المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : القطة التـي أكلــت صاحبها



انا شوشو
30/04/2008, 11:22 AM
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

هذه اول مشاركة لي في هذا المنتدى و ارجو التفاعل معي

ارجو مساعدتي في تحليل و نقد هذه القصة القصيرة و ذلك للضرورة القصوى




القطة التـي أكلــت صاحبها
كم قلت له أن نعود، كم ألححت عليه ، بيد أنه أصر على أن نكمل رحلتنا وألا ندع لقطة أن تفسدها علينا . قطة البيت التي نسي أن يُخرجها من غرفة النوم قبل أن يغلق الباب لننطلق في رحلتناالتي خصصنا لها عشرة أيام خارج البلاد .

كانت الساعة قد بلغت العاشرة ليلاعندما تذكّر أمر القطة ، وكان ثمة متسع من الوقت لنعود ونفك أسرها . قال بغتةوالباص ينطلق بنا بسرعة فائقة من هذه المدينة النائية نحو العاصمة التي سننطلق منمطارها إلى خارج البلاد : أتعرف بأنني نسيت أن أ ُخرج قطة البيت من غرفة النوم ،أجل نسيت ، الآن تذكرت بأنها دخلت غرفة النوم عندما كنت أعد ثيابي في الحقيبة ،لمحت القطة تلحقني وتموء وكأنها علمت بسفري لتذكرني بأن علي أن أخرجها من البيت قبلأن أخرج وأغلق الأبواب عليها . قلت في نفسي وأنا أعد الثياب : أجل ، أجل سوف أضعهافي بيت الجيران ريثما أعود ، لو لم ترني نفسها الآن لكنت نسيتها في البيت ، حسنافـَعلـَتْ . ولكن هذا الذي حدث ، لقد نسيتها وخرجت مسرعا عندما طرقت أنت الباب ،لقد أقفلت حتى غرفة النوم التي لحقتني إليها . ليتها بقيت في المطبخ لأنها هناككانت ستجد بعض الماء والطعام ، أجل هناك رز ، وبرغل ، ومعكرونة ، وبصل يابس ، وثوم، وتوابل ، وبعض المياه المتبقية في الأحواض وأرضية الحمام يمكن لها أن تستخدم ذلكإذا ساءت بها الأحوال .

قلت : بدل أن تقول لي كل هذا يا راجح يمكن لنا أننوقف الباص الآن وننتظر على الطريق أي باص عائد ، فيعيدنا إلى البيت ، نطلق سراحتلك المسكينة وننطلق من جديد في رحلتنا .. هه ما رأيك .

قال : يارجل ماذاتقول ، لقد حجزنا في الطائرة ورتبنا أمورنا على الموعد ، لم أصدق بأننا ابتعدناقليلا عن المدينة التي أشعر بحاجة نفسية للابتعاد عنها لبضعة أيام ، ألا تدري أنفكرتك هذه ربما تستغرق يوما كاملا يمكن أن يؤخرنا عن موعد إقلاع الطائرة التي حجزنافيها ، هذا إذا حُظينا بباص يقف في هذا الليل ليعيدنا إلى الكراج ، مضت ساعة واحدةعلى انطلاقنا وأمامنا نحو سبع ساعات حتى نصل العاصمة ، لاتنس بأننا حجزنا في هذاالباص منذ يومين ، وهل تظن بأننا سنرى باصا جاهزا إذا عدنا .

قلت : مايهمني قبل هذا كله ياراجح هو أن ننقذ حياة تلك المسكينةالتي سوف تموت ببطء ونحننفرح ونمرح في رحلتنا ، سوف تدفع ضريبة رفاهيتنا وانطلاقنا بالجوع والعطش والحبس .

قال راجح وهو يربت على كتفي بلطف : انس ياصديقي انس ، كم من أمور ليس لهادواء غير أن ننساها .

عشرة أيام ، أجل عشرة أيام سنمضيها في نزهات وسباحةومتاع وأجواء جديدة في هذا الصيف بالغ الحرارة . منذ شهرين اتفقنا على هذه الرحلةالثنائية عندما شعرنا بضجر روتين الحياة والعمل وقلنا بأننا نحتاج إلى بعض التغيير، وبالنسبة لي فأعتبر ذلك نوعا من العلاج لأنني في الأيام الماضية تعرضت لألم حادفي المعدة والأمعاء ونصحني الطبيب بأن أسافر بضعة أيام لأن علاقة المعدة هي علاقةمباشرة مع المزاج العام والحالة النفسية ، والراحة النفسية وهدوء الأعصاب يلعباندورا أكثر فاعلية من أي دواء ، وقال بأنني لاأحتاج حتى إلى حمية إذا قررت السفر . وصدقت كلامه الذي بدا واثقا منه وترك في نفسي أثرا به ، وعلى إثر ذلك رتبت أموريولم يخطر ببالي أن أشرك أحدا معي في هذا السفر ، لكن صديقي راجح عندما علم بذلكصدفة قال بأنه هو الآخر يشعر بحاجة للخروج من الروتين اليومي الممل الذي يرزخ تحتهمنذ ثلاث سنوات دون أن يخرج حتى من المدينة .

