اعترافها الرسمي في بعض الاقطار المنفتحة على تيارات التحديث التي رسخت واقع اديولوجية حقوق الانسان كشريك فاعل فتاسست منظمات حقوقية مثلت جماعة ضغط مؤثرة على صنع القرارات البديلة .. على اثر هذه الموجة التي اكتسحت المجال الاجتماعي اخذت التقليعة الجديدة تدعو الى تقديس ليبرالية الفرد من خلال استثمار قدراته في كل ما من شانه ان يحقق عائدا اقتصاديا منتجا ...و من ثمة اصبحت السيدة نضال رمزا للمجتمع المدني بلورة للمواقف ..فبفضل دعم وجهاء السلطة و اعيان المدينة شيدت الخمارة بواجهة جد تقليدية من مواد تقليدية جد متواضعة الا ان الفضاء الداخلي مطرزبما تشتهيه قبة مجلس الشعب من احدث الزخارف و النقوش الرخامية مع ما يتناسب هذا الجمال المعماري من اثات و مفروشات و غريب التجهيزات التي تشي برفعة و سمو و اريستقراطية باذخة .. . و من غريب الاقدار ان الامام الذي كان يؤم رهطا من سكان الحي في المسجد المقابل واجهة الخمارة مشهود له بالورع و التقوى .. يخاف الله في السر و العلن ..كان لا يتورع في فض النزاعات بين اهل الحي مذكرا بالتسامح و اخلاقيات الاسلام التي كرمت ابن آدم انسانية .. مرشد روحي للجميع .. لم يتقاعس عن طلب صاحبة الخمارة ليدعوها الى الثوبة النصوح و الاقلاع عما يغضب الله من افعال تتقمص فيها دور الشيطان تادية لرسالة الزيغ ...الا ان ربة الحانة السيدة نضال نخاسة ذكية ..لبقة تعرف كيف تسيطر على الاخر تقديرا لحاجته او استقراء آسرا لضعف قد يعتريه او ما قدجبلت عليه من فراسة ناذرة لاكتشاف الماثل امامها انطلاقا من حركات بؤبئه..
ففي يوم شتوي عاصف على غير عادتها استدعت الفقيه الى بيتها الخاص مع جمع من اصدقائه تتوخى منهم مباركة البيت الجديد بما تيسر من التراتيل القرآنية ...اغدقت عليهم بما جعلهم يتناسون القراءة المجانية على اعتبار مصدر المال مشبوها ..رجحت استغلال نفوذ المال سلطة ..فكررت المراة دعوته مع قلة من اصدقائه و في كل مرة يقل عدد مرافقيه الى ان اعتاد على زيارتها في وضح النهار .. استطاعت نضال بسحر لغتها و ضغط سلطةالكبت الجنسي من الالتفاف حول ما قد يهفو به الفقيه من نقاط ضعف ينطوي عليها خطاب المحاورة..في كل مرة كانت تجالسهما حسناء تتدرج في ارتداء الفساتين بين الملتزمة الى ان سارت مجموعات من الحسان يجالسنهما بملابس جد شفيفة ..و كم من مرة كان يطارد بطرفه احداهن و هي ترقص على موسيقى شعبية ساخنة ماجنة... لقد سبق السيف العذل و سبقت منافذ الغرائز ان يلج منها الشيطان لتكمن في دواخل الفقيه نوازعا شريرة بدل سلطة الايمان الحصين.. هكذا سقط عشقا بعدما احكمت الشريرة نصب حبائلها بالكياسة و الدهاء الساقط ..انهار من شموخه ..توثق محكما في عيون الشرك ملتفا مخبولا ..شرك مضاجعتها باسم الزواج العرفي الذي هدمه الاسلام ..زواج صوري على طقوس ابعدته عن رسالة الامامة الى ان استقر به واقع الحال الى الانقطاع عن رفع ألاذان ثم توج الانشغال و الاهمال عن تادية واجبه الاعلامي بالامساك التام عن تادية فريضة الصلاة في اوقاتها ...تطور الوضع حيث انه لم يألف معاقرة الخمر..و شرب المخدرات فظل مصرا الا يقرب هذه الفاحشة النكراء محبذا ان يتوسط الجلوس بين فتيات في عمر ابنائه وهن يرقصن امامه عاريات كاسيات و لا يتوانين في تلبية امره لانه فقيه العائلة يساعد السيدة نضال على جدولة طلاسم الربح و فك السحر و جلب الزبائن و تعمية بصيرة المخزن عنها .. وحيدا في وكر الخبث يعيث فسادا .. كم كان يردد نفس التمني على نفسه كلما فرغ من تلبية شهوته الجنسية .. فلو كنت متزوجا ما كنت ازني و لا افسد في الار ض علما ان الزنا فاحشة ساءت سبيلا..و كبيرة وام الضلالة ..لقد انحرف الامام عن جادة الطريق و اخذت الاحاديث عن جنوحه الاخلاقي يلوكها الصغير قبل الكبير و رغم تفاقم الوضع الاخلاقي تدهورا لم ينتبه الى ما هو عليه حسا من فساد روحي عصف بانموذجه و قدوته بين سكان الحي العابث في هامش التناقضات الماحقة لكل جميل فقرر بعد تفكير عميق ان يرحل سيما و ان ابن اخيه المهاجر وراء المحيط لا يعلم من امره شيئا ...لقد قرر الرحيل الى حيث العودة الى الله...عقد العزم على بيع المنزل المجاور لبيت الله متى انقشعت اولى خيوط الصبح الضوئية ..لاح الفجر ..نزل الحمام و اغتسل و ادى الفريضة بخشوع لم يعهده من قبل قط ..بعدئذ سار نحو وكالة الوسيط العقاري من اجل عرض المنزل للبيع علمت صاحبة الحانه بامره فاشترت منه السكن بالثمن الذي لم يبخس قدره في سوق التقييم العقاري ...اخذ المال و انصرف الى حيث لا يدري خارج الازقة الملتوية حيث الكوة التي تسلل منها الى ضوضاء السيارات فتاهت قدماه تلاحقه لعنات الندم ... اخذ يمني نفسه في شراء كوخ بديل يقيه شر السومة الكرائية التي لا محالة سترهقه كثيرا ..لقد اجبرته الظروف على كراء بيت في منزل يتعاشر فيه ووضعاء المجتمع ..كان الشجار حادا بينه و بين نزلاء المنزل فجر كل يوم حينما يقوم لاداء الصلاة ... فظل على حاله يحتشن الما زمنا طويلا..و مع اطلالة فصل الصيف حل ابن الاخ الى مقر سكنى عمه فعلم من امره ما جعله يتحرى البحث عنه عبر مختلف الوسائل لم يعثر عليه و انقضت ايام عطلته ثم عاد و قد خنقته غصة قاتلة ... ما اقسى دوال الايام التي سلبت من الفقيه اصوله ..اذ استنفذها لاجل الاستهلاك و تغطية الحاجة لاجل البقاء ..استنفذ ما احتكم عليه من مال اصله حلال بين المصدر.. فقرر العودة الى الحي الذي من دروبه تشكلت متاهة الضياع .. لم يجد بدا من ان يتوسل صاحبة الحانة بان تاويه لحظة عسره فاشارت عليه بالعمل و من عرق جبينه يؤدي واجب السكن فحبذ الفكرة..و اقتصر عمله ان ينقل عبر سيارة الاجرة كتبا دينية الى مختلف المدن كان سعيدا بالسفر كتب تشرف المؤمن رسالة نبيلة من القها تنتشر العلوم و تتقوى عرى المرء بربه الا ان الرياح تجري بما لا تشتهيه السفن ..في يوم حيث هو متوجها الى المدينة المتفق على تسليم البضاعة الى اصحابها عجل الله بقضائه اذ وقعت حادثة سير بين السيارة التي يركبها و شاحنة نقل الخمور مما معه تم اكتشاف ان مادة الهيرويين كان تروج داخل دفتي الكتب السميكة فاوخذ بما قد تم ضبطه متلبسا في ترويج مخدرات سامة ...علم ابن أخيه بالامر من قبل اصدقاء الفقيه حيث اتى يسابق الريح بعد ان يئس من ملاقاته ثانية.. هذا الابن البار صار يحضركافة الجلسات القضائية المتضاربة من حيث الدفوعات القائمة بين التعليق و التعقيب مما معها اخذت قضيته تشتد اوارها لتتسرب احداثها الى كافة الوسائل الاعلامية و قد نسجت حول الفقيه دعايات مست معها حرمة الدين بين الاوساط الاجتماعية .. مرت فصول الجلسات العلنية و قد توثقت قناعة تهيئة الحكم قرارا معللا بالاسباب ..ففي الجلسة الاخيرة استئنافيا وحضوريا / قبل النطق بالحكم قام الفقيه مقهقها صائحا/ فعلا هي العولمة هي الديمقراطية هي الاخلاق الجديدة هي ليبرالية الدين الجديد هي جنوح مما نعتقده ايمانا و فطرة كمعتقد يبصم الهوية اصالة ..فانا رقم لتجارة بشرية انتم اضعف مني على احتوائها ...لم يفلح ديني على رد نفاذها دواخلي وانا الامام المتقي الحافظ لكتاب الله ..لحديث المصطفى رسول الله.. لصلوات الله ...و الراعي واجباته فكرا و عملا...انا علامة انتبه حينما تستقرؤني مغزى اخلاقيا ..انا صوت شريد فهل تسمعني ..عندئذ خر مغميا عليه .....نطق الحكم الصاعق
فادين ب10 سنوات نافذة مع اداء الغرامة لفائدة الجمارك و شركة التبغ دون اغفال اداء الصائر توقيعا بما قدره 20 الف دولار و اما م عجزه و قلة ذات يد ابن اخيه تم حجز ما في البيت المكترى فلم تجد سلطة الضبط القضائي في شخص منفذها غير اقلام من قصب و لوح خشبي و قطعة صلصال و دواة صمغ و مصحف الى جانب بعض الكتيبات الصفراء...تعذر الحجزعليها ..لتترجم الى عقوبة حبسية مضافة بينما استمرت صاحبة الحانة في توسيع مشاريعها المشبوهة .. اما المسجد فلم يعد يؤمه الا قلائل من المحافظين على شعيرة الصلاة لكبر سنهم و خوفهم من غريزة الموت التي تتخلل دواخلهم متى شرد بهم الذهن ....و صار الفقيه داخل السجن يتمنى الا يطاله عفو خاص حتى ينتفع من السكن المجاني في فضاء غواتانامو المحلية ارضا ووطنا.. و تستمر دورة الحياة على الابن مهما احترس بالفائدة ما غنم من تجربة العم...و يسقط الانسان ليحيا الشيطان...



محمد القصبي
في 29/4/08
القصر الكبير
المغرب