حجزنا في الطائرة من خلالمكتب الطيران الموجود في المدينة وأصبح الأمر واقعا . وهاهو الواقع يأخذ مساره ،فقد وصلنا العاصمة التي بدت لي أنني أراها أول مرة ، استرحنا في الفندق حتى موعدإقلاع الطائرة ، ثم اتجهنا إلى المطار لننطلق في رحلتنا . لكن رغم كل هذا الواقعالذي بدأ يبعدنا عن البيت والبلاد معا ما أزال أشعر بحالة من الإثم نحو تلك القطةالمسكينة التي لابد أنها ستقضي جوعا وعطشا وربما اختناقا من شدة الحرارة في تلكالحجرة المغلقة ، والأمر الذي بدأ يسبب إزعاجا مباشرا لي ولراجح هو أننا كلمانتناول طعاما شهيا أو شرابا منعشا فإن صورة القطة ترتسم على المائدة وهي تموء وتذرفالدموع ، وكلما تع أنظارنا على قطة في مكان ما أو حتى في التلفاز فإن قططتنا تأتيبكل حضورها وتموء مواء كسيرا ذارفة دموع الألم والاختناق والجوع ، بل أحيانا وهيتلتهم الفراش جوعا ، وتخبط على الباب بكل بقايا الحياة لديها ، وتموء بصوت مرتفع ،تخربش على الحيطان في محاولة لإسماع مَنْ يمكن أن يسمعها ويأتي ليفك عنها الأسر .

مضت الأيام العشرة التي لم نشعر فيها بالانطلاقة الكاملة التي خططنا لها ،لأننا لم نستطع أن نتخلص من شبح القطة التي كانت تعيدنا إلى تلك الأجواء التيابتعدنا عنها ، القطة التي حجزنا حريتها في تلك الحجرة المغلقة ، وأفسدت علناحريتنا في هذه الفسحة الشاسعة .



وعدنا في اليوم الأخير ، ربمالالنعود بقدر مانرى ما آلت إليه حال قطتنا ، وعندذاك كانت لدي رغبة غريبة بأن أذهبمع راجح إلى بيته قبل أن أتجه إلى بيتي لأرى القطة رغم أننا وصلنا في الثانية عشرةليلا .

ولجنا البيت ، وعلى الفور اتجه راجح إلى غرفة النوم مادا إليهاالمفتاح بسرعة فائقة ، ولا أدري مالذي بالضبط حدث غير صراخا هائلا لايشبه المواءصدر من ذاك الحيوان الذي اندفع بكل قوة وشراسة إلى عنق راجح الذي لم يملك غير أنيسقط من طوله على الأرض ويقاوم بكل ما يملك من وسائل المقاومة ، انتابني الهلعوتجحظت عيناي من هول الصدمة وأنا أرى القطة تفترس عنق ووجه صديقي وهو يقاوم ويصرخبدون أي جدوى ، والقطة تنهش من لحمه بتوحش لم أره في حيوان قط . صرختُ بأعلى صوتيفي الجوار الذين دخلوا مذعورين ليروا ما يحدث دون أن يجسر أحد منا أن يدنو من ذاكالمنظر المتوحش الذي يحدث أمامنا . أحد الجوار غاب قليلا وأحضر مسدسا ، بيد أنالبعض منعه من إطلاق النار خشية أن يصيب العيار جسد راجح ، وأصبحنا على قناعة أن أيواحد منا لو خطا خطوة واحدة سوف يلقى مصير راجح من تلك القطة التي فقدت كل ذرة منذرات الألفة وتحولت إلى حيوان متوحش ، ربما إلى أكثر حيوانات العالم توحشا ورعباوشراسة .

ولم يبق أمامنا سوى أن نقوم بمحاولات بسيطة مثل رشها بالماءالغزير من بعيد ، وقذفها ببعض آثاث البيت ، بيد أن ذلك لم يمنعها من مواصلةالافتراس حتى فقد راجح كل حركة واستسلم لأنيابها ، وعنئذ وقفت القطة بأنيابهاالمدماة وهي تقف على صدره وتلعق لسانها بشفتيها وترمق وجهه الذي خرج عن إطار الوجهالبشري بنظرات غريبة ، ثم ترفع رأسها وتصوب إلينا نظرات لم تشبه نظرات أي قطة أو أيحيوان رأيناه من قبل ، وهذا ما أبقانا في وجل من أمرنا نحوها ، فما الذي ستفعله بعدذلك ونحن نتوجه إليها بنظراتنا المريبة والحذرة وسط صمت دموي خيم على المكان بعد كلذاك الضجيج الهائل . لكنها نزلت من صدر الرجل المسجىعلى ظهره دون حراك ، لم تنط كماتفعل القطط ، بل مدّت خطوات هادئة وشديدة البطء بثقة بالغة ففسحنا لها المجال لتخرجونحن في دهشة من أمرنا . قبل أن تخرج من باب البيت ، وقفت هنيهة التفتت فيها إلىالرجل ، رمقته بنظرة أخرى ثم خرجت ونحن ننظر إليها حتىتوارت عن أنظارنا في قلبالعتمة .

هرعنا إلى راجح الذي كان قد فقد أي حركة ، وأي نبضة ، حملناه إلىأقرب مشفى رغم معرفتنا بأننا نحمل جثة خرجت منها الحياة ، وهذا ما تأكدنا منه مجدداهناك .

مع بدء طلوع الضوء عدت إلى بيتي ، وعندما أخرجت المفتاح لأمده إلىفتح الباب انتابتني رهبة وأنا أتخيل بأنني ربما - دون علم - قد أغلقت الباب على قطةدخلت البيت خلسة .

اتصلت من عند الجوار بالنجدة التي أتت ، فدخل رجلان وقدتجهزا تماما لأي طارئ ، فتشا البيت غرفة غرفة وركنا ركنا وخرجا وهما يقولان لي : لاشيء من ذاك القبيل أستاذ ، يمكنك الدخول باطمئنان إلى منزلك